مصروف الجيب أول خطوة لتعلّم الادخار
يعتبر مصروف الجيب جزءًا من طقوس التلميذ اليومية. فعلى الرغم من أنه وتحديدًا التلميذ الصغير، تعطيه والدته مع وجبته الغذائية لوح الشوكولاته والحلوى، فإنه يطالب بمصروف الجيب. أما التلميذ المراهق فمصروف الجيب بالنسبة إليه جزء لا يتجزأ من نمط حياته اليومية، فهو لم يعد يقبل أن تحضّر له والدته وجبته المدرسية، بل يريد أن يشتريها بنفسه من مطعم المدرسة، فضلاً عن أن مصروفه لم يعد مقتصرًا على الشوكولا والحلوى، وإنما صارت لديه حياته الاجتماعية مع أصدقائه، فهو في عطلة الأسبوع مثلاً يخرج مع أصدقائه، إما الى دار السينما أو للنزهة، وهذا يتطلب ميزانية.
ويبقى السؤال: هل إعطاء الأبناء مصروفَ جيبٍ أمر أساسي؟ وهل في إمكان الأهل جعل أبنائهم اقتصاديين ويعرفون كيفية إدارة نقودهم وإن كان المبلغ زهيدًا؟
يرى اختصاصيو علم نفس الطفل والمراهق أن إعطاء الطفل مصروف الجيب يساهم في اكتسابه مهارة التعامل مع الآخرين خارج إطار العائلة، وتحمّل مسؤولية إدارة نقوده، والحساب. فهو عندما يعطيه والده أو والدته نقودًا، يأخذها معه إلى المدرسة، حيث يقوم بشراء ما يريده وحده، وبالتالي سوف يتعامل مع البائع وحده، ويحتسب القيمة الشرائية للشيء الذي يرغب في شرائه ويفكر في ما إذا كان المبلغ مناسبًا أم لا، وهذا يشعره بالمسؤولية، ويعلّمه كيفية إدارة النقود.
في أي عمر يسمح بمصروف الجيب؟
طالما أن الطفل لا يعرف العدّ والحساب، تبقى النقود بالنسبة إليه مسألة مبهمة، فأحيانًا يفرح الطفل بقطعة نقدية ورقية كبيرة الحجم رغم أن قيمتها النقدية أقل.
مما يعني أن ليس من النافع إعطاء الطفل دون السادسة نقود جيب. ولكن مع بداية الفصل المدرسي الثاني، يصبح قادرًا على العد والحساب، وأن إعطاءه مصروف جيب يمنحه شعورًا بأنه دخل نادي الكبار وبالتالي أصبح مسؤولاً. فيقرر وحده مثلاً ما إذا كان يريد أن يصرف نقوده أو يدخّرها.
كيف يمكن الأهل البدء بإعطاء مصروف الجيب؟
عندما يدخل الطفل إلى المدرسة، أي بدءًا من سن السادسة، ويكون إعطاؤه مصروف الجيب تدريجًا، أي يمكن الأم أن تعطيه مرة في الأسبوع ثم مرتين وهكذا... شرط أن يكون المبلغ مناسبًا لسنّه، إذ لا يجوز إغراقه بالنقود، فهو في النهاية طفل وعندما يذهب إلى المدرسة، تكون والدته قد حضّرت له كل ما يحتاج إليه من سناك وشوكولا... . فهو يأخذ المصروف في حال رغب في شيء يمكنه أن يشتريه شرط أن يكون سعره مناسبًا للمبلغ الذي في حوزته. وإذا لم يكن المبلغ كافيًا وجاء إلى المنزل متذمرًا، يمكن الأم أن تقول له «كم سعره؟ فيجيب مثلاً 3 ريالات.
تسأله ومصروفك اليومي ريالان، حسن يمكن أن تؤجل شراءه الى الغد لأنه سيكون معك أربعة ريالات، وبالتالي تستطيع شراءه غدًا». فبهذه الطريقة تعلّمه أمرين، الأول كيف يوفر النقود، والثاني الحساب.
هل يجب زيادة قيمة مصروف الجيب كلما كبر الطفل؟
من المهم أن يعطي الأهل مصروف الجيب بحسب امكاناتهم المادية ووفق احتياجات الطفل. فالطفل الصغير مثلاً تكون احتياجاته محدودة. والتلميذ في المرحلة المتوسطة تزداد احتياجاته، فيما يخصص المراهق في الثانوية بميزانية صغيرة لشراء الملابس ونزهاته مع أصدقائه.
