تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

السياسية الفرنسية ناتالي كوسيوسكو موريزيه: المرأة تعيد العالم إلى الصواب عندما يصاب بالجنون

في زيارتها الأولى للبنان، قبل الاعتداءات الإرهابية التي هزت باريس والعالم، وأثناء جلسة مع عدد من السياسيين اللبنانيين، عبّرت نائبة رئيس الـ UMP، حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية الذي أصبح يسمى حزب «الجمهوريون» ووزيرة البيئة والتطوير المستدام والمواصلات والإسكان الفرنسية السابقة ناتالي كوسيوسكو موريزيه، عن دهشتها للعدد الهائل للاجئين السوريين في لبنان وخوفها على مصير جيل جديد من الأطفال الذين لا يتلقون العلم. ناتالي موريزيه السياسية اليمينية، سيدة بإرادة حديدية، ترى أنها وريثة لتاريخ عائلة ذات جذور سياسية وليس لمنصب سياسي، ورغم شغفها بالسياسة، فإن الهندسة تخصصها الجامعي. وترى أيضًا أن المرأة هي التي تحرّك العالم وإن بتكتم وصمت.  «لها» التقت ناتالي موريزيه وكان هذا الحوار...  


- حين قرأت سيرتك الذاتية، اكتشفت شابة شقّت طريقها الى عالم السياسة وحدها على الرغم من انتمائها إلى عائلة لديها تاريخ سياسي في فرنسا. هل يصعب القيام بالأمر من دون الاعتماد على العائلة؟
في الواقع إنها مفارقة في حياتي، صحيح أنني أنتمي إلى عائلة عملت في السياسة، ولكن في الوقت نفسه لم ترافقني عائلتي في حياتي السياسية، ولا سيّما أنني درست في مجال بعيد جدًا عن السياسة، فمجال الهندسة علمي بحت ولا يؤدي إلى السياسة. والذي كان في إمكانه مساعدتي في شق طريقي السياسية هو جدّي الذي توفي عام 1994. ويقول الناس إن جد والدي أندريه موريزيه كان هو أيضًا يعمل في السياسة، فقد كان عمدة بولون- بولانكور، لكنه توفي عام 1942. أعتقد أنه لا يمكن الادعاء أن هذا التتابع في السياسة ليس له إرث، وربما الحس السياسي انتقل إليّ بشكل عفوي من طريق الذكريات والتراث السياسي للعائلة، ومن المنطقي أن يكون أحد الأحفاد مهتمًا بالسياسة. وبالتالي لا يمكن القول إنني ورثت السياسة بالمعنى المباشر، أي المنصب، وإنما ورثت الميل والشغف بالسياسة.

- نائبة رئيس UMP وأمّ. كيف يمكن سيدة تعمل في السياسة أن تجد التوازن بين عملها وعائلتها، وتحديدًا أمومتها؟
لدي ولدان، 10 و6 سنوات، عندما أنجبت ابني الأول كنت نائبة، وعند ولادة ابني الثاني كنت وزيرة. ما أريد قوله هو أن عملي السياسي ليس حدثًا طارئًا على أمومتي وحياتي الزوجية، إذ كنت أعمل في السياسة قبل زواجي، وبالتالي ولداي يدركان ماهية عملي ويتفهمان طبيعته. وكما كل النساء العاملات، أعمل جاهدة لتنظيم حياتي وإيجاد التوازن بين متطلّبات العمل وواجبات العائلة. لذا تجدينني أصرّ على إيصال ابنيّ إلى المدرسة عند الصباح، فلا مواعيد في المكتب قبل التاسعة إلا ربعًا، وأكون معهما عند المساء، موعد استحمامهما وذهابهما إلى الفراش، ثم أعود وأخرج لإكمال عملي. فضلاً عن أن لدي حماة رائعة، فهي في الثالثة والثمانين وتعيش معنا وحضورها في حياتنا يعزّز مفهوم العائلة لدى ولديّ، فهي تهتم بكل تفاصيل حياتهما اليومية مثل متابعة أدائهما المدرسي، وإنجاز فروضهما، يساعدها في ذلك أنها كانت مدرّسة. إنها داعمي الأول، ولولاها لما كنت نجحت في تنظيم وقتي، فأنا غائبة معظم الوقت عن المنزل، وبالتالي حضورها ضروري في حياتي، وفي حياة عائلتي.

