د. نوره شهاب: استخدمت البكتيريا لإنتاج الطاقة وتنقية المياه
شاركت الدكتورة نوره أحمد يوسف شهاب، طالبة زمالة بحثية ما بعد الدكتوراه، في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، بمسابقات علمية عالمية عدة وحصدت الجوائز عن بعض منها. شهاب المولودة في مدينة جدة، والمتخرجة في جامعة الملك عبد العزيز، والملتحقة في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، طالبة دراسات عليا، نافست أكثر من 730 طالباً، في مسابقة جائزة شركة سيمنز المخصصة للطلاب للعام 2011 - 2012 ونالت جائزة نقدية، وفرصة التدريب في الشركة.
وقد مثلت السعودية بورقة عمل، وبحث يجيب عن السؤال الذي طُرح على الطلاب، حول كيفية بناء مدينة قابلة للاستدامة والبقاء في الصحراء، كما ابتكرت طريقة جديدة، من خلال اختراع حديث باستخدام البكتيريا، لإنتاج الكهرباء، والطاقة، وتنقية مياه الصرف الصحي وإعادة تدويرها لاستخدامها في أغراض الري، مع استخدام المياه المحلّاة في أغراض الشرب. كما حصلت على براءة اختراع للمساهمة في إلغاء التصحر. «لها» التقت الدكتورة نوره أحمد شهاب، واستمعت منها، إلى تفاصيل اختراعاتها.
نوره أحمد يوسف شهاب، حازت درجة البكالوريوس من جامعة الملك عبد العزيز في جدة ــ قسم الأحياء الدقيقة في نهاية عام 2008، وفي آخر السنة، اختيرت من ضمن الخمسة الأوائل، ورُشّحت لنيل منحة دخول إلى جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، واجتازت كل الاختبارات.
تدربت شهاب في جامعة واريك في بريطانيا لمدة سنة، بمنحة من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، ومن ثم عادت لإكمال الماجستير في هندسة العلوم البيئية والبيو تكنولوجية، وتعرفت من خلال الجامعة إلى الدكتور بروس لوقان من بنسلفانيا، والأخير متخصص في الطاقة الحيوية، واستخراج الطاقة من مصادر بديلة.
وتقول شهاب إنه بعد اختيارها للعمل مع د. لوقان في مختبرات جامعة بنسلفانيا، عملا معاً على تطوير الفكرة التي «تناقشت معه حولها، وبفضل من الله اخترعت شيئاً ممتازاً جداً»، إذ من المعروف أن الدول تعتمد على الوقود، والبترول، ومن الممكن، بل المتوقع أن تنفد هذه المواد في يوم من الأيام، لذلك كان العمل على إيجاد مصادر أخرى غير تقليدية.
وتضيف شهاب: «كما أن لدينا مشاكل في المياه، ولاسيما في السعودية، حيث يعتمدون على تحلية المياه على نحو واسع جداً، وهذه التقنيات مكلفة جداً، وتستنزف الكثير من الطاقة المتمثلة بالبترول والكهرباء».
وتلفت شهاب إلى أن «الحل الوحيد الذي لابد من إيجاده، وهو المناسب لاحتياجاتنا مستقبلاً، يكون من خلال جمع العلم البحت كعلم الأحياء الدقيقة، مع علوم الهندسة، وهذا ما حفزني على إيجاد ما يساهم في حل المشاكل التي تواجه البيئة السعودية. وكما نعلم، هناك مشاكل تواجه البترول، في هبوط أسعاره، وما إلى ذلك، ونجد أنه في الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، بدأوا يعتمدون على مصادر طاقة بديلة أخرى، كأشعة الشمس، والرياح، بالإضافة إلى البترول، وهذا ما نسميه الخطة البديلة».