إذ في هذه السن صار من الصعب أن تشتري له والدته ملابسه، بل هو الذي يختارها وغالبًا يتسوّقها وحده، وبالتالي فإنّ من الضروري تخصيص ميزانية محدّدة، إذ لا يجوز أن يحوز مصروفاً لا سقف له، فهذا يعوّده على الإسراف.
هل من الجيد مكافأة الأبناء بالنقود في حال المساعدة في الأعمال المنزلية؟
هذا يتوقّف على ما يسمى بالأعمال المنزلية. ففي الأسرة الكل معني بالأعمال المنزلية اليومية وفق سنّه وقدراته. إذ من المهم تعليم الأبناء المشاركة في الحياة الجماعية للعائلة والعمل من دون مقابل.
لذا يجدر التمييز بين المهام المنزلية اليومية المشتركة بين جميع أفراد الأسرة مثل ترتيب مائدة الطعام، غسل الصحون، رمي أكياس النفايات، ترتيب الأسرّة، فهذه الأعمال من مهمة الجميع. أما المهمات الاستثنائية مثل غسل سيارة الوالد أو مساعدة الوالدة في توضيب الثياب الفصلية... فلا بأس في أن يكافأ الابن والابنة على المساعدة.
هل يجب إعطاء مصروف الجيب بشكل دوري؟
عندما يقرّر الأهل إعطاء ابنهم مصروف جيب، فإن من الجيد الاستمرار فيه إذا أرادوا أن يكون مبدأً تربويًا. بالنسبة إلى الطفل الصغير، الذي يكون مفهوم الزمن بالنسبة إليه مبهمًا، فمصروف جيبه يجب أن يكون مبلغًا صغيرًا أسبوعيًا، ذلك أن الأسبوع مدة زمنية يمكنه فهمها. وهكذا يتعلم بسرعة أنه عندما يصرف نقوده بمجرد أن يتقاضاها من والدته ومن دون تفكير، فإنه لن يستطيع أبدًا شراء شيء جيد رغب فيه في منتصف الأسبوع.
أما بالنسبة إلى التلميذ الذي يذهب إلى المدرسة المتوسطة، فيمكن أن يتقاضى مصروف جيب شهرياً، وهذا مثالي. وليكون مصروف الجيب فعلاً تربوياً، يجب ترك الابن حراً في استعماله.
فبعض المراهقين يكونون اقتصاديين ويعرفون إدارة مصروفهم، فيما بعضهم يكون مسرفًا ويصرف نقوده منذ اليوم الأول. ولكن من المهم أن يناقش الأهل مع أبنائهم الطريقة التي يصرفون بها نقودهم، وكذلك الأهل عليهم أيضًا أن يشرحوا للأبناء طريقة إنفاق النقود، وكيف يدّخرون بعضها، ولماذا. مثلاً أن يشرح الوالد كيف يخصص مبلغًا للنفقات المنزلية الثابتة، وكيف يدخر جزءًا من الراتب للنفقات الطارئة، وكيف يدخر للمستقبل.
من الملاحظ أن الأبناء يتذمّرون حين يكون هناك فارق في قيمة مصروف الجيب في ما بينهم؟
من الطبيعي أن يختلف المبلغ من ابن إلى آخر وفق السن، إذ لا يمكن إعطاء ابن الست سنوات المبلغ نفسه لابن الحادية عشرة. وعلى الأهل تفسير هذه المسألة.
أخوك يحصل على مصروف جيب أكثر منك لأنه أكبر سنًا ولديه متطلبات مختلفة عنك، وعندما تكبر سوف تحصل مثله على مصروف جيب أكبر.
فمن المعروف أن المراهق اليوم يخرج مع أصدقائه إلى السينما، أو لتناول الغداء... فيما الطفل الصغير لا يقوم بمثل هذه الأمور، إذ ليس من العدل أن يكون مصروف جيبه بالقيمة نفسها لمصروف جيب المراهق.
بعض الأطفال أو المراهقين يذكّرون أهلهم بضرورة رد المبلغ الذي اقترضوه منهم؟ هل يحق للأهل أن يقولوا إنها نقودنا في النهاية ونحن من أعطاك إياها؟
صحيح، هذا طبيعي وجيد في الوقت نفسه، أي حين يذكر الابن أنه أقرض أمه مثلاً بعض النقود أثناء وجودهما في السوبرماركت، فهذا مؤشر الى أنه أصبح حريصًا على نقوده، ويعرف كيف يطالب بحقه.
