تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

ما زال الجدل دائرًا.... الألعاب الإلكترونية سيئة أم جيّدة؟

لا يزال الجدل دائرًا حول الآثار السلبية لجلوس الطفل أمام الشاشة. التي لم تعد مقتصرة على التلفزيون والكومبيوتر فقط، بل هناك شاشات كثيرة أصبحت متداولة بين الأطفال والمراهقين، الآيباد والآيفون واللاب توب... ويبدو مشهد الطفل أو المراهق أثناء حمله أيًا من هذه الآلات، مهمومًا منشغلاً كأنه يحلّ معضلة رياضية أو فيزيائية أو مشكلة كونية، هو يركز كل انتباهه على الشاشة يتفاعل معها بأصابعه ونظره، لا يسمع ماذا يدور حوله. هل هذا المشهد أحد مظاهر الآثار السلبية التي تتركها الشاشة؟ وهل تؤثر في النمو الإدراكي للطفل والمراهق؟


يرى بعض الاختصاصيين أنه لنفهم آثار الشاشة على النمو الإداركي عند الأطفال، علينا أن نفهم كيف تتطوّر ملكة الإدراك لديهم. فنضج الدماغ يتمّ تدريجًا عبر الزمن. ويبدأ النمو الإدراكي بنمو الجهاز الحس- الحركي، وينتهي بنمو قشرة الدماغ والتكوين الجبهي Prefrontal والزمني حيث تقع منطقة اللغة. ويتمّ ذلك من طريق النضج الإدراكي والتخصص التفاعلي لمختلف مناطق الدماغ، ومن طريق تعلّم المهارات.

يرتكز النمو الإدراكي عند الطفل في البداية على الأشياء التي يتعرف اليها، ثم على الكم ومن ثم على التصنيف وأخيرًا على المنطق الذي يسمح بالتمييز بين الأفكار وليس فقط المواضيع المجرّدة.


فما هو دور الشاشة في نمو  هذه الملكات الأربع؟

يجيب الاختصاصيون بأن النظام الإدراكي عند الطفل يكون في طور النمو وهو نظام ديناميكي غير مستقيم، أي أنه قادر على التطوّر بشكل مبهر، ولكن في الوقت نفسه يواجه فشلاً قويًا في الأداء.
ويتعلق هذا الأمر بالمراحل التي لا تكون متساوية عند الجميع. إلى جانب أن هذا النمو يستند إلى أنواع عدة من الذكاء. لذا من المهم اتباع أساليب في التربية تختلف وفق السن، ولكن المبدأ الرئيس يكون في تعليم الطفل كيف يتحكّم ذاتيًا في استعماله الشاشة، ويكون ذلك في سن صغيرة جدًا.
فالشاشة ليست المشكلة وإنما التعامل معها والوقت الذي يمضيه الطفل أمامها هما المشكلة.

يحب الطفل أن يلمس ما يراه بأصابعه، واللوح الإلكتروني يترافق صداه مع الذكاء الحس- حركي عند الطفل.
في هذا الإطار من التحفيز المبكر، فإنّ اللوح الإلكتروني الرقمي، يمكنه المساهمة في النمو الإدراكي للطفل بمساعدته على فهم تصنيف الأشياء والألوان والأصوات.

بين الثانية والسادسة، إنها السن التي يبرز فيها الذكاء التمثيلي والرمزي، إنها سن الرسم والألعاب، ولا سيما اللعب التظاهري، أي التظاهر بأنه شخصية ما، مثلاً يتظاهر بأنه طبيب أو إطفائي. والشاشة يمكنها المساهمة في إدارك الفارق بين الواقع والافتراض. كما توجد أيضًا حبكة معلوماتية في تعليم الربط بين الحروف والصوت من طريق اللعب.

والمدرسة الابتدائية (بين السادسة والثانية عشرة)، هي السن التربوية الأولى التي توضّح العلاقة بين الطفل والشاشة، وقد ارتأت بعض المدارس وضع تطبيق إلكتروني لمنهجها الدراسي على الآيابد لتعليم التلميذ التعديل الذاتي أمام الشاشة والتحكم في استعمالها.

                 
ما هي حسنات الألعاب الإلكترونية وسيّئاتها؟

حسنات الألعاب الإلكترونية أو سيئاتها، مسألة تشمل كل الأعمار، فالألعاب الإلكترونية تطوّر مهارة التيقظ البصري، وتسهّل تحديد الهدف، والمرونة في التفكير وتحفز الانتباه، واتخاذ القرار بسرعة.

