حصلت المرأة على حقها في الترشح والانتخاب وحان وقت المشاركة والعمل
ما إن بدأت مرحلة تسجيل قيد الناخبين والناخبات لانتخابات المجالس البلدية في السعودية في دورتها الثالثة والتي تشارك فيها المرأة للمرة الأولى كمرشحة وناخبة، حتى ظهرت دعوات الى المقاطعة وعدم المشاركة لأسباب مختلفة، من ضمنها مشاركة المرأة. تزامنت هذه الدعوات مع حملات توعوية من خلال وسائل الإعلام الرسمية، دعمتها جهود فردية لتوعية المواطنين وتشجيعهم على المشاركة في العملية الانتخابية لإحداث تغيير ايجابي في المجتمع وتطوير المدينة التي يقطنون فيها وتحسينها، بيئياً وصحياً. في السياق ذاته، كان وزير الشؤون القروية والبلدية المهندس عبداللطيف آل الشيخ قد استجاب، لمطلبين من المستشارة الإدارية ونائب أول رئيس لجنة المكاتب الاستشارية في الغرفة التجارية في جدة ميمونة بلفقيه. المطلب الأول يتضمن عدم اشتراط الهوية الوطنية، والاكتفاء ببطاقة العائلة، وينص المطلب الثاني على اعتماد التسجيل في البريد السعودي واصل، كحل بديل من طلب عقد الإيجار، وتصديقه من العمدة... وعليه فقد أعفى آل الشيخ، راغبي القيد من النساء والرجال، من شرط تقديم الهوية الوطنية، وسمح بتقديم سجل الأسرة مع وثيقة رسمية، لإثبات الشخصية في حال عدم امتلاك الهوية.
بلفقيه: كان لا بد لي من التفاعل مع الإعلام لإبداء الرأي وإعطاء الحلول والمقترحات للناخبات والمرشحات بدلاً من ترشيح نفسي
تقول المستشارة الإدارية ونائب أول رئيس لجنة المكاتب الاستشارية في الغرفة التجارية في جدة ميمونة بلفقيه: «لعل الإقبال الخجول على قيد الناخبات يعود الى الاشتراطات الخاصة بالتسجيل، منها صك السن، والحل يكمن في رأيي بأن تسجل المرأة في البريد السعودي (خدمة واصل)، وهي خدمة أفراد سنوية، اشتراكها يصل إلى 90 ريالاً، ويتم تحديد الحي الذي تقطنه السيدة. كما أن هذه الخدمة ستفي بالغرض لأي مواطنة تسكن بالإيجار، وبهذا تكون أثبتت موقع السكن من دون عناء، بشرط أن تعوّض هذه الخدمة عن الصك أو عقد الإيجار، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، لا بد من أن تكون هناك مرونة في ما يخص الهوية الوطنية بحيث يحل محلها صك العائلة، لأنه يمثّل هوية وطنية أيضاً، فكثير من أولياء الأمور يرفضون استخراج هوية وطنية لزوجاتهم وبناتهم، والمرونة مطلوبة لأن جميع الوثائق رسمية في كل الأحوال».
وعن إقبال السيدات على مراكز قيد الناخبات، تعلّق بلفقيه: «نعمل جاهدين لنشر الوعي لدى أكبر عدد ممكن من المواطنين، سواء كانوا رجالاً أو نساء. وفي الوقت ذاته، ندعم تمكين المرأة للمشاركة في صنع القرار، ليصبح لنا وجود. فالمرأة ليست مُشاركة فقط، بل هي المجتمع بأكمله، لأنها مُربية الأجيال من كلا الجنسين.
وفي ما يخص مشاركتها في الانتخابات البلدية، وهي المرة الأولى التي يُتاح لها بأن تكون ناخبة أو مُرشحة، فمن الطبيعي أن يكون الإقبال ضعيفاً، ولا يوجد عدد كبير من اللواتي يملكن الوعي في هذا الشأن، كما هناك الكثير من الأسئلة التي توجّه الى هوية الانتخابات البلدية، ومدى أهمية مشاركة النساء، ويتم التحدث إليهن من خلال شرح مبسط بأن المرأة تهتم عادة بمنزلها، وهو بالتالي مملكتها الخاصة، وكذلك الوطن، والمجتمع الذي يُعد البيئة الحاضنة التي يجب أن تحرص المرأة، أماً وزوجةً وابنةً، على أن يكون المكان الأفضل لها ولمستقبل أبنائها. من هذا المنطلق، نشجع النساء على المشاركة وتقديم الاقتراحات لتحسين البيئة التي يعشن فيها. وعلى الأقل، إذا لم ترغب المرأة بالترشح، فمن الممكن أن تكون ناخبة لتختار من يستحق. ونحاول جاهدين أن نُثبت وجود المرأة وقدرتها على تقديم ما يُفيد مجتمعها».
