قبل المعركة الانتخابية البرلمان المصري يبحث عن المرأة
قبل أيام قليلة من انطلاق المعركة الانتخابية الخاصة بالبرلمان المصري، كان لافتاً تراجع أعداد المرشحات وإحجام المرأة عن خوض هذه المعركة. فما هي الأسباب؟ هل هي القوانين التي لا توفر منافسة عادلة؟ أم أنها نظرة المجتمع للمرأة التي يراها حتى اليوم غير جديرة مثل الرجل بمقعد في البرلمان؟ وماذا تقول بعض المرشحات ممن قررن تحدي كل العقبات ودخول المنافسة الشرسة؟
سميرة إبراهيم: المنافسة ليست شريفة ولا عادلة
بعدما فقدت الأمل في دعم الأحزاب للمرأة في الانتخابات البرلمانية من طريق القوائم الحزبية، قررت الناشطة السياسية سميرة إبراهيم، خوض الانتخابات البرلمانية بنظام الترشح الفردي المستقل، لتواجه شراسة المنافسة من دون أي دعم سياسي أو اقتصادي من أحد رجال الأعمال أو الأحزاب المصرية.
توضح إبراهيم سبب خوضها الانتخابات قائلة: «لم يهدأ ولعي بالسياسة يوماً منذ مشاركتي في ثورة 25 يناير. وبعد الثورة قررت خوض الانتخابات البرلمانية، لكنني لم أجد الفرصة المناسبة حتى اليوم، رغم شراسة المنافسة من رجال الحزب الوطني السابق والأحزاب الحالية ورجال الأعمال».
وتضيف: «أتابع بنفسي كل شيء، أُقيم الجولات الانتخابية بمفردي ولا يشجعني إلا أهالي قريتي الذين استقبلوا ترشحي بحفاوة، كما يرحب بي أبناء محافظتي بصفة عامة ويؤكدون دعمهم لي، رغم أن سوهاج من أصعب الدوائر الانتخابية في مصر وفيها منافسون شرسون يملكون من المال والسلطة ما يضمن لهم الفوز بمقاعد البرلمان».
تنتقد سميرة إبراهيم قانون الانتخابات الحالي الذي لا يمكّن السيدات من خوض الانتخابات إلا من خلال المشاركة في قوائم الأحزاب، وتقول: «لو نظرنا بموضوعية إلى مشاركة النساء تحت قبة البرلمان، سنجد أعضاء الأحزاب والمؤسسات الحكومية يعارضون مشاركة المرأة ويحاولون تقليص عدد مقاعدها في البرلمان، لأنهم يحتكرون لعبة السياسة لأغراضهم الخاصة، ولا يبالون بمصالح المواطنين».
وتتابع: «بناء عليه، فشلت الأحزاب في عمل قائمة تضم المرأة والشباب، واقتصرت قوائمها على المسنّين. فالأحزاب السياسية تكره الشباب لأنهم يعلمون أننا نقدم رؤية جديدة ونملك طاقة للعمل على أرض الواقع».
وعن المنافسة بين المرشحين، تؤكد سميرة إبراهيم: «المنافسة ليست شريفة ولا حتى عادلة، فما يحدث الآن على الساحة يعزز الإشكالات بين المنافسين، والتي وصلت في دائرتي في سوهاج إلى اشتباكات بالرصاص، فضلاً عن تكالب الجميع ضد الشباب، فما بالكم بالمرأة!
من الدين إلى السياسة
أما الدكتورة آمنة نصير، أستاذة الفلسفة الإسلامية والشريعة في جامعة الازهر، فبعد رحلة 40 عاماً من العلم وتوضيح حقوق المرأة في الإسلام، انتقلت إلى ملعب السياسة في الانتخابات البرلمانية عام 2015.
وعن سبب ترشحها في الانتخابات تقول: «منذ سبعة أشهر، زارني الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء الأسبق، وقال لي «يا دكتورة نحن نود أن يكون أعضاء البرلمان شخصيات مهمومة بقضايا المرأة، ونريد أن تشاركي معنا، قلت له أنا أستاذة جامعية أؤهل العقول، فقال لي 40 سنة تعطين خلالها العقول، فأعطي مصر ما تبقى من العمر»، فاقتنعت وقررت خوض الانتخابات من خلال قائمة «في حب مصر» التي تحتوي على 45 مرشحاً على مستوى الجمهورية».
وتتابع: «من جهتي، أرى أن لا شيء يفوق أستاذيتي في الجامعة، لكنّ لحب مصر حقاً عليَّ، لذا كانت قائمة «في حب مصر» الأقرب إليّ، وأدعو الله أن يعطيني العمر المديد للعمل لمصلحة مصر وخدمة قضايا التنمية والتعليم والمرأة، كما أتمنى أن أترك بصمة تحت قبة البرلمان كما تركت بصمة في مجال العلم».
