تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

ليتوانيا حيث تنسج الطبيعة روائعها

في شرقي القارة الأوروبية، ثمة بلاد جميلة نحت فيها التاريخ صفحاته، ونسجت فيها الطبيعة روائعها. إنها ليتوانيا التي يداعب شواطئها بحر البلطيق شرقًا، وتتذكر حكايات أمجاد إمبراطورية اندثرت مع جارتها بولندا عند جنوب شرقيها، وتتسرّب إليها نسائم روسيا البيضاء الباردة جنوب غربيها، وتشاركها جارتها لاتفيا جغرافيا طبيعية تمتد على طول حدودها الشمالية. تنفرد ليتوانيا بسحر خاص جعلها من أجمل بلاد أوروبا الشرقية رغم تناوب أسياد الزمن عليها.
وفي العصر الحديث، توالى الروس والألمان على احتلالها إلى أن وقعت أخيرًا في قبضة الجيش الأحمر، وانضوت البلاد تحت راية الشيوعية منذ عام 1944 إلى أن سقط جدار برلين عام 1989، وزالت معه مقولة شرق أوروبا الفقير، وغرب أوروبا الرأسمالي الغني، لتتكشف بلاد تحضن تاريخًا يتكلّم على أمجاد مضت لعالم مترف تجسد في أبنية شُيّدت على الأنماط: الروماني والباروكي والقوطي وعصر النهضة. ولعلّ زيارة فيلنيوس عاصمة ليتوانيا وكوناس عاصمتها الاقتصادية، تختصر جمال البلاد الحضري المتماهي مع جمالها الطبيعي الخاطف للأنفاس مهما تبدّل مزاج الفصول.


فيلنيوس العاصمة... حكايات امبراطورية اندثرت
تقع فيلنيوس على ضفاف نهر نيري على بعد 250 كيلومترًا من بحر البلطيق جنوب شرقي البلاد، بالقرب من حدود بيلاروسيا. ينتظم وسط المدينة الواقع عند الضفة الجنوبية لنهر نيري حول ساحة الكاتدرائية.
هنا في فيلنيوس الجمال الطبيعي والإبداع الإنساني اجتمعا بكل حب لتخرج من رحمهما مدينة أقل ما يقال عنها، إنها متحف لا تمل الواحدة منا التجوال بين أروقته وأجنحته، وتتلمس معروضاته من دون تحفّظ. فكنائسها الرائعة وقصورها الفخمة التي تعود إلى العصور الوسطى وطرقاتها المرصوفة لا تزال قائمة بكل أبّهة تروي حكايات عصر الإمبراطورية التي اندثرت.
يمكن القول عن فيلنيوس إنها مدينة تضاهي البندقية الإيطالية رومانسية وسحرًا. ففي هذه المدينة تنبثق الحياة العصرية بصخبها وسرعتها من الروح القديمة للمعالم الأثرية. فجامعة فيلنيوس أقدم جامعات أوروبا الشرقية وأكبرها، يقصدها الطلاب من جميع أنحاء العالم لينهلوا جميع أنواع العلوم.
يعود تاريخ إنشائها إلى سنة 1597، وتحوي مكتبتها كنزًا يضم 189 ألف مؤلف من مخطوطات قديمة، ونسخ وكتب نادرة وأكبر مجموعة خرائط جغرافية في أوروبا.

المدينة العتيقة أجمل مدن أوروبا الشرقية القديمة
وتعتبر فيلنيوس العتيقة واحدة من أجمل مدن أوروبا الشرقية وأكبرها. فرغم اختلاف هندستها المعمارية، لكنها منسجمة مع بعضها بعضاً وكأنها تعكس التنافس بين أمزجة فنانيها وتبدّل أسياد الزمان والمكان.

برج جيديميناس
برج جيديميناس هو رمز المدينة الذي بُني تكريمًا للدوق جيديميناس الكبير، ويقع عند أقدام الهضبة، وتسمى الساحة القريبة منه ساحة جيديميناس.
أعيد ترميم «قصر السيادة» الموجود قربه في القرن السادس عشر، وانتهت الأشغال منه عام 2009 في ذكرى مرور ألف سنة على دخول اسم ليتوانيا صفحات التاريخ المكتوب. وعند غربي ساحة جيديميناس تقف كنيسة سانت آن التي شيّدت في القرن السادس عشر والتي تعتبر تحفة الفن القوطي، وتختبئ خلفها كنيستا سان فرانسوا وسان برنارد، وتضمان جداريات تعود إلى مئات السنين.
بينما تشكّل كنيسة القديس بطرس التي تعود إلى القرن السابع عشر لؤلؤة الفن الباروكي، وقد زيّن داخلها بألفي قطعة من الجص المرمري.

