تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

بعيداً من مهنتك ما هو المجال الذي حلمت بخوضه؟

تُحاك كل من أحلامنا وطموحاتنا بين خيوط الأمل ومغزل القدر، لتنسج لنا خريطة قادت الكثيرين الى طريق النجاح والتميز. وما بين التخطيط والفرصة وحتى الصدفة البحتة، نرى أشخاصاً تفردوا لتبقى أسماؤهم محفورة على مهنهم، متجاوزين بذلك مراحل الإبداع الى أبعد مدى. وتخفى على كثيرين منا أسباب هؤلاء ودوافعهم في اختياراتهم التي حددت مصيرهم، وتبقى تخميناتنا محصورة ما بين الشغف والمهنة ومجالات الدراسة والتعليم، التي قد تخذلنا لكونها غير مترابطة مع تلك الإنجازات، ويحيّرنا السؤال عما إذا كانت لهؤلاء خطة بديلة في الحياة... أم هي الفرصة أو الحظ قد قادهم نحو طريق التميز والنجاح؟ وبين القصاصات وخواطر الأسئلة المبعثرة، نمنح القراء فرصة العثور على بوابة السؤال الأعمق، ألا وهو «إن لم تكن... فماذا ستكون؟»، والذي ستجيبنا عنه نخبة من الشخصيات السعودية المعروفة في الأسطر الآتية...


أبو سليمان: «لو عاد بي الزمن الى الوراء فسأكون معلمة»
وراء الظهور الإعلامي المميز، والذي جعلها أول مذيعة سعودية تطل على الفضائيات العربية في البرنامج المعروف «كلام نواعم»، يخفى على الكثيرين أن منى أبو سليمان كانت ولا تزال ترى في نفسها المعلمة، حيث اختارت الأدب الانكليزي للدراسة، والذي كانت تطمح من خلاله الى تأدية رسالتها بنقل خبرتها، والتعايش مع الآخرين، ورؤية تجاربهم على أرض الواقع. وهذا ما تعايشت معه من خلال سنوات عملها محاضرةً في جامعة الملك سعود في الرياض. ومما قد يصدم الكثيرين، هو غياب أي تخطيط أو توجه إعلامي مسبق لديها، بل إن الفضول وحب الاستطلاع قاداها نحو المجال الإعلامي، في فرصة أتاحت لها صقل مواهبها الإعلامية وهي في عمر الـ 27 عاماً، الأمر الذي فتح أمامها أبواباً أخرى لمزيد من العطاء في مسيرتها المهنية، لتنال العديد من الجوائز العربية والعالمية.
تُكرس سيدة النوايا الحسنة والإعلامية منى أبو سليمان معظم وقتها للعمل في مجالها الأساسي الذي يتجسد في مجالات التنمية الاجتماعية، من خلال منصبها مديرةً تنفيذية في شركة المملكة القابضة للدراسات الاستراتيجية لصاحبها الأمير الوليد بن طلال. وتؤكد أبو سليمان أنْ «لو عاد بي الزمن إلى الوراء  فسأكون معلمة، وما زلت أطمح الى دخول مجال الكتابة والتأليف الذي يغريني كثيراً، وأتمنى أن أمتلك الجرأة لأجسد ذاتي من خلال الكتابة».

السقاف: «قررت التخصص في التحاليل الطبية... وقدّر لي أن أكون أول سعودية تخوض في علم التشريح»
سؤال هذا التحقيق أعاد الدكتورة سمر السقاف إلى ذكريات قديمة، حيث كانت تحلم بخوض مجالات كثيرة، من أهمها علم النفس، لعشقها خدمة الناس والاستماع الى مشكلاتهم، فضلاً عن ميلها الى عالم الصحافة الذي يُعنى بنقل الكلمة والرأي. لكن على أرض الواقع، وبعد التحاقها بكلية الطب في جامعة الملك عبدالعزيز، قررت سمر التخصص في مجال التحاليل الطبية حيث لم تُقبل به لعدم وجود أماكن شاغرة، مما جعلها تدخل قسم علم التشريح لتكون أول سيدة سعودية تدرس هذا الاختصاص «بعد استخارة رب العالمين»، وهي ترى أن هذا العلم فتح أمامها أبواباً كثيرة وعلّمها الصبر والقدرة على تأمل معجزات الله في جسم الإنسان. لذا تؤكد الدكتورة سمر السقاف أن أهمية العمل لا تنبع بالضرورة من اختيار الشخص نوع العمل الذي يحبه، بل تكمن في إخلاص الشخص لعمله وإتقانه له للوصول الى النجاح ومن ثم التميز. ويظهر هذا جلياً في مسيرتها بعد تخرجها في جامعة الملك سعود في قسم التشريح وعلم الأجنّة في عام 1997، حيث عملت وكيلة لكلية الطب في جامعة الملك عبدالعزيز، ثم عميدة للكلية، لتشغل بعدها منصب مديرة قسم البرامج الطبية في الملحقية الثقافية السعودية في واشنطن لسفارة خادم الحرمين الشرفين، كما لُقّبت بـ «أم المبتعثين» نظراً الى الخدمات الاجتماعية التي قدمتها إلى المبتعثين السعوديين، وحصلت بنتيجتها على العديد من التكريمات المحلية والعالمية. وبعيداً من عالم الطب والخدمات الاجتماعية، ألّفت السقاف «أنثى لم تعرف الصمت» الذي ضمّنته جزءاً من مشاعرها وخبراتها، كأول إصداراتها الأدبية.

