تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

فتى Arabs Got Talent اغتالت أحلامه سيارة مسرعة... 'لها' زارت بيته والتقت أسرته

محمد مع أسد في السيرك

محمد مع أسد في السيرك

والد محمد يحمل صورته

والد محمد يحمل صورته

السطح البسيط الذي شهد تدريبه

السطح البسيط الذي شهد تدريبه

والد محمد أثناء عمله

والد محمد أثناء عمله

محمد كان يسير على الحبل مغمض العينين

محمد كان يسير على الحبل مغمض العينين

والد محمد وشقيقته الصغرى

والد محمد وشقيقته الصغرى

كمال المصري وابنه

كمال المصري وابنه

محمد وجدو كمال المصري في أحد العروض

محمد وجدو كمال المصري في أحد العروض

رغم صغر سنه، استطاع أن يلفت الأنظار عندما قدم موهبته في البهلوانيات من خلال برنامج «Arabs Got Talent»، ونجح في اختبارات الأداء، وكان يحلم بالاستمرار في البرنامج، ويحضر لتقديم عرضه الثاني فيه، لكن القدر لم يمهله، فقد رحل محمد الشريف، ابن الثلاثة عشر عاماً، إثر حادث أليم، ورحلت معه أحلامه وطموحاته. «لها» دخلت بيته والتقت أسرته ورصدت حالة إنسانية خاصة جداً لفتى يافع كان يحلم بالنجاح والشهرة، فقتلت أحلامه سيارة مسرعة.

 

في منطقة «أرض اللواء» الشعبية المزدحمة بالسكان وذات الشوارع الضيقة، ولدت أحلام محمد شريف الذي تأهل بنجاح لتصفيات برنامج «أرابز غوت تالنت»، والابن الوحيد لوالده البسيط الذي يعمل في صناعة مفاتيح الأبواب والسيارات.

محمد توفي في حادث سيارة في الرابع من رمضان الماضي، أثناء خروجه لصلاة الفجر، ورغم مرور أكثر من شهرين ونصف على وفاة أصغر موهبة في السيرك المصري محمد شريف، ما زال الحزن يكسو المنطقة الشعبية التي عاش ومات فيها. وساهمت حلقة «أرابز غوت تالنت» التي بُثّت بعد شهرين ونصف من وفاته، في شهرته أكثر في منطقته وبين أهله وجيرانه الذين ترحموا عليه وطالبوا بمساعدة أسرته الفقيرة بعد أن توفي ابنها الوحيد.

 

أسرته الفنية

 بدأت زيارتنا بأسرته الفنية التي تضم كمال يونس، الشهير بكمال المصري، صاحب الأسرة الفنية والمدرب السابق في السيرك المصري والأب الروحي لمحمد شريف ومدربه الذي كان محمد يناديه «جدو»، فوجدنا حزناً دفيناً لدى الأسرة الفنية بالوراثة التي يلعب جميع أفرادها في السيرك ضمن فرقة الأرجل الذهبية، التي ضم إليها كمال ابنه محمد وحفيده كمال الصغير، الذي كان رفيقاً لمحمد شريف في كثير من الفقرات، وكذلك ابنتيه مروة ورباب.

روى كمال المصري القصة من البداية والدموع تملأ عينيه فقال: «كنت أشعر بأن محمد واحد من أسرتي فعلاً، وأحسُّ بمشاعر إنسانية متدفقة عندما يقول لي كلمة «جدو»، رغم أنه ابن أحد الجيران. إلا أن رقته وأدبه وضحكته الصافية جعلته يدخل قلوبنا جميعاً، فكان أحد أفراد أسرتي بالفعل، حتى أنه كان حريصاً على إحضار دواء القلب والسكري لي في مواعيده إذا كان موجوداً معنا، أما إذا لم يكن موجوداً فهو يذكرني بمواعيده هاتفياً حتى لا أنساه. كان حقاً حفيدي الذي لم ينجبه ابني».

وعن قصة ارتباط محمد شريف به قال كمال المصري: «بدأت القصة قبل خمس سنوات، عندما وجدته يطرق الباب ويطلب مني الإشراف على تدريبه، لأنه شاهد التدريبات التي أجريها مع أفراد أسرتي الفنية وأطفال المنطقة الموهوبين في السيرك على سطح منزلنا في مساحة لا تزيد عن 25 متراً، فيها كل الأدوات التي نتدرب عليها يومياً».