وترى الدكتورة آمنة نصير أن لا بأس بالقانون الحالي المنظم للانتخابات ووضع المرأة فيه، وتضيف: «القانون وضع المرأة والمعاق في نسب معينة وفرضهما في القوائم الانتخابية بالنسب التي نص عليها الدستور، ولا بأس به كبداية، لكن أتمنى أن تكون هذه البداية للفئات المهمشة - بمن فيها المرأة – لتنشط تحت قبة البرلمان، وأن تتمدد تلك النسب أيضاً في نظام الانتخاب الفردي».
تعاود الدكتورة آمنة نصير مرة أخرى حديثها عن المرأة، وإنصافها لقضاياها تحت قبة البرلمان مؤكدة: «أنا مهمومة بقضايا المرأة منذ أكثر من 40 سنة، وألّفت فيها العديد من الكتب، كان آخرها كتاب «المرأة المسلمة بين عدل التشريع ووضع التطبيق» منذ خمس سنوات، والذي رددت فيه على الموروث الثقافي الخاطئ للمرأة، ورددت أيضاً على كل قضية تخالف ما شرّعه الله للمرأة، وأود حالياً أن أبقي هذا العمل على أرض البرلمان، وتشريع القانون المحافظ على حقوق المرأة التي شرّعها الله لها وسلبتها إياها الموروثات الثقافية الخاطئة، خاصة أن وضع المرأة المصرية يزداد تراجعاً خلال السنوات الـ20 الأخيرة».
وعن تقبّل مجتمع الصعيد المتشدد لخوض الدكتورة آمنة نصير الانتخابات، تقول: «حقيقة فوجئت كثيراً بتقبل أهلنا في الصعيد، سواء أهلي أو كل من يعرفني، لترشحي واحتفالهم بي كنائبة عنهم في البرلمان. والواقع أن ظهوري في البرامج التلفزيونية والصحافة والدفاع عن قضايا المرأة من خلال الشريعة على مدار 40 عاماً، كان بمثابة دعاية انتخابية غير مخططة، وقال لي أهل الصعيد: «نحن فخورون يا دكتورة أنك تمثلين الصعيد، وسوف نقف بجوارك في الحلوة والمُرَّة».
وتضيف: «أنا متفائلة بخوض الانتخابات سياسياً واجتماعياً، وأستطيع أن أقول إنني كنت متخوفة من التقبل المجتمعي. ولما ذهبت لمعايدة أهل الدائرة، فوجئت بترحابهم وحسن ظنهم بأن آمنة نصير ستمثل أهلها، واعتبروا أن هذا صدق وإحساس بالمسؤولية في قضايا الصعيد في السنوات الأخيرة، وكان كل من العُمد والمشايخ ورؤوس القبائل يرددون «أنت فخر لنا يا دكتورة»، وعندما أقمت المؤتمر العام للانتخابات في دائرتي أخيراً، في دار آل نصير في أسيوط، أسعدني حضور أكثر من ستة آلاف فرد من جميع القرى والبنادر من شرق النيل وغربه».
وبناءً عليه، تؤكد أستاذة الفلسفة الإسلامية، أن نجاح المشاركة السياسية للمرأة لا ينتظر سن القوانين والتشريعات، ولا ينحصر في قانون «الكوتة» التي تعني تخصيص نسبة معينة للمرأة في البرلمان، بل إذا أرادت حواء أن تكتسح الرجال، عليها تقديم خدمات للمجتمع، وأن تكون ناجحة في مجال عملها لتحقق السمعة الطيبة والقوية في الوقت نفسه، فضلاً عن قوة شخصيتها التي لا تهتز أمام المعارك.
مطلوب إعادة نظر
من جهتها، تعتبر الدكتورة رباب الششتاوي، مرشحة قائمة «نداء مصر»، أن نسبة تمثيل المرأة في البرلمان تحتاج إلى إعادة نظر في قوانين تنظيم الانتخابات، وهذا ما ستطرحه في البرلمان المقبل، وسيتم تعديله من أجل الانتخابات التالية.
وتتابع: «تحت قبة البرلمان، أركز على التشريع المنصف للمرأة، فهي من تدفع فواتير الجهل والفقر رغم مشاركتها بقوة في الحياة السياسية، والتي تجلت أخيراً في ثورتي 25 يناير و30 يونيو، وبناءً عليه وبالاتفاق مع قائمة «نداء مصر»، مهمتنا الأساسية هي التشريع لما يخدم حقوق المرأة، وتعديل القوانين المجحفة، مثل قانون الخدمة المدنية الظالم للمرأة المعيلة والموظفين».