بالنسبة إلى المراهق بين الثانية عشرة والثامنة عشرة، تسمح الشاشة بالتمرّن على التفكير السريع وسرعة الخاطر وتتيح اكتشاف احتمالات كثيرة، مما يساعده على التفكير الافتراضي الاستنتاجي. ومع ذلك، فإن هناك الكثير من الدراسات التي تشير إلى أن استعمال الإنترنت يضعف الذاكرة، فالأشخاص يتذكّرون مداخل المحتويات أكثر مما يتذكرون المحتويات نفسها وخلاصاتها.
فسرعة معالجة المعلومة تجعل الإنسان ينسى الخلاصة أو عمق الموضوع الذي يبحث فيه. كما يلاحظ أن من نتائج الاستعمال المكثف للشاشة مشكلات مرتبطة باضطرابات النظر، أو أرق سببه قلة النشاطات الجسدية أو الاجتماعية.

يصرّ الاختصاصيون على وجوب تعليم الطفل أن يكون مرتاحًا وسعيدًا في العالمين، الواقعي والافتراضي. ومع ذلك يقرّ الباحثون أن هناك مسائل كثيرة تجهلها البحوث. فإذا بدأ تسليط الضوء على الآثار السلبية للجلوس المفرط أمام التلفزيون، ليس هناك قياس واضح لمعرفة الاستعمال المفرط للشاشات الإلكترونية الأخرى، أي الهواتف والآيباد والآي- فون... من المؤكد أن هذه الشاشات تتطور في تسهيل الوصول إلى المعلومة، وتحديدًا عند الأشخاص من خلفيات ثقافية واجتماعية فقيرة، ولكن الولوج في عالم المعلوماتية لا يلغي التربية الواقعية.

وتشكل المدة التي يمضيها الطفل أو المراهق أمام الشاشة أهمية كبرى يمكنها أن تؤدي إلى نتائج سلبية. منها استهلاك الوقت على لا شيء، حدوث مشكلات عائلية. فنحن نمضي من ساعتين إلى خمس ساعات يوميًا أمام الشاشة، بغض النظر عن أي نوع من الشاشات. لذا نجد الكثير من الدراسات التي تحذّر من المدة الزمنية التي يمضيها الطفل أو المراهق أمام الشاشة.
ولكن لا تكفي الرقابة والمنع وتحديد المدة، بل يجب إيجاد بديل من الشاشة ويكون ذلك في توفير نشاطات جسدية واجتماعية ينخرط فيها المراهق والطفل.


قدرة الألعاب الإلكترونية المعرفية

تعزّز الألعاب الإلكترونية القدرة على تمثيل مواقف جديدة. في مجال تعليم الأحرف، هناك ألعاب فعالة جدًا مصممة وفقًا للممارسات المعرفية، ويمكن أن تكون لها آثار إيجابية.
مثل ألعاب فك الشيفرة والأرقام وحلّ المسائل الحسابية. فقد أظهر هذا النوع من الألعاب أن في الإمكان مساعدة طفل لديه احتمال الإصابة بعسر الرياضيات Discalcula، صحيح أن النتائج متواضعة ولكنها واقعية، ويمكن أن تزيد احتمال أن الكمبيوتر يمكنه التكيّف مع الصعوبات التي يواجهها الأطفال.

أظهر أحد اختصاصيي علوم الأعصاب بعد دراسة قام بها على نتائج ألعاب الفيديو، أن لها بصورة عامة تأثيرًا معرفيًا إيجابيًا مهما كان نوع اللعبة.
فالأطفال الذين يلعبون ألعاب الأكشن السريعة لديهم أداء معرفي وبصري متطور، حدة البصر، انتباه بصري مكاني، تغيير سريع للوضع، اتخاذ القرارات، وتحديدًا نلاحظ مرونتهم المعرفية، ويعني ذلك القدرة على التعلم والتطوّر

وفي المقابل لا تزال مسألة الأثر السلبي لمدة الجلوس أمام الكمبيوتر أو التلفزيون غير واضحة، فالخطر هو نقص في التفاعل مع الأدوات، وليس في الدعم، فإذا تركنا الطفل يجلس أمام فيديو يتعلم اللغة فإنه لن يتعلمها ببساطة، وحده التفاعل مع إنسان آخر يسمح له بتعلم اللغة، إذ إن أهمية المعلمة هي التفاعل، أي الارتباط بين من يُعلم ومن يتعلم. في المستقبل.

يمكن التعليم بطرق جديدة مثل نظام التربية عبر الإنترنت، ولكن ربما ليس لجميع الأعمار بالطريقة نفسها ومن دون إيجاد نظام تفاعلي مناسب.


خطر الإدمان؟
يمضي الأطفال والمراهقون وقتًا طويلاً في اللعب. وعمل الأهل وضع حدود، ولكن لا يجدر بهم المبالغة في قلقهم، فالراشدون يمضون أيضًا وقتًا طويلاً أمام الشاشة. على الأهل أن يكونوا حذرين ومتواصلين مع أبنائهم. يدق جرس الإنذار عندما تظهر إشارات إدمان مثل انقطاع متواصل عن المجتمع والأصدقاء وفقدان الشهية والانغلاق على الذات.


