دينا مندور: انتصرت في ترجمتي لحق الصمّ في الحياة
ببراعة فائقة، استطاعت المترجمة دينا مندور أن تنقل إلى العربية سيرة ذاتية، ذات خصوصية شديدة، هي سيرة لواحدة فقدت القدرة على النطق منذ صغرها، إذ تتعرض في هذه الترجمة لمعاناة هذه الطفلة وإحساسها تجاه العالم الذي لم تتمكن في البداية من التعامل معه، لكنها نجحت في أن تتعلم لغة الإشارة، وهي اللغة التي أتاحت لها الانفتاح على ما حولها.
في هذه الرواية التي تحمل عنوان «صرخة النورس»، تسرد مؤلفتها إيمانويل لابوري قصة حياتها، بلغة مملوءة بالمشاعر الإنسانية، تمكنت دينا من أن تنقلها بهذه الدلالات ذات المغزى الانساني الكبير، فقد شرحت «إيمانويل» كيف تمكنت من التغلب على فقد حاسة النطق، وقد لعب الفن دوراً كبيراً في أن يساعدها على أن تشعر بأنها إنسانة طبيعية: «أستقبل الموسيقى بعمق، ليس بالأذن بل بالجسد، طالما احتفظ والدي بالأمل في أن يراني أفيق من سبات طويل، مثل بطلة «الجمال النائم»، وكان مقتنعاً بأن الموسيقى ستفعل هذا السحر، لأنني كنت أهتز على صوت الموسيقى، وكان هو مهووساً بالموسيقى الكلاسيك والجاز والبيتلز، حيث كان يصطحبني إلى الحفلات الموسيقية، وكبرت وأنا أعتقد أن بإمكاني مشاركته في كل شيء... كم كنت محظوظة لأتعرف الى الموسيقى في طفولتي.
فبعض آباء الأطفال الصم يقولون لأنفسهم إن الأمر لا يستحق العناء، ويحرمون الطفل من الموسيقى. وبعض الأطفال الصم يسخرون من الموسيقى. أما أنا فأعشقها. كنت أشعر بالذبذبات. كما يؤثر فيَّ مشهد الحفل. وآثار الضوء والجو العام والجمهور في الصالة كلها أيضاً ذبذبات. كنت أشعر بأن الجميع هنا من أجل هدف واحد».
الرواية حافلة باللحظات الإنسانية المؤثرة، خاصة تلك التي تمثل علامات فارقة في حياة إيمانويل، ومن ذلك عندما تعلمت لغة الإشارة وأدركت أنها تستطيع أن تقدم نفسها مثل الأطفال العاديين: «هم يعرفون أنفسهم ولهم هوية.
ويقدمون أنفسهم الى الآخرين برمز يمثّلهم، لكن إيمانويل صماء ولم تكن تعرف أنها كانت «أنا الفاعل» و «أنا الذاتية»، بل اكتشفته من طريق لغة الإشارات، والآن هي تعرفه... ويمكنها أن تقول: «أنا أُدعى إيمانويل، هذا الاكتشاف يمثل سعادة، حيث لم تعد إيمانويل هذا الازدواج الذي يتعين من خلاله أن أشرح بصعوبة الاحتياجات والرغبات والرفض والقلق. لقد اكتشفت العالم من حولي، وأنا في قلب العالم.
واعتباراً من هذه اللحظة أيضاً، مع مخالطتي المنتظمة للبالغين الصم، توقفت تماماً عن الاعتقاد بأنني سأموت، لم أعد أفكر في ذلك مطلقاً. ووالدي هو من قدم لي هذه الهدية الرائعة».
وعن عالم إيمانويل لابوري وقصة حياتها، تقول دينا مندور: «ولدت إيمانويل لابوري صماء في 18 تشرين الأول/أكتوبر 1971 لأب يعمل طبيباً نفسياً وأم معلّمة.
قبل سن السابعة لم تكن تتحدث إلا إلى أمها بلغة بدائية تتكون من بعض الحركات... تعلمت لغة الإشارة وهي في سن السابعة، وهي اللغة التي أتاحت لها الانفتاح على العالم.
عملت ممثلة، وحصلت على جائزة موليير في المسرح عام 1993 عن دورها في مسرحية «أطفال الصمت»، وهي أول ممثلة صماء تحصل على هذه الجائزة، كما كانت عضواً في المسرح المرئي العالمي، ثم أصبحت مديرته منذ عام 2003، ألفت كتاباً وحيداً بعنوان «صرخة النورس» وهو سيرة ذاتية، كما شاركت في العديد من الأفلام والتمثيليات والمسرحيات، لكن من أهم القضايا التي سخّرت لها حياتها، الدفاع عن استخدام لغة الإشارة، وعن هوية الصم بصفتها جزءاً من النسيج الإنساني للمجتمع.
- سألت دينا عن سبب اختيارها هذه الرواية لترجمتها؟
فأجابت: إنها رواية ذات طبيعة خاصة، فهي عمل من الطراز الإنساني الرفيع، وقد جذبتني بشدة منذ لحظة قراءتها الأولى في لغتها الأصلية الفرنسية، كما كانت تحدياً لي في أن أنقل مثل هذه التجربة المعقدة والمعتمدة على الأحاسيس إلى اللغة العربية.
- ما هي أعمالك المترجمة الأخرى؟
سبق أن ترجمت رواية «فاديت الصغيرة» للكاتبة جورج صاند، وصدرت عام 2008، كما ترجمت كتاب «مذكرات حمار» للكونتيسة دي سيغور عام 2009.
- وما جديدك الآن؟
أوشكت على الانتهاء من ترجمة كتاب «الفلاسفة والحب من أفلاطون إلى جان بول سارتر» لأودلون سيلانو ماريليموني، الصادر عن دار نشر «بلون»، وفيه يتناول الحياة العاطفية لعشرة من أهم فلاسفة التاريخ والعصر الحديث، بداية من أفلاطون إلى جان بول سارتر.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024