تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

من الماء إلى التراب

من الماء إلى التراب
عادوا من البحر. وما بدا عليه أنه ارتكب جرائم. فرّقهم ولم يرحم أحداً. ابتلعهم ثم لفظهم. سحب منهم الحياة وبقي جميلاً كعادته، ساحراً حتى في قمّة غضبه. بعد كل ما فعله البحر لن نجد من يكرهه. أيّ يأس دفع أفراد عائلة لبنانية إلى اختيار المخاطرة الكبرى وعقد اتفاق جهنمي مع البحر وتجار الموت للهروب من انهيار فرص العيش بكرامة والبحث عن صورة (وهمية في أحيان كثيرة) لسعادة تؤمنها الحياة في العالم الأول؟... لم يقدروا على مسايرة البحر. اعتمدوا على الحظ ولم يلطف بهم. فاللعب مع البحر أخطر من اللعب بالنار. ولا يسامح البحر مَن تهاون في ركوب أمواجه.
كان قاتلاً استقبال العائدين من الماء إلى التراب. وكان قاتلاً أيضاً تنصّل المسؤولين عن يأسهم من ذنوبهم. وهؤلاء أسباب يأسنا، هم أسباب فقرنا. كانوا وقود الحرب التي سارعوا إلى تنفيذ أوامر إخمادها ليتفرّغوا لتقاسم الغنائم والمناصب والألقاب. فمَن لم يفكر في الهجرة؟ ولم التعجّب من الزحف الجماعي من أهل العالم الثالث إلى العالم الأول؟ اليأس والظلم والحرب والذلّ تدفع إلى هذا الزحف الجماعي. ما عاد أحد جاهلاً أنّ في ذاك العالم أمناً وطمأنينة. أما الفقر للحالمين بحالة «اللجوء»، فله علاج، مقدور عليه بالعمل هنا وهناك، تحت سماء لا تمطر أسلحة دمار أو نفايات، وحيث عناق الهواء هو أحد أسباب الحياة لا الموت.
ها هي صور مَن عبروا خطر الموت إلى شطآن آمنة لكن لئيمة، ومنها إلى رحلات عذاب في قطارات الغربة أو سيراً نحو اللامكان. يتخلّون عمّا حملوه معهم من بلادهم وأصبح أثقل في الشتات. وحدهم الأطفال ينامون بسلام على العشب الأخضر في انتظار أن يفهموا ما يجري. 

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077