تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

محمد خير الجراح: أحرص على ألّا أخون شخصية «أبو بدر»...

محمد خير الجراح: أحرص على ألّا أخون شخصية «أبو بدر»...

قريب من الجمهور في ما يقدم، دائم البحث عن الجديد ليبثه عبر الشخصيات التي يجسدها إيماناً منه بأنها تستحق أن تكون مختلفة وتحمل سماتها وطبيعة أدائها المميزة، فيطبعها ببصمته الخاصة محققاً حضوراً متفرداً، ويضفي عليها خصوصية الكاريزما التي يمتلكها في التمثيل، حتى بات يقف على أرض صلبة مرسّخاً هويته الإبداعية الخاصة... إنه الفنان محمد خير الجراح، الذي تنوعت أدواره بين الكوميديا والتراجيديا فأبدع في كليهما، واستطاع أن يحفر لنفسه مكاناً متقدماً لدى الجمهور مكتنزاً الكثير من محبتهم... معه كان لنا هذا اللقاء.


تنوّع الشخصيات:

- ما سبب تنوع مشاركاتك الدرامية ما بين الكوميديا والتراجيديا في الموسم الدرامي الأخير؟
(يضحك) بعد قليل قد أدخل في «كتاب غينيس»... هناك العديد من الأعمال التي شاركت فيها، ومنها مسلسل «حارة المشرقة»، إخراج ناجي طعمي، وقدمت فيه شخصية من يدّعي أنه يكتب شعراً غنائياً بمظهر خارجي لطيف، ولكنه في الحقيقة عكس ما يضمر تماماً، لأنه إنسان بخيل وظالم لزوجته. كما جسدت في مسلسل «امرأة من رماد»، شخصية صبحي العاطل من العمل، الذي يحاول إقناع زوجته بالتخلي عن ابن اختها اليتيم، وإعطائه إلى امرأة أخرى عملاً بمبدأ أنه سيعيش حياة أفضل، في حين أنه يبيعها الطفل ويقبض الثمن سراً.
أما في مسلسل «في ظروف غامضة»، إخراج المثنى صبح، فأديت دوراً أحببته لرجل مسؤول فاسد في ظل الأزمة، وقد وجدت أن كل تفاصيل الشخصية كانت مغرية، حتى أن هناك تصرفاً أخلاقياً بشعاً يقوم به على المستوى الإنساني وليس المستوى الاجتماعي فقط.

- لماذا أتت معظم شخصياتك الأخيرة تراجيدية بعيدة عن الكوميديا؟
معظم الأدوار التي قدمتها في الموسم الدرامي الأخير كانت تراجيدية، ولكنني قدمت عدداً من اللوحات في «بقعة ضوء» كما قدمت كوميديا الفارس في «أبو دزينة»... وإضافة إلى ذلك، فإن شخصيتي في «باب الحارة» تضمنت جرعة كبيرة من الكوميديا.
عموماً، يمكن القول إن النصوص الكوميدية كانت قليلة، وقد عُرضت عليّ أعمال لم أشارك فيها بسبب التنسيق بين تصوير الأعمال، كما لم تعجبني طريقة عرض المادة. ولكنني أشعر براحة تجاه الكوميديا، لأن الناس يحبون متابعتي من خلالها.

- ما سر استمرار «بقعة ضوء» إلى اليوم؟ ولماذا تحرص على المشاركة فيه دائماً؟
أحرص على المشاركة فيه لأنني جزء من عائلته، ولأن الناس سوف يسألونني إن غبت عنه. فمنذ جزئه الأول وحتى اليوم، لم أغب عنه أبدأ وقد شاركت في كل أجزائها، فهو عمل استطاع أن يزج بنا في قلب الواجهة السورية عندما انطلق في أجزائه الأولى. لقد أدخلنا كمجموعة كاملة في عالم الكوميديا، حتى أنني شاركت في بعض الأجزاء ضيفاً من خلال بعض الأدوار الصغيرة، لأن المهم بالنسبة إليّ ألا أغيب عنه أبداً.


