تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

«الأمومة المبكرة» مسؤوليات كبيرة فوق أكتاف أمهات صغيرات

سعاد محمد السيد

سعاد محمد السيد

سعاد محمد السيد

سعاد محمد السيد

علا بيومي

علا بيومي

علا بيومي

علا بيومي

هالة رمضان

هالة رمضان

هالة رمضان

هالة رمضان

الدكتورة شادية قناوي

الدكتورة شادية قناوي

فاطمة

فاطمة

فاطمة

فاطمة

الدكتورة سامية الساعاتي

الدكتورة سامية الساعاتي

رغم ما تتطلّبه الأمومة من نضج، وما تفرضه من مسؤوليات، إلا أن هناك من وجدن أنفسهن أمهات قبل أن يكملن العشرين من عمرهن، فكيف كانت التجربة؟ وكيف تجاوزن مشاكلها؟ وما هي نصائحهن للأخريات قبل أن يحملن لقب أمهات صغيرات؟ في شهادات وآراء من مصر ولبنان، تستعرض «لها» ظاهرة الزواج المبكّر التي تشهد تزايداً مستمراً في بعض مجتمعاتنا. ونبدأ من مصر.

سعاد محمد السيد: أسرتي ساعدتني على النجاح في تجربة الأمومة المبكرة
في البداية، تروي المهندسة سعاد محمد السيد، خبيرة التنمية البشرية السورية التي استقرت مع أسرتها في مصر، قصتها مع الأمومة المبكرة قائلة: «نجحت في القيام بدور الأمومة المبكرة، بفضل مساعدة أسرتي الأولى، وخاصة والدتي ميادة وزان مدرسة الابتدائي، التي حرصت على تزويدي بالمعلومات عن شؤون الأسرة منذ الصغر، ولهذا أعتبر أن طفولتي كان لها أثر كبير في شخصيتي، من حيث التفوق الدراسي وتحصيل العلوم، وجاء ارتباطي بزوجي «سامر عمر» بعد حصولي على الثانوية العامة، ورغم أنني أنجبت مبكراً، إلا أنني واصلت رحلتي الناجحة في الدراسة الجامعية، حيث كان زوجي يحرص على توصيلي يومياً إلى الجامعة، وذلك بسبب حبّه الشديد لي واقتناعه بعقليتي وقدراتي، ولهذا فهو المشجع الأول لي في مسيرة نجاحي منذ زواجنا، فمثلاً أثناء الدراسة في كلية هندسة الكومبيوتر كنت حاملاً في ابني الكبير «عمر»، وكان زوجي يذهب معي إلى الامتحان وينتظر أمام الكلية الى حين انتهائي فنرجع معاً إلى البيت، ويحرص على خدمتي حتى وضعت حملي بسلام، وتكرر الأمر نفسه مع بقية أولادي الذين أنجبتهم جميعاً في سن مبكرة، وكلما كبروا في السن أحرص على حضورهم معي غالبية محاضراتي المبسّطة عن التنمية البشرية، كما أحرص على اصطحابهم معي في الإجازات المدرسية ليتعرفوا إلى العالم من خلال جولاتي في العديد من دول العالم حتى ينضجوا».
وتضيف: «لا شك في أن نجاحي في تربية أبنائي وهم: «عمر» (14 سنة) في الصف الثالث الإعدادي، وثلاث بنات هن: عبير (12 سنة)، ونور ( 10 سنوات)، ومنار (6 سنوات)، قد انعكس عليهم إيجاباً، لأنني أحرص دائماً على أن أجعلهم يحتكّون بالأشخاص الأكبر منهم سناً وأكثر منهم علماً، وأن أصطحبهم معي إلى الدورات التدريبية في الجامعات ومراكز التأهيل، لأن التقاء الأطفال بالشخصيات الناجحة يجعل شخصيتهم أقوى ويوجِد لديهم تواصلاً أقوى مع الناس، ويزيد من تفتحهم وطموحهم ونبوغهم وتنمية قدراتهم العقلية والاجتماعية».
