المرأة تقتحم حصون التكنولوجيا
ما من مجال عمل تقتحمه المرأة إلا وتثبت جدارتها فيه، وقدرتها على التعامل معه بكفاءة تعادل كفاءة الرجال، هذا إن لم تتفوق على الرجل في كثير من الأحيان. من هذه المجالات عالم التكنولوجيا الذي يعد من أحدث التخصصات في وقتنا الراهن.
فالعمل في مجال التكنولوجيا لم يحظ بالاهتمام الذي نشهده اليوم إلا في منتصف القرن العشرين، وقد تدرّج على سلّم أولويات المجتمع العالمي ليصبح من أهم التخصصات، سواء في مجال الاتصالات أو الحاسب الآلي. أو غير ذلك من الأعمال الدقيقة ولم يعد العمل في التكنولوجيا دليلاً على الذكاء فقط، بل على القوة بسبب تجاوز نطاق انتشاره حدود الدول، لذا شكّل دخول المرأة هذا المجال خطوة جريئة تستحق إلقاء الضوء عليها، لنعرف كيف استطاعت اقتحام حصون التكنولوجيا. وكأمثلة على ذلك هذه التجارب من لبنان ومصر.
في مصر:
المرأة تحتل مناصب رفيعة في مجال التكنولوجيا
الدكتورة هبة صالح: أعشق مجال التكنولوجيا وزوجي دعمني
استطاعت المرأة في مصر تخطي الظروف التي تمر بها، سواء الاجتماعية أو الاقتصادية، فظهر دورها جلياً في مجال البرمجيات وريادة الأعمال التكنولوجية، وتسنّمت بالفعل عدداً من المناصب الرفيعة في هذا المجال، أهمها رئاسة مركز تكنولوجيا المعلومات التابع لوزارة الاتصالات، الذي رئسته الدكتورة هبة صالح، التي تولت منصب مديرة معهد تكنولوجيا المعلومات في سن صغيرة (43 عاماً). تصف د. هبة بداية عملها بالقول: «لم أنتظر العمل الحكومي، فحبي لعالم التكنولوجيا دفعني بمجرد التخرج إلى العمل في القطاع الخاص في مجال البرمجيات لفترة طويلة قبل أن أنضم إلى المعهد».
التحدي الأصعب هو ما اختارته د. هبة، عندما قررت الالتحاق بهندسة اتصالات القاهرة في وقت لم تكن الهندسة، خصوصاً في مجال الاتصالات، شائعة كاليوم. تروي هبة: «لا أنكر عشقي لعالم التكنولوجيا بالمعنى الحرفي للكلمة، فقد جعلني أتمسك بالعمل في مجال البرمجيات والعمل الشبكي لمدة لا تقل عن خمس سنوات قبل أن أجد وظيفة أخرى، الأمر الذي كان صعباً حينها... بعدها قررت الانضمام الى معهد تكنولوجيا المعلومات، لأبدأ مرحلة جديدة وهي تحضير رسالة الماجستير، وواصلت الدراسة في المعهد، وبعد إنهاء رسالة الماجستير، انضممت إلى المعهد كأستاذة مساعدة».
عندما تتحدث د. هبة عن اقتحام النساء عالم التكنولوجيا، تبتسم وتؤكد أن المرأة استطاعت خلال العقدين الماضيين إثبات جدارتها بالوصول إلى أهم المناصب القيادية في هذا القطاع، ومنافسة الرجال، بل والتفوق عليهم أحياناً، وتضيف: «أعرف نماذج نسائية أصبحت تكسب الكثير من الأموال من خلال العمل في تكنولوجيا المعلومات. وأقرب مثال طالبة من طلابي في المعهد تعمل من المنزل وتتقاضى أجراً مالياً كبيراً نظير عملها في مجال التكنولوجيا والبرمجيات».
لكن الجمع بين العمل الخاص لفترة من الفترات والعمل الأكاديمي في القطاع التكنولوجي، لم يكن كافياً بالنسبة الى د. هبة التي قررت مواصلة دراستها والحصول على درجة الدكتوراه في مجال يعتبر الأصعب، وهو «أطر النمذجة والمحاكاة لعلوم التدريب».
