تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

سلوم حداد: هذا زمن الدراما الخليجية

حين يذكر اسم الممثل السوري القدير سلوم حداد، تتبادر إلى الذهن سريعاً نخبة من الأعمال الدرامية السورية التي فرضت حضورها على الكثير من الفضائيات العربية، في وقت لم تكن تلك الدراما تعيش أزهى عصورها، على النحو الذي تبدى خصوصاً قبيل تدهور المشهد الأمني والسياسي في سورية.
وخلال الموسم الرمضاني الأخير كان لحداد حضور لافت أيضاً، ولكن خلف الكاميرا هذه المرة، في تجربة يخوضها للمرة الأولى.
صاحب «زمن البرغوث»، وبطل «القباني» و«الزير سالم» وغيرها من الإطلالات التي تجاوزت التلفزيون وصولاً إلى المسرح والسينما، ودّع الدراما السورية هذا العام ممثلا، لصالح تجربة إخراجية هي الأولى له، لم تكتب له مع الدراما السورية، بل عبر مسلسل إماراتي كتب قصته وأشعاره مدير الديوان الأميري في إمارة الفجيرة محمد سعيد الضنحاني، وعُرض على شاشة قناة «سما دبي» الفضائية، وشهد حضور عدد كبير من الممثلين الخليجيين.
المسلسل شكل مدخلاً لحوار «لها» مع سلوم حداد:


- سلوم حداد مخرجاً، أمر يبدو غير مألوف للمشاهد. ما القصة؟
ليس هناك قرار محدد بأن يكون اتجاهي إلى الإخراج في هذا التوقيت، أو مرتبطاً بنص بعينه، لكن الأمر يبقى مرهونا بمدى توافر الفرصة المناسبة لذلك، واظنها قد حانت بعرض هذه التجربة المهمة، وإصرار الكاتب وشركة الإنتاج على أن أقبل تولّي دفة إخراجه.


خصوصية البيئة

- ولكن أليس من الأَولى أن تكون التجربة الأولى سورية، وليست إماراتية، ما دام الأمر متعلقاً بفنان سوري؟
لا اعتقد ذلك، لأن الأمر من وجهة نظري يتوقف على مدى امتلاكك لأدوات هذا الفن، فإذا كنت تمتلك أدوات التمثيل ببساطة فأنت ممثل، وإذا كنت تمتلك أيضاً أدوات الإخراج، فإنه بمقدورك القيام بالمهمات الإخراجية.
ويبقى عنصر الجودة والتفرد ليحدده مدى توفيقك في توظيف تلك الأدوات مع خصوصية العمل، والبيئة، والممثلين، وغير ذلك من المعطيات.

- لم تجد عوائق في التأقلم مع مكان يختلف عن البيئة الدمشقية والحارة الشامية، أو حتى البيئة الساحلية التي تعايشت معها في كثير من أعمالك؟
فكرة تقوقع المخرج في بيئة درامية محددة لا مكان لها في سياق العمل الدرامي الاحترافي، لا سيما أن كثيراً من العوامل المشتركة تبقى قائمة في البيئات العربية على تنوعّها.
وهنا لا أدعي أني خبير في اللهجة الإماراتية، وخصوصاً أن العمل غير معاصر، لكنني ألجأ إلى متخصصين لاستيعاب هذا الجانب.


هواجس مشروعة

- إذا لم يشكّل اختلاف البيئة المحلية الإماراتية هاجساً عند فنان سوري يطبق فنيات الإخراج التلفزيوني للمرة الأولى، فما كانت هواجس سلوم حداد قبل الشروع في هذا العمل؟
ما شغلني بمنتهى التجرد هو ما ينبغي أن يشغل أي مخرج حريص على نجاح العمل، وخصوصاً استشراف آفاق النص وطاقات الممثلين وتفجيرها وتحريضهم على تجويدها، بحيث يمكن توظيفها لخدمة الرؤية الفنية للعمل.


لا تصنيف

- معنى ذلك أن التجربة الأولى كانت من الممكن أن نجدها في الدراما المصرية؟
ليس هناك ما يمنع، لكن ما أريد تأكيده هنا، هو أن الدراما الخليجية حققت في المرحلة الأخيرة طفرات واضحة.
وفي ضوء العثرات التي وجد صناع الدراما المصرية والسورية أنفسهم أمامها، فإن تلك المرحلة شهدت تميزاً واضحاً عبر العديد من الأعمال التي لا تجعلنا مبالغين إذا أشرنا إلى أننا نعيش بشكل أو بآخر زمن نهوض الدراما الخليجية.

- هل أنت مع التصنيف التقليدي الذي لا يزال يصرّ عليه البعض، ويفصل بشكل واضح بين دراما سورية، مصرية، خليجية، ويعتبرها الفئات الثلاث الرئيسية للدراما العربية؟
هذا التصنيف قد يكون مبنياً على لهجة العمل، أو بلد إنتاجه، لكنه لا يمكن أن يكون تصنيفاً فنيا على الإطلاق، والدليل العشرات من الأعمال العربية التي يشارك فيها ممثلون ومخرجون وكتاب وحتى جهات إنتاج أحياناً من أقطار عربية متعددة.

