رحلات المغامرة في السعودية... بوابة خطرة للوصول إلى المتعة
يبدو أن مصطلح الـ«ملل» سيختفي تدريجاً بين الأوساط الشبابية السعودية من الفتيات والفتيان، وذلك بعد بدء انتقال مفهوم تنظيم رحلات المغامرات إلى السعودية. لكن المتعة ليست السمة الوحيدة التي ستحل محل حواجز الملل، وإنما تصحب معها الشيء الكثير من المخاطرة والخطورة، فالأنشطة المستهدفة في رحلات المغامرة متنوعة، بعضها يعلن التحدي على الكثبان الرملية رغم الصعوبة البالغة، وذلك من خلال التجوال بسيارات ذات دفع رباعي للوصول إلى أعلى قمة فيها ضمن ما يسمى «التطعيس»، وأخرى تشمل تسلق الجبال وقطع مسافات شاسعة في الصحراء، حتى اجتياح قيعان البحار من أجل «متعة الاكتشاف». «لها» التقت مجموعة من الشباب والفتيات للاطلاع على مغامراتهم ودوافعها، فمنهم من يرى أن اكتشاف أماكن لا يعرفها في بلده أمر لا بد منه، وآخرون يتخذون من المغامرة طريقاً للقضاء على طاقاتهم السلبية. ولكن في نهاية المطاف هل من الضروري المخاطرة لتحقيق الأهداف؟
80 في المئة من الغواصين السعوديين يرتادون الرحلات البحرية المحلية
أنشئت مجموعة «المانتا» للغوص وتنظيم الرحلات البحرية عام 2007، وهي تنظم رحلات مختلفة من حيث البرنامج و الوقت والمكان، وتتضمن التخييم في جزر داخل البحر والألعاب البحرية والرحلات الخاصة بالتصوير داخل البحر والرحلات العائلية. معظم تلك الرحلات ينظمها شباب اكتسبوا من هواياتهم خبرات كبيرة متنوعة في الغوص و تنظيم المخيمات والتصوير والإخراج و إعداد الطعام والنشاطات الترفيهية...
كابتن الغوص في مجموعة «المانتا» نواف فوزي بخاري، يؤكد وجود إقبال كبير من السعوديين على رياضة الغوص، ويوضح أن نحو 80 في المئة من الغواصين السعوديين يرتادون الرحلات البحرية، في حين أن هناك من لا يفضل تلك الرحلات أحيانا بسبب بعد الأماكن المقصودة للغوص.
يقول: «كلما كانت الرحلات خارج مدينة جدة قلّ عدد المشاركين فيها ما عدا الأشخاص الذين يبحثون عن مزيد من المتعة بعيدا عن جدة، خصوصا أنه تم القضاء على الشعاب المرجانية بسبب المشاريع التطويرية على طول الخط الساحلي للمدينة التي تضخ في بحرها مياه الصرف الصحي، وهو ما يجعلنا ننظم رحلات للغوص خارج جدة للاستمتاع بالشعاب المرجانية الموجودة هناك».
وينتقد عدم وعي الناس من حيث رمي المخلفات على الشاطئ دون أدنى مسؤولية عما قد يحدث نتيجة تحللها وترسبها في قاع البحر، وبالتالي تدمير الشعاب المرجانية التي وجدت في البحر الأحمر منذ آلاف السنين، الأمر الذي دفعه ومجموعته إلى تنظيم رحلات في المدن و المناطق التي يصعب على الإنسان الوصول إليها مثل الليث وينبع وجازان وفرسان وغيرها من المناطق الواقعة في شمال السعودية وجنوبها.
رحلات خارجية لاستكشاف الأماكن الجميلة داخل البحر
بعيداً عن مياه بحر جدة، يصف بخاري منطقة «الليث» بأنها «معشوقة الغواصين» كونها تجمع بين متعة المناظر الجميلة داخل البحر وخارجه أيضاً من حيث الجزر ذات المساحات الشاسعة. كما يرى أن الأجواء في هذه المنطقة مصدر متعة لغير الغواصين ممن يهوى التخييم والألعاب البحرية وتمضية أجمل الأوقات في جزيرة بوسط البحر وعلى ضوء القمر والنجوم: «هنا تكون لرحلاتنا نكهة أخرى تجعل الكثيرين يبحثون عن هذه الرحلات». ومقابل نحو 70 في المئة من الرجال، يقدّر بخاري أن 30 في المئة من النساء السعوديات أصبحن يقبلن على رياضة الغوص خلال السنوات الأربع الماضية. وتقتضي التوجيهات النظامية وجود محرم مع الراغبة في المشاركة في الرحلات البحرية، كما أن الفئات العمرية تتنوع بداية من 12 عاما بوجود ولي الأمر إلى من هم في الـ60. لكنه استدرك: «يتركز الإقبال الأكبر على تلك الرحلات في الفئة العمرية ما بين 20 و 45 عاماً بسبب البحث عن المغامرة وكل ما هو جديد لم تره العين وتعجز عن نقله كاميرات التصوير وأحاديث المجالس، ولا سيما أن إحساس الممارسة يحوي تفاصيل يصعب وصفها بالعبارات».