السناني من عدسة التلسكوب إلى عدسة الكاميرا
الشغف بالعدسة والنظر الى ما ورائها دفعا الممثل والمخرج والمؤلف السعودي عبدالإله السناني الى خوض مجال الأحياء الدقيقة والتعمق في دراستها، فلم يمنعه حصوله على درجة الدكتوراه في الميكروبيولجي من التحول إلى شغف آخر يشبهه تماماً. فمن وراء عدسة التلسكوب ومراقبة الأحياء الدقيقة والبكتيريا والفطريات التي كانت تتحرك أمامه كالسيناريو، انتقل السناني الى عدسة الكاميرا والإخراج والتمثيل وحتى التأليف، حيث ظهرت مواهبه التمثيلية الأولى في عروض المسرح الطلابية في الجامعة مع زميلة الممثل ناصر القصبي. ورغم نشاطاته الفنية في ذلك الحين، استمر في مجاله العلمي الذي كان يدرسه، بل تطور به ليصبح عضو هيئة تدريس في جامعة الملك سعود، وكانت له إسهامات ثقافية عدة في مجال البيئة، وثّق من خلالها أولى تجاربه الإخراجية في الأفلام الوثائقية مثل: «الصمان» و «المها العربي» و «البيئة في جبال السروات». ورغم عدم خوضه تجارب درامية في الإخراج التلفزيوني، وتمرّسه في مجال الإخراج والتمثيل والتأليف المسرحي، كانت الكاميرا تستهوي السناني، فدفعته الى اتخاذ خطوات جريئة بالمشاركة في التمثيل في عدد من المسلسلات الناجحة والتي كان أولها «طاش ما طاش». وبعد مسيرته الطويلة، يوضح السناني أن مجال عمله ودراسته من أفضل الخيارات التي أتيحت أمامه، ولا يحقق ذاته في أي مجال أو مهنة أخرى.

الفواز: «الخطة البديلة هي التوجه إلى عالم الأعمال»
أما الكاتبة والصحافية نادية الفواز، فقد تكون خطتها البديلة من الكتابة والصحافة، التوجه الى مجال الاستثمار والأعمال، وهذا لا يعني أبداً استغناءها عن الكتابة التي تلبّست بها منذ الصغر، وأنتجت خلالها خمسة مؤلفات منشورة في مجال القصة القصيرة، كانت باكورتها «الركض في مساحات الحزن» والتي نُشرت عام 1991، ونالت عنها جائزة «أبها الثقافية»، وأعقبها عدد من المنشورات مثل: «أنا» و «قرمزي بلون قلبي» و«كوني امرأة» و «اعترافات بنفسج»... وأخيراً رواية «وطن لا ينتمي إليّ»، هذا الى جانب اقتران هذه الإنجازات الأدبية بالعمل الصحافي والإعلامي في صحف ومجلات محلية عدة، نالت من خلالها عدداً من الجوائز والتكريمات، كان أهمها جائزة «المفتاحة» كأفضل إعلامية. وتشير الفواز الى أن قلمها لا يخضع لسلطة، وأنها ستواصل الكتابة وإن امتهنت مجالاً آخر. كما لا ترى الفواز نفسها مجرد ربة منزل عادية لكونها اعتادت منذ نشأتها العمل والإنجاز والإبداع.

