بريد
تُرسَل إلى عنواني البريدي مجلة فصلية تعرض أخبار الجامعة التي تلقّيت فيها تعليمي وتخرّجت منها وأمضيت خلال دراستي فيها أجمل أيام التسكّع مع أصدقاء اختفوا ومازلت أحنّ إلى عمق أفكارهم وجنونها وأحاديثنا حول فناجين القهوة أو وجبات الغذاء الباردة. كنا نخطّط لأيام سوريالية، ونضحك. أضحك، أنا الواقعية إلى أبعد الحدود أو أقربها، بما أنّ تمسّكي بالواقع لا يسمح لي بالذهاب بعيداً في اختراع الأيام المقبلة.
بين صفحات المجلة مقاطع يرسلها الخريجون بعد أن يسردوا فيها إنجازاتهم ويحددوا أمكنتهم الجديدة. وتوضح هذه المقاطع أن معظم الخريجين غادروا لبنان. أعدّ بلدان العالم التي تلقّفت أحلامهم والمذكورة في كلماتهم القليلة. كثيرة هي هذه البلدان... ولعلّ أياً منهم لم يُمنح فرصة إعطاء بلده بعضاً مما تعلّمه أو قليلاً من طاقته. الكلّ حمل الشهادة وهاجر. ثم نقرأ في المجلة نفسها حوارات مع بعض هؤلاء ممن برعوا (في الخارج) في تقدير الفرص التي أعطيت لهم، وأبدعوا في أعمالهم حتى لمعت أسماؤهم.
أذكر إحدى الزميلات التي لم تتخلّ يوماً عن حقيبة الأوراق من الجلد البني، وعن مشيتها الجدّية. تجلس في الصف وتدوّن ما يقال وتحلّله بصمت غريب. لم أسمع صوتها يوماً، لكنني سمعته لاحقاً عندما أصبحت إحدى أشد المراسلات كفاءة في محطة إخبارية عالمية، كما وضعت كتباً في السياسة. أقرأ ما أرسله الخريجون بفضول ووجع. فمتى وكيف مرّت كل هذه الأعوام؟ وكلّما مررت في الشارع حيث تتسنّى لي مراقبة التلامذة الجدد وهم يجتازون بحماسة باب الجامعة العريض أعود إلى ما أحسست به في تلك الأعوام، إلى متعة اكتشاف الحياة، إلى جمال العلاقات بين الزملاء، إلى منظر البحر القريب وزرقته الممتدة نحو الأفق المفتوح. كانت رائحة الغد أجمل، وكان أسودُ اليوم رمادياً. كان ضياعنا جميلاً برغم كل شيء.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024