- حدثنا عن الأجواء التي أحاطت بالعمل، ولماذا لم يتم استثمار دبي أو أبوظبي كما هو معتاد في تصويره؟
المسلسل وهو بعنوان «القياضة» يعدّ عملاً تراثياً، مرتبطاً بمنطقة بعينها في إمارة الفجيرة، هي منطقة «البدية» كانت بمثابة استراحة للقوافل العابرة للصحراء في الخمسينات من القرن الماضي، وهي تمثل المكان الذي يدور فيه العمل الذي يستلهم أجواء رومانسية تكشف التفاصيل الاجتماعية لسكان المنطقة في ذلك الوقت، لذلك جرت الاستعانة ايضاً بباحثين في التراث المحلي من أجل بناء قرية تراثية كاملة تحاكي تلك التي كانت قائمة آنذاك.


«
أجيال» في مسلسل

- هناك عدد كبير من نجوم الشاشة الخليجية في المسلسل مثل البحرينية هيفاء حسين، ومن الدراما الكويتية أسمهان توفيق وميسم بدر، إلى جانب الإماراتيين فاطمة الحوسني وسيف الغانم وبدرية أحمد وعبدالله مسعود، والعراقية آلاء شاكر، وأيضاً ضيف الشرف السوري أسعد فضة، في الوقت الذي يزخر العمل بعشرات من الممثلين الشباب. كيف سارت الأمور في ظل وجود أكثر من جيل فني، لا سيما مع كونها تجربتك الأولى؟
بصراحة شديدة لم تكن مهمة هذا العمل الذي احتاج إلى أكثر من شهرين متتابعين للانتهاء من التصوير سهلة، في ظل هذا العدد الكبير من المشاهد الخارجية، وهو أمر يقدّر صعوبته الممثلون الخليجيون الذين يعرفون صعوبة التعامل مع عوامل الطقس المختلفة، وخصوصاً ارتفاع درجة الحرارة، حين يكون التصوير في الصحراء.

- ما هي المشكلة الأبرز التي واجهتك؟
عدم مقدرة الممثلين على التنسيق بين الأعمال المختلفة المرتبطين بها، وهو ما جعل بعضهم يتغيّب عن موعد التصوير المحدد سلفاً مرات عديدة، ولولا ذلك لكنا انتهينا من التصوير في وقت مثالي.

- وما الآلية التي تعاملت معها مع نص «القياضة» الذي يحتوي كما هي طبيعة نصوص الضنحاني، على الكثير من الأشعار، واللغة الأدبية التي تميّز اسلوبه الكتابي؟
الحديث عن تصور إخراجي مسبق يتم على أرض واقع الدراما هو في تقديري بمثابة وهم يتبدد مع الشروع في العمل، فقد تكون هناك أفكار في مخيلة المخرج، لكنها في الغالب تُبدل وتُحور وتبتعد عن جانبها النظري مع مراحل العمل المختلفة، وكأن الأمر يشبه عملية الاستكشاف المرحلي، حتى تكتمل الرؤية تماماً مع نضج العمل تدريجاً.

- بعد هذه التجربة هل ستواصل البحث عن سلوم حداد مخرجاً، أم ستعود إلى نظيره الممثل؟
ليس هناك تناقض بين الاثنين، والأخير هو من ساهم في انضاج تجربة الأول، لأنه لولا تراكم الخبرات التمثيلية، لما أتيح لي أن أكون هنا بصفتي مخرجا.


معيار «الجودة»

- سمعنا أن للعمل جزءاً ثانياً، هل تفضّل هذه النوعية من الدراما المتعددة الأجزاء، باعتبار أن المشاهد يبقى وفياً لها مع تعدد مواسمها؟
ليس هناك علاقة بين وفاء المشاهد وقالب درامي محدد، لأن المشاهد لن يكون وفياً إلا للعمل الذي يحترم ذائقته الجمالية ويخاطب عقله ووجدانه. بل إن كثيراً من المسلسلات المتعددة الأجزاء تفقد جماهيريتها إذا لم يأت الجزء اللاحق بالمستوى الفني لسابقه، لذلك يجب أن يكون هذا الاختيار متكئاً على محتوى درامي يتيح هذه التجربة.

- هل هناك أعمال محددة مرتبط بتصويرها للموسم المقبل؟
هناك العديد من المشاريع لكن حسمها لا يزال مبكراً، لكن ما أود تأكيده أنني سعيد بأن يكون مسلسل «القياضة» أولى تجاربي الإخراجية، لأنني حققت من خلاله جزءاً مهماً من رؤيتي للصورة الدرامية التلفزيونية، عبر المرحلة التوثيقية والتاريخية التي حفل بها العمل.

- قد يرى البعض أن إقامتك في الإمارات قد تعني قطيعة مع الدراما السورية؟
هذا ليس صحيحاً. فأنا مقيم حالياً في الإمارات التي أشعر فيها بالفعل بأنني وسط أهلي، وشأني شأن كل مواطن سوري، يتمنى أن يرى وطنه مستمتعاً بنعمة الأمن والسلام التي يفتقدها، وهذا لا يمنع أن يتواصل الإبداع عبر دراما عربية لا تقف عند الحدود.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079