وفي إنجاز علمي آخر، ابتكرت شهاب طريقة لاستخدام البكتيريا في إنتاج الكهرباء. سألناها فأوضحت: «الفكرة عبارة عن خلية وقود ميكروبية، فمياه الصرف الصحي، عادة هي مياه غير نظيفة، وفيها الكثير من الملوثات، والبكتيريا، ومواد عضوية، وبقايا فضلات طعام، وما إلى ذلك، فإذا وضعت في بيئة مناسبة، أو بطارية، والتي هي عبارة عن القطبين الموجب، والسالب، فمن الطبيعي أن تنمو هذه البكتيريا على سطح معدن (الإلكترودات)، وستستوطن هذا المعدن وتتغذى منه، وتبدأ في النمو، والأكل من هذه الملوثات، والمواد العضوية، وبعض البكتيريا. هكذا تنتج طاقة (على شكل إلكترونات)، خارج جدار الخلية الخاص بها، فكيف الاستفادة من هذه الطاقة؟».
تسأل شهاب وتجيب: «لأنها بطارية، وهذه الطاقة عبارة عن إلكترونات، تبدأ بالسير من القطب الموجب إلى السالب، ولو قمنا بربط السالب والموجب من الخارج (الدورة الكهربائية)، ووضعنا مروحة، أو (لمبة) صغيرة فستعمل هذه الطاقة».
لا أن لهذا الاختراع فائدة أخرى، تقول شهاب وتشرح: «في الوقت ذاته نكون قد قللنا من نسبة الملوثات في مياه الصرف الصحي، فهي تنظف نفسها بنفسها، وكأن لديها نظاماً ذاتياً، وهي لا تحتاج إلى أي مصادر من الخارج لتنظيفها، ولا ننسى أن هذه المياه يلزمها مصانع كبيرة للتنظيف، كما يحدث في جدة، فإنهم يقومون بسحبها، وإيصالها إلى معامل التنقية، ويتم استخدامها إما للري، أو، للأسف، ترمى في البحر. وبهذه الطريقة، نكون قد استفدنا من البكتيريا في إنتاج الطاقة، ونظفنا، جزئياً، ما يقارب 90 في المئة، من مياه الصرف الصحي».
وفي خلاصة لفوائد هذا الاختراع المتعددة الجوانب، تقول شهاب: «عندما أجرينا الأبحاث خلال تجارب الماجستير، وجدنا أن هذه الطاقة ليست كافية لإنارة مكان، أو مبنى بكامله، أو لتعمل على تشغيل مصانع كبرى، فأجرينا بعض التحسينات على هذه الفكرة، وتم استخدامها لأمر آخر، تحلية مياه البحر».
تعمل شهاب الآن على إخراج هذه الأبحاث من إطار المختبرات إلى أرض الواقع، واستثمارها تجارياً، وقد نالت على هذا المشروع جوائز عالمية من شركة سيمنز، وشركة باير الألمانيتين، في بداية عام 2012.
بعد جائزة باير الألمانية، حصلت شهاب على براءة اختراع يتعلق بالتصحر في العام 2013، عن هذا تحدثت قائلة: «هو اختراع قد ينفذ في أكثر من مكان، حيث يمكن استخدامه في معالجة التصحر في الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، بالإضافة إلى جنوب مصر، وليبيا، والسودان، بسبب جفاف الأرض، وحيث لا وجود للزراعة، والمياه، وهي مشاكل تزيد هذه الدول فقراً، فجاءت فكرة النظام ـ الاختراع، لتناسب كل بلد ومنزل. كيف؟ نسألها، فتجيب: «يوضع هذا «النظام» في خزان المياه، فيصل بين دورة المياه، والأرض التي تحتاج للزراعة، في هذه الدول الفقيرة، والنتيجة زيادة الريّ، وبالتالي زيادة في المساحات الخضراء، وصولاً إلى إلغاء التصحر».
