السعودية تقرّ نظام الحماية من الإيذاء
أقر مجلس الوزراء في السعودية نظام الحماية من الإيذاء الذي يهدف إلى توفير الحماية من العنف بمختلف أنواعه، وتقديم المساعدة والمعالجة والعمل على توفير الإيواء والرعاية الاجتماعية والنفسية والصحية والمساعدة اللازمة لذلك، واتخاذ الإجراءات النظامية بحق المتسبب بالإيذاء ومعاقبته. ويعد الإيذاء الذي يقع على المرأة والطفل في السعودية من الظواهر المستجدة في المجتمع السعودي، ونقول مستجدة وليست جديدة، لأنها موجودة منذ وجود المجتمع السعودي نفسه، شأنه في ذلك شأن بقية مجتمعات العالم، إنما بدأ الاهتمام بهذه الظاهرة ينمو مع تزايد الكتابات الأكاديمية العلمية والكتابات غير الأكاديمية عنها، ومع انفتاح المجتمع على غيره من المجتمعات من خلال العولمة ووسائلها مثل الإنترنت والقنوات الفضائية، والتي ولدت تلاقح الثقافات مما جعل ظاهرة الإيذاء تكتسب اسمها الحديث ويتم التعرف عليها بتعريفاتها الغربية، والاعتراف بأنها ظاهرة سلبية تتطلب حلولاً.
تقول وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية المساعد لشؤون الأسرة لطيفة أبو نيان: «إن إقرار مجلس الوزراء السعودي هذا النظام لا يعني ارتفاع مؤشر العنف، بل إن العنف الذي تتعرّض له المرأة هو واقع نعيشه ويتفاقم نتيجة جهل المرأة بحقوقها وواجباتها، فحالات الإيذاء الأسري في المملكة ولله الحمد لا تشكل ظاهرة، ولكن هذا لا يقلل من اهتمام الدولة بمعالجتها انطلاقاً من تعاليم الشريعة الإسلامية».
وأضافت: «سعت الوزارة من خلال دورها في هذا المجال إلى توفير عدة خدمات وبرامج لحمايتها والحصول على حقوقها والاستفادة من تلك الخدمة بأفضل الطرق وأيسرها، فالمرأة التي تتعرض لعنف أو طرد يمكنها الإبلاغ عن مشكلتها من خلال الرقم الموحد 1919 ليتم استقبال بلاغها والعمل على حمايتها ودرس وضعها وتأهيلها وتقديم كل الخدمات التي ترمي إلى معالجة المشكلة من جذورها، وأحياناً إيجاد مأوى لها». وأشارت إلى أنه إذا استمرت مقاومة الأسرة ورفضها استقبال الفتاة، تودع دار الضيافة التي ترعاها وفق خطط علاجية ووقائية وإنمائية لإعادة تأهيلها وإكسابها المهارات المهنية والقيم الاجتماعية، مع استمرار التواصل مع أسرتها ومحاولة ربطها بها وبذل الجهود لعودتها إلى كنف أسرتها إذا كانت صالحة. وينفّذ هذا العمل كادر مهني من الاختصاصيات الاجتماعيات والنفسيات المؤهلات.
أميرة كشغري: النظام خطوة إيجابية في الطريق الصحيح... ولكن!
قالت الكاتبة أميرة كشغري إن إقرار النظام لا يحتاج إلى تبرير أو دفاع لكونه خطوة إيجابية في الطريق الصحيح نحو حفظ الحقوق الإنسانية وعلاج حالات انتهاكها، بغض النظر عن عدد الحالات في المجتمع. وأضافت: «هناك ملاحظات مثارة حول النظام ومنها أنه لم يحدد جهة مختصة بوضع آليات التعامل مع حالات العنف والإيذاء، ما قد يولّد تضارباً في آليات العمل بين الجهات المختلفة، أو في آليات الاستجابة لحالات الإيذاء. وتعددت أهداف النظام لتشمل توفير الحماية للضحايا وتلبية احتياجاتهم ومساءلة المتسببين بالتعنيف ونشر التوعية بالإيذاء ومعالجة الظواهر السلوكية. إلا أن النظام أو لائحته التنفيذية ينبغي أن يعالج أيضا كيفية ضمان الحماية من الإيذاء، والتعامل مع الظواهر السلوكية، والتعرض لجوانب العنف المؤسساتي وإصلاح الأنظمة والتشريعات التي توجد بيئة مناسبة لحدوث حالات إيذاء، كما عرفها النظام في المادة الثانية الفقرة الخامسة، مثل قانون الولاية على النساء الراشدات ومنع النساء من خدمات معينة كاللجوء إلى القضاء أحيانا بلا محرم ونظام كفالة العمالة وغيرها من الأنظمة».