الغوص مغامرة ممزوجة بجنون ممتع!
يعتبر الكابتن نواف الغوص مغامرة مجنونة بطريقة ممتعة وآمنة أيضاً، فإذا التزم الغواص التعليمات والجدول المحدد له وصيانة معداته والمحافظة على مرافقيه تحت الماء مع الابتعاد عن لمس الكائنات البحرية أو إيذائها، فإنه سيمارس هوايته بكل سلامة وأمان.
وفي ما يتعلق بأكثر الأماكن ملاءمة للغوص، يفيد بخاري بأنها تتضمن تلك التي تبعد عن المواقع المحظورة أو المحتوية على إرشادات تمنع الغوص فيها، ويقول: «نحن ننصح الغواصين قبل تجربة الغوص في أماكن جديدة داخل المملكة أو حتى خارجها، بأفضلية مرافقة شخص يملك خبرة عالية وسبق له الغوص في المكان نفسه برتبة مدرب أو مساعد مدرب أومرشد غوص».
منع استخدام بنادق الغوص البحرية حفاظاً على الثروة السمكية
استمتع ومارس هوايتك بكل أريحية، ولكن ليس على حساب تدمير العالم الآخر، هذه قاعدة تسير عليها مجموعة الـ«مانتا» لتنظيم الرحلات البحرية، والتي تمنع استخدام بنادق الغوص البحرية حفاظاً على الثروة السمكية والشعاب المرجانية بشكل عام، إضافة إلى المحافظة على سلامة الغواصين أيضاً. وهنا، يعلق بخاري قائلاً: «الحمدلله لم تصادفنا أي مواقف خطرة خلال رحلاتنا البحرية لأننا نهتم كثيراً بالسلامة، وطوال الرحلة نرشد المشاركين من غواصين و غيرهم إلى قواعد السلامة حتى تكون الرحلة آمنة وممتعة».
صديقه اليوناني أدخله مضمار رحلات المغامرات!
من العاصمة السعودية الرياض كانت نقطة انطلاقته نحو عالم مليء بالمغامرات ليجد نفسه أمام هواية اقتحمته قبل أن يقتحمها، فالعام 2005 يعد بوابة دخوله إلى رحلات المغامرة بمباركة من صديقه اليوناني المقيم هناك.
مدير التسويق في إحدى الشركات طارق عبد العزيز، تعرف عن طريق صديقه اليوناني على ناد للرحلات موجود منذ أكثر من 25 عاماً، أسسه عدد من الأجانب القاطنين في الرياض. يقول طارق: «لديهم مقر رسمي يجتمعون فيه بشكل شهري، إلى جانب مجلة رسمية للأعضاء تحظى برعاية العديد من الشركات. غير أن النادي كان يفرض شروطاً عدة للالتحاق بعضويته مقابل دفع رسوم مالية أيضا، منها مثلاً ترشيح الأعضاء الجدد من أعضاء سابقين لضمان المحافظة على الآداب العامة».
ولأن مقر النادي في الرياض، كان تركيزه الأكبر على الرحلات البرية والتخييم، عدا عن تنظيم العديد من الدورات التدريبية المجانية للمبتدئين في ما يتعلق بقيادة السيارات في الرمال والإسعافات الأولية وتنظيم وإدارة الرحلات والتخطيط لها باستخدام خرائط «غوغل» وأجهزة الملاحة.
ويستطرد طارق: «تنقّلنا حينها في كل مكان وزرت أماكن لم أكن أعلم بوجودها في بلدي، من ضمنها البحيرة الصفراء في منطقة القطيف والغابات المتحجرة في عسير وأحافير أثرية شمال الرياض، ومنطقة الأصداف البحرية وسط الصحراء وحافة العالم في جنوب الرياض»، مشيراً إلى أنهم وصلوا أيضاً إلى وسط صحراء الربع الخالي وحدود سلطنة عمان واليمن، فضلاً عن شمال المملكة وصولاً إلى حدود الأردن، وذلك ضمن رحلات برية مختلفة.