وتوضح بلفقيه: «أحاول استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كافة، الى جانب وسائل الإعلام، لتعويض غياب البرامج التثقيفية والتوعوية في ما يخص هذه المرحلة، خاصة للنساء».
وفي ما يتعلق بالإفصاح عن أسماء المُرشحات، تؤكد بلفقيه: «بالنسبة الى المرشحات في مدينة جدة، سيبدأ الكشف عنهن، رغم أن سياسة الانتخابات تحتم على من أرادت ترشيح نفسها عدم الإفصاح عن اسمها، إلى أن يُعلن عن القائمة حتى لا يتم استبعادها. كان لا بد لي من الاختيار ما بين العمل بصمت حتى أتمكن من ترشيح نفسي، أو العمل العلني على دعم المرأة لتمكينها من الوصول الى المجلس البلدي والمشاركة في صنع القرار جنباً إلى جانب الرجل، وتحقيق الأهداف.
لذا، كان لا بد لي من التفاعل مع الإعلام لإبداء الرأي، وإعطاء الحلول والمقترحات، لإزالة معوقات التسجيل كناخبات، وبالتالي كمرشحات، لكنني فضّلت الاختيار الثاني على ترشيح نفسي». وتضيف بلفقيه: «يُمنع وضع صورة المرشحة على حملتها الدعائية وفق ما بلغني أخيراً، وأستغرب هذا القرار، وأفضّل لو أنهم يمنحون الرجال والنساء المرشحين أرقاماً من دون الإفصاح عن صورهم... فبالأرقام والبرامج الانتخابية من الممكن أن تتحقق العدالة».
وبخلاف الحراك الذي وُصف بالإيجابي من جانب الناخبات، لم تشهد مرحلة قيد المرشحات حراكاً مماثلاً، بحيث لم تنشر مواقع التواصل الاجتماعي صوراً، ولا أظهرت نشاطاً في ما يخص المرشحات، باستثناء حالات قليلة.
د. الفاسي: مقارنة بكل المعوقات التي تعترض المرأة، الإقبال ممتاز والأرقام في ازدياد
توضح أستاذة تاريخ المرأة في جامعة الملك سعود والكاتبة في جريدة «الرياض»، ومنسقة مبادرة بلدي هتون أجواد الفاسي «أن إقبال السيدات على التسجيل في قيد الناخبات ممتاز جداً، مقارنة بضعف التوعية التي سبقت ذلك، والتحضير المتأخر جداً من جانب الوزارة، والمعوقات الكثيرة التي تعترض المرأة لكي تتمكن من تسجيل أوراقها وقيدها. ويعتبر إنجازاً كبيراً أن نشهد إقبالاً واسعاً من السيدات وتسجيل أرقام لا يمكنني حصرها لأن عددها في ازدياد، فقد ذكروا أن مدينة حفر الباطن هي الأكثر تسجيلاً، وسجلت مدينة القصيم 450 سيدة، هذا فضلاً عن الكثير من المدن».
وتؤكد الفاسي «أن الحملات التي قمنا بها من خلال مبادرة بلدي، وورش العمل التي تم إعدادها منذ عام 2013، ساعدت كثيراً في توعية النساء اللواتي يتسجلن اليوم. كما أن الورشة الوحيدة التي استطعنا أن نعقدها في مدينة الرياض، قبل أن تلغي الوزارة كل الورش اللاحقة، رفعت أيضاً مستوى الوعي لدى النساء اللواتي تسجّلن ليس كناخبات فقط، بل كمرشحات أيضاً، ولم تُعلن الأسماء بعد. والمؤكد أن كل محاضرة قُدمت، وكل تواصل مباشر أجريناه، عزز الوعي وحقق بالتالي نتيجة تستحق الاحترام من السيدات في المدن السعودية كافة. لكن وللأسف لا يزال أمامنا الكثير من المعوقات، بحيث تحتكر الوزارة مسألة التوعية، ولا تؤدي دورها، خصوصاً أنها تنبهت الى هذه المسألة في الأسبوع الثاني من التسجيل في قيد الناخبين والناخبات، ذلك بعدما ألغت كل المحاضرات التي تهدف الى رفع درجة الوعي لدى الناخبات والمُرشحات».