- هل أنت راديكالية في تربية ابنيك أم ليبرالية؟
من الجميل أن تربي أبناءك على الانفتاح والحرية. وأنا ليبرالية، أؤمن بأنّ التربية يجب أن تقوم على تنمية ذكاء الطفل وتطويره ومنحه حرية التفكير، وتعزيز الفضول العلمي لديه وجعله يهتم بالآخر. لدي طفلان رائعان، ورغم أنني لا أمضي الكثير من الوقت معهما، أصرّ على متابعة كل تفاصيل حياتهما اليومية حتى أثناء سفري، فهما يحدثانني عن فروضهما وممارسة نشاطهما الرياضي ودروس الموسيقى.

- ولداك يحملان اسم عائلتك... كيف اتخذت وزوجك هذا القرار؟
كان هذا بالاتفاق مع زوجي. كنت أرغب في نقل كنيتي إلى أبنائي، وفي الوقت نفسه رأى زوجي أن عائلتي، بجذورها السياسية العميقة، أقرب إلى تعزيز الهوية، بينما اسم عائلته أقرب إلى اسم شخص، لذا وافق من دون تردد. وهكذا كان.

- في روايته Autour dElvir كتب زوجك جان- بيار فيليب إهداء وصفك فيه une princesse des petits matins أي «أميرة الصباحات الصغيرة»، بدورك كيف تصفين نفسك؟
أظن أن هذا الإهداء وسيلة أراد منها زوجي أن يسخر من العمل المتواصل والمرهق، وأعتقد أنه يشير إلى وجودي في كل مكان. بالنسبة إلي، أصف نفسي بأنني امرأة محظوظة تعمل في مجال يمثّل بالنسبة إليها شغفًا، وهذا أحيانًا صعب لأنه يستغرق الكثير من الوقت والطاقة وبذل الجهد، وأحيانًا أخرى قاس ولا سيّما عندما يتعرض الواحد منا لانتقاد الصحافة اللاذع التي لا ترحم. من جهة أخرى، أفكر في كل الأشخاص الذين يستيقظون باكرًا جدًا للذهاب إلى أعمالهم ويعودون متأخرين، أفكر في الأشخاص الذين يعملون في مهنة لا يحبونها ولكنهم ملزمون بها، فأجد نفسي محظوظة لأنني أعمل في مهنتي بشغف رغم الصعوبات التي أواجهها. ومحظوظ من يعمل في مجال يحبه.

- كيف تنظرين إلى وضع المرأة في العالم العربي؟
أنا مقتنعة بأن المرأة هي التي تحرك العالم وأحيانًا بتكتم شديد. فالمرأة هي التي تعيد العالم إلى الصواب عندما يفقد عقله ويصاب بالجنون. وللأسف في كل الأزمات التي تحدث في العالم، تكون المرأة الضحية الأولى، فعندما تحدث أزمة اقتصادية مثلاً، تكون المرأة على رأس لائحة التسريح الوظيفي أو خفض الأجور. وفي الحروب أو الأزمات الاجتماعية، تكون المرأة أولى ضحايا العنف الجسدي والمعنوي. إذًا في كل الأزمات تكون المرأة الضحية الأولى، وهذا ما يحصل للمرأة العربية التي تعيش في مناطق النزاعات الدامية، وعلينا مساعدتها أكثر من أي وقت مضى، فنشجع على تمكينها بما يمدّها بالقدرة على تربية أبنائها بشكل أفضل، لأن لديها الحل، فمرونتها الفطرية تنتج مرونة في المجتمع. ونحن اليوم نمر في مرحلة دقيقة وحساسة، وفي مرحلة عاصفة من الأزمات، ودور المرأة رئيسي في إعادة الأمور إلى الصواب من خلال قدرتها الفطرية على التعامل بمرونة وعقلانية. وأعتقد أن المرأة اللبنانية خير مثال، فخلال الحرب الأهلية أثبتت قدرتها على التعامل مع المشكلات والأزمات بمرونة فائقة وساهمت في تعزيز النظرة الإيجابية في المجتمع اللبناني.