وفور انتقاله إلى جدة، تمكّن عبدالعزيز من التعرف على مجموعة مشابهة لتلك التي كان ينتمي إليها في الرياض، مكوّنة بشكل أساسي من الأجانب أيضا والقليل من العرب وأقل منهم من السعوديين.
وبحكم طبيعة مدينة جدة، تنوعت الأنشطة التي بات يلتحق بها من تخييم وغوص ورحلات بحرية وطيران شراعي، ولكنه مع الوقت انفصل مع مجموعة من الشباب المجموعة الأم ليكوّنوا مجموعتهم الخاصة في ظل تحفظ الأجانب عن انضمام مزيد من السعوديين إلى مجموعتهم.
ويؤكد وجود اهتمام كبير من السعوديين بهذا النوع من الرحلات خصوصاً الجيل الجديد والدارسين خارج المملكة، مرجعاً سبب ذلك الإقبال إلى عدم توافر أنشطة مناسبة لهم بشكل رسمي، إضافة إلى اطلاعهم وتجاربهم الخارجية أيضاً. ويضيف: « ثمة إقبال عال من الجنسين، ولكن تقل مشاركة النساء في الرحلات إذا كانت خارجية أو فيها مبيت خارجي، إلا أن أنشطة اليوم الواحد تشهد مشاركة نسائية كبيرة. ومن منطلق طبيعة الأسرة السعودية من حيث عدم القدرة على التخييم أو الابتعاد عن المدينة لعدة أيام، فإن ذلك يدفع بالكثير من العائلات إلى الإقبال على رحلات السفاري والرحلات البحرية والغوص أحياناً، مع مراعاة الأوقات المناسبة لها كالتخييم والسفاري في الشتاء، والبحر في فصل الصيف. ويقول عبدالعزيز: «نحرص على الأمان والسلامة في الرحلات التي ننظمها باعتبار أن الكل تحت مسؤوليتنا، وعندما تكون هناك مخاطرة نشدد على جعل الدعوة محدودة جداً، إلا أن الحوادث العرضية واردة الحدوث كحوادث السيارات وإصابات ركوب الخيل ولدغات العقارب في الصحراء وغيرها»...
فوجئوا بهجوم مسلح في منطقة لتسلق الجبال
رحلة في منطقة واقعة بجنوب غرب العاصمة الرياض، وتبعد عنها 280 كيلومتراً، كانت الأخطر لطارق الذي كان حينها العربي الوحيد مع مجموعة من الأجانب، إذ كانوا يخططون لتسلق الجبال الموجودة هناك، وفور وصولهم في الليل إلى المخيم المخطط له ضمن تسع سيارات تقلّ 20 شخصاً من الرجال والنساء، تعرضوا لهجوم من أفراد ينتمون إلى قبائل بدوية تعيش هناك، هاجموهم بالرشاشات لاعتقادهم أن تلك المجموعة من قطّاع الطرق أو المهربين. ويضيف طارق: «بصعوبة بالغة تفهمّوا أننا لا نريد سوى التسلية واستكشاف أماكن جديدة بتسلق الجبال الموجودة هناك، وبعد ذلك قدّموا اعتذارهم عبر عزيمة على الغداء تقدّم بها شيخ قبيلتهم في اليوم التالي، ولكن بعد أن عشنا لحظات رعب كبير، خاصة أن معنا دبلوماسيين أجانب وسفراء لدول أوروبية». ولا يزال يتذكر حادثة وصفها بـ»الخطيرة» والمتمثلة في تعطل جهاز الخرائط عندما كان ورفاقه في صحراء الربع الخالي، فقرروا الاتجاه شرقاً نحو الحدود العمانية لمعرفتهم بقربها منهم وفق آخر قراءة في الجهاز قبل تعطله، غير أن دوريات سلاح الحدود السعودية أوقفتهم وأعادتهم إلى الرياض بالطائرة بعد التحقيق معهم للتأكد من هوياتهم وأهدافهم الحقيقية.