وتضيف الفاسي: «ندرك أن هناك إشكالية حول أهلية المرأة القانونية في السعودية، فهي لا تعتبر كاملة الأهلية أمام القانون لغياب المُعرفين، ولا تستطيع أن تستأجر مسكناً، لأن المستأجر يجب أن يكون رجلاً.
بالطبع، هناك استثناءات لكننا نتحدث عن الغالبية العظمى، فرأس المال يحوز معظمه الرجل، وقلة من الأزواج مَن يسجّلون السكن بأسماء زوجاتهم، وبالتالي جميع الإثباتات التي تطلبها الوزارة غير متاحة للمرأة، أو قد لا تملكها بنفسها. كما أن إثباتها معقد جداً، ولعل أسهل إثبات هو امتلاك المرأة السكن، لكن المشكلة تحدث عندما يكون السكن مسجلاً باسم الزوج، وقد تُحضر بطاقة العائلة وتقوم بالتسجيل. لكن المسائل تتعقد إن كانت تسكن بعقد إيجار ليس باسمها.
في هذه الحالة، عليها أن تتبع سلسلة معقدة من الإجراءات لتثبت أنها تقطن في هذا المكان، وتتطلب هذه الإجراءات تواقيع من العُمدة، ومركز الشرطة، والمشهد، والغرفة التجارية، لتتمكن من إثبات سكنها... ناهيك عن المواصلات، وعدم تعاون العُمد مع النساء، إضافة إلى اختياراتهم السيئة للمراكز الانتخابية، فهناك الكثير من الأماكن التي تحوي عدداً ضئيلاً من المراكز الانتخابية. ففي مدينة الخبر في المنطقة الشرقية، مركزان فقط، كما أنهما لا يفيان بحاجات السيدات في المدن السعودية». مشيرة إلى أن هناك «اجتهادات من عدد من عضوات مبادرة بلدي في جدة، منها وضع قائمة بتوثيق المراكز الانتخابية، وتحديد الدوائر الانتخابية ومراكزها».
وتتابع الفاسي حديثها قائلة: «لذلك انطلقت خدمة البريد السعودي واصل، وقمت بتبني الفكرة بناء على اقتراح إحدى عضوات مبادرة بلدي في جدة، ميمونة بلفقيه، بحيث تتمكن أي سيدة من التسجيل مع واصل لمدة سنة بمبلغ 90 ريالاً سعودياً، وبالفعل تم قبولها في أكثر من دائرة انتخابية». وعن الخدمات المقدمة من مبادرة بلدي لتوعية السيدات كناخبات ومرشحات، تقول الفاسي: «ما زلنا نُلقي المحاضرات في الأماكن الممكنة. ورغم أن جميع المحاضرات باتت تُلغى في اللحظات الأخيرة، لكنني تمكنت من إلقاء محاضرة في القطيف، من دون أي تصريح، كما تقوم مبادرة بلدي بإلقاء محاضرة في جمعية الثقافة والفنون في الدمام.
وما نعمل عليه، هو تعزيز العلاقات من خلال شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وتمكنّا من طريق مجموعة المحادثات الالكترونية التي أنشأناها على «واتساب» من نشر المعلومات قدر المستطاع، وفروع بلدي منتشرة في أنحاء السعودية: في الرياض وجدة ومكة والمدينة والقصيم والمنطقة الشرقية والقريات والجوف وسكاكا وتبوك وجيزان ونجران... كل تلك المناطق استطعنا الوصول إليها، وشجّعنا نساءها على التسجيل والمشاركة في قيد الناخبات، إضافة الى الدور الذي لعبه الإعلام في نشر المقالات، وظهور غالبية عضوات بلدي اليومي على شاشات التلفزة أو عبر الإذاعات. مبادرة بلدي مستمرة لتُعمم على المناطق السعودية، بغية التعرف على الحراك الحقيقي للنساء الناشطات على الأرض».
