خرق
لم يكن قد بقي لنا سوى النوم، فخلاله ننسى عجزنا. وربما حلمنا بالتغيير إلا أننا تركناه للسبات ولم نفكر فيه خلال صحونا. «نحن شعب يحب الحياة»، نقول من دون خجل ونستسلم للبؤس.
لم يبق لنا سوى النوم، لكن الأصوات أيقظتنا. ولم نصدّق أننا صحونا من دون وجع كأننا ما زلنا نيّاماً. تبعنا الأصوات ورنين الأمل فيها. نعرف أنّها تناطح جبال العفن، لكنّها أملنا. عندما التقت الأصوات ووحّدها نداء صارخ أمام بيت «الزعيم» في بيروت عادت إلينا الروح. لم نمت بعد وما عاد النوم دواءنا.
اتسعت عيوننا لمراقبة المشاهد. تبعنا الأصوات من ساحة إلى أخرى. ليس أملنا مضيئاً، ليس كبيراً ولا عريضاً ولا واسعاً. لكنّه منعش كنقطة ماء في فم مَن دُفن حيّاً.
تحوّل المساء البيروتي الكئيب برائحة هوائه المحبطة وثقله إلى مساء خارق. خرقت هدوءه الموقت والزائف نبرات الأصوات الحقيقية. جيل أمهاتنا وآبائنا غرق في أوهامه ودفعنا إلى الحروب الأهلية وإلى خيبات كانت نتيجتها التدحرج نحو الماضي.
وألهت جيلنا أغاني إعادة الإعمار ومشاهده الغامضة. إعادة إعمار ماذا ومن؟ حاولنا أن نسأل. والذاكرة التي مُسحت من يعيد إعمارها لأجل بناء الحاضر والمستقبل؟ محا «العفو العام» ذاكرة الحرب وقدّم أعناقنا لمجرميها. تحكّموا فينا وما زالوا يتحكّمون. لم نقدر إلا على اللا مبالاة أسلوب عيش في زمن السلم.
لكن الآن بعد صحوة الأصوات الجديدة أصبح الأمل من حقّنا. يكفي أنّ جيلاً جديداً قد صاغ وحده جملاً عُلّقت في الساحات على الأسلاك الشائكة. لم يملها أحد عليه.
أخيراً وجدنا في الساحة مَن يرفض الزبائنية و«المنظومة» الطائفية الكريهة ويعبّر عن رفضه بصوت قوي. وها نحن نتبع الأصوات ونستمع إليها تخرق الفضاء المظلم.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024