توقفت المهندسة سعاد قليلاً ثم واصلت قائلةً: «استفدت من دراستي في تربية ابني الوحيد بشكل مختلف عن بناتي الثلاث، ليس من باب التمييز كما يفعل الجهلة في كثير من مجتمعاتنا العربية، لكن لفهمي طبيعة كل منهم من حيث السن والنوع، وبالتالي فإنني أساوي بينهم في الاهتمام، لكن في أسلوب تربيتي لـ «عمر» أحاول دائماً أن أزيد إحساسه برجولته المبكرة ومسؤوليته عن شقيقاته. ولهذا، فإن الترابط بينهم كبير جداً، كما أحرص على متابعتهم المستمرة في المدارس والحياة، كصديقة لهم فيفتحون قلوبهم لي وأساعدهم في حل مشكلاتهم، وفي الوقت نفسه أحاول تربية بناتي بشكل يتفق مع أنوثتهم، فمثلاً أعلّمهن الطبخ في سن مبكرة، وكذلك التريكو، حتى أنهن ينسجن بعض ملابسهن بأنفسهن وبمشاركتي وتوجيهي بالطبع، وأحرص على تعليم أولادي كلهم الرياضة، باعتبار أن العقل السليم في الجسم السليم، وكذلك تنمية مهارات التحدث والقدرة على توصيل المعلومة واتخاذ القرار بعد التفكير والاستشارة، وتحمل تبعات القرار والحوار مع الغير من دون عصبية، وأحلى لحظة في حياتي عندما يحمل أبنائي الأربعة هدايا عيد الأم ويحرصون على التنوع في ما بينهم، وكذلك اختلاف الهدية من عام الى آخر».
وأنهت المهندسة سعاد كلامها مؤكدةً: «أهم ما يميز علاقتي بأولادي، أنني أحب دائماً أن أعاملهم كأصدقاء بعيداً من أسلوب التلقين، بل الفهم ومحبة المدرّس حتى يحبّوا مادته الدراسية، ولهذا علاقتي بأولادي كطلاب تبدأ من خلال صداقتي بالمدرّسين والمدرّسات، والتواصل المستمر معهم، ثم التعاون من خلال مشاركتهم في الدراسة، حتى أنني لا أبالغ إذا قلت إنني أعرف تفاصيل مناهجهم الدراسية لكثرة مشاركتي لهم في المذاكرة، إذ أحوّلها لهم إلى شيء جميل محبب إلى نفوسهم، مما يجعلهم يطلبون مني باستمرار أن أقضي معهم الوقت أثناء الدراسة، وأنا أنتهز هذا الشعور الإيجابي وأترجمه إلى واقع ثقافي، الى جانب معلومات الدراسة، فمثلاً قمت بشراء كتاب «أطلس خرائط العالم» لأعرّفهم من خلاله الى أسماء الدول وعواصمها وأجهّز لهم معلومات عن الدولة من خلال الإنترنت، وأشجعهم جداً على القراءة الخارجية يومياً، حيث نجلس جميعاً لنقرأ فأصبحت عادة يومية في حياتهم رغم صغر سنّهم، ولهذا فإن النجاح أو الفشل في تجربة الأمومة المبكرة يتوقف على البيئة والثقافة ومساعدة الأسرة في نقل خبرات الأمهات إلى بناتهن اللائي تزوجن مبكراً».

علا بيومي: أصبحت أمّاً قبل أن أكمل الـ 17 عاماً
تؤكد علا بيومي، أنها تزوجت في سن السادسة عشرة، وشاءت إرادة الله أن تنجب ابنتها «منى» بعد تسعة أشهر لتصبح أمًّا قبل السابعة عشرة من عمرها، ويساعدها زوجها محمد عيد في تربية ابنتها، من خلال شراء الكتب ومتابعة برامج الأسرة في وسائل الإعلام، حتى تكتسب الخبرات التي لم تستطع الحصول عليها من والدتها.
وتضيف علا قائلة: «الأمومة مسؤولية كبيرة، ولا نستطيع النجاح فيها إلا بمساعدة الزوج وتفهّمه، وكذلك التواصل مع الأمهات اللائي مررن بظروف مشابهة من الزواج والإنجاب المبكر، لأن الحياة كلها عبارة عن تناقل للخبرات، وكنت حريصة جداً على عدم الفشل من خلال استفادتي من أخطاء الأخريات من الأمهات الصغيرات، لأن المرأة الذكية هي من تستفيد من أخطاء غيرها ولا تكررها».
وعن حلمها لابنتها، أكدت: «أحلم باليوم الذي تكبر فيه وتقدم لي هدية عيد الأم، وأن يرزقني الله بأشقاء وشقيقات لها، لأنني أحب الأطفال وربنا يقويني على تربيتهم وخدمتهم، وكما يقول المثل المصري «مفيش حلاوة من غير نار».