رحلة د. هبة التي انتهت بتوليها منصب مديرة مركز تكنولوجيا المعلومات، تجعلها ترفض أي حديث عن صعوبات قد تواجه عمل المرأة في قطاع التكنولوجيا، وتؤكد: «هي مجرد شائعات لا أساس لها من الصحة، فقد تمكنت من التغلب على كل الصعوبات والمعوقات التي واجهتني من خلال التفكير العلمي والمنطقي».
لا تنكر د. هبة أن لأسرتها دوراً كبيراً في حياتها، من خلال الدعم الذي يقدمونه لها، فتقول: «أفراد أسرتي يدعمونني كثيراً منذ أعلنوا موافقتهم على حصولي على البكالوريوس، حتى مساندتهم لي خلال رحلة انضمامي الى معهد تكنولوجيا المعلومات، وتحضير رسالة الماجستير والدكتوراه. أما أكثر من يمكن تقديم الشكر له فهو زوجي، الذي أدين له بالفضل الكبير في ما أنا عليه الآن، بسبب تفهمه ودعمه لي، وهو يعمل أيضاً في مجال التكنولوجيا».
رشا طنطاوي:
تحديت سيطرة الرجال على المناصب في عالم التكنولوجيا
النموذج التالي في قائمة النساء العاملات في مجال التكنولوجيا، كان رشا طنطاوي، المرأة التي قررت أن تقتحم تخصصاً صعباً في مجال التكنولوجيا، هو ريادة الأعمال، فدورها يعتمد على تقديم استشارات للمشاريع التكنولوجية الجديدة في إحدى الشركات الخاصة، والتي تُعد بنسبة كبيرة مهنة لا تزال حكراً على الرجال، بالإضافة إلى منصبها الأهم وهو مديرة دعم الأعمال التجارية في قسم المشاريع في مركز الإبداع التكنولوجي وريادة الأعمال.
«حلمي الرئيسي منذ صغري كان اعتلاء أكبر المناصب القيادية في قطاع التكنولوجيا»، كلمات تبدأ بها رشا حديثها، موضحة أن ذلك كان السبب الذي دفعها منذ صغرها إلى الاجتهاد في دراستها حتى تلتحق بكلية الهندسة- قسم الاتصالات في جامعة القاهرة.
لا تنكر رشا أنها وفي سبيل تحقيق حلمها قد تحملت الكثير من الصعوبات، توضح: «أهم ما يعيب دراسة مجال التكنولوجيا هو الرتابة والجمود اللذان تتسم بهما عمليات البحث، لكن سرعان ما استطعت التغلب على ذلك بالتجديد والتنوع في المواد التي أدرسها».
سيطرة الذكور على قطاع التكنولوجيا، والذي يصبح معه ظهور المرأة على الساحة شبه مستحيل، هو ما أكّدته رشا، موضحت أن ذلك الأمر حفزها على استكمال رحلتها، تقول: «منذ بداية مشواري التعليمي، رفضت تقاليد المجتمع التي تمنع عمل المرأة، وتعمل على وأد أحلامها المهنية من أجل الزواج وتأسيس أسرة».
دعم أسرتها المادي والمعنوي لها في رحلتها الدراسية، ساهم كثيراً في تجاوز مراحلها التعليمية المختلفة بنجاح باهر، وأوضحت أن دور والدتها كان الأهم بالنسبة اليها من خلال توجيهها ومساندتها في عدم التوقف والسعي الى تحقيق طموحها الشخصي.
وعند الحديث عن الطموح، تبتسم رشا التي لا تعرف للطموح حدوداً، فبعد بلوغها منصب مديرة دعم الأعمال التجارية في قسم المشاريع في مركز الإبداع التكنولوجي وريادة الأعمال في مصر، لا تزال تبحث عن الجديد في الأعمال والمسؤوليات، توضح: «العمل في مركز الإبداع يمثل إحدى النقاط الهامة التي وصلت اليها في حياتي، لكنني لن أتوقف عند هذا الحد، فطموحي في قطاع التكنولوجيا بلا حدود».