«باب الحارة» والكوميديا:

- إلى أي درجة كان يحتمل «باب الحارة» الخط الكوميدي؟
المسلسل يُنتج بسبب شركات الإعلان العربية، وبالتالي بما أن هناك مُشاهداً عربياً يرغب في مشاهدته، فشركات الإعلان ترغب في استمراره، رغم أنه استوفى أغراضه في الجزءين الأول والثاني بحيث أُنجزا بروح واحدة وبطريقة أداء واحدة.
وهناك أمر مهم لا بد من الإشارة إليه، وهو أن الممثلين لم يكونوا قد أُفسِدوا حينها، بمعنى أن غالبيتهم قد تغيروا بعد نجاح المسلسل وخاصة بعد الجزء الثاني، فتحوّل التعاطي مع الدور من الإيمان إلى التمثيل، أي بين أن يكون المسلسل بمثابة مشروع للعاملين فيه لإنجاز عمل جيد وبين أن يصبح عبارة عن «بزنس».
وكان دوري في الجزءين الأول والثاني صغيراً، لكن بعد نجاح الشخصية كبُر الدور في الأجزاء اللاحقة، كما أحرص على ألا أخون شخصية (أبو بدر)، ومتى سنحت لي فرصة تقديم هذه الشخصية فسأقدمها لأنني أحبها.

- هل ذهبت فكرة إنجاز مسلسل كوميدي بطله (أبو بدر)... أدراج الرياح؟
لا يزال المشروع قائماً، ولكن طالما أن هناك مسلسل «باب الحارة» فهو مؤجل، لأن من الصعب، بل المستحيل تقديم العملين في الوقت نفسه، والمسلسل الجديد قائم وصُممت خريطته، وأعتقد أن هذا الرجل الصغير يحتمل أن يُقدم ضمن مسلسل، وهو أمر يحدث في كل الكوميديا العالمية لأنه من النمط نفسه... إنه الرجل الصغير الذي قدّمه شارلي شابلن ودريد لحام، وقدمه عادل إمام في «شاهد ماشفش حاجة»، ونضال سيجري في «ضيعة ضايعة»... هو الإنسان المسحوق والمقهور دائماً، لكن الذي يظهر كل مرة في لبوس مختلف، و (أبو بدر) ينتمي إلى هذه النوعية من الشخصيات التي يمكن أن يُنسج عليها الكثير من القصص والحكايات التي لها علاقة مباشرة بالحياة.

                  
الكوميديا... والخراب:

- هل يمكن الجمهور أن يتفاعل اليوم مع الكوميديا وسط الدمار والخراب والموت؟
لدي رأي خاص في هذا الموضوع حول الكوميديا والجمهور، فنحن بحاجة دائمة إلى الضحك والفرح، كما نحتاج الى التفلت من الأعباء التي نعانيها، وأرى أن التلفزيون وُجد بالدرجة الأولى للتسلية ولنضيف إليه من ثم كل المفاصل الأخرى. فالإنسان الذي يعمل طوال النهار، يشغّل جهاز التلفزيون في المساء ليرتاح من التعب... لذا نراهم يقدمون في العالم أعمالاً هي عبارة عن سلاسل كوميدية خفيفة كي يستعيد الناس نشاطهم للخروج إلى أعمالهم في اليوم الثاني، وبالتالي حاجتنا إلى الكوميديا لم تنتهِ بعد، لا بل حاجتنا إليها اليوم أكبر.

- تقول إن المشاهد بحاجة إلى الكوميديا، ولكن إلى أي مدى يستطيع متابعة أعمال تتناول الأزمة اليوم وتحوي جرعة كبيرة من الأسى والقهر الألم؟
الأعمال التي تذهب باتجاه القسوة وخاصة على شاشة التلفزيون سببها نوع من أنواع التفريغ الفني والفكري الذي يقدمه المبدعون والفنانون في العالم العربي، لأننا لا نقرأ، فيذهب الفنانون والأدباء إلى التلفزيون ليفرّغوا هواجسهم وينقلوا أفكارهم ورؤاهم للعالم عبر هذه الشاشة لأننا لا نذهب إلى المسرح أو السينما، كما أننا نهتم بالقراءة، إضافة إلى أن التلفزيون متوافر ويصل إلى كل بيت، حتى أن هناك مخرجين سينمائيين يعملون في التلفزيون ليفرّغوا هواجسهم من خلاله.


