تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

آبينزل وجمال خريف ريف الألب السويسري

سهرة فولوكلورية

سهرة فولوكلورية

متحف الجبن

متحف الجبن

الاستعداد لمغامرة الدراجة الهوائية

الاستعداد لمغامرة الدراجة الهوائية

الاستعداد لمغامرة الدراجة الهوائية

الاستعداد لمغامرة الدراجة الهوائية

وسط البلدة

وسط البلدة

بين بيروت وزوريخ حلّقت معي الأسئلة حول رحلتي إلى سويسرا للمشاركة في احتفال «عيش التقاليد» Living traditions الذي يبدأ في بلدة آبينزل Appenzell وينتهي في مدينة خورChur حيث أزور عالم الطفولة الإفتراضي الذي كنت أعيشه أمام الشاشة.
عالم هايدي الصغيرة التي كانت تعيش مع جدها في جبال الألب السويسرية.


وصلت إلى زوريخ وكان في انتظاري وبقية الصحافيين الآتين من مختلف الدول الأوروبية المجاورة ودول عالم ما وراء البحار، ممثلون لهيئة السياحة السويسرية وهيئة آبينزل السياحية.
ركبنا القطار نحو آبينزل. السفر عبر القطار في سويسرا هو غوص في الطبيعة الخلابة التي تضج خضرة تسرح بناظريك في السهول والجبال الشاهقة، لتوقظك البيوت القرميدية المتناثرة هنا وهناك، فيمر الوقت وكأنك أفلت من دقائقه وتفاصيل ثوانيه التي تكترث لدقتها الساعة السويسرية.
كانت رحلة القطار فيها من السحر الأرضي الذي يدخلني في كل مرّة أزور سويسرا في تفاصيل جمال بلداتها ومدنها... أطلق القطار صفارة الوصول إلى آبينزل.


وسط بلبلة اللغات وسحر البلدة بدأ اللقاء

في مركز البلدة وجدت نفسي وسط 144صحافيًا من 33 دولة، شعرت وكأنني في برج بابل، اللغات والألسنة هنا اجتمعت الألمانية والفرنسية والإيطالية والتشيكية... يصدق في الجمع بيت شعر أبي الطيب المتنبي” تجمّع فيه من كل لسن وأمة فما يفهم الحدّاث إلا التراجم” لكن المفارقة أن اللغة الإنكليزية كان لغة الحوار السائدة للتفاهم بين الصحافيين.

توزعنا في أرجاء آبينزل، وللوهلة الأولى لم أستوعب أنني أجول في أزقة بلدة واقعية أثناء بحثي عن فندق رومانتيكا سانتيس الذي أنزل فيه، فبيوتها الأنيقة التي تتدلى من شرفاتها وشبابيكها، الأصص الحاملة لكل أنواع الزهور، وحتى تلك التي لا توجد فيها أصص رسمت الزهورعلى جدرانها، جعلتني أشعر بأنني وسط متاهة سويسرية ألبية طبيعية، إلى أن أيقظني من تيهي بوق سيارة أطلق بنعومة، نظرت إلى السيدة التي تقود معتذرة، فأشارت إلي بيدها لا بأس.

مشيت بحقيبتي الجرّارة أبحث عن الفندق، إلى أن وجدته أمامي عند ساحة البلدة.
الفندق الصغير يحمل الكثير من النوستالجيا والتاريخ، وكل شيء فيه أشعرني بالدفء.
وكما عادتي توجهت إلى الشرفة فبدت لي البلدة تعيش ببطء غير آبهة لسرعة الزمن.
المطر يتساقط بهدوء والمشاة يسيرون بسلام وراكبو الدراجات الهوائية يستمتعون بلعبة المطر والنسائم الخريفية. إنها حقًا بلدة وادعة هادئة.


