تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

هنا تكون مسؤولية الأب في التربية أيضاً!

أنيتا نصار

أنيتا نصار

لطالما اعتُبرت رعاية الطفل من اختصاصات الأم ومسؤولياتها، فنجد الأب يبقى بعيداً عن هذا الواجب، إما قسراً بما أن للأم رد فعل غريزياً مع ولادة طفلها لاحتضانه وإحاطته بحنانها وعاطفتها، وإما طوعاً بما أن المجتمع بات يتجه عامةً إلى استبعاد الاب من هذه المسؤولية، فصار يميل إلى الابتعاد بحيث يشعر بأن رعاية طفله ليست من مسؤولياته.
دراسات عدة أظهرت أن الآباء يعانون قلة ثقة في النفس بشأن قدرتهم على رعاية أطفالهم، وتقع المسؤولية إلى حد كبير على الام.
فعندما تنتقد الأم جهود الأب في رعاية طفلهما، تؤثر سلباً في ثقته بنفسه، وسرعان ما تراه يتراجع عن رعاية طفله ويفضل الابتعاد فيما يشعر بحماسة كبيرة عندما تشيد بجهوده. في المقابل، أظهرت دراسات عدة أن الأولاد الذين شارك آباؤهم في تربيتهم، كان أداؤهم المدرسي أفضل وشعروا بضغط نفسي أقل في فترة المراهقة، مقارنةً بأولئك الذين تركزت تربيتهم على الأم حصراً.
وفي الوقت نفسه، يبدو ان الآباء الذين شاركوا في تربية أطفالهم، شعروا بمزيد من الاكتفاء والرضا، كما تكون العلاقة الزوجية أفضل في هذه الحالة.
عن دور الاب وأهمية تعزيز مسؤولياته في رعاية طفله في ايامنا هذه، خصوصاً مع اتجاه الأم إلى العمل مما يدعو إلى تقاسم المسؤوليات كافة بينها وبين زوجها، صدر «برنامج الأبوة الإيجابية دليل إشراك الرجال في الأدوار الوالدية».
عن هذا الدليل وأهميته، تحدثت معدّته المتخصصة في التربية وفي قضايا العنف المرتبطة بالجنس وفي الشؤون الاجتماعية والإنسانية أنيتا نصار.

أثناء إعداد الدليل، هل لاحظتم أن الأب يُستبعد قصراً من ممارسة دوره وتحمّل مسؤوليته، أم أن هذا ناتج من اختياره الشخصي؟
عندما أجرينا التدريب في المراحل الأولى، انضم رجال إلى الجلسات، لكننا فوجئنا برغبتهم كآباء بالمشاركة فيما تميل الامهات إلى منعهم من ذلك. فالأم عامةً تظن أن من مسؤوليتها القيام بهذه الامور ورعاية أطفالها، فيما تستبعد زوجها من ذلك.

علامَ يرتكز الدليل وكيف يمكن أن يعزز دور الآباء في تربية أطفالهم؟
يحتوي الدليل على أقسام عدة يمكن أن تساهم في ذلك. ففي القسم الاول، يتناول الأبوة في الرعاية الصحية ويتضمن دعوة إلى بروتوكولات وقوانين تعزز دورهقمنا بجلسات عمل عدة ولاحظنا أن ثمة استخفافاً في الشرق الاوسط بأهمية مرافقة الزوج مثلاً زوجته الى الطبيب خلال فترة الحمل.
أما في الغرب فثمة خطة مدروسة ليكون الأب حاضراً من هذه اللحظات ويرافق زوجته في كل الخطوات قبل ولادة الطفل. ويشدد الدليل على أهمية مرافقة الآباء أطفالهم في مختلف المراحل مما يساعد على تعزيز ثقتهم بأنفسهم.
كما يضم تقنيات التأديب الصحيح وحسن التصرف. أما القسم الثاني فيدعو إلى انخراط الاب في التربية وإنشاء مساحة آمنة له مبنية على التفاهم بينه وبين الأم على دوره ودورها. أيضاً يحتوي الدليل على ملحقين مع أسئلة تطرح على الآباء، فإشراك الآباء في تربية أطفالهم لا يمس برجولتهم كما يعتقد البعض، بل على العكس.
وهذا ما يجب التشديد عليه ليعي الأهل أهمية التعاون بين الطرفين في تربية الاطفال بهدف إنشاء مجتمع صالح.

