قواعد اللغة العربية وآدابها ونفور التلميذ منها...
لماذا تبدو القواعد العربية بالنسبة إلى بعض التلامذة مادة صعبة لا يمكن حل ألغازها؟ ومَن المسؤول عن كره الكثير من التلامذة لهذه المادة؟ وكيف يمكن جعلها مادة حيّة يسهل فهمها على التلميذ؟ ولماذا يمتعض بعض التلامذة من حصتي النحو والإنشاء والأدب العربي؟
يرى اختصاصيو التربية ومعلّمو اللغة العربية أن هناك أسبابًا عدة تجعل دراسة اللغة العربية عمومًا وقواعدها خصوصًا، شيئًا يعصى على التلميذ فهمه.
أمّا المواد التي تنطق بها مثل التاريخ والجغرافيا والأدب العربي، فتبدو بالنسبة إلى بعض التلامذة مواد لا طائل منها، بل ينظرون إليها أحيانًا على أنها عقاب. ويعود السبب إلى طريقة شرح الأستاذ وإلى نظرة المجتمع الذي يقدّر التلميذ البارع في المواد العلمية.
إضافة إلى أن العصر هو عصر العلوم التكنولوجية ويتطلب براعة فيها. لذا تبدو النصوص الأدبية بالنسبة إلى معظم التلامذة أشبه بالنصوص الصينية، لا يمكن فهمها وتشعرهم بالملل!
لذا يمكن تحديد أسباب إهمال التلامذة اللغة العربية والمواد المتفرّعة منها بالآتي:
يعتبر معظم الناس في الوطن العربي أن اللغة العربية العامية مستقلة عن اللغة العربية الفصحى. فالتحدث بها من حيث المفردات التي نستعملها في حياتنا اليومية، يختلف من بلد عربي إلى آخر.
فمثلاً في بعض البلدان يسمّون خزانة الملابس «دولابًا»، في حين يطلق عليها في لبنان مثلاً «خزانة»، كما أن صيغة الجمع باللغة العامية تختلف كليًا عما هي عليه باللغة الفصحى، مثلاً يقال بالعامية «نسوان» عوضًا عن «نسوة» أو «نساء».
- تتميز قواعد اللغة العربية بالتنوّع وكثرة التفرّع. كما تتقاطع هذه القواعد في ما بينها، فالفاعل يكون أحيانًا مرفوعًا، ومنصوبًا في أحيان أخرى.
- تتميز اللغة العربية بغناها بالمفردات، إذ يكون الفارق أحيانًا بين استعمال مفردة وأخرى بسيطًا، لكن المعنى مختلف. فمثلاً هناك فارق بين كلمتي حب ومحبة، وبين هرولة وجري وعدو. وفي أحيان كثيرة تختلف المفردة العامية عن المفردة باللغة العربية الفصحى.
- تتميّز القواعد الإملائية مثل كتابة الهمزة أو التاء الطويلة أو المربوطة بتنوّعها وتشابكها.
- التواصل باللهجة العاميّة أمر سهل، مما يجعل اللغة الفصحى عبئًا على الشخص.
- لا تعتمد اللغة العربية الفصحى كلغة التداول اليومي، بل هي لغة الكتب ووسائل الإعلام بكل مجالاته. وبالتالي، فإن تواصل التلميذ مع اللغة الفصحى محدود، فيما يتطلّب اكتسابها جهدًا خاصًا.
هذه الأسباب تجعل اللغة العربية وقواعدها أمرًا يستعصي على التلميذ فهمه إذا لم يكن أستاذ المادة قادرًا على تبسيطها، وجعلها مادة حيّة تجذب انتباه التلميذ، وتحفّزه على فهمها.
لماذا تبدو مفردات المراهقين ضعيفة ويعرفون القليل عن اللغة الفصحى؟ أليس أستاذ المادة مسؤولاً عن نفور التلميذ منها؟
إذا أحب الطالب الأستاذ، أحب المادة التي يدرّسها. لذا فكما هدف الأستاذ تعليم تلامذته المادة، عليه أن يعرف قبل ذلك كيف يجعل تلامذته يحبونه ويحترمونه، وألا يكرهوا المادة، عليه العمل على نفسه لابتكار وسيلة جذابة.
المهم جعل التلميذ منتجًا للمادة، وإذا أخطأ، دور الأستاذ تصحيح الخطأ وليس الاستهزاء به. الترداد والتصحيح والقراءة كفيلة بتعزيز مخزون التلميذ اللغوي.
أما إذا كان التلميذ رافضًا للمادة رغم ذكائه، فعلى الأستاذ أن يعمل معه بطريقة فردية لمعرفة سبب رفضه، ثم يحاول جعله يشعر بأنه اكتشف شيئًا وأنه قادر على تخطي الصعوبة التي يعانيها، إلى أن يصل إلى مرحلة يفكر فيها: «في إمكاني أن أبرع في اللغة، فلمَ لا أدرسها؟ لم تعد مادة سبب تأخري في المعدل العام طالما في إمكانها دعمي».