وعن بناء مدينة قابلة للاستدامة في الصحراء، تقول شهاب «أقامت شركة سيمنز، مسابقة بعنوان «بناء مدينة قابلة للاستدامة في الصحراء»، وكما يعرف الجميع، لدينا صحارى كثيرة سواء في السعودية، وقطر، والإمارات، والكويت، ومع التكاثر السكاني، والحاجة إلى المياه، والطاقة، من المؤكد أن مدناً كثيرة ستنشأ في هذه المناطق الصحراوية، لكن هل تدوم هذه المُدن وتكون قابلة للحياة؟ تقدمتُ للمسابقة بأفكار عدة، لأننا بصدد بناء مدينة كاملة، وكانت الفكرة في استخدام خلايا الوقود الميكروبية، لتحلية المياه، ولإعادة تدوير مياه الصرف الصحي، للاستفادة من ناتج المياه، ولأن هذه المياه لن تكون نظيفة بنسبة 100 في المئة، فنحن بحاجة إلى تمريرها في مصاف بيولوجية، والمصفاة هذه،عبارة عن عدة طبقات من الرمل، ولا نضيف إليها الأغشية».
تضيف الباحثة السعودية: «الفكرة من بناء هذه المدينة أن تكون مصادرها طبيعية، فلا نقود وفيرة، ولا طاقة أو كهرباء عالية.. يتكاثر الناس بسهولة وبوسائل معيشة خارجة عما نعرفه من التقليد». مذكّرة بأن «هذه المدينة تعتمد على الطبيعة في تحلية المياه، وتنقيتها، وإنتاج الطاقة».
للباحثة شهاب دراسات عدة منشورة في مجلات ومطبوعات بحثية عالمية. كتب موقع Nature Middle East عن إنجازها العالمي المشار إليه، والذي تبنّته شركة باير الألمانية. وساهمت في مؤتمرات عالمية ومحلية، عن الماء والطاقة، واكتشاف مصادر جديدة للطاقة، واستخراج الماء للبيئة السعودية المحلية.
كما شاركت في جائزة هلت في دبي، لمحاربة الجوع في الأحياء الفقيرة في الدول النامية، وكانت هذه فكرة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، وقد اختير فريقها من بين آلاف الفرق، ليُشارك، ويؤسس، شركة خيرية، غير ربحية، لمحاربة الجوع في الدول الفقيرة. وشاركت في العام 2013 في معرض الابتكار السعودي.
عن إكمالها الدراسة في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، والعزوف عن السفر تقول: «هذه الجامعة أتاحت الفرص، أمام كل طالب، وطالبة، لإكمال دراساتهم في العلوم، والتكنولوجيا، ووضعت أمامنا كل الوسائل والأجهزة، وجميع الأبحاث التي نحتاج إليها.. جاءت بالدكاترة المتخصصين والباحثين في كل الميادين، ومن كل أنحاء العالم».
عن اهتمام الصحافة والمجتمع وتسليط الضوء على المخترعين والعلماء في السعودية، أكدت شهاب أن «هذا الاهتمام يعود إلى تطور الإعلام الجديد (social media)، وخصوصاً خلال السنوات الخمس الأخيرة، لكن بالنسبة إلى الصحف والمجلات، والدوريات، لا أرى أننا مُنحنا حقنا كما حدث مع الإعلام الجديد، ولا أعرف السبب، وإن كنت أردّ هذا إلى ضعف التواصل مع الجامعات لمعرفة آخر التحديثات. لكن شخصياً، أجد أن الإعلام الجديد أفادني كثيراً».
وعن خططها المستقبلية تقول شهاب: «بعدما أنهيت الدكتوراه، أعمل حالياً على الزمالة البحثية ما بعد الدكتوراه، في الجامعة، وسأحاول أن أتوجه للمجال الأكاديمي. وفي ما يتعلق بالمشروع، بعد أن أتأكد أنه يسير بشكل صحيح، وبخطى ثابتة، سأحاول أن أفتتح شركة، وأحضر أشخاصاً تعمل على تطوير هذا الاختراع، ونحاول أن نشارك فيه محطات تحلية المياه، ومحطات تنظيف مياه الصرف الصحي، وأرغب كثيراً في أن يكون لديّ الريادة في هذا المجال، لإنتاج المزيد في مجال الطاقة والمياه وتسويقه».
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024