تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

تعرّفي إلى خريف براغ الذهبي

براغ هذه المدينة التي تحمل لقب «المدينة المذهّبة» لا يمكن الانعتاق من سحرها، لكل فصل فيها حكاية تختلف تفاصيلها، ولكن تبقى صورها مهما تغيرت ألوانها واستسلمت لمزاجي الطبيعة والتاريخ، فيها من الجمال الذي يدهش كل من يزورها.
وإذا كان شتاء براغ وربيعها وصيفها تتنافس على بسط ألوانها، فإن للخريف في العاصمة التشيكية مزاجًا مختلفًا يُدخل من يزورها في عالم كونتيسات مملكة بوهيميا، وهن يتمايلن بفساتينهن المزركشة، يبحثن عن حبهن الضائع في أوبرا «دون جيوفاني» لموتزارت الذي سحرته براغ فألّف «سمفونية براغ»، كما سحرت الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت والأديب الفرنسي شاتوبريان. فلا عجب في أن تكون براغ مدينة رومانسية إلى أقصى حدود.
وألوان خريف براغ هي أجمل ما يمكن الطبيعة ابتكاره، فالأخضر الفاقع يتحوّل إلى ظلال لبريق الأصفر والبرتقالي والأحمر، ما يجعل زيارة العاصمة التشيكية في الخريف رحلة في عالم الحواس الخمس.


المسرح الوطني جوهرة براغ
ليس أجمل من بدء جولتك في براغ بزيارة المسرح الوطني الذي يطلق عليه لقب «جوهرة براغ». قد يعكس هذا اللقب الكثير من جمال الهندسة المعمارية الباروكية، لكن حكاية المسرح تستحضر الكثير من وحدة التشيكيين الوطنية. فمشروع بناء المسرح يعود إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
وفي التاريخ، أنه خلال وضع اللمسة النهائية على بناء المسرح في آب/ أغسطس عام 1881، اندلع حريق دمّر معظم المبنى، واعتُبر الحريق كارثة وطنية، غير أن التشيكيين لم يقفوا عاجزين وبدأوا حملة تبرّعات جديدة لإعادة بناء المسرح، وساهم الفقراء والأغنياء على حد سواء بأموالهم، فكانت النتيجة مذهلة، مليون فلورين جُمعت خلال 47 يومًا.
كان المهندس المعماري جوزيف تشولز هو من أخذ على عاتقه هذه المهمة الصعبة في إعادة بناء المسرح، وتوحيد ثلاثة مبانٍ مختلفة بأسلوب معماري متناغم واحد. وقد نجح في مهمته بشكل مذهل ليعاد افتتاح المسرح في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1883. واكب الافتتاح عرض أوبرا ليبوساLibuse  لـ بيدريش سميتانا Bedrich Smetana  وقد ألفّها لهذه المناسبة.
يبدو المبنى الزجاجي الجديد الذي يذكّر بالحقبة الشيوعية في براغ، دخيلاً، ولكنه في الواقع اندمج بشكل ممتاز بروح المدينة الثقافي.