في التربية الحديثة، لا يهم أن يعرف التلميذ قاعدة الاستثناء أو قاعدة الشرط، ما يهم مثلاً إذا رأى حرف شرط في الجملة أن يعرف وظيفته، إذا جزمت فعلين مضارعين، لماذا نسمي الأوّل فعل الشرط والثاني جواب الشرط! إذا فهم المعنى، بدأ بفهم القاعدة.
المهم أن يعرف التلميذ توظيف قواعد اللغة بشكل صحيح في الكتابة. فالقواعد لم توجد لتكون علمًا قاسيًا وصعبًا بالنسبة إلى التلميذ، بل يتطلب فهمها تفكيرًا رياضيًا منطقيًا.
وفي المقابل، المطلوب من التلميذ أن يعرف كيف يوظف علم القواعد في لغته المكتوبة والمحكية، مثلاً عند استعمال النواسخ أو المبتدأ والخبر، كلها أساليب بلاغية في التعبير، فبمجرد امتلاك الطالب مهارة الكتابة، يحسّن أسلوبه ويشدّ القارئ الذي يقرأ نصّه أو ورقة امتحانه مما يعطي انطباعًا جيدًا، وبالتالي ينال علامة جيدة.
إضافة إلى دور المعلّم، هناك المدرسة التي عليها أن تكون على اطلاع على التقنيات الحديثة في التعليم، لا سيّما لما في عالم التكنولوجيا من تطور، ففي بعض المدارس صار يستعمل بما يعرف باللوح التفاعلي Inter active board لمواكبة تفكير التلامذة وجعل المواد المدرسية تفاعلية تجذب التلميذ، من طريق ابتكار طريقة لتحويل مادة اللغة العربية إلى صف حيوي، وتحويل المسائل المجردة إلى ملموسة لتترسخ في ذهن الطالب ولا ينساها بمجرد انتهاء الامتحان.
ما هي سبل تبسيط قواعد اللغة العربية على التلميذ؟
بداية على أساتذة قواعد اللغة جعل التلامذة يدركون أن قواعد اللغة أقرب إلى المادة العلمية منها إلى الأدب الذي هو لغة التحليل والخيال والعاطفة. وتجدر الإشارة إلى أن صعوبة فهم قواعد اللغة لا تقتصر على اللغة العربية وحدها.
فسواء كانت اللغة عربية أو انكليزية أو فرنسية أو أية لغة حيّة أخرى، لديها قواعد إعرابية ونحوية وكتابية يجب التقيّد بها، ومعادلاتها منطقية شبيهة بالمعادلات الرياضية، وبالتالي أي ثغرة في فهم قاعدة بسيطة، فإن التلميذ سيواجه صعوبة في فهمها عندما تزداد القاعدة تشعبًا وتعقيدًا.
ولكن الفارق بين اللغة العربية واللغات الحية الأخرى، أن هناك فارقًا بين اللغة العربية «المحكية» واللغة العربية الفصحى، وبالتالي لا يطبق التلميذ القاعدة الإعرابية اثناء التحدث بالعامية، فيما القواعد الإعرابية في معظم اللغات الحية الأخرى حاضرة في اللغة المحكية معظم الأحيان.
من هنا يمكن أستاذ اللغة العربية تبسيط شرح قواعدها فتكون على الشكل الآتي:
- يقرأ التلميذ الجملة ثم يقوم الأستاذ بشرح قاعدتها الإعرابية وليس العكس. فمثلاً يطلب من التلميذ أن يقرأ جملاً مرفوعة أو منصوبة مرتكزة على قاعدة الرفع أو النصب إلى حين ترسخ في ذهنه الصيغة الإعرابية بشكلها الصحيح، ثم يُشرح له لمَ رُفع الفاعل أو لمَ نُصب. بمعنى آخر لا يجوز شرح القاعدة الإعرابية قبل التطبيق، بل يجب قراءة نموذج ثم شرح القاعدة.
- تعويد الطالب على النماذج الإعرابية من خلال توفير نصوص خاصة بالقاعدة الإعرابية التي يدرّسها مثل الأناشيد أو الأشعار التي تتضمن الكثير من هذه الصيغ الإعرابية.
- التركيز على القواعد السهلة ثم الانتقال إلى الأصعب. فمن المعلوم أن القواعد العربية تتراكم في درجة تعقيدها أو تفريعها، وعندما يكون التلميذ متمكّناً منها في المراحل التعليمية الأولى، أي أنه استوعب بداهات القواعد العربية، يجد القواعد الأكثر تعقيدًا سهلة. وإذا لم يكن، فإنه يجد نفسه أمام كمٍ كبير من القواعد المتفرّعة والمتشابكة التي يجب عليه فهمها وحلّها. لذا يجدر بالأهل الذين يواجه ابنهم صعوبة في القواعد العربية أن يعيدوا شرح مبادئها الأساسية له.