نحو القمة والتعلّق بين السماء والأرض

عند الساعة الرابعة اجتمعنا نحن الـ 144 صحافيًا للتوجه نحو محطة قمة الجبل حيث مركز هور كاستن Hoher Kasten قابع على ارتفاع 1791 مترًا . ركبنا المقطورة الهوائية التي بدأت الصعود فبدت لي آبينزل بقعة صغيرة جدًا وسط هذه الجبال الشاهقة بأخضرها المتدحرجة تدرّجاته.
هنا البرد لذيذ يسلع بلطف، وهنا النبات الألبية النادرة تعيش في متنزه طبيعي. ها أنا وسط الغيم الذي كانت الشمس تخترقه بين الحين والآخر لترمي إلينا بعض الدفء.

في صالة الاستقبال كانت صواني المقبلات الألبية من جبن ولحوم مجففة و حلوى محلية تتوالى على الضيوف.
عقد المؤتمر، كان المتحدّثون فخورين ببلدتهم، فخورين بمحافظتهم على تراث أجدادهم منذ أكثر من خمسمئة عام هي عمر البلدة.
هنا رغم التكنولوجيا المتوافرة الغلبة للطبيعة ونمط العيش الريفي، فهم فخورون بأنهم لا يزالون يربّون الأبقار ويستفيدون من حليبها ويصنعون الجبن بكل أنواعه. والسكان الذين يبلغون 15 ألف نسمة يربّون في مزارعهم 55 ألف بقرة.

وكل سنة ينظمون مهرجانًا يحتفلون بعاداتهم وتقاليدهم، حيث تصدح في أجواء البلدة موسيقى الفورن Alphorn، وهو عبارة عن بوق كان الرعاة وسكان جبال الألب يستعملونه إما للتواصل من قمة إلى أخرى وإما لدى شعورهم بخطر يداهم البلدة.
انتهى المؤتمر وعدنا إلى البلدة، لفتني أثناء الإنتظار في الحافلة شغف السكان بالرياضة، هناك من يركب الدرّجة الهوائية، وهناك من يمارس هواية التزحلق على الطريق المعبّدة بشغف، فلا عجب أن نادرًا ما التقيت بدينًا في هذه البلدة.

العشاء في الفندق كان لذيذًا تخلله ترانيم لفرقة آلاتها الموسيقة أصوات الأعضاء، فإذا ما أغمضت عينيي وأصغيت ظننت أنها موسيقى تصدرها آلات ولكن لا أنها أصوات تصدرها حناجر إنسانية فريدة من نوعها.


اليوم الثاني في آبينزل موعد مع المطر والهواء

صباح اليوم الثاني اجتمع الـ 144 صحافيًا في ساحة البلدة لنتوزع مجموعات كل مجموعة بحسب النشاط التقليدي الذي اختارته.
وكنت أنا ضمن مجموعة الـ E- biking توجهنا نحو محطة الدراجات الهوائية واخترت دراجتي واعتمرت خوذتي وارتديت معطفي الواقي من المطر وانطلقنا جميعًا نحو الهضاب.
ركوب الدرّاجة الهوائية وسط الريف الأخضر وهدوء جبال الألب فيه من الخدر الذي أنساني صخب المدينة التي أعيش فيها وزحمة السير والهواء المثقل بالهموم.

هنا أفلت شغفي الطفولي وتقمصت حياة أهل البلدة، أسابق النسائم الخريفية، أصغي لرنين أجراس الأبقار، أعانق زخات المطر التي تنهمر على وجهي، أتأمل البيوت القرميدية المرمية وسط الأخصر... إنها الحرية التي تمنحك إياها الطبيعة.
لا شعور بالتعب رغم المسافات التي اجتزناها صعودًا وهبوطًا، فنقاء الجو يجعل منسوب الأوكسجين مرتفعًا.
يستوقفني مشهد بانورامي للبلدة يشاغبه الضباب، السيارات التي تمر قربي تخفف سرعتها أو تقف على جانب الطريق إلى أن أمر، كل شيء يعمل بهدوء هنا. توقفنا لاستراحة القهوة في مقهى Landgasthaus Neues Bild, Eggerstanden .