عكاكزي الكلام:

- كيف تبحث عن كل شخصية؟
على اختلاف المواصفات، أقرأ الشخصية وأفهمها وأحاول الاتفاق حولها مع المجموعة التي تنفذ العمل، ابتداءً من المخرج وكل مساعديه والماكياج والألبسة، وأنجز تيمات للشخصيات تكون لها علاقة بكاركترات الناس عامة، لأن لكل منا من دون أن يقصد (عكاكزي كلام) وطريقة في ردود فعله وتعبيره وحركاته وحواره وترتيب كلامه، وهذا ما أفتش عنه.
ومن المميزات التي تجعلني أشارك في أعمال عدة، عندما أحاول قدر الإمكان ألا أكون متشابهاً بين عمل وآخر، وربما لدينا عبء أكبر في مسلسل «بقعة ضوء»، ففيه يظهر التمايز خاصة عندما تقدم لوحتين في الحلقة الواحدة، فأفتش دائماً وأقرأ الشخصية وأفهمها وأحاول أن أمايز الشخصية.
وعلى سبيل المثال، قدمت شخصية الانتهازي في كل من مسلسلي «امرأة من رماد» و «ظروف غامضة» ولكن لكل منهما خصوصيته وهناك فارق كبير بينهما على مستوى الحركة والملابس وتسريحة الشعر وطريقة التعبير وردود الفعل، وأحياناً ألعب على الصوت وأغير (تون الصوت) وموسيقاه، فعلى سبيل المثال (أبو بدر) في مسلسل «باب الحارة» له صوت خاص به، وكذلك (جوهر بو مالحة) في مسلسل «الخربة» و(قدري) في مسلسل «صبايا»، وعندما أقدم شخصية آرتين الأرمني يكون هو الآخر له صوت خاص به، فهناك شخصيات تحتمل أن تُقدمها عبر (تون) منخفض، بينما هناك شخصيات تحكي بطبعها بصوت عالٍ وفق بيئتها وطبيعتها وعملها، وهذا يحتاج إلى وعي وثقافة ومراقبة كبيرة للناس...


باللهجة اللبنانية:

- أين تكمن خصوصية شخصيتك في المسلسل اللبناني «عين الجوزة»؟
المسلسل من إخراج ناجي طعمي، وأديت فيه شخصية لبنانية تتحدث باللهجة اللبنانية البيضاء، وهي شخصية رئيس مخفر ولكنه عميل، وقد ضم العمل ممثلين سوريين آخرين، مثل أسعد فضة وكندا حنا.

- شاركت في أعمال عدة تناولت موضوع الأزمة السورية، فإلى أي مدى شعرت بأن هذه الأعمال لامست الهموم الحقيقة للناس؟
أرى أن مناقشة الأزمة الحالية في العمق بحاجة إلى تروٍ وأن يُنظر إليها بكثير من الدقة، فالأعمال التي ناقشت الأزمة كانت فيها حالة انفعالية وعاطفية أكثر منها حالة تشريح لإشكاليات الأزمة، سواء عبر أساسياتها أو نتائجها، فدائماً كنا بعيدين عنها.

- هل نحن مؤهلون اليوم للحديث عن الأزمة رغم أننا لا نزال نعيشها بما تحمل من تداعيات وانعكاسات على كل الصعد؟
بالطبع لا... فغالباً ما تأتي الأعمال التي تتناول الجانب التشريحي في ما بعد الحدث. وعلى سبيل المثال، لم يُنجز فيلم عن الحرب العالمية الثانية أثناء حدوثها، ولم توثّق روائياً ومسرحياً وأدبياً إلا بعد انتهائها.
وبالتالي أرى أنه عندما يمر وقت على الحدث، تصبح لدينا رؤية أوضح حوله، ونستطيع التقييم بشكل أفضل. وأعتقد أنه بعد خروجنا من الأزمة سنقدم أعمالاً أدبية وفكرية أهم بكثير مما قُدم أثناء الأزمة.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078