الغنام: لا يُسمح بنشر الصور ويُعرّف عن المرشحين والمرشحات بأرقام وبرامج انتخابية فقط
من جانبه، يوضح مدير عام مكتب أمين مدينة جدة، وعضو لجنة الانتخابات عبدالرحمن الغنّام «أن بعد مضي أسبوع واحد، بلغ إجمالي عدد الناخبين للبلديات المرتبطة بأمانة محافظة جدة 2768 ناخباً وناخبة، بواقع 2443 من الرجال، و325 من النساء. ويؤكد الغنّام «أن الأنظمة الجديدة نصت على عدم ظهور المرشحين في وسائل الإعلام كافة، والمواقع الإلكترونية، وعلى عدم نشر صورهم أيضاً، إذ يعد النشر مخالفة.
كما يتم ترصد المخالفين من لجان الطعون، وتصل العقوبة المترتبة على ذلك إلى الاستبعاد من القوائم النهائية للمرشحين، في حين يسمح للمرشح بالكشف عن بياناته، واسم الدائرة الانتخابية التي ترشّح لها ورقم ترشيحه، إضافة إلى برنامجه الانتخابي»، لافتاً إلى أن «الدعاية تشمل المعلومات المتعلقة بهم، وبرامجهم الانتخابية وأرقامهم كمرشحين ومرشحات».
ويختتم الغنّام بالقول: «خطوة إعلان الحملات الانتخابية تأتي بعد إعلان القوائم النهائية للمرشحين، وحصول المرشح على ترخيص من اللجنة المحلية لحملته الانتخابية، على أن يلتزم المرشح ببنود لائحة الحملات الانتخابية الواردة في النظام الجديد، وأن تقتصر على المدة المحددة في الأنظمة».
د. الجنيدي: نتمنى ألا تصل النساء الى المجلس مُعيّنات بل منتخبات
يشير أستاذ كلية الهندسة في جامعة الملك عبدالعزيز ورئيس المجلس البلدي في جدة الدكتور عبدالملك بن علي الجنيدي الى «أن فكرة إتاحة المجال للسيدات، سواء للترشح أو للانتخاب، هي فكرة رائدة، وتتضمن مشاركة نسوية بشكل مباشر وطبيعي. والمرأة كما يعلم الجميع تُمثل أكثر من نصف المجتمع، ومن حقها أن تُسجل كناخبة، أو أن تترشح للانتخابات. ولا علاقة لنا كمجالس بلدية بانتخابات بموجب القانون حتى مع المجالس البلدية المشاركة أو الإدارة، كما لا نملك أي إحصائية عن مدى إقبال السيدات، لكنني شخصياً أرى انها فرصة ذهبية للسيدات للمشاركة، وتسجيل حضور قوي كناخبات، لأن الجولة الأولى التي انطلقت عام 2005، شهدت زخماً كبيراً ومشاركة على مستوى السعودية وشكلت بالتالي حدثاً ضخماً.
أما الدورة الثانية والتي عُقدت قبل أربع سنوات، فكانت أقل حضوراً وصخباً إعلامياً، وحملاتها الانتخابية كانت متواضعة مقارنة مع الدورة الأولى. ويتوقع أن يكون حضور السيدات اليوم طاغياً، ليُثبتن وجودهن في المجالس البلدية، كما نتمنى ألا تصل الأخوات الى المجالس مُعيّنات، بل منتخبات، ونرجو أن تكون نسبة 50 في المئة من المنتخبين من النساء بإذن الله».
وحول الشروط اللازمة لتسجيل النساء في قيد الناخبات، يذكر الجنيدي: «ما قرأته من اشتراطات لا يعد تعجيزاً، وأي مرونة تتحقق في هذا الجانب، سواء بعدم اشتراط الهوية الوطنية للنساء واستبدالها بصك الأسرة، وخدمة البريد السعودي واصل، الى مسألة تثبيت السكن... هي تسهيلات مُحبذة ومُرحب بها».
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024