هالة رمضان: الزواج رحلة تستنزف أعصاب الأم الصغيرة
تعد تجربة هالة رمضان مختلفة عن التجربتين السابقتين، لأنها أم لأربعة أطفال، بينهم بنتان توأم، مما يزيد من أعباء الأمومة المبكرة، وتروي قصتها قائلة: «تزوجت في السابعة عشرة من عمري، بعد حصولي مباشرة على دبلوم التجارة حيث تمت خطبتي في آخر سنة دراسية، وشاءت إرادة الله أن أنجب ابني البكر أحمد بعد تسعة أشهر من الزواج، وهو حالياً طالب في الصف الخامس الابتدائي، وبعد عامين بالتحديد أنجبت ابني الثاني يوسف، وبعدها بثلاث سنوات رزقني الله بتوأم جميل هما روان ورنا». وعن تجربتها في تربية ابنتيها التوأم، قالت ضاحكة: «لقد جعلتا الحياة أقرب الى مسرحية كوميدية، إلا أنها شاقة من شدة غيرتهما من بعضهما وحرص كل منهما على أن تكون الأوْلَى بالرعاية من أختها، ولولا مساعدة زوجي وتفهّمه لطبيعة التوأم وكثرة قراءتنا عن كيفية التعامل معهما لزادت معاناتي معهما، ومع هذا فإن الظروف الصحية الصعبة لرنا جعلتني أرسل أختها إلى والدتي فترة، بالإضافة إلى مساعدة أم زوجي لي في تربية البنت الأخرى، وشقيقيها أحمد ويوسف». وتنهدت هالة وأضافت: «كان الله في عون الأمهات الصغيرات، فالمسؤولية كبيرة والحمل والوضع والرضاعة أمور شاقة لمن أجبرتهن العادات والتقاليد على الزواج المبكر باعتباره «ستراً» للبنت وحماية لها من شبح العنوسة».
نصحت هالة رمضان الآباء والأمهات بأن يؤخروا زواج بناتهم قليلاً حتى ينضجن نفسياً وجسدياً، وتتوافر لديهن الخبرة في الحياة، لأن الزواج رحلة حياة يتخللها الكثير من الصعاب والمشقات التي تستنزف أعصاب الأم الصغيرة، وخاصة من لديها أربعة أبناء مثلي وبينهم توأم».
وتنهي هالة رمضان كلامها مؤكدة: «رغم الصعوبات الكبيرة التي واجهتها في حياتي، إلا أن فطرة الأمومة أو النظرة في وجوه أطفالي الأربعة تنسيني هموم الدنيا وما فيها، ولا يمكن أن أنسى حرص ابنيَّ أحمد ويوسف على إحضار هدية عيد الأم لي، مما يمسح التعب ويبعد الهموم عني».  