هل تعتقدين أن تحقيق هذه الأهداف أمر ممكن وسهل؟
مما لا شك فيه، أن تعزيز دور الأب في تربية الطفل ورعايته وجعله ينخرط أكثر ويتحمل المسؤوليات في ذلك ليس أمراً سهلاً، بل يتطلب وقتاً لكنه يمكن أن يتم بشكل تدريجي. لكن من أهم مبادئ البرنامج، توفير تربية ترتكز على دور الوالدين بالتساوي لأهمية ذلك في تنشئة الأجيال الصالحة، بدءاً من التخطيط للإنجاب وتحضير جسم كل من الزوجين للإنجاب والتفاهم مع بعضهما في هذا الشأن وصولاً إلى فترة ما بعد الولادة والتربية وتحمل المسؤوليات بالتساوي.
كما نشدد على أهمية حضور الوالدين حفلات الأطفال والاجتماعات الخاصة بهم وبشؤونهم. فغالباً ما نرى الأمهات يحضرن فيما يُستبعد الآباء أو يفضلون عدم الحضور لاعتباره من مسؤوليات الأم. الدليل يطبّق على شبان وشابات سيصبحن أهالي، ويتضمن ناحية تدريبية مناسبة لبيئتنا.
فقد أُعد للبيئة اللبنانية والعالم العربي وكيف يمكن العمل فيه تربوياً للخروج بمجتمع صالح فيه كل المكونات الأساسية التي تؤدي إلى مواطنية صالحة. وقد ظهر في كل الدراسات، أن المرأة تستفيد بشكل خاص من من الشريك الذي يدعمها في الحمل ومن ثم في تربية الأطفال. والفائدة الكبرى تعم على صعيد العائلة والوطن.
الاب دوره أساسي، لكن بعد كل الحديث عن المساواة بين الرجل والمرأة، هل إن تفعيل دور الأب يقلل من أهمية دور الام؟ في الواقع الدليل يجيب عن كل الاسئلة وقد أقيمت مجموعات نقاش بشأن مواد فيه مع الأهالي.
وقد انطلقت فكرته مما نسمعه في العالم العربي من أن الرجال يقولون إن التربية مسؤولية الأم. كما نلاحظ أن الجيل الجديد ليس له اي انتماء، ومن المهم العمل على كل الركائز التي تساهم في تصحيح ذلك.

ما النتائج السلبية التي يمكن أن تنجم عن حصر المسؤوليات في طرف واحد؟
نلاحظ أن عدم التوازن في العلاقة وفي تحمل المسؤوليات والتربية يؤدي تدريجاً إلى مشاكل زوجية كثيرة وإلى فقدان التوازن أكثر فأكثر لتنتهي الامور بالطلاق في كثير من الأحيان، خصوصاً مع ازدياد الاعباء على طرف واحد.

كيف يمكن التنسيق بين الزوجين حول مسؤولية كل منهما في رعاية الاطفال، خصوصاً أننا نشهد حالات لا تبدو الأمور واضحة بشأن ما هو من مسؤولية الأم أو الأب. حتى أن أحد الطرفين قد يتهاون في مسؤولياته عندما يلمس اهتمام الطرف الآخر بتربية الاطفال؟
هذا أمر طبيعي، وغالباً ما يحصل سوء تنسيق بين الوالدين بشأن تربية الأطفال. لكن يمكن ان تحصل الامور بالاتفاق أولاً إلى أن تصبح عفوية. فعلى سبيل المثال، إذا كنا نتحدث عن فتاة فمن الطبيعي أن تتولى الأم إخبارها بالأمور المتعلقة بمرحلة البلوغ، فيما يتولى الأب التحدث الى الصبي. يجب أن يكون هناك وعي وتفاهم بين الزوجين حول دور كل منهما حتى لا تحصل مشاكل وخلل. والشراكة لا تعني أن يستفيد أحدهما من الآخر ويستغلّه ويرمي عليه كل المسؤوليات.

هل ظهرت فوائد الدليل على أرض الواقع؟
لمسنا فوائد الدليل على الارض. وقد تبين من خلال ورش العمل والجلسات التي قمنا بها أن عنف الرجل ناجم في قسم كبير منه عن عدم مشاركته في تربية الاطفال واستبعاده وعدم قيامه بواجباته كاملة. الفوائد هي للرجل والمرأة في الوقت نفسه عندما يتعاون كل منهما مع الآخر.
فتشجيع مشاركة الاب يحد ايضاً من حالات العنف ضد النساء. في النهاية، المطلوب هو التوعية على الارض ولا علاقة للمستوى الثقافي بإمكان تحقيق ذلك.

كيف تنعكس مشاركة الأب في التربية على الاطفال؟
يحتاج الأطفال إلى صورة إيجابية لوالدهم إلى جانب صورة الأم التي تتعب. وهذا ينعكس إيجاباً عليهم وعلى تربيتهم وأدائهم.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079