تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

أمانة والي: تناول الأزمة السورية في الدراما لا يصحّ اليوم...

أمانة والي فنانة تختزل في أرشيفها سنوات عدة من العطاء المستمر قدّمت خلالها أعمالاً هامة ومتنوعة، وشخصيات مختلفة، معقدة ومركبة، مؤكدة في كل مرة قدرتها على الإقناع وتقديم الخيار الأفضل في الأداء لتكون الأقرب إلى الناس.
ففي أدوار الخير كما في أدوار الشر، امتلكت ناصية الإبداع عبر إعطاء كل شخصية حقها لتأتي أقرب إلى الصدقية والحقيقة... هي تعرف ما تريد بدقة وتعمل جاهدة لتحقيق ما تصبو إليه... نالت شهرتها الواسعة من خلال مجموعة ناجحة من الأعمال الدرامية... معها كان لنا هذا اللقاء.


- ما المحاور الأساسية للدور الذي أديته في مسلسل «بانتظار الياسين»؟
أجسّد شخصية امرأة اضطرت بسبب الأحداث أن تترك منزلها، ونتيجة التهجير تسكن عند أختها، ولكن يبدو أن زوج أختها مزعج إلى حد ما، الأمر الذي يجعلها تفضّل الهرب طيلة النهار خارج المنزل، فتقضي معظم وقتها منذ الصباح في الحديقة لتعود إلى المنزل عند المساء، وبالتالي فهي تنتقل من تهجير إلى آخر، وتعيش مجتمع الحديقة وما يحفل به من أحداث.

- إلى أي مدى يمكن أن يلامس المسلسل حقيقة ما يعانيه المهجّرون، وبالتالي إلى أي مدى يمكن اقناعهم بأن ما يرونه من شخصيات وأحداث يعكس الواقع اليومي لحياتهم حقاً؟
هناك جزء من الناس سيقولون إنهم لم يروا أنفسهم من خلال المسلسل ولكن ستجد آخرين يقولون إنهم رأوا أنفسهم أو أقرباءهم من خلال شخصيات العمل ومجرياته، بمعنى أنك ستلامسهم بطريقة أو بأخرى، ولكن مما لا شك فيه أن هناك أوجهاً كثيرة للمعاناة التي يعيشها المهجّرون في الحدائق أو المدارس... هناك ألم وحزن ووجع، وبالتالي لن يستطيع هذا المسلسل ولا أي مسلسل آخر أن يحمل كل هذه المعاناة ويقدمها، ولكن يقوم بتسليط الضوء فقط.

- سبق وشاركت في مسلسل «الحب كله» الذي تناول الأزمة أيضاً، فأين تجلّت خصوصية هذه المشاركة؟
مسلسل «الحب كله» مؤلف من خماسيات عدة وشاركت خلاله في خماسية «إيقاع»، إخراج زهير قنوع وتأليف آنا عكاش، التي تحكي أيضاً عن عائلة مهجرة أتت لتعيش في دمشق، ونتابع من خلال الأحداث معاناتها مع التهجير، سواء من خلال استشهاد ابنها برصاصة قناص أو تعرض الابن الآخر لعملية تفجير في أحد الشوارع، مما أدى إلى بتر ساقه، ولعبتُ ضمن العمل شخصية الأم التي كانت تحمل في قلبها الكثير من الإيمان والأمل على الرغم من كل ما جرى معها، فهي تملك جرعة من التفاؤل بأن الحياة مستمرة مهما عصفت المصائب بالعائلة... يعيش ابنها قصة حب، إلا أن بتر ساقه يقف عائقاً في وجه اكتمالها، فتقف الأم إلى جانبه ليحقق هدفه في النهاية ويرتبط بمن أحب.
وقد سعيت من خلال تجسيدي الشخصية إلى تأكيد مقولة العمل الأساسية التي تنتصر للحياة. وعلى الرغم من أننا قد نجد أمهات ثكالى، إلا أنني قدمت الأم القوية والمؤمنة. فوظيفة الفن عموماً الشد من عزيمة الناس ودعوتهم إلى أن ينظروا إلى المستقبل.

- هل تؤيدين إنجاز مسلسلات عن الأزمة السورية في الوقت الراهن أم التأجيل إلى ما بعد انتهائها؟
أرى أن تناول الأزمة ضمن الدراما لا يصح إلا عندما نبتعد منها لمدة سنتين أو ثلاث، فإذا حكينا عنها اليوم قد تغيب عنا غالبية التفاصيل اليومية، ولكن عندما تُكتب الأعمال في ما بعد، تصبح الرؤية أوضح وأكثر نضجاً من حيث التعاطي مع الحدث، وتتبلور بالتالي المواقف وتظهر وجهات النظر بشكل أعمق. لذلك أعتقد أن في السنوات التي تلي الأزمة سيقدم الفن رؤيا هامة جداً وأكثر وضوحاً مما يُقدم اليوم.

