في غرام أيلول
حين كنا صغاراً كان أيلول رومنسياً. أذكر لحظات سعيدة على شرفة منزلنا تحت الغيوم المكتئبة أتأمل تغيّر الجوّ وأستمتع بفكرة أن ثمة ما سيتغيّر في حياتنا.
في تلك الأعوام كان الطقس يتبدّل في أيلول. كان لنا أيلول مختلفاً. وكنا نجهّز أنفسنا للمدرسة حائرين بين الرغبة في الاستمرار في اللعب وبين شوق غريب لرائحة الكتب والأوراق والحقائب الجديدة.
في تلك الأعوام كنا نلعب مثلما كان الأولاد يلعبون، يركضون في الملاعب والساحات. ما كان اللعب يعتمد فقط على الأجهزة الذكية وشاشاتها. وفي ذلك الزمن كنت لا أزال أختار يوماً مفضّلاً وشهراً مفضّلاً، وكان أيلول شهري.
أشعر خلاله أنني كبرت، وأبحث عن قراءة نصوص تقرّبني من صديقات يكبرنني سناً وأسعى للاختلاط بينهن. قصص الحب أجمل في أيلول، مع بداية الخريف حين تتعاطف الشمس معنا وتصبح أقل حدّة وعصبية.
يحضّنا أيلول على تذكّر الماضي، يفرض علينا حنيناً كبرنا عليه. وأقسى ما في التقدّم في السنّ فَقْدُ الدهشة، وأجمل ما في الدهشة تجدّدها.
كانت طويلة طريق خيبتنا، أعادتنا من الأمل إلى اللامبالاة، فما الذي يمكن أن ننتظره من أيلول الآن؟ أهذا هو النضج؟ أن نفقد بهجة الاكتشاف، اكتشاف المشاعر والعلاقات والأفكار؟ هل النضج هو القبول، ببرودة أعصاب ومن دون انفعالات، الجدران التي حلّت محل المرايا؟
ليست هذه أنتِ مَن تقوم بكل ما تقومين به. ثمة روح خرجت من روحك، وجسم كأنه جسمك تماماً يتحرّك ويقوم بما تقومين به، وأنت تتفرّجين عليه، لامبالية.
ليس نضجاً، هو مجرّد تقدّم في السنّ، هو العمر يفرض نفسه، هو أيلول يبتعد رغم أنه هنا، رغم أنّه الآن.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024