وتابعت: «لم يضع النظام أي آليات للتعامل مع حالات الإيذاء إذا فشلت استجابة الجهات المختصة في حماية الضحايا. ولم يرشد الجهة المختصة إلى كيفية رفع الأمر إلى الحاكم الإداري مثلا أو تحديد جهة رقابية للتظلمات في حال التقصير من الجهة المختصة. وترك تقدير درجة الاستجابة المقررة لحالة الإيذاء رهنا بالجهات المختصة كالشرطة أو الصحة أو التعليم، ولم يشترط تفعيل شروط معينة لتحديد معايير الاستجابة المطلوبة. كما انحاز إلى أولوية الإجراءات الإرشادية والوقائية في الاستجابة، بينما مرحلة التوعية تسبق مرحلة التعرض الفعلي للإيذاء، ولا يفترض أن يترك الأمر لتقدير أي جهة بالنظر إلى طبيعة الثقافة المحلية التي تفضل إبقاء الروابط العائلية وسمعة العائلات بأي طريقة حتى وإن حصل الإيذاء أحيانا كثيرة. وذكر النظام في المادة السابعة والفقرة الرابعة إحدى آليات الاستجابة بعد توثيق البلاغ بأن يتم استدعاء أطراف الحالة لأخذ التعهدات، وهو ما يتَّبع حاليا، وكان من الأجدى توفير بدائل أفضل من الوسائل التقليدية التي لم تنجح في توفير الحماية للضحايا وحيث تعاد الضحية إلى الجاني، خصوصا إذا كانت امرأة أو طفلا». وأشارت إلى أن النظام نص على دعم الأبحاث وبرامج الحماية من العنف والإيذاء، وهذه خطوة مميزة بالنظر إلى ما يعانيه المجتمع المدني من تقييد في ممارسة هذا الدور.
الدكتور بندر العيبان: سيشكل نقلة نوعية في مجال حقوق الإنسان
وأكد رئيس هيئة حقوق الإنسان الدكتور بندر العيبان في بيان صحافي «أن نظام الحماية من الإيذاء سيشكل نقلة نوعية في مجال حقوق الإنسان، ويؤكد المستوى الحضاري الكبير الذي وصلت إليه المملكة لإيجاد أنظمة وتشريعات في هذا المجال، وسعيها لحفظ الحقوق والمحافظة على كرامة أفراد المجتمع وسلامتهم وأمنهم الإنساني وعدم انتهاكها بالاعتداء أو بالإيذاء بأي شكل كان، خاصة الفئات الأكثر عرضة لهذه الانتهاكات وهم كبار السن والمرأة والطفل». وذكر أنه مع رصد تزايد الشكاوى من العنف تجاه المرأة والطفل في المجتمع من قبل عدد من الجهات المعنية ومن بينها هيئة حقوق الإنسان، كان لا بد من نظام يوفر الحماية من الإيذاء بمختلف أنواعه، ويقدم المساعدة والمعالجة وخدمات الإيواء والرعاية الاجتماعية والنفسية والصحية، والتصدي للمُعنفين، وهو ما اشتملت عليه مواد هذا النظام.
