تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

السيدة وفاء وفا: أصبحتُ أقدّر جمال الحياة

اكتشفت السيدة وفاء وفا مرضها صدفة في مرحلة مبكرة. وهي اليوم تحمد الله على تخطيها مرحلة المرض التي بدت لها ذات وجهين، سلبي وإيجابي. ومما لا شك فيه أنها مرت بالظروف الصعبة نفسها التي عاشتها كل امرأة خضعت لمثل هذه التجربة، وعانت الكثير بسبب العلاج ومضاعفاته والظروف التي ترافق المرض. لكنها في الوقت نفسه، وبفضل المرض اكتشفت كل المحبين من حولها ولمست تلك المحبة التي يكنّونها لها. عن قصتها في تلك المرحلة التي قلبت حياتها وحوّلتها إلى الأفضل تتحدث بكل شفافية.


لطالما كانت وفاء (51 سنة) حريصة على إجراء الصورة الشعاعية في موعدها من دون تأخير. وفي ذلك العام كانت قد تأخرت شهراً واحداً عن الموعد المحدد عندما لاحظت دملة صغيرة لا يتعدى حجمها حجم حبة العدس. «كنت دائمة الحرص على إجراء الفحص الذاتي.
وفي تلك المرة شعرت بشيء صغير في الثدي الأيمن. زرت الطبيب مباشرةً فنصحني بالصورة الشعاعية التي حين أُجريت لي لم تُظهر شيئاً.
فطُلب مني أن أجري الصورة الصوتية لمزيد من التأكد، وتبيّن فيها أن ثمة ورماً صغيراً في الثدي مما يستدعي أخذ خزعة. واللافت أن تلك الدملة التي لحظتها أولاً لم تكن لها اي علاقة بالورم السرطاني الذي تم اكتشافه، فهي كانت حميدة، لكن شاء الله أن ألحظها لأتمكن من كشف الورم السرطاني الذي لم يكن ظاهراً وما كان ممكناً أن ألحظه.
في الواقع كانت الأورام السرطانية التي لدي جديدة وصغيرة وظهرت خلال سنة. علماً أنني إنسانة قوية وحريصة على ممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي صحي ولا وجود لحالات سرطان الثدي في عائلتي».

بعدما تم تشخيص المرض لديها، توجهت وفاء إلى الجراح الذي شرح لها كل التفاصيل المرتبطة بمرضها وبالجراحة التي ستخضع لها، فيما أبت أن تخبر أحداً عن مرضها وفضلت التكتم على الأمر في البداية.
«
لم أشعر بالخوف عندما علمت بمرضي، بل كان أقرب إلى الشعور بالغضب والحزن. كما لم أتقبل الأمر أولاً بما أنني لم أكن أتوقعه أبداً. لكن أحمد الله لأن المرض لم يتطور وكان في بدايته، كما شرح لي الجراح.
كان الأمر صعباً عليّ، وقررت التحدث مع امرأة مرت بالتجربة نفسها. وهذا ما فعلت فقابلت سيدة خضعت للتجربة نفسها، وأخذت أبكي بحرقة فنصحتني بتناول مهدئ للأعصاب ففعلت ونمت قليلاً وبعد ساعات استيقظت وكأن شيئاً لم يكن.
عندها أخبرت شقيقتي الكبرى بمرضي، لكنني لم استطع إخبار أمي. خضعت للجراحة وكانت ناجحة، لكن في اليوم التالي عانيت ارتفاعاً في الحرارة كرد فعل على العملية، لكنني تحسنت خلال ايام وتخطيت الامر وخرجت من المستشفى. وكان كل ما مررت به أولاً سهلاً في مقابل ما عانيته نتيجة العلاج الكيميائي، إذ كان في غاية الصعوبة نفسياً وجسدياً. لم يكن تساقط شعري ما أزعجني، لعلمي بأنه سينمو مجدداً بمزيد من الكثافة، فكنت أضع قبعة أو وشاحاً لأن الشعر المستعار ضايقني، إلا أن الآثار الجانبية للعلاج كانت صعبة جداً.
لهذا السبب لم أستطع العودة إلى العمل. حاولت مرةً لكنني لم أجد الطاقة لذلك، فكنت متعبة وأعاني غثياناً وآلاماً بسبب المصل وفقدان الشهية وأوجاعاً وثقلاً في الساقين، خصوصاً في المرحلة الثانية من العلاج الكيميائي التي كانت فعلاً الأصعب. كنت أمكث 4 ايام في السرير من دون أن أقوى على النهوض».