- استخدام اللغة بشكل مستمر، مما يساعد التلميذ على فهمها ورسوخ قواعدها في ذهنه. فكلما قلّ استعماله للغة الفصحى صعُبت عليه. فمثلاً يمكن أستاذ اللغة العربية أن يطلب من تلامذته التحدث باللغة العربية الفصحى أثناء حصة اللغة العربية، فاللغة مهارة يحتاج اكتسابها إلى تدريب يساهم في إتقانها.
ما دور الأهل في مساعدة أبنائهم على إتقان اللغة العربية وقواعدها؟
دور الأهل يكمن في اتباع الوسائل الآتية
- إظهار الاهتمام باللغة العربية الفصحى وعدم الاستخفاف بها.
- شراء كتب باللغة العربية، فالأهل هم القدوة التي يحتذي بها الأبناء. لذا من الضروري أن يرى الابن والديه يطالعان كتبًا باللغة العربية، إضافة إلى ضرورة استعمال مفردات بالفصحى.
- تشجيع الأبناء على متابعة برامج ناطقة باللغة العربية الفصحى.
- تشجيع الأبناء على المطالعة أو قراءة القصص العربية القصيرة.
- اغتنام فرص التواصل بين الأبناء والأهل للتحدث باللغة الفصحى. كأن تطلب الأم من ابنها أو ابنتها رواية قصّتها المفضّلة أمام أفراد العائلة باللغة العربية الفصحى.
- إبداء التقدير والإعجاب بالطفل بسبب قدرته على التحدث باللغة العربية الفصحى، كما يفعلون عندما يُظهر قدرته في التحدث باللغة الأجنبية.
- تشجيع الطفل على المشاركة في نشاطات ترفيهية أو مسابقات تتطلب كتابة رسائل أو إيجاد مفردات باللغة العربية الفصحى.
- تشجيع الطفل على حفظ الآيات القرآنية.
- الاستماع إلى تسجيلات تروي القصص حتى لو كان ذلك في السيارة ومناقشة القصة باللغة الفصحى.
- توفير البرامج التثقيفية التي تعلّم قواعد اللغة العربية والإملاء من طريق الكمبيوتر. إذ تساعد هذه البرامج التلميذ على التفاعل بينه وبين الكمبيوتر، مما يجعل تعلّم القواعد نشاطًا ترفيهيًا.
- تقوية العبارات الإنشائية ويكون ذلك من طريق:
- قراءة نص يختار منه التلميذ العبارات التي تلفت نظره، ثم الطلب منه استعمالها في جمل مفيدة.
- قراءة نصوص وتلخيصها باستعمال العبارات الواردة فيها.
- تنويع أنماط النصوص، أي قراءة النصوص السردية والوصفية والإيجازية والبرهانية. فالعبارات تختلف باختلاف أنماط هذه النصوص وقراءتها، مما يساعد على إغناء أسلوب التلميذ في الكتابة. فمن المعلوم أن المفردات في النصوص الوصفية تختلف عنها في النصوص العلمية، واللغة العلمية غير تلك الأدبية...
يسأل الأهل لمَ على أبنائهم أن يكونوا بارعين في اللغة العربية وآدابها طالما أن اللغة الأجنبية هي لغة العلوم والتخصص الجامعي؟
لنفترض أن هذا صحيح، ولكن قبل الدخول إلى الجامعة سوف يخضع التلميذ لامتحان الشهادة الثانوية التي من ضمنها مواد باللغة العربية مثل التاريخ أو الجغرافيا أو تحليل نص أدبي... والضعف في اللغة العربية قد يؤدي الى رسوبه في الشهادة الرسمية، لأن الحفظ والتحليل يحتاجان إلى فهم. ولكي يستطيع التلميذ أن يكتب من طريق الفهم، عليه أن يمتلك مخزوناً لغوياً صحيحاً من حيث التعبير والمفردات.
والأهل الذين لا يعون أهمية اللغة العربية بالنسبة إلى ابنهم، عليهم أن يدركوا أن ابنهم سيواجه عقبة أثناء الامتحانات الرسمية.
ولكن الأهل يجدون أحيانًا صعوبة في إقناع ابنهم أو ابنتهم إذا كانا في سن المراهقة بالاهتمام باللغة العربية والنجاح فيها؟
دور الأهل تعزيز فكرة الهوية والانتماء الى اللغة العربية: أنت تدرس اللغة العربية ليس لأنها واجب مدرسي، بل لأنها أساس هويتك العربية. ولكن إذا كان الأهل مقتعنين بأن ابنهم لن يستفيد من اللغة فليس هناك من حل، مهما فعلت المدرسة والأساتذة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024