الباحوث: هناك خصوصية في التعامل مع الطفل والمرأة بسبب العادات والتقاليد التي تعيق غالباً تنفيذ مثل هذه الأنظمة
وقال المحامي والمستشار القانوني في عضو هيئة التحقيق والإدعاء العام سابقاً عبدالله الباحوث: «طال الانتظار حتى سعدنا بإجازة مجلس الوزراء لنظام الحماية من الإيذاء، وهذا يعد إضافة مميزة في القوانين والتشريعات المتعلقة بحماية النفس والجسد البشرية بكل فئاتها وقطع شر كل من يريد بها الأذى والإساءة». ولفت إلى أن النظام لم يأتِ مفصلاً بالمواد التي تحدد الجهات المعنية بالتعامل مع حالات العنف والإيذاء، و«لا بد أن يؤخذ في عين الاعتبار أن هناك خصوصية في التعامل مع الطفل والمرأة بسبب العادات والتقاليد التي تعيق غالباً تنفيذ مثل هذه الأنظمة. فلم ينص النظام بشكل صريح وواضح على ضمان حق كل من يصيبه أذى من الفئات المعنية وآلية كسر ذلك العائق وضمان حمايته من العادات والتقاليد التي فيها الكثير من المخالفات الشرعية، فهناك فئات تتعرض لأنواع من الإيذاء النفسي والجسدي تتألم ألماً غير مسموع خوفاً من تخلخل الروابط الأسرية والإساءة إلى السمعة».
الدكتور إبراهيم الشدي: عدم وجود سقف للعقوبات أمر إيجابي
من جهته، قال الناطق الرسمي باسم هيئة حقوق الإنسان الدكتور إبراهيم الشدي إن «نظام الحماية من الإيذاء» يمثل نقلة نوعية في القوانين والتشريعات المتعلقة بحماية المرأة والطفل والفئات الضعيفة، واعتبره «صمام أمان» للحد من انتشار مظاهر العنف الأسري والإيذاء النفسي والجسدي في المجتمع.
أضاف: «النظام يأتي متوافقا مع ما حضت عليه القيم الإسلامية والشرعية من حسن التعامل والنهي عن الإيذاء وما دعت إليه القوانين والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحماية من العنف الأسري وحماية المرأة وحقوق الإنسان التي يأتي صدور هذا النظام الجديد مؤكداً التزام المملكة بها».
وأشار إلى أن ما اشتمل عليه نظام الحماية من الإيذاء من لوائح وآليات يوفر الحماية والوقاية المسبقة من الإيذاء من خلال عقد الدورات والندوات التوعوية ورفع الثقافة الحقوقية لجميع الفئات المستهدفة وللمعنيين في تطبيق الحماية. كما وفر الحماية الاجتماعية والأمنية للمبلغين عن حالات العنف بعدم كشف هوياتهم. ورأى أن عدم وجود سقف محدد للعقوبات أمر إيجابي وذلك لأسباب عدة، منها عدم إمكان توحيد العقوبة لاختلاف درجات الإيذاء، وعدم تقييد القضاة بعقوبة واحدة، ولكي تتناسب العقوبة مع الجريمة المرتكبة.
نص قرار مجلس الوزراء:
قرر مجلس الوزراء الموافقة على نظام الحماية ومن أبرز ملامح النظام:
1 يستهدف هذا النظام عدة أمور من بينها ضمان توفير الحماية من الإيذاء بمختلف أنواعه ، وتقديم المساعدة والمعالجة والعمل على توفير الإيواء والرعاية الاجتماعية والنفسية والصحية والمساعدة اللازمة لذلك، واتخاذ الإجراءات النظامية بحق المتسبب بالإيذاء ومعاقبته.
2 يجب على كل من اطلع على حالة إيذاء الإبلاغ عنها فوراً.
3 مع مراعاة ما تقضي به الأنظمة ذات العلاقة من إجراءات، يلتزم كل موظف عام مدني أو عسكري وكل عامل في القطاع الأهلي اطلع على حالة إيذاء - بحكم عمله - إحاطة جهة عمله بالحالة عند علمه بها ، وعليها إبلاغ وزارة الشؤون الاجتماعية أو الشرطة بحالة الإيذاء فور العلم بها، وتحدد اللوائح إجراءات التبليغ.
4 لا يجوز الإفصاح عن هوية المبلّغ عن حالة إيذاء إلا برضاه، أو في الحالات التي تحددها اللائحة التنفيذية للنظام ، ويلتزم موظفو وزارة الشؤون الاجتماعية وكل من يطلع - بحكم عمله - على معلومات عن حالات إيذاء بالمحافظة على سرية ما يطلعون عليه.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024