تشرح رشا طبيعة عملها في مركز الإبداع التكنولوجي الذي يشمل وظائف عدة مشتركة، فهي المسؤولة عن توجيه أنشطة رئيسية كثيرة، مثل التدريب على تنظيم المشاريع، ودعم حقوق الملكية الفكرية، إضافة إلى إعداد خطة عمل الكتابة والتوعية للمستثمرين.
نجاح رشا في مركز الإبداع التكنولوجي كان دافعاً لها للعمل في القطاع الخاص والالتحاق بشركة Gemiza المتخصصة في الاستشارات التكنولوجية، أستاذة محترفة بامتياز.
وتورد رشا أن عملها يعتمد على تقديم الاستشارات والنصح والإرشاد الى أصحاب المشروعات التكنولوجية، وتوضيح الخطط الدقيقة والشاملة للتأسيس والاستثمارات والمدد الزمنية.
إيمان رمضان: تغربت عن أهلي من أجل مشروع تكنولوجي
إيمان رمضان تعد من أبرز أمثلة المرأة الناجحة في مجال التكنولوجيا. فهي رغم سنّها التي لم تتعدَّ الـ23 عاماً، حصلت على المركز الأول في مشروع تخرجها في كلية تجارة جامعة الإسكندرية- قسم نظم المعلومات الإدارية، والذي كان يرتكز على عمل نماذج برمجية وتصاميم تقنية على شبكات الحاسوب الآلي.
تقول: «اهتمامي بمجال التكنولوجيا بدأ منذ سن صغيرة، لذلك لم أتفاجأ عندما حصلت على المركز الأول في الكلية، بل كان شيئاً عادياً بالنسبة إلي». وتُظهر إيمان الاستفادة من مشروع التخرج الخاص بها بأنه يدور حول تصميم نظم إدارية للشركات والمصانع العادية، بهدف تسهيل عملها على الحاسوب الآلي. أما الجزء الآخر من المشروع فيستند الى عمل نماذج برمجية وتصاميم تقنية على شبكات الحواسيب الآلية».
فكرة مشروع إيمان تعد الأولى من نوعها على مستوى الجامعات، لذا حصل على المركز الأول، كما حاز إعجاب العديد من شركات برمجيات النظم المتقدمة، لأنه يجمع نحو 11 نظاماً مختلفاً.
ورغم النجاح الذي حققته إيمان، لكنه كان شرارة الحرب التي عاشتها مع أهلها، حيث بدأت المحاولات الملحّة من جانبهم لتزويجها، تقول: «ارتفعت الضغوط الأسرية للابتعاد عن مجال البرمجيات والالتفات الى حياتي الشخصية. والحجة التي ساقها والداي أنهما يريان زميلاتي اللواتي في مثل سنّي قد تزوجن وأصبحن ربات بيوت».
الرفض كان رد فعل إيمان الدائم، خصوصاً لمقولة «البنت لبيت زوجها» التي اعتبرتها كلمة السر في أسر حياة المرأة بعيداً من التميز والتفوق في الحياة العملية، تضيف: «ببساطة قاومت شبح الفكر الشرقي الذي يقوم على العنصرية ضد المرأة، فقد أصررت بعد التخرج على مواصلة مسيرتي العلمية واقتحام مجال تكنولوجيا المعلومات».
ترك الإسكندرية والانتقال إلى القاهرة خطوة صعبة، لكنها لم تكن مستحيلة على إيمان التي قررت الانضمام إلى معهد تكنولوجيا المعلومات، بعد التقديم في إحدى منحه التكنولوجية التي أطلقها العام الماضي باسم «bbo»، والتي تتيح للمتقدم الدراسة في المعهد في مجال تطوير مهارات البرمجيات الخاصة به، ورفع كفاءة العمل البرمجي لديه إن كان من المبتكرين في مجال التكنولوجيا أو مطوري البرامج التكنولوجية، تقول: «مناخ العمل داخل المعهد والتفرد في مجالات نظم البرمجيات من الأمور التي شجعتني على بذل المزيد من الجهد للتفوق».