وفي المقابل، لا يحق للأم أن تقول إنها هي من أعطته إياها، لأنه في النهاية هذا حقه الذي اكتسبه منها. فمسألة مصروف الجيب بالنسبة إلى الطفل أو المراهق تشبه الراتب الذي يتقاضاه الموظّف.
معظم المراهقين لديهم هواتف جوالة وعليهم دفع ثمن البطاقة المسبقة الدفع. فهل يمكن أن تكون ضمن مصروف الجيب؟
هنا على الأهل أن يجروا اتفاقًا بينهم وبين المراهق. إذا كانوا قد اتفقوا على أن يكون مصروف الهاتف الخليوي على عاتقهم فعليهم أن يحدّدوا كم بطاقة يحق له، أي بطاقة واحدة، وإذا ما نفدت منه الوحدات فعليه تحمل المسؤولية والشراء من المصروف الخاص به.
فبهذه الطريقة يتعلم المراهق الاقتصاد لأنه لن يغامر بمصروف جيبه، وبالتالي يتحمل مسؤولية إدارة مصروفه. أما إذا اختار أن يكون شراء بطاقة التعبئة من مصروفه فهذا أيضًا أمر جيد، لأن على الأهل زيادة المبلغ على أساس بطاقة واحدة. ففي كلا الحالين يتحمل مسؤولية مصروفه.
بعض المراهقين يتذمّرون من أن مصروف جيبهم غير كاف. فهل تجوز زيادته؟
هنا على الأهل أن يسألوا ابنهم لماذا لم يعد كافيًا، ما هي المصاريف التي استجدّت، هل زادت مرّات خروجه مع أصدقائه؟ على ماذا ينفق نقوده؟ إذ لا يمكن أن يخضع الأهل لرغبة الابن من دون أن يتحققوا من الأسباب التي دفعته للمطالبة بزيادة مصروف الجيب.
حتى وإن كانت قدرات الأهل المادية تسمح لهم بذلك، فعليهم أن يربّوا أبناءهم على أن المال لا يأتي بسهولة وأن عليه أن يتقيد بما أعطي له. فمن الضروري أن يتعلّم الطفل والمراهق كيف يدّخر نقوده للحالات الطارئة.
أحيانًا نجد بعض الأطفال أو المراهقين يدّخرون مصروف جيبهم كي يصلوا إلى مبلغ معين يشترون به شيئًا يرغبون في اقتنائه، وإذا لم يتمكّنوا، يعرض الأهل تسديد المبلغ المتبقّي. فهل هذا التصرف صحيح؟
يمكن الأهل القيام بذلك شرط أن يعتبر تسديد المبلغ قرضًا، أي أن يقول له الوالد مثلاً، سوف أساعدك في شراء ما تريد، شرط أن أحسم من مصروف جيبك الشهري مثلاً 10 ريالات مدة ثلاثة أشهر.
فهو بهذه الطريقة يسد الباب أمام محاولات المراهق الاستفادة من الأمر، فلا يعود يوفر من مصروفه طالما أن هناك من يسدّد عنه الفاتورة. بينما عندما يحسم من مصروفه فسيفكر أكثر في إدارته. وبالتالي يتعلّم كيف يحدد أولوياته في المصروف.
هل يجوز للأهل زيادة مصروف جيب ابنهم إذا نال درجات عالية في المدرسة؟
هذا يستند إلى الطريقة التي يتعرّف بها الطفل إلى مفهوم مصروف الجيب. فهناك مجازفة ببعث رسالة إلى الطفل بأن الذهاب إلى المدرسة يوازي ذهاب الراشد إلى العمل الذي يتقاضى أجره عليه. في الوقت الذي عليه أن يدرك أن الذهاب إلى المدرسة ليس عملاً مأجورًا، بل هو يذهب إلى المدرسة ليتعلم ويكبر وليس لجمع النقود.
ومع ذلك يمكن مكافأة الابن لأنه نال علامات جيدة في نهاية الفصل الدراسي، أو لأنه فاز في مباراة، ولكن المكافأة لا تكون نقوداً وإنما هدية يختارها الابن.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024