ألعاب الفيديو شغف عصري حوله جدل

من المعلوم أن ألعاب الفيديو هي الألعاب المفضلة عند الأطفال بين العاشرة والخامسة عشرة، ويهتم بها الأولاد أكثر من البنات، ويلاحظ راهنًا أنها تحظى بشعبية عند الراشدين، ولكن يقلق الأهل من أن يدمنها أطفالهم. وبالنسبة إلى الأهل الذين يجدون أن أبناءهم يمضون الكثير من الوقت في ألعاب الفيديو، عليهم ان يتذكروا أنها ألعاب لديها بعض المزايا الموضوعية، التيقظ، حركة عقلية، استراتيجية حلول، تعلم المشاركة ونعني الألعاب التي يشارك فيها أكثر من لاعب.

ومع ذلك لا تزال هذه الألعاب موضع جدل حقيقي في المجتمع وفي مجتمع علماء النفس. بعضهم يحذّر من خطر إدمان حقيقي وانقطاع عن الواقع، فيما آخرون يرون العكس، وأن نتائج هذه الألعاب غالبًا ما تكون إيجابية، ولكن هذا لا ينفي وجود بعض الحالات المرضية.

لا تزال معظم شكاوى الأهل التي يتلقاها اختصاصيو علم نفس الطفل والمراهق في عياداتهم، تتمحور حول انغماس ابنائهم بألعاب الفيديو العنيفة. فكيف يمكن قوننة السحر الموجود في هذه الألعاب وآثارها على الأطفال؟ وما هي السلوكيات التي يجب تبنيها؟


5  نصائح لاستعمال آمن لألعاب الفيديو:

1  الامتناع عن حظرها: فالحظر هو قوة محفزة للعدائية عند الطفل الذي يعرف تمامًا كيف يستعمل اللعبة، وإذا ما حظّرها الأهل في البيت، يمكن الابن استعمالها عند الصديق، على الإنترنت.

 2 تعلم اللعب: لإخراج الطفل من اللعبة، من الأفضل الدخول معه، فالاهتمام بعالمه يمنح الأهل حضورًا يخفض من التمثل الخيالي باللعبة. هذه المبادرة تسمح لهم بالتأسيس لحوار نقدي بنّاء. فالأهل يكونون دائمًا أكثر صدقية عندما يعرفون القليل عما يتحدثون.

3   وضع قوانين واقعية: بعبارة أخرى، عندما يحدّد الأهل 30 دقيقة في الأسبوع للعب، يكونون كمن يعلن الحرب. وبدلاً من ذلك، يمكنهم وضع مدة يومية محددة بين 45 و50 دقيقة وفق السن. وتحديد المكان حيث اللعب مسموح مثل غرفة الجلوس، وهذا يتعلق بسن الطفل، وتحديد أي نوع من الألعاب مسموح به، وتحديد شروط اللعب وفق الأداء المدرسي، فتزيد أو تنقص وفق كمية الفروض المدرسية.

4  إزالة الغموض كي لا تشوّه الصورة: التحدث مع الطفل عن اللعبة. ما هو الجديد فيها؟ ما هي الألعاب التي يفضلها؟ ولماذا؟ دفع الطفل الى التحدّث عن الموضوع الذي يجذبه، يسمح للأهل بفهم المصادر وتوضيحها وبالتالي التصرف بحكمة.

5  اقتراح لحظات للمشاركة: اللعب مع الطفل هو الوسيلة المثلى للتقرب منه متى كان ذلك مناسبًا مما يمنعه من الانجراف في اللعبة.


هل الألعاب العنيفة تحوّل المراهق والطفل شخصين عنيفين؟

الألعاب العنيفة لا تحول الأطفال إلى مجرمين، ولكن ربما تميل إلى تخفيض السلوكيات الإيجابية تجاه المجتمع مثل المساعدة المتبادلة والتضامن. ومن الملاحظ أنه خلال اللعبة يتماهى الطفل مع المعتدي ونادرًا ما يتماهي مع الضحية، والطفل يكون عنيفًا لأسباب أخرى غير لعبة الفيديو. ومع ذلك ما زالت هذه المسألة مثيرة للقلق.

قد يصعب الحدّ من ألعاب الفيديو العنيفة، ولكن يمكن الأهل النظر في تعزيز الألعاب الاجتماعية. ربما من الصعب محو العنف من المجتمع ولكن في الإمكان زيادة تظهير وتقدير السلوكيات الجيدة مثل التعاطف والكرم.

يرى الاختصاصيون أن من الضروري تمييز العدائية من العنف. أن تكون عنيفًا يعني إنكار الآخر ومحاولة إلغائه، فيما غالبية هذه الألعاب تتطور في محتوى عدائي أكثر منه عنفيًا، وبالتالي توضع قوانين للعبة يجدر احترامها. من المؤكد أن هناك ألعابًا عنيفة جدًا، يمكن تصنيفها بأنها لا أخلاقية، ورغم ذلك تتضمن قواعد لا يمكن تخطيها.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079