مشاعر الغربة كان لها نصيب الأسد في حياة إيمان، بحيث كادت تؤثر في أحلامها في تحقيق النجاح، خصوصاً أنها كانت تعيش في القاهرة وحدها، تؤكد: «العيش بعيداً عن الأهل بمفردي أفقدني الكثير من الدعم المعنوي الذي كانت تقدمه لي أسرتي، والذي كان أحد عوامل نجاحي».
مواجهة الخوف من الفشل
وتضيف إيمان أنها كفتاة تقيم بمفردها بدأت تواجه مزاعم المجتمع الذي يرفض مثل تلك النوعية من السلوك، فضلاً عن استمرار العمل في المعهد لـ12 ساعة متواصلة، من الثامنة صباحاً حتى الثامنة مساءً، ما يتطلب منها مجهوداً كبيراً، فضلاً عن صعوبة توفير كل احتياجاتها المالية بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، وتوضح: «لم يكن كل ما سبق يساوي شيئاً أمام الخوف من الفشل، الذي كان سيؤدي الى إجهاض رحلة إثبات ذاتي في مجال التكنولوجيا».
الإصرار والعزيمة في مقاومة تلك الظروف العصيبة كانا أهم ما تمسكت به إيمان، تقول: «أصبحت أعيش في ضغط نفسي وتوتر عصبي كبير. لكن بسبب تصميمي على النجاح، تخطيت الأمر ونجحت بتفوق في تخصصي وحصلت على المركز الأول في الدفعة الـ35، التي تخرجت في معهد تكنولوجيا المعلومات أخيراً، فبعد حصولي على المنحة تخصصت في مجال «آي آر بي ساب سيستم»، وهو عبارة عن نظام إلكتروني أصنعه لأي شركة أو مؤسسة على شبكة الإنترنت، يسهّل للموظفين عملهم بشكل كبير، ويحقق التفاعل بينهم ويساعدهم في التغلب على العوائق التي تعترضهم».
تسعى إيمان حالياً للعمل في مجال التكنولوجيا خارج مصر، بعد اكتساب الكثير من الخبرات التي تراها كافية للالتحاق بشركات التكنولوجيا الأوروبية، بعدما نجحت في بلوغ نحو 95 في المئة من مشوارها لتحقيق طموحها في ريادة مجال التخطيط البرامجي.
الدكتور قدري حنفي: الكلام عن صعوبة اقتحام المرأة مجال التكنولوجيا لا أساس له
يعتبر الدكتور قدري حنفي، أستاذ علم الاجتماع السياسي، أن عمل المرأة في مجال التكنولوجيا يحظى بتشجيع المجتمع حالياً وليس العكس. فالعقل الشرقي التقليدي يرفض ممارسة المرأة الأعمال الشاقة التي تتطلب مجهوداً بدنياً كبيراً، أو احتكاكاً وتعاملاً مع الرجال، أو حتى الأعمال التي يوجد فيها شبهة ولاية، مثل العمل في مجال القضاء وغيره. أما العمل في مجال التكنولوجيا فقواعده أبسط مما سبق، يقول: «العمل في مجال التكنولوجيا ليس فيه أي مشقة، على العكس فهو لا يتطلب من المرأة الحركة المتواصلة أو التعب البدني».
«شائعة مُغرضة»، هو الوصف الذي أطلقه د. قدري على أي أقاويل تردد أن عمل المرأة في مجال التكنولوجيا يواجه صعوبات من أي نوع، أو أن مجال التكنولوجيا لا يتناسب مع مجهودات المرأة، ويؤكد: «المرأة قادرة على تحمل أي مجهود، سواء كان بدنياً أو عقلياً، وأبرز دليل علمي على ذلك هو قدرتها على تحمل آلام الولادة، التي تعد ثاني أصعب الآلام على المستوى البشري، كما أن القدرات العقلية للمرأة تؤهلها للالتحاق بأي عمل».