يستهويه الغوص صيفاً والـ«تطعيس شتاءً»
روحه المغامرة جعلته يستغل المخاطرة للتخلّص من طاقاته السلبية، ويهوى طارق تمضية النهار في الشتاء بين الرمال ليمارس الـ«تطعيس» كونه يشعر بحرية حين يصارع الكثبان الرملية، كما أن الاجتماع حول النار في الليل وسماع القصص والتعارف مع ثقافات مختلفة أمر رائع بالنسبة إليه. يقول: «للبحر نكهة خاصة جداً في فصل الصيف، ولكنني أيضاً مارست الغوص في مكان غريب جداً بعد أن سمعت عن كهوف تقع جنوب الرياض، تكونت من جرّاء المياه الجوفية التي جفّت مع الوقت، إلا أن صديقي البحريني الذي يشاركني الرحلات أخبرني بأن أحد الكهوف لا يزال يضم بحيرة يصل عمقها إلى 30 متراً وتقع تحت جبل هناك». وبالفعل قرر طارق الغوص والسباحة بعد عيد الأضحى الماضي، وسافر إلى الرياض حاملاً معه أدوات الغوص، الأمر الذي أثار أسئلة المفتّشين في مطار العاصمة كونها مدينة صحراوية، فاعتبروه مجنوناً، ولكنه استمر في اتفاقه وصديقه البحريني مع ثالث سعودي وآخر إيرلندي، وذهبوا جميعهم إلى الموقع.
عبد الرحمن أحمد: شهر العسل جعلني أعشق المغامرة
لم يكن يكترث مطلقاً بخوف زوجته الذي يعتبره «زائداً عن الحد المعقول» في رحلة شهر العسل في شرق آسيا، فقد عاش عبد الرحمن أحمد روح المغامرة بحذافيرها سواء وافقت زوجته أو رفضت.
يقول: «بداية روح المغامرة كانت في مدينة الألعاب، وتطورت أكثر حين اصطحبت زوجتي لركوب أحد أكثر التلفريكات ارتفاعاً في العالم في ماليزيا، حيث كادت تفقد صوابها آنذاك إلا أنني وجدت نفسي مستمتعاً، فزادت لدي الرغبة في خوض المزيد من المغامرات، وبالفعل فعلت ذلك في رحلة مائية تمكنت خلالها من الغوص بعمق يقارب خمسة أمتار».
وبعد عودته إلى المملكة، أصبح عبد الرحمن يبحث عن منظمي رحلات المغامرة، وانضم إلى مجموعة يمارس عن طريقها كل ما يرغب فيه من مخاطرة، مضيفاً: «أسعى الآن للحصول على شهادة معتمدة في الغوص بعد أن اكتشفت المتعة الحقيقية لممارسته».
تحب لعب الكرة الطائرة في الرحلات وتتفرج فقط على المغامرين
روابي الهذلي، دورها في تلك الرحلات لا يتعدى إعداد الطعام للمشاركين والتقاط صور تذكارية والبحث عن كل ما هو غريب، وإن استبسلت فإنها تلعب الكرة الطائرة مع غيرها من الفتيات المشاركات، إلا أنها تقف عاجزة أمام المغامرين من الرجال لتتفرج عليهم من بعيد وتوثق ما يقومون به بالصوت والصورة. وتقول: «طبيعة الفتاة تفرض عليها الخوف من المخاطرة، فضلاً عن أن أفراد عائلتي يرفضون تماماً السماح لي بتجربة أي نوع من أنواع المغامرة، خصوصاً أنهم يريدون كسر الروتين بالمشاركة في تلك الرحلات ولكن في الوقت نفسه يحرصون على الابتعاد قدر الإمكان عن الخطر لتكتمل متعتهم».
وأخرى تهوى مرافقة هواة الـ«تطعيس»!
بطبيعتها متهورة حتى بين أفراد عائلتها، قدّر لها قبل نحو ثمانية أعوام أن تتعرض لحادث بدبّاب البحر في أحد الشاليهات في جدة، فأصيبت بكسر في أضلع وثقوب في الرئتين لترقد في قسم العناية المركزة قرابة أربعة أشهر وتنجو من الموت بأعجوبة، غير أن تلك الحادثة لم تزدها إلا اندفاعاً. وتروي آلاء الحسن قصتها مع المغامرات قائلة: «لا أعرف الخوف مطلقاً، ومن يرَ طبيعتي يتهمْني بأنني مجردة تماماً من أنوثتي رغم أنني سعيدة بمثل هذه الاتهامات، فالتقييد الذي تراه الفتاة في مجتمعنا يجعلها تتمنى أن تكون رجلاً لتنعم بحياتها». عن تجاربها تضيف: «أعشق الرحلات البرية كثيراً وأكثر ما يجذبني فيها هو التطعيس، ولا ينتابني أي خوف من الركوب مع أشقائي الثلاثة أثناء تحديهم الرمال والصعود إلى أعلى التلال الرملية... شعور لا يمكن أن أصفه».
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024