هضبة بيترين واللعب مع السناجب
بعد جولة المسرح، تغريك هضبة بيترين للصعود إليها، والاستمتاع بمشاهد براغ الخريفية. ربما تكونين ممن لا يفضلن المشي صعودًا، حينها يمكنك ركوب القطار الجبلي.
تصلين إلى الهضبة حيث مشهد براغ يخطف الأنفاس، ولكن في لحظات التأمل هذه قد يباغتك سنجاب يتسلّق شجرة مورفة رغم أن أوراقها الذهبية تنذر بالسقوط، أو يقف أمامك وجهًا لوجه، ربما ينتظر منك أن تضعي أمامه قطعة حلوى أو بسكويت، كما يفعل كثر، يستلّها بسرعة ويختفي، فالسناجب هنا لا تزال خجولة، وتتجنب الاتصال المباشر مع الزوّار المعجبين بها.
تضم رابية بيترين «متنزه الوردة»، وهو متنزّه رحب المساحة يلجأ إليه الكثيرون لمراقبة غروب الشمس الخريفي حين يزداد تدرّج الألوان الذهبية حدّة، فتشعرين بأنك أصبحت تفصيلاً في لوحة طبيعية لا ترغبين في الانفلات منها.
تكملين المسير حتى تصلي إلى برج المراقبة المعروف بـ «برج إيفل براغ» تصعدين 299 درجة لتصلي إلى قمته وتستمتعي بمشاهد براغ البانورامية، حيث التاريخ المستريح عند ضفتي نهر فلتافا، يربطهما جسر شارل الذي اصطفت منحوتات على جانبيه وكأنها شخوص لا تمّل التأمل في جمال المدينة منذ عصور. فيما يبدو الجسر معلقًا يجمع ضفتي المدينة، وما تحويانه من روائع الفن باختلاف أنماطها، الباروكي والروماني والقوطي والقروسطي والحديث والفن التكعيبي.

قصر براغ... هنا تختبئ جواهر التاج البوهيمي
لا يحتاج قصر براغ إلى من يعرّفك إليه، إذا ما زرته. فروائعه تحدثك عن نفسها من دون وسيط أو دليل سياحي. يعود تاريخ هذا القصر إلى القرن التاسع.
كان القصر في الماضي مقرًا لملوك بوهيميا، والحجر الأساس لظهور براغ على خريطة تاريخ أوروبا الوسطى. وهو راهنًا مركز إقامة رؤساء الجمهورية التشيكية. ويضم جواهر التاج البوهيمي في غرفة سرية.
يتألف قصر براغ من مبانٍ عدة، جمعت بين النمط الباروكي والرومانسك المتميز بأقواسه نصف الدائرية. من بين هذه المباني، كاتدرائية القديس فيتوسو وكنيسة القديس جورج، والعديد من القصور والحدائق والأبراج الدفاعية.
معظم مباني القلعة مفتوحة للسياح. كما يضم مجمع قصر براغ مجموعة من المتاحف، منها المتحف الوطني الذي يعرض مجموعة من المعروضات البوهيمية والباروكية، ومعرض تاريخ الجمهورية التشيكية، ومتحف اللعب، ومعرض صور قلعة براغ المستوحاة من مجموعة رودولف الثاني. يدخلك هذا المتحف المفتوح على الهواء، والزوار، في تفاصيل براغ بكل تاريخها المترف.

جسر شارل رائعة مدينية لا يمكن تجاهلها
كل تفصيل في خريف براغ يجعلك تؤخذين برومانسية التجوال على جسر تشارلز، حيث تتراءى لك براغ وكأنها حسناء بوهيمية تفرش ألوانها على صفحات نهر فلتافا، تستعرض روائعها النادرة في العشرات من المتاحف وصالات العرض والكنائس التي تعود إلى قرون مضت وتأسرك  قبابها الذهبية، وأسقف بيوتها القرميدية، وكأنها تتنافس على إدهاشك.
صحيح أنه يمكنك القيام بالكثير في إجازة قصيرة  في براغ. ولكن لماذا التسرع؟ إذا كنت تشعرين بأن سحر المدينة الذهبية يغرقك في عالمه، اتبعي رائحة القهوة الطازجة وارتادي أحد المقاهي الشهيرة في براغ، في شارع تسيروكا حيث مقهى كافكا، أديب براغ الوجودي الذي كتب بالألمانية، لتتعرفي إلى أحد وجوه براغ، ولا تترددي إذا ما عرض عليك النادل كريب الفواكه «بالاسينكا» مع القهوة. بعد الاستراحة، سيري على خطى كافكا إلى ساحة المدينة العتيقة، حيث في المبنى شمال كنيسة سان-نيكولا وُلد كاتب The Metamorphosis .