المهندس حسام صالح: المشكلة في التوفيق بين الواجبات العائلية والعملية
أما خبير الاتصالات، المهندس حسام صالح فأعطى تبريراً لقلة النماذج النسائية الناجحة في مجال التكنولوجيا بشكل عام، يضيف: «وجود المرأة في المجتمع لم يشغل الحيز المناسب له، وهذا يندرج في خانة كل الصناعات، ويتطور الأمر في الصناعات المتخصصة مثل مجال التكنولوجيا. فمجال التكنولوجيا يتطلب من الشخص بناء قدراته بشكل متواصل، سواء كان رجلاً أو امرأة، وعلى مدار سنوات طويلة».
ويؤكد: «المرأة بما عليها من التزامات تفوق مسؤوليات الرجل تجاه عائلتها، قد تغيب قليلاً عن أهم المستجدات في عالم التكنولوجيا، وبالتالي يتراجع أداؤها أمام الرجل، فمثلاً الحمل والولادة والزواج تتسبب بابتعاد المرأة لسنوات عدة، وتضطر للبدء من جديد لتكتسب كل المهارات التي غابت عنها، ومن الطبيعي أن يكون عدد السيدات اللواتي يكملن بالهمّة والنشاط والظروف نفسها التي تساعدهن على النجاح، قليلاً».
«بطلات» هو الوصف الذي اعتبره صالح مناسباً للسيدات اللواتي يكملن في مجال التكنولوجيا وينجحن فيه، لأن المرأة في هذه المرحلة تضطر إلى التخلي عن بعض المسؤوليات الملقاة على عاتقها، وتكمل طريقها في مجال التكنولوجيا، سواء اتصالات أو حاسبات، لكي تصبح في محاذاة الرجل، الذي لا تُلقى عليه المسؤوليات نفسها، ويختتم: «لذلك نرى الرجل دوماً في مراكز قيادية في مجال التكنولوجيا، كما أن نسبة الرجال تفوق النساء، والسبب أن الرجل لا يتحمل المسؤوليات نفسها في الزواج، والأهم من ذلك أن الدراسة في كلية الهندسة والاتصالات والحاسبات والمعلومات تتميز بالصعوبة الشديدة، وهناك عدد قليل من النساء اللواتي يقررن اقتحامها... فكل ذلك يجعل للرجال حصة الأسد من المناصب في عالم التكنولوجيا».
يوم المرأة التكنولوجي
أظهرت الدراسات العالمية أن النساء ممثلات تمثيلاً ناقصاً في مجال التكنولوجيا بشكل عام، إذ يشكّلن ربع القوة العاملة في التكنولوجيا في الولايات المتحدة، و 17 في المئة في بريطانيا. أمّا في إفريقيا، حيث تشكّل النساء غالبية السكان ونصف إجمالي القوة العاملة، فتشغل المرأة حوالى 15 في المئة من الوظائف التكنولوجية.
ووفق تقرير صادر عن شركة «إنتل» في كانون الثاني/يناير الماضي، بعنوان «المرأة والإنترنت»، تبين أن في جميع دول العالم النامي، تقل إمكانية وصول المرأة إلى الإنترنت بحوالى 25 في المئة عن الرجال، كما ترتفع الفجوة بين الجنسين الى حوالى 45 في المئة في مناطق مثل جنوب الصحراء الإفريقية.
كل ما سبق دعا المجتمع الدولي إلى تخصيص يوم للمرأة في مجال التكنولوجيا، الذي حمل عنوان «يوم المرأة العالمي في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات»، وهو اليوم الذي تم إطلاقه بدعم من الاتحاد الدولي للاتصالات، ويهدف إلى إحداث بيئة عالمية تمكّن الفتيات والشابات وتشجعهن على التقدم المهني في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الآخذ في النمو، ويتم الاحتفال بهذا اليوم في 4 نيسان/أبريل من كل عام. ويشارك في هذه المبادرة عدد كبير من دول أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا وروسيا.