وتضيف: «أنا أيضاً ضد رفع الدعم عن المرأة المعيلة والأسر الفقيرة، وهذا ما سأحارب من أجله، فنحن نريد استراتيجية للتنمية المستدامة للمرأة المعيلة، مثل تنمية المشروعات الصغيرة وتسويقها بشكل يضمن تمكين المرأة اقتصادياً، وهذا طبعاً من أولوياتي في المرحلة المقبلة».
وتؤكد الششتاوي أن ضعف تمثيل المرأة تحت قبة البرلمان لن يؤثر في حقوقها القانونية المكتسبة سابقاً، ولن يضر بقوانين الأحوال الشخصية مثلما حدث في برلمان 2011، الذي سيطر عليه تيار الإسلام السياسي، والذي حاول أعضاؤه هضم حقوق المرأة بتشريع قانون زواج القاصرات وتعديل قوانين الحضانة والرؤية للأب، بحجة أنها قوانين جيهان السادات أو سوزان مبارك، لكن الحقيقة أن تلك القوانين حصاد جهاد المرأة السابق، وتحتاج إلى تعديل يضمن للنساء حقوقاً أسرع، بدلاً من انتظارهن في المحاكم سنوات طويلة للحصول على الطلاق أو النفقة، ومن ثم يزج بهن في السجون كغارمات بعد تنصل الزوج من حقوق النفقة تحت مظلة القانون.
الحل في الكوتة
أما الدكتورة هدى بدران، الأمين العام لاتحاد نساء مصر، فتؤكد أنه لا توجد مشاركة عادلة للنساء في برلمان 2015، موضحة أن المشاركة العادلة تعني وجود المرشحات بنسبة 50 في المئة في مقابل الرجال، وهذا غير موجود، وليس مضموناً للمرأة إلا 56 مقعداً من خلال القوائم الانتخابية، وقد يصل العدد إلى 70 مقعداً، بعد تعيينات الرئيس، من أصل 500 مقعد تقريباً، وبالتالي تلك النسبة غير عادلة على الإطلاق.
وترى الدكتورة بدران أن الحل يكمن في تخصيص مقاعد محددة للمرأة في البرلمان، وهو ما يعرف باسم «الكوتة»، وتقول: «لا يوجد دولة على مستوى العالم استطاعت المرأة فيها المشاركة تحت قبة البرلمان من دون تطبيق الكوتة، لكننا ومنذ أيام السادات نعطي الكوتة البرلمانية للمرأة تارة ونمنعها عنها تارة أخرى، بحجة الرفض المجتمعي، من دون تحديد أي فئة اجتماعية ترفض الكوتة، فضلاً عن استخدام مبررات كثيرة ضد المرأة كحجة أننا مجتمع ذكوري، لكن الحقيقة أن كل المجتمعات ذكورية، لكن الفارق أن الواعي بينها يتمتع بإرادة سياسية لتفعيل دور المرأة على الساحة. وبناءً عليه، نحن نريد إرادة سياسية تخدم مصلحة المجتمع، وأتمنى أن تكون هناك كوتة تخصص ثلث المقاعد للنساء».
وتتابع: «المشكلة الحقيقية لمشاركة المرأة السياسية في الانتخابات البرلمانية تكمن في أصحاب القرار السياسي الذين يحصرونها كأداة للحشد في الانتخابات، ويحرمونها حقها في الممارسة السياسية تحت قبة البرلمان، بحجة القوانين والرفض المجتمعي. فأصحاب القرار السياسي أنفسهم يعتقدون أن أي حق تناله المرأة يعد انتقاصاً من حق الرجل، وهذه نظرية أكدت فشلها، بعدما أثبتت المرأة وجودها في المجتمع خلال الثورة وبعدها، لذا كنت أتوقع قرارات حازمة من رئيس الجمهورية بتخصيص كوتة برلمانية للنساء، لكن الواقع يشهد تراجع دور المرأة على الساحة، حتى في الحقائب الوزارية الجديدة تقلص عدد الوزيرات من 5 إلى 3، والحقيقة أن نساء مصر غاضبات على كل المستويات».
وتختتم الدكتورة هدى بدران حديثها قائلة: «أنا لا أدعم وجود المرأة في البرلمان من أجل الدفاع عن التشريعات النسائية، بل أدعمها كمواطن أكثر قدرة من الرجل على ملاحظة التفاصيل. فالمرأة أكثر قدرة على الدفاع عن التعليم وإصلاح منظومته والتطرق إلى أمور لا يرتقي إليها الرجل، بسبب أنها الأكثر اختلاطاً بمذاكرة أولادها والمنظومة التعليمية، فضلاً عن أنها الأجدر في مراقبة موازنة الدولة، لأنها تلمس مباشرة جميع الخدمات أكثر من الرجل».
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024