- زرت مخيم اللاجئين السوريين في بعلبك، حيث يوجد الكثير من النسوة والأطفال. كيف تقيّمين وضع المخيم؟
قبل ستة أشهر زرت مخيم اللاجئين في كردستان العراق، عبر منظمة غير حكومية. صحيح أنه مخيم لجوء، ولكن يتوافر فيه الحد الأدنى من شروط الحياة الصحية. أما في مخيم بعلبك للاجئين السوريين، فقد صعقت بما رأيت، فسكانه يفتقدون الحدّ الأدنى من معايير الحياة الكريمة. هناك نقص كبير جدًا في إدارة شؤون اللاجئين، فهناك عدد هائل من المواليد لم يسجّلوا في الدوائر الرسمية، يمكن القول إنهم غير موجودين في الواقع الرسمي. أما الشروط الصحية فسيئة إلى أقصى الحدود، ليس هناك مياه صحية، وبدا جليًا أن وضع النساء في المخيم قاس جدًا، فهن يعشن وحدهن من دون أزواجهن الذين ربما قتلوا أو رحلوا. شعرت بأن هؤلاء النسوة تعرضن للكثير من العنف، وهذا خلّف أثرًا شديدًا في أعماقي. التقيت الكثير من الأطفال الذين يعيشون في ظروف معيشية غير صحية، فهم يشربون ويغتسلون بمياه شبه آسنة. والصدمة الكبرى بالنسبة إلي، أن هؤلاء الأطفال لا يتلقون التعليم، فأي مستقبل ينتظرهم؟

-  إذًا أنت تدقّين ناقوس الخطر؟
نعم علينا التفكير جدّيًا في موضوع تعليم الأطفال السوريين. والأعداد مخيفة. أعلم أن هذه مسألة معقّدة جداً بالنسبة إلى لبنان الذي يعاني أزمات كثيرة ومنها الأزمة الاقتصادية، وبالتالي فإن التدفق الهائل لأعداد اللاجئين يفوق قدرته الاقتصادية ويجعله يرزح تحت أعباء كثيرة، لذا يصعب على الحكومة اللبنانية توفير فرص لتعليم هذه الأعداد الكبيرة من الأطفال، فهذا يرتب أعباء مادية مرهقة لا طاقة للدولة بها. لكن في الوقت نفسه، أتساءل عن مصير هذا الجيل الجديد من الأطفال السوريين الذين لا يذهبون إلى المدارس، ألن تؤدي ظروفهم المعيشية السيئة إلى إعادة إنتاج العنف في المستقبل؟

- كيف تقيّمين هذه الزيارة الأولى والقصيرة إلى لبنان؟
في الواقع أدهشني أمران متناقضان: الأزمات التي ترمي بثقلها على الوضع اللبناني، إن لناحية أزمة اللاجئين السوريين الذين باتوا يشكلون حوالى نصف سكان لبنان، وأزمة الفراغ الرئاسي حيث البلد من دون رئيس للجمهورية منذ حوالى 18 شهرًا، إضافة إلى أزمة إدارة المشكلات والصعاب التي يواجهها اللبنانيون على كل الصعد، سياسيًا واقتصاديًا وحياتيًا، إلخ. لكن يقابل ذلك تعامل اللبنانيين المدهش مع الأزمة التي يمرون بها، فهناك طاقة إيجابية رائعة، إذ وجدت أن المجتمع اللبناني يناضل ويقوم بالكثير إن على صعيد الأعمال أو الثقافة، وينجح في البقاء متفائلاً ويحاول الإمساك بزمام الأمور. في النهاية، إذا نظرنا إلى المنطقة المحيطة بلبنان نجده قطب استقرار، وهناك أشخاص يريدون تخطي كل هذه الصعاب. بالفعل هذا التناقض أدهشني منذ أن وصلت إلى بيروت.

- هل هذه نظرة إيجابية؟
إيجابية جدًّا! كل هذه الصعوبات والأزمات والمآزق... والمجتمع اللبناني لا يزال يناضل ويكافح. في فرنسا نقلق بل نذهل لمجرد وصول 20 ألف لاجئ ونشعر بثقل كبير، فما بالك بلبنان بطاقاته الاستيعابية المحدودة يستقبل مليونًا ونصف المليون لاجئ سوري، فضلاً عن اللاجئين الفلسطينيين؟ لكن رغم الأزمات التي يعانيها لبنان، نجد أن المجتمع اللبناني يتعامل معها بطاقة إيجابية، وقد شعرت بأن هناك مرونة كبيرة لدى المجتمع اللبناني، ربما لأنه مرّ بهذا النوع من الأزمات خلال الحرب الأهلية اللبنانية، ولا سيما مسألة اللاجئين الفلسطينيين.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079