بين التحدّي والندم... فتيات لبنانيات برعن في حقل التكنولوجيا
قليلات هن الفتيات اللبنانيات اللواتي دخلن عالم التكنولوجيا. لأن دوام العمل أطول مما هو عليه في الأعمال الأخرى أو لأنه يتطلب قدرة احتمال غير موجودة عند الفتيات، كما يقول البعض. لكن ثمة فتيات خضن ميدان تكنولوجيا المعلومات، وأثبتن أنفسهن بجدارة وتحدّين نظرة المجتمع، ومنهن من ندمن، أو برعن فشغلن مناصب مهمة تفوقن فيها على زملائهنّ الرجال... في هذا التحقيق نسلط الضوء على تجارب فتيات من لبنان يعملن في حقل التكنولوجيا...
نور يحفوفي: دخلت عالم التكنولوجيا بدافع العمل وسأتركه بعد الزواج
تعمل نور يحفوفي في شركة IT Solution في مجال الـ Software Quality Assurance، الذي يُعنى بضمان جودة البرمجيات (SQA)، أي العملية التي تضمن مطابقة البرمجيات المتقدمة لمواصفات الجودة المحددة أو الموحدة. وتواكب نور عملية إنشاء الـ software أو website مع الزبون من خلال التدقيق في كل المراحل المطابقة للمواصفات الصحيحة. وتشير إلى أنها اختارت هذا المجال بالصدفة بينما كانت تبحث عن فرصة عمل، خصوصاً أننا نعيش اليوم في عصر التكنولوجيا. وتلفت نور إلى أنها أحبت لاحقاً هذا المجال وأكملت دراساتها العليا في تكنولوجيا المعلومات. وتوضح أن الخبرة والتجربة في هذا المجال مهمتان جداً. وعن التحاق الرجال بهذا النوع من الأعمال وبراعتهم فيه أكثر من النساء، تؤكد نور هذه المقولة، وتشير إلى أن نسبة الفتيات اللواتي يلتحقن بالجامعة لدراسة تكنولوجيا المعلومات ويخضن مجاله، قليلة جداً مقارنةً بالرجال، إذ نجد بين كل خمسين أو ستين شاباً، فتاة أو اثنتين تتابعان الدراسة في هذا المجال، والأمر نفسه في ميدان العمل. وتضيف نور أن هذا العمل يتطلب وقتاً طويلاً والتزامات ربما لا تنتهي بانتهاء دوام العمل، إذ ننقل أحياناً عملنا إلى المنزل. وتعتبر أن بعض الفتيات لا يجدن متعتهن في هذا الميدان لأنه جدي جداً وغير مسلٍ، كما لا مجال فيه للإبداع، بل هو دقيق جداً، فضلاً عن أنه يتطلب أحياناً جهداً جسدياً لا تقوى عليه الفتاة أو تتحمله، مثل وصل الكابلات و«الروترز». وهي تسدي نصيحة الى الفتيات اللواتي يفكرن بدراسة تكنولوجيا المعلومات، وتقول: «لا أنصح أي فتاة بالالتحاق بهذا العمل، لأنه متعب جسدياً ونفسياً. كما أن انتهاء دوام العمل والعودة إلى المنزل لا يعنيان الراحة، بل العيش بتوتر وقلق دائمين وربما اصطحاب العمل إلى المنزل. هذا إلى جانب السفر المفاجئ الذي يتطلبه العمل، والعلاقات المتشعبة مع الزبائن والتي تستوجب رجالاً في كثير من الأوقات. إلا أن هذا لا يحول دون نجاح الفتاة في مجال تكنولوجيا المعلومات، إذ إن الإدارة في الشركة التي أعمل فيها تديرها امرأة وهي ناجحة جداً في العمل». وعن بقائها في العمل بعد الزواج، تضيف: «أكمل حالياً دراستي العليا لأمتهن التعليم، إذ لا يمكنني الاستمرار في هذا العمل بعد الزواج، لأنه يتطلب وقتاً طويلاً وسيشغلني عن اهتمامي بمتطلبات عائلتي، ولو اضطررت لذلك، سأعمل بدوام جزئي فقط».