ويتذكر كمال هذا اللقاء قائلاً: «عبّرت موهبته عن نفسها من خلال هذه المعايشة والمشاهدة فقط عن بعد من فوق سطح المنزل، حتى قرر الدخول معنا في التدريب، فجاء إليَّ وطلب الانضمام إلى فرقتنا، فطلبت منه موافقة والده فإذا به يأتي إلينا بخاله الذي طلب مني تدريبه فوافقت. وبدأت ألحظ موهبته المتفجرة من خلال سرعة استجابته للتدريبات بشكل غير طبيعي، وتفوق على أقرانه فقررت ضمه إلى الفرقة الخاصة التي كونتها بعيداً عن السيرك القومي. لكن المشكلة أنه وفقا لقوانين العمل فإنه يحظر تدريب الأطفال باعتبار هذا من الأعمال الخطرة التي يحظر القانون على الأطفال ممارستها، وبالتالي فإنه إذا تمت استثناءات لتدريب الأطفال فلا يصرف لهم أي أجور سوى ثمن الانتقالات وهي خمسة جنيهات في اليوم».

ويقول كمال: «محمد تسرب من التعليم، لكنه كان ذكياً جداً، يجيد التدريبات ويحرص عليها، سواء كنا في مصر أو في سفريات استجابة لدعوات خارجية، مثل السعودية التي زرناها أكثر من مرة في إطار مهرجان «الباحة» ومهرجان «بريدة»، ونشرت عنا العديد من الصحف السعودية، وقابلنا بعض الأمراء الذين شجعونا ومنحوني أوسمة وشهادات. وأدينا العمرة أكثر من مرة، وكان معنا محمد شريف الذي تأثر بالالتزام الديني الذي تتصف به أسرته، فكان يواظب على الصلاة في أوقاتها حتى وفاته، وكان ذاهباً لصلاة الفجر بعد السحور، ووجد زملاءه يلعبون الكرة، فقرر اللعب معهم حتى أذان الفجر، فنزلت الكرة من المكان المرتفع الذي عليه المساكن إلى نهر الطريق السريع. وعند محاولته الإتيان بها من الطريق إذا بسيارة مسرعة تصدمه ليموت في الحال وتصطدم السيارة بعمود إنارة ويصاب صاحبها إصابة بالغة ويدخل غرفة الإنعاش».

 

ذكريات «أرابز غوت تالنت»

 عن ذكريات رحلة التسابق في برنامج «أرابز غوت تالنت» قال محمد كمال المصري: «شاهدت إعلاناً عن المسابقة، فأرسلت طلب مشاركة عبر الفيسبوك، فأرسلوا لنا موافقتهم، وسافر أبي الكابتن كمال مع محمد شريف لتقديم فقرات في المسابقة، وحققا مركزاً متقدماً وأذهلا لجنة التحكيم، وكان مقرراً أن يستمرا في التصفيات، لكن شاءت الإرادة الإلهية شيئاً آخر».

 أصر كمال على صعودنا لسطح المنزل لنشاهد الإنجاز الحقيقي في هذه المسيرة، وكيف أن مكاناً بسيطاً جداً فيه أدوات بدائية للغاية ومساحته لا تتجاوز 25 متراً تم تخصيصها للتدريب، يستطيع أن يخرّج كل هذه المواهب، لأن هناك العشرات من الأطفال أمثال محمد شريف تدربوا على هذا السطح وأصبحوا مواهب عالمية.

 

أسرة محمد

طلبنا من أسرة كمال الذهاب إلى منزل أسرة محمد شريف، فاتصل بوالده الذي لا يملك من متاع الدنيا سوى صندوق خشبي لبيع وبرادة مفاتيح الشقق والسيارات، فهذا كل مشروعه الذي يطعم منه أسرته المكونة من زوجته وابنته الكبرى التي تزوجت قبل أسابيع تاركة أسرتها غارقة في ديون أقساط أجهزة العرائس، أما ابنته الصغرى سهام فهي في الصف الثالث الابتدائي.

ترك شريف مشروعه الصغير جداً، وجاء إلى منزله، فدخلنا ووجدنا الحزن يخيم على الجميع، وصوت القرآن الذي يبث عبر الفضائيات هو سيد الموقف. لم تستطع والدته الكلام كثيراً، ورفضت التصوير، إلا أنها اكتفت بقولها: «حياتي انتهت بموت محمد الذي لم يكن ابني فقط، بل كان كل شيء في حياتي. كان حنوناً جداً عليَّ ولا يغضبني أبداً، كان الابتسامة الدائمة في البيت والشارع والمنطقة كلها، ربنا كريم وقادر يعوضنا فيه خير».