ساحة كوتوزوف متحف مفتوح
في وسط المدينة العتيقة، تمتد ساحة كوتوزوف، حيث يوجد البلاط الذي توالى الحكّام على السكن فيه بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ويتميّز القصر بأعمدته الفريدة.
وفي التاريخ أن نابليون سكن هذا القصر لأسابيع عدة، وبعد انسحاب القوات الفرنسية استعاد المارشال كوتوزوف القصر، وسمّيت الساحة باسمه.
وعند شرقي ساحة جيديميناس تنطلق شرايين المدينة المركزية، حيث تأخذك الأوردة إلى المعالم الفريدة التي تعكس تشبث سكان فيلنيوس بتاريخهم المجيد، رغم أسلوب الحياة العصرية الشابة.
إذ تتجاور في الشوارع العتيقة البوتيكات التي تعرض لأهم دور الأزياء، ومطاعم الرصيف والمقاهي التي تغص بالرواد، خصوصًا طلبة الجامعات ورجال الأعمال والفنانين الذين أتوا من جميع أصقاع العالم، وتراهم هنا يتناولون طعامهم، أو يتسكعون بين أروقة مدينة لا تعرف إلا أن تكون عالمية.

كوناس المدينة المنافسة
ومن فيلنيوس انطلقي نحو العاصمة الاقتصادية لليتوانيا. إنها كوناس المدينة التي تنافس فيلنيوس على الجمال الطبيعي الذي حباها به الخالق، وعلى الروائع المعمارية التي صمدت عبر التاريخ، لتجدي نفسك في متاهة ليتوانية تعبرين من خلالها الى عوالم استقرت هنا بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر.

تأسست كوناس بين القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد وعند التقاء اثنين من أكبر الأنهار الليتوانية. وفي القرن الرابع عشر، تم بناء القلعة التي تعتبر الأقدم في ليتوانيا. وذكر اسم كوناس للمرة الأولى في كتابات فرسان توتونيك Teutonic عام 1361، الذين استولوا على المدينة ودمّروا القلعة عام 1362، التي أعيد بناؤها في بداية القرن الخامس عشر. ومنحت كوناس عام 1408 حقوق ماغديبورغ التي كتبها فتوتس الكبير. وبفضل موقعها عند تقاطع طرق التجارة والميناء النهري، أصبحت أحد المراكز التجارية الكبرى في دوقية ليتوانيا الكبرى، وانضمت إلى الرابطة الهانزية عام 1441. وبحلول القرن الخامس عشر، أصبحت كوناس واحدة من أهم المدن في ليتوانيا.
معلومة: (حقوق ماغديبورغ، هي حقوق وضعها الإمبراطور أوتو الأول (912-973)، وهي مجموعة من الامتيازات كان يمنحها الحاكم المحلي للمدينة الواقعة تحت الحكم الروماني استنادًا إلى القانون الفلمنكي. وتمنح هذه الحقوق، المدن والقرى درجة من الحكم الذاتي الداخلي. وقد سمّيت باسم المدينة الألمانية ماغديبورغ).

البلدة العتيقة
بُنِيت البلدة العتيقة في معظمها بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر. وشيّدت المباني على النمط القوطي وعصر النهضة، والباروكي.
التجوال في كوناس سيرًا على الأقدام يدخلك في تفاصيل المدينة المعمارية والطبيعية والإنسانية، المساحات المفتوحة والحدائق والشوارع المرصوفة التي تحتشد فيها روائع المعمار.

قلعة كوناس
ابدئي جولتك من شارع بابيليو الرقم 17 حيث توجد «قلعة كوناس» أقدم مبنى في المدينة. الطريق إليها معبّد بألوان الطبيعة الخاطفة للأنفاس، لتنبثق قلعة تستريح عند تقاطع أكبر نهرين في ليتوانيا، نيري ونيموناس، تنظر إليهما وهما يتعانقان بصمت منذ الأزل، يؤازرها في التأمل متنزّه سانتاكوس حيث الاسترخاء فيه ينسيك صخب الحياة المعاصرة ويدخلك في لعبة التأمل الليتوانية.
معلومة: القلعة مفتوحة للسياح، وهي تضم معرضًا فنيًا وتستضيف المهرجانات الموسمية.