أكملنا السير وعند نقطة عبور القطار وقفنا، وبعدما مر رحت أسابقه بدراجتي الهوائية.
بدأنا الصعود وشعرت بالتعب وكدت أستسلم إلى أن نبّهني قائد مجموعتنا إلى إمكان تعديل سرعة الدراجة فوضعتها على رقم 2 وبالفعل عادت خفيفة وعادت إلي غبطتي.
وأخيرًا وصلنا إلى مطعم Sammelplatz- Schlatt لنتناول الغداء. الكل كان مبللاً ولكننا جميعًا كنا سعداء بهذه التجربة الفريدة. لقد اجتزت خلال ساعتين 18 كيلومترًا صعودًا برياضة لم أكن أتوقع القيام بها.

للأسف بعد الغداء لم ننزل إلى وسط البلدة على الدراجات الهوائية نظرًا إلى اشتداد المطر على الرغم من أن الجميع كانوا يرغبون في ذلك، ولكن النزول فيه خطر الإنزلاق... أثناء ركوب الحافلة متوجهين نحو متحف شتاين الفولكلوري أدركت المسافة والارتفاع الذي اجتزته بالدرّاجة.

لصناعة الجبن متحف
في متحف شتاين الفولكلوري تعرفنا إلى صنع الجبن يدويًا، كانت التجربة طريفة مع أنني أعرف خطواتها كون جذوري ريفية.
ذكّرني صانع الجبن عندما سمح لنا بتذوق بداية تكوّن قالب الجبن بما كانت تفعله السيدة التي كانت تعمل في منزل جدتي الريفي حين كنا أطفالاً نتحلق حولها أثناء صنعها الجبن البلدي، وقشطة الحليب المخلوطة بالعسل، والجبن « الأريش» الذي كان تحضر منه الفطائر.


العشاء الفولكلوري بألحان ورقصات ريفية

انتهت أمسيتي الأخيرة بعشاء تقليدي على أنغام الموسيقى والرقص الفلكلوريين، أطباق الجبن منبسطة على الموائد ومحبو الجبن أمثالي قد لا يأبهون لمسألة الحمية، وكلما كان ضميري يؤنبني أسكته بأنني ركبت الدراجة الهوائية لساعتين وحرقت ما يكفي من الوحدات الحرارية.
رقصات طريفة وأزياء غريبة تروي قصصص سكان ريف آبينزل، ورغم أن الغناء باللغة الألمانية تمكّنت من فهم روح القصة التي تُحكى رقصًا.

عدت والمجموعة التي أنتمي إليها إلى الفندق سيرًا على الأقدام فلا شعور بالذنب بعد أطباق الجبن، وهمس زخّات المطر كان رفيقي.
البلدة كانت صامتة الأنوار خافتة، لا مجال للخوف هنا رغم الليل الدامس، فما علي سوى السير وملء ذاكرتي بتجربة فريدة من نوعها تضج بالطبيعة الفخورة بسكّانها الذين اختاروا انتماءهم الأبدي إليها رغم أنف التكنولوجيا.
غدًا سيحملني القطار إلى حلم الطفولة «التجوال في بلدة هايدي».


معلومات مفيدة
آبينزل هي منطقة وكانتون تاريخي يقع في شمال شرق سويسرا، ومحاطة كلياً بكانتون سان- غالن. أصبحت البلدة مستقلة عن مجمع سان غالن الكنسي عام 1403 ودخلت إلى الكونفيديرالية السويسرية عام 1411، وأصبحت كاملة العضوية عام 1513. ومنذ عام 1597 انقسمت قسمين: إينرهودن وأوسين هودين، نتيجة لإصلاح النظام السويسري السياسي.
اللغة الرسمية: الألمانية ثم الإنكليزية

 

شكر خاص إلى هيئة السياحة السويسرية وهيئة آبينزل السياحية وسويس باس على حسن الضيافة

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077