- ما الذي دفعك الى تأدية دور امرأة تتاجر بالأعضاء البشرية في مسلسل «عناية مشددة»؟
الحقيقة أنني لم أجد مُخرجاً يقرأني كما يفعل المخرج أحمد ابراهيم أحمد، وأنا أشكره على ذلك، ففي كل مسلسل يقدمني بشكل مختلف ومُتجدد، سواء في «نساء من هذا الزمن» أو «زمن البرغوت» أو «عناية مشددة»، ويقول لي إنني وفق قناعته «ممثلة يمكن أن تؤدي أي دور يراه، ولدي زوايا لم يكتشفها أحد بعد حتى الآن وهو من سيكتشفها، ولا يستطيع أحد أن يتخيل إلى أي مدى يمكن مثل هذا الكلام أن يُثلج قلبي ويشجعني ويجعلني أشتغل معه بسعادة، خاصة أن من الصعب أن يسمع ممثل في هذا الزمن كلاماً من مخرج من هذا القبيل، لأن المخرجين عادة يكونون أنانيين ويجعلونك تشعر أن أي أحد يمكن أن يأخذ مكانك ويؤدي دورك.

- إلى أي حد ذهبت في الدور؟
شخصية (هموم) التي أديتها في «عناية مشددة» هي التي تأتي بالجثث أو تشتري أشخاصاً لتقوم بتقطيعهم والمتاجرة بأعضائهم. والظريف في العمل أننا ذهبنا بهذه الشخصية إلى النهاية، بمعنى أن المسلسل انتهى ولكن (هموم) بقيت تعمل، لا بل انتقلت من مستوى اجتماعي إلى مستوى آخر رفيع.
عندما صوّرت مشاهدي في المسلسل بقيت لمدة ثلاثة أيام لا أعرف كيف أنام، وكلما كنت أغمض عيني أرى اللون الأحمر أمامي، فقد كان «اللوكيشن» قاسياً علي، خاصة ونحن نعيش هذه الأحداث.

- كيف تطوّرت شخصية (أم عرب) في الجزء الثاني من مسلسل «الغربال»؟
«الغربال» مسلسل شامي أديت في الجزء الأول منه شخصية (أم عرب) التي تعاني بسبب وجود زوجها (الفنان عباس النوري) في السجن فتقوم بكامل واجباتها تجاه المنزل والمحيط أثناء غيابه، ولكن نراها في الجزء الثاني من المسلسل والذي تولى إخراجه مروان بركات، امرأة تصاب بالغيرة نتيجة مواجهة بينها وبين زوجها بعد ظهور شخصية جديدة في العمل يقوم أبو عرب بالتقرب منها، مما يثير حنق الزوجة لتدخل الشخصية في مستوى آخر من حيث التعاطي مع الدور. ومهما كانت المرأة الشامية قوية تبقى منكسرة ومغلوباً على أمرها، خاصة أمام زوجها.

- بعدما أخذت الدراما السورية نصيبها من الانتقاد في السنوات الثلاث الماضية، هل نشهد اليوم بوادر لإعادة انتعاشها ومحاولة لاستعادة دورها من جديد؟
في ظل الأزمة التي تعصف بالبلد والأحداث التي أحبطتنا وأعادتنا إلى الوراء وحصدت كل حب وألم عندنا حتى أنها لم تتركنا إلا أشلاء... في ظل ذلك كله أرى أن الدراما السورية مشكورة على كل ما استطاعت تقديمه، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هناك دراما مشكورة ودراما أخرى غير مشكورة. فمن يقدم أعمالاً جيدة ومعاصرة تعكس آلام الناس وأوجاعهم وتتناول الوضع الذي نعيشه، مشكور لأنه يحاول تقديم ما يستطيع ضمن هذه المرحلة، فنحن نصوّر بين القذائف والانفجارات، كما أننا لم نعد نستطيع التصوير في العديد من الأماكن التي كنا نصور فيها في السابق، وبالتالي بدأت الدائرة تضيق علينا في أماكن التصوير، ورغم ذلك نقدم عدداً من المسلسلات الهامة التي تحكي عن الواقع أو المستقبل بطريقة مشرّفة. وهنا دعني أشدّ على أيدي صناع الدراما، فالعمل ضمن هذه الظروف يُعتبر بطولة.

- ميّزت في كلامك بين «دراما مشكورة» وأخرى «غير مشكورة»... فهل يمكن القول إن السنوات الأخيرة شهدت ظهور متسلقين على جسد الدراما بحجة أننا بحاجة الى إنتاج أعمال درامية؟
هناك الكثير من الطحالب والأعشاب التي نبتت على جسد الدراما السورية، وتحتاج إلى تشذيب، وأرى أنها ستسقط من تلقاء نفسها بمجرد انتهاء الأزمة.
فكما أن هناك تجار حرب يستغلون الناس، هناك أيضاً تجار حرب يستغلون الظروف ويقدمون أعمالاً مخجلة، ولكن عموماً يمكن القول إن هناك الصالح والطالح.

- هل تتوقعين أن يتحسّن وضع الدراما السورية؟
كلنا أمل بأن تكون أفضل وتُقدم أعمال درامية أهم مما قُدم في السنوات الماضية. وبالنسبة إلي، يمكنني القول إن المسلسلات التي شاركت فيها كلها مُطمئنة وجميلة. ودعني أقول إنني متفائلة، ففي النهاية نحن محكومون بالأمل، كما قال الراحل سعد الله ونوس...

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080