مقهى لوفر... هنا أمضى آينشتاين أمسيات الثلاثاء
ومن عالم كافكا تقمصي طقس ألبرت آينشتاين الذي درّس في جامعة براغ الألمانية 1911-1912، فقد كان يرتاد مقهى «لوفر» مساء كل ثلاثاء. فهذا المقهى يعود إلى عام 1902 وكان ملتقى الفنانين والعلماء والسياسيين، وملتقى نساء الطبقة البرجوازية اللواتي بدأن ارتياده فتحوّل إلى حصن دعم تحرّر المرأة. وإذا كنت من محبي الجاز، استمتعي بموسيقى الجاز، في هذا المقهى. فالتشيكيون يعزفون كل أنواع الموسيقى، بدءًا من الموسيقى الكلاسيكية، وصولاً إلى موسيقى البانك، مرورًا بالجاز الذي لديه حكاية عند التشيكيين.
فقد كان موسيقيو الجاز التشيكيون الرواد الأوائل في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، لكن هذه الثورة الموسيقية لم تصمد أمام النظام الشيوعي. عاد الجاز بعد «ثورة المخمل» بقوة إلى براغ وبرهنت المدينة على إبداع فنانيها.
www.cafelouvre.cz/en
غالبًا ما نؤجل أثناء السفر التسوّق لليوم الأخير قبل الرحيل عن المدينة التي نزورها، وقد تحصلين على عرض جيد أو قد لا تحصلين. وفي كل الأحوال، لا تؤجلي التسوق أثناء تجوالك في عالم براغ الجميل.
فإذا ذهبت إلى ساحة المدينة العتيقة، لا تؤجلي شراء تذكار فريد من الكريستال البوهيمي الأنقى، أو دمية تشيكية، فهي مدينة مسرح الدمى الأشهر في أوروبا. فيما منطقة التسوّق الرئيسية في براغ تتمركز في المدينة الجديدة، وتحديدًا في ساحة فينسيلسا حيث تتجاور بوتيكات دور الأزياء الراقية وسلسلة بوتيكات أزياء الكاجوال. 
تدخلك براغ في غموض فصولها ومتاهة أروقة تاريخها. هي مدينة تضج بالموسيقى والفن وحب الحياة، ترتدي ألوان الفصول من دون تردّد. إنها بالفعل مدينة فاتنة لا يمكن الانفلات منها.
فلا عجب في أن يكتب أديبها كافكا إلى صديقه أوسكار: «ومهما يكن، تحمل براغ إرث كاهنة أسطورية، توقعت لها أن تكون «المدينة المذهّبة»، مدينة المئة برج»، «أم المدن» أو بكل بساطة «الأم الصغيرة». براغ لا تتخلّى عنا، هذه الأم الصغيرة لديها مخالب. يجب الاستسلام لها» .


معلومات 

البلد: الجمهورية التشيكية
العاصمة: براغ
فيزا: الجمهورية التشيكية هي ضمن مجموعة دول الاتحاد الأوروبي والسفر إليها يحتاج إلى فيزا شينغين بالنسبة إلى مواطني الدول العربية.
العملة: كورون التشيكي

مواقيت فتح المحال التجارية والمصارف
تفتح مراكز التسوق والمتاجر أبوابها أمام المتسوّقين من الساعة الثامنة أو التاسعة صباحًا حتى الثامنة أو التاسعة مساء.أما المحلات الصغيرة فتفتح من الساعة السابعة أو الثامنة صباحًا حتى السادسة أو السابعة مساء.
تفتح جميع المحلات التجارية في براغ من الاثنين إلى السبت. ويفتح العديد منها أبوابه أمام المتسوّقين، بما في ذلك مراكز التسوق والمتاجر الكبرى أيام الآحاد.
تعمل المصارف في براغ من الاثنين إلى الجمعة، من التاسعة صباحًا حتى الخامسة مساء.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079