كان الأب شريف وحيد أكثر تماسكاً، وحكى لنا مواقف إنسانية في حياة محمد، وكان كما يصفه عكازه في الحياة، يساعده في الإنفاق على الأسرة، ويعطيه الجنيهات القليلة التي يكسبها من حفلات السيرك في الداخل، والدخل الأكبر قليلاً من عائد الرحلات الخارجية. ويضيف الأب: «لم يكن ابني فقط بل كان صديقي، يجلس إليَّ ويحدثني عن مشكلاته ويستمع إلى مشكلاتي اليومية، حتى أنه في أحد الأيام حدثت مشادة أثناء العمل بيني وبين أحد الزبائن، فإذا به يجمع الأطفال أمثاله ويأتي للدفاع عني في وجه هذا الزبون الذي تطاول عليَّ أمام الناس».

ويكمل الأب: «محمد كان هوائياً لا يستمر في أي عمل فترة طويلة، منذ أن تسرب من المدرسة، إلا أن العمل الوحيد الذي استمر فيه بحب وتصميم هو التدرّب على السيرك عند العم كمال الذي اعتبره أحد أفراد أسرته، وكان مثله الأعلى في الموهبة والأخلاق والمواظبة على الصلاة».

ويكشف والد محمد جانباً من حياة ابنه الشخصية قائلاً: «لك أن تتصور أنه عندما يحدث أي خلاف بيني وبين أمه فإذا به يقوم بالصلح بيننا. كان أكبر من سنه ويتعامل معنا على أنه رجل وليس مجرد طفل، حتى أننا عندما نسير معاً في الشارع يسلم عليه أهل المنطقة ويقبلونه ويأخذونه بالأحضان، لهذا كان لا يتوقف عن إلقاء السلام على الجميع، من يعرفه ومن لا يعرفه».

ويكشف والد محمد حقيقة غريبة قائلاً: « لم أشاهد ابني في التلفزيون إلا في الحلقة التي أذيعت في البرنامج، لأنني إنسان بسيط ليس لي في الدنيا إلا الاجتهاد في عملي حتى أوفر احتياجات أسرتي، وخاصة أن ابنتي الكبرى تزوجت أخيراً ومازلت أسدد أقساط تجهيزها، ولهذا لم أكن أهتم بالسيرك الذي يلعبه ابني، ولم أشاهده في تدريب أبداً ولم أذهب معه إلى أي عرض، لأنه كان يمضي معظم وقته مع أسرة  كمال».

 

الليلة الموعودة

عن الليلة الموعودة التي فقد فيها الوالد ابنه الوحيد قال باكياً: «بعد أن تناول معنا طعام السحور سلم علينا وقبّلنا جميعاً، مؤكداً أنه  ذاهب لأداء صلاة الفجر، إلا أنه في الطريق إلى المسجد وقبل الأذان بدقائق وجد أطفالاً من الشارع أسقطوا الكرة التى يلعبون بها على محور 26 يوليو فقرر أن يساعدهم، ونزل بحركة جسده الخفيفة إلى المحور ليأتيهم بالكرة فصدمته السيارة المسرعة في بداية رابع أيام شهر رمضان الماضي، وجاءني الخبر فذهبت إلى موقع الحادث فوجدته ملقى على الأرض غارقاً في دمائه... إلا أن بسمته لم تفارقه، حتى وهو ميت، وكان هذا المشهد عجيباً، فقد مات في الحال باسماً كما كان باسماً في حياته».

كانت آخر جملة قالها محمد شريف في البرنامج تعبر عن حلمه وإصراره ليصل إلى مستوى أداء «جدو كمال»، الذي تقاعد من السيرك القومي المصري بعد بلوغه سن الستين.

قال محمد بعدما قبلته اللجنة: «سأكمل مشوار جدو».  وعبّر عن فرحته بالفوز بتأكيده متابعته التّمارين والتعلّم: «سأظل أتعلم إلى أن أصبح كبيراً مثل جدّو». لكن القدر لم يمهله ليتوفى قبل أن يحقق حلم الشهرة والنجومية.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078