سندي: «لو لم تتح لي الفرصة لأكون إعلامياً، فربما أصبحت طاهياً أو نادلاً»
ومن بين الوجوه الشبابية المميزة، أطل طراد فهد سندي والملقب بسفير الإعلام الجديد على ساحة المذيعين والمقدمين، في مسيرة انطلقت منذ عام 2008، حيث استغنى خريج نظم المعلومات عن فكرة ممارسة مهنة في مجال تخصصه نفسه، ليتجه الى تقديم برامج إذاعية وتلفزيونية في محطات عدة، كان أوّلها برنامج «شلتنا» على قناة «الآن»، وليعمل من ثم مذيعاً ومعداً لبرامج عدة مميزة على إذاعة «ألف ألف أف أم»، كذلك معدّاً ومقدماً لبرنامج «هاشتاق اليوتوبي»، وليستقر في النهاية على تقديم وإعداد برنامج «ساعة شباب» على قناة «روتانا خليجية»... ورغم عدم وضعه خطة لدخول مجال الإعلام، لم يغب حلم الطفولة عن باله إطلاقاً، فبعد محاولاته الدؤوبة للتخصص في مجال الإعلام في جامعة الملك عبدالعزيز، والتي باءت كلها بالفشل، لم يكفّ عن السعي جاهداً إلى أن يكون إعلامياً وإن لم يتخصص بدراسته في هذا المجال، إذ ساعدت شخصية طراد وحضوره، إضافة الى جديته في العمل وأفكاره الإبداعية على تميزه وجهاً شبابياً محبوباً في المجال الإعلامي، والذي يخفي في داخله مواهب وهوايات عدة، أهمها الرسم والقراءة والطبخ  والرياضة والسفر... ولا يجد طراد نفسه في مهنة أخرى بعيداً من مهنته، ويؤكد: «لو لم تتح لي الفرصة لدخول مجال الإعلام، لأصبحت طاهياً أو نادلاً في أحد المطاعم، لكن الرغبة هي التي تفرض نفسها بقوة. والخيار الصائب في الحياة يكمُن في توظيف الهواية في المهنة والدراسة سعياً وراء الإبداع والإنتاج».

 نافع: «ليس هناك صدف والمستقبل يتحقق بالتخطيط»
ومن عالم الاستثمار والأعمال، استطاعت سيدة الأعمال والمصممة السعودية فوزية نافع التوفيق بين عملها وشغفها. فحبّها للرسم جعلها تطور هوايتها لتترك بصمة في عالم الأزياء في وقت لم يكن تصميم الأزياء منتشراً بعد، فحولت شغفها بالرسم والأزياء إلى مهنة احترافية، بعدما كرّست الكثير من وقتها وبذلت المزيد من جهدها لدراسة فن التصميم في عدد من الدول منها أميركا وإيطاليا. وتهدف النافع من خلال عملها الى تمكين المرأة ودعمها، خصوصاً في مجالات التصميم والتجميل، وهي تخطط حالياً للعمل على تجميع المصممات السعوديات لإنتاج ماركات سعودية الصنع والتصميم. وتجزم السيدة نافع بأنها لا يمكن أن تحقق ذاتها في مهنة أخرى، لأن كل إنجازاتها كانت ثمرة التخطيط والعمل الدؤوب، كما لا تؤمن بالصدف أو الفرص العابرة.

بحراوي: «لو أُتيحت لي فرص اللحاق بقطار شغفي... لكنت صحافية أو ممثلة أو كاتبة مسرحية»
حاصلة على بكالوريوس في علم النفس والفنون المسرحية، وماجستير في التسويق، وقد تبدو للوهلة الأولى وكأنها أجزاء مبعثرة، لا يمكن أن تجتمع في مهنة أو هواية أو حتى في شخص واحد... هذا ما أثبتت عكسه الكاتبة سحر بحراوي، والتي قادها شغفها الى خوض غمار كل ما تحبه، إذ تعشق التحليل والتأمل والخيال وابتكار أشياء نافعة من العدم، وهذا هو الرابط المشترك بين مجالات دراستها المختلفة. ورغم ذلك، تعتبر بحراوي الكتابة أساس طموحها الذي مكّنها من تأليف ونشر روايتها الأولى «سجين الجسد»، فضلاً عن مؤلفات أخرى مثل «آمنة» Confined اللذين سيُنشران قريباً. وعما إذا كانت ترى نفسها في مهنة أخرى، تجيب بحراوي بأن لها العديد من الرؤى والطموحات، وهي تميل لأن تكون صحافية أو ممثله أو كاتبة مسرحية، إذا أتيحت لها فرص اللحاق بقطار شغفها».

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079