ياسمين
بين الدقيقة والأخرى تنظر إلى هاتفها لتتأكد من أنّها تسيطر على الوقت. كم الساعة الآن؟ تسأل نفسها بين الحين والآخر.
أصبح تفقّد الهاتف فعلاً لاإرادياً، كأنه حركة عصبية أو عادة أدمنتها ولن يكون التخلّي عنها سهلاً.
تفكر في أنها تضيّع الوقت في تفقّده، وأن الياسمين على شرفتها هو كل ما تبقّى لها من ذاكرة مكان ليس بعيداً لكنها تخلّت عنه.
ما عادت المدينة تطاق، ما عادت ضجتها ساحرة ولا فوضاها غنية. إسمنت كيفما التفتنا، نطارد الهواء بدلاً من أن يطاردنا، نرجوه أن يمرّ بين أحياء وشوارع أصبحت أزقّة ضيقة فاصلة بين المباني.
وكأنّ الحياة فيها تُخطف منا خطفاً. تركض اللحظات، تلهث خلف قصص هنا وقصص هناك، عقبة هنا ومشكلة هناك. وحين يتسنّى لنا الهروب من جنون المكان إلى قرى وبلدات نسينا هدوءها، نكتشف تأثير المكان في صحتنا النفسية، في طريقة تفكيرنا ورؤيتنا للأمور. هناك بين الأشجار وفي المساحات الخضراء الشاسعة تبدو السيطرة على اللحظات ممكنة والاستفادة من اللحظة أمراً يمكن التدرّب عليه. أهم الفلاسفة سلّموا أنفسهم للطبيعة خلال عملية ولادة أفكارهم قبل أن تنقلها إلينا الكتب.
لا تخيفنا في الأحراش والبراري أصوات عراك بين شخصين يتراشقان بالكلمات ويتدافعان في الشارع ويتقاتلان بسبب إشارات السير الضوئية. لا نسمع هناك زعيق اختلاف الآراء الذي بدلاً من أن يكون غنىً يؤدي إلى قطيعة بين الأشخاص.
يبدو الإنسان سخيفاً أمام حنان الطبيعة وثرائها وحكمتها. وتبدو تصرّفاتنا خلال سباقاتنا اليومية هستيريّة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024