عاطفة المحيطين جانب إيجابي في المرض.
رغم كل ما عانته وفاء من ألم وعذاب في مرحلة المرض، بدت محبة المحيطين بمثابة اليد التي امتدت لتنقذها. فبدت الأمور كلّها اكثر سهولة بفضل إحاطتهم لها، حتى أنها رأت لهذا السبب في المرض سلبيات وإيجابيات.
«
بفضل المرض عرفت كم هناك أشخاص يحبونني فيما لم أر ذلك يوماً. لم ألحظ مرة كل هذه المحبة التي يكنّونها لي، لكنني اكتشفتها في هذه المرحلة الصعبة، مما سهّل الأمور عليّ إلى حد كبير. أينما أصل كنت أرى الأزهار والهدايا في انتظاري لأفرح بها وأنسى ألمي. لهذا كانت معاناتي تخف ولم أعد أشعر بأنني مريضة».

ما بعد المرض والعلاج...
الآن وقد أنهت وفاء مرحلة العلاج الكيميائي منذ 6 أشهر، ها إن مرحلة جديدة من حياتها قد بدأت ولم يتبق لها فيها من المرض إلا أن تنتظم في علاج الهورمونات لمدة 5 سنوات وتحرص على الخضوع للفحوص الروتينية بانتظام.
عادت حياتها طبيعية، لكن مما لا شك فيه أن أموراً كثيرة تبدلت فيها كما في حياة كل مريضة مرت بهذه التجربة. عن كل ما تبدل، تقول وفاء: «بعد مرحلة المرض، تعلمت الصبر والوعي، والأهم أنني شعرت بكم هائل من محبة من حولي لم أكن أعرفه سابقاً مما ساهم في مدّي بالقوة لأتابع. بعد ما مررت به، أيضاً زاد إيماني بالله واقتربت منه أكثر.
ومنذ ذلك الوقت وأنا أحمد الله لأنه أرسل لي هذه المشكلة الصحية إلى جانب أمور كثيرة جميلة تزيد تعلّقي بالحياة. أصبحت أنظر إلى الأمور بطريقة مختلفة وأشكر الله على كل النعم إذ رأيت أن الحياة جديرة بأن نعيشها بأفضل ما يكون. فرغم صعوبة تلك المرحلة، كانت لها إيجابيات كثيرة لأنها سمحت لي برؤية الكثير من الأمور الجميلة التي لم أرها سابقاً... أما في ما يتعلّق بنمط حياتي فصرت أكثر حرصاً على اتباع نمط غذائي صحي أركز فيه على تناول الخضر والفاكهة بشكل أساسي. وبالنسبة إلى الرياضة، أحرص على المشي بانتظام لأن جسمي لا يزال متعباً حتى أقوم بالمزيد.
فوفق الطبيب، قد أحتاج الى سنة حتى أستعيد قوتي. صرت أخرج من المنزل وأستمتع بحياتي، لكن في الوقت نفسه أعشق البقاء في المنزل وأجد في ذلك متعة خاصة فأمضي فيه الكثير من الوقت مع أمي حيث أشعر فعلاً بالأمان والارتياح عندما أكون إلى جانبها.
من جهة أخرى، أنا ومجموعة من النساء اللواتي مررن بالتجربة نفسها نلتقي ونتحدث دائماً في هذا الموضوع ونناقشه مع بعضنا ومع أخريات يعشن التجربة لنؤكد أن هذا الموضوع ليس «عيباً» بل يمكن التحدث فيه بكل شفافية ووضوح لتسهيل الأمور على كل من تواجهه للتغلّب عليه ومحاربته بمزيد من الطاقة والقوة. لهذا أنا لا أخاف منه ولا من عودته ولا يتملكني هذا الهاجس أبداً».

قد تكون قصّة وفاء هي قصة كل مريضة تعاني سرطان الثدي ومرت بهذه التجربة، فالمرض هو هو والعلاج نفسه والظروف قد تتشابه أحياناً، لكن في النهاية لكل امرأة شخصيتها وكل مريضة تتقبله على طريقتها ويترك فيها بصمة قد تختلف أحياناً. لكن يبقى الأهم التحدث عنه من دون خوف لمواجهته بمزيد من القوة والشجاعة. فلا تنكر اي مريضة مدى ارتياحها عندما تتحدث مع نساء مررن بالتجربة نفسها لاعتبارهن يفهمن أحاسيسها ويساعدنها على تقبل الأمور بشكل أفضل.

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080