جوانا رحال: التحاقي بميدان التكنولوجيا كان تحدياً لنظرة المجتمع
تعمل جوانا رحال في شركة تُعنى بمجال التكنولوجيا، ووظيفتها IT Developer، أي مبرمجة، وتقول: «أُنشئ النظام للموقع الإلكتروني ثم يُدخل الزبون المعلومات إلى الـSystem. علماً أنني درست Computer Communication، ولكنني اخترت العمل في هذا المجال، لأن باستطاعتي أن أبتكر أفكاراً وأطوّرها، إذ إن هذا العصر يعتمد على التكنولوجيا». وتضيف: «اخترت هذا المجال لأنه مختلف عن الـBusiness، فالأخير يخضع لقواعد وقوانين ثابتة، بينما في مجال التكنولوجيا الوضع مختلف، فهو متجدد ومتطور باستمرار». وتتابع: «خلال الدراسة، ثمة صفوف كنت الفتاة الوحيدة التي تلتحق بها، وخصوصاً صف الإلكترونيات. أحببت هذا المجال لأنه شكّل بالنسبة إلي تحدياً لنظرة المجتمع الذي نعيش فيه». وعن الصعوبات التي واجههتها خلال العمل، تقول: «لم أواجه أي صعوبات، وأفكر في متابعة دراستي العليا في حقل التكنولوجيا». وتشير جوانا إلى أن الفتاة تستطيع من خلال هذه المهنة أن تثبت نفسها وتؤكد للمجتمع أنها مفكرة ومبتكرة ومبدعة، وتستطيع حل المشاكل وإيجاد الحلول الإلكترونية مثلها مثل أي شاب.
لمى: دخولي عالم التكنولوجيا غلطة عمري
تعمل لمى في مجال تكنولوجيا المعلومات منذ نحو 10 سنوات، وتؤكد أن لا سبب معيناً دفعها لدراسة هندسة الكمبيوتر، لكنها تعتبر خوضها هذا المجال غطلة عمرها، فهو لا يتعلق برجل أو بامرأة، بمقدار ما يتطلب صبراً وقدرة على الاحتمال لدى مرتاد هذه المهنة، كما أنه متعب جداً من الناحية الفكرية والنفسية، لأنه يحتاج الى المتابعة المستمرة كي تواكب برامجه التطور. وتتابع: «قدرة الفرد على العطاء هي التي تحدد إن كان باستطاعته الالتحاق بهذا المجال أم لا، إذ ثمة فتيات لا يسعين الى التطور بل يكتفين بما وصلن إليه، وأحياناً تكون قدرة الشباب على العطاء أكبر في هندسة الكمبيوتر أو في مجال التكنولوجيا بشكل عام. بالنسبة إلي، تعبت جداً حتى وصلت الى المركز الذي أشغله حالياً في عملي، والأمر لم يكن مريحاً في الجامعة أيضاً، إذ واجهت صعاباً جمة». وعن عدد الفتيات اللواتي التحقن بالاختصاص الذي درسته، تقول: «خلال دراستي في الجامعة اللبنانية، كنا نحو ست فتيات بين 40 شاباً في الفصل، ولكن في الجامعة الأميركية في بيروت كان الأمر مختلفاً، إذ يمكنك أن تجدي عدداً أكبر من الفتيات اللواتي يدرسن مجال التكنولوجيا». وتشير إلى أن المردود المادي جيد جداً في مجال التكنولوجيا، وكذلك الأمر بالنسبة الى التطور في مجال العمل». إذ تشغل لمى حالياً مركزاً مهماً في عملها، بالإضافة إلى الابتكار والتطور في أسلوب العمل، وهو ما شجعها على الاستمرار. وبالنسبة الى دوام العمل، تلفت لمى إلى أنه طويل جداً ولا ينتهي، وأحياناً تضطر للعمل في المنزل. وهي تنصح الفتيات اللواتي يرغبن بمتابعة دراستهن في مجال هندسة الكمبيوتر بعدم خوض هذا المجال، إذ ثمة مجالات أكثر راحة في الدراسة وفي العمل، فلمَ العذاب؟ وتؤكد لمى أنها ستترك العمل عندما تتزوج لتتفرغ لشؤون المنزل.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024