قاعة المدينة
تقع قاعة كوناس في ساحة Rotuses الرقم 15. بُنِيت في منتصف القرن السادس عشر، في الوقت الذي اشتهرت فيه كوناس بأنها مدينة التجّار. تشكّل قاعة المدينة مثالاً رائعًا للعمارة في عصر النهضة، ويطلق عليها السكان المحليون «البجعة البيضاء». أعيد بناء قاعة المدينة عام 1836 وقد تحوّلت إلى مركز إقامة القياصرة الروس. افتتحت قاعة الزفاف (مكتب تسجيل الزواج) في الطبقتين الأرضية والأولى العلوية عام 1973.
فيما تضم أقبية القاعة متحف كوناس للسيراميك الذي يعرض الاكتشافات الأثرية التي وجدت في البلدة القديمة ومحيطها. كما يحتوي المتحف على مجموعة من الأواني الفخارية المشغولة التي تعود الى حرفيين محليين، وخزفيات رائعة مشغولة بالفرن، وكذلك خزفيات من الآجر بحجم مثير للإعجاب. ويعكس المعرض أيضًا أسلوب حياة سكان القرية في ذلك الوقت. وتشكّل ساحة قاعة المدينة الساحة الرئيسية في وسط كوناس، مزنّرة بالمباني التاريخية الرائعة، وبالمقاهي والبوتيكات والمتاحف، وبيوت القهوة ومعارض الفن... كل هذا يجعل قاعة المدينة مكانًا رائعًا للتجوال والتعرّف إلى تفاصيلها بكل حواسك.

جسر فايتوتس  Vytautas
يربط جسر فايتوتس البلدة القديمة وحي أليكسوتاس Aleksotas. تمّ بناء الجسر الأصلي على أعمدة خشبية عام 1812. وكان يستعمله جيش نابليون أثناء الهرب من روسيا. وفي بداية القرن التاسع عشر، كان حي أليكسوتاس تابعًا لبولندا، فيما كانت أجزاء أخرى من كوناس على الضفة اليمنى من نهر Nemunas تابعة لمنطقة شمال غربي روسيا، وكان هذا الجسر يعتبر أطول جسر في العالم. الطريف في حكاية هذا الجسر، أنه كان رمز اتباع تقويمين مختلفين: التقويم السلافي جوليان وكانت تتبعه منطقة كوناس التابعة لبولندا، في حين أن الجزء التابع لمنطقة أليكسوتاس كان يتبع التقويم الكاثوليكي الجيورجي. لذلك، كان عبور الجسر يستغرق 13 يومًا وهو الفارق بين التقويمين، إلى حين أصبحت المنطقتان ليتوانيتين.

أليجا لايسفيس aleja-Laisves
إنه شارع المشاة الأكثر شهرة في كوناس يبدأ من البلدة القديمة لمسافة كيلومترين حتى كنيسة القديس ميخائيل. تصطف على جنبيه أشجار الزيزفون التي فرشت عند أقدامها الأزهار والمقاعد. يدخلك هذا الشارع في متاهة من الجمال الطبيعي والإنساني، فكما تحتشد فيه الأشجار والزهور، تحتشد أيضًا أمواج المشاة الذين يجدون فيه كل ما يمكن توقّعه.
فهنا المحلات التجارية والبنوك والسوبر ماركت والمطاعم ودور السينما والملاهي والنوادي الليلية، والمتاحف، ومكتب المعلومات السياحية، والفنادق، ومكتب البريد المركزي... ما يجعله شارعًا حيويًا لن تشعري بالملل إذا ما نزلت في أحد الفناق أو النزل الموجودة فيه.

مسجد Totoriu
يقع مسجد توتوريو في الشارع الرقم 3، في الزاوية الشمالية لمتنزه راميباي Ramibey وسط مدينة كوناس التجاري. تمّ بناؤه عام 1930 على يد جماعة التتار في الذكرى السنوية الـ500 لفايتوتس العظيم أحد حكّام ليتوانيا في العصر الوسيط. جاءت هندسة المسجد المعمارية على النمط الليتواني التقليدي.

حديقة كوناس النباتية
تقع الحديقة في شارع زيليبيرو الرقم 6، وهي أحد أجمل مواقع الطبيعة هناك، تضم حوالى 62 هكتارًا من الأراضي تمتد فيها الدفيئات الزراعية التي تأسست عام 1923، ومتاهات وحديقة حيوانات صغيرة.

بطاقة هوية
البلد: ليتوانيا
العاصمة: فيلنيوس
العملة: يورو
الفيزا: شينغين

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079