الدكتورة سامية قدري: مظلومات نفسياً
عن الحالة النفسية التي تكون عليها الأم الصغيرة، تؤكد الدكتورة سامية قدري، أستاذة علم النفس في كلية بنات عين شمس، أنها تكون مظلومة من الناحية النفسية، لأنها لم تكتسب بعد الخبرات النفسية التي تساعدها على القيام بدورها على خير وجه، ولهذا فهي تتعرض لكثير من التعثرات إذا لم يقدم لها المحيطون بها – خاصة أمها – طوق النجاة، لأن المسؤولية كبيرة والحياة ليست كلها شهر عسل كما تظن الكثيرات من المراهقات.
تضيف الدكتورة سامية قدري: «بسبب المشكلات التي تتعرض لها الأم الصغيرة، فقد نادت في السنوات الأخيرة غالبية المنظمات والمؤسسات التي تهتم بشؤون المرأة والطفل، بضرورة الإجابة عن السؤال الصعب: من هي المؤهلة لتكون أمّاً؟ وما هي المؤهلات والخبرات التي تمكّنها من قيادة الدفة بيسر وسلام، لتصل بمن تحمل مسؤولياتهم إلى بر الأمان؟ ومتى تكون الأم الصغيرة مظلومة، وكيف يمكن إنصافها؟ وما هو المقصود أصلاً بالأم الصغيرة في ظل اختلاف البيئة التي قد تكون أسرة مستقرة أو من بنات الشوارع اللائي كنّ يعانين التشرد وأصبحن أمهات صغيرات رغماً عنهن؟».
وأوضحت الدكتورة سامية قدري، أن نفسية الأمهات الصغيرات غالباً ما تكون غير مستقرة، نظراً الى المسؤولية الكبيرة الملقاة عليهن والتي لا يستطعن القيام بها بمفردهن، ولهذا فهن يحتجن الى مساعدة أمهاتهن لتعويض النقص في الخبرة في ما يتعلق بالأمومة، بل والزواج عامة، لأن من هنّ في سنّهن ما زلن يستمتعن بمرحلة المراهقة والشباب ويحلمن بفارس الأحلام، على عكس حال الأم الصغيرة الغارقة في المسؤولية الأسرية وما يستتبعها من مشكلات زوجية.

الدكتورة شادية قناوي: للزوج دور في انتشال الأم الصغيرة من دوامة الهموم والأزمات
أما الدكتورة شادية قناوي، أستاذة علم النفس في جامعة عين شمس، فتنظر القضية من زاوية أخرى وتقول: «من المؤكد أن أمهات زمان كنَّ أكثر صبراً ورعاية لأطفالهن، وهذا يرجع إلى أن الأم الشابة تسعى الآن إلى تحقيق ذاتها في عملها، إلى جانب تحملها الضغوط المادية مناصفةً مع زوجها. وفي هذه الحالة، غالباً ما تلجأ إلى والدتها لمساعدتها في رعاية الأطفال، لأن أمهات اليوم للأسف صحتهن أضعف بكثير من أمهات زمان، حتى الطاقة النفسية أقل بكثير. ولهذا يجب على الزوج أن يلعب دوراً في مشاركتها هذا الهم اليومي، ولو حتى بهدية بسيطة أو بعض الورود الجميلة في بعض المناسبات، مثل عيد الأم، يعطيها للطفل الصغير ليقدمها الى أمه في عيدها، وهنا ستتضاعف فرحتها».
وأنهت الدكتورة شادية كلامها، مؤكدة أن الاحتواء النفسي لمشكلات الأم الصغيرة يختلف باختلاف ظروفها التي اضطرتها إلى تحمل مسؤولية الأمومة في هذه السن المبكرة، فمثلاً الأم التي تعيش في بيئة مستقرة تكون أفضل حالاً من التي تعيش في بيئة تشهد مشاكل اجتماعية تؤثر بلا شك في سلوكها وأخلاقها كأم صغيرة تجاه أبنائها.

الدكتور سعيد إسماعيل علي: يفتقدن خبرات التربية وفاقد الشيء لا يعطيه
«فاقد الشيء لا يعطيه»، هكذا بدأ الدكتور سعيد إسماعيل علي، أستاذ التربية في جامعة عين شمس، كلامه وأضاف: «لا شك في أن الأم الصغيرة لم تكتمل لديها بعد منظومة التربية في الأسرة أو التعليم في المدرسة أو الجامعة، ولهذا فإنها تجهل الكثير من أسس تربية أبنائها».
وأشار الدكتور سعيد إلى اعتقاد خاطئ لدى كثير من الآباء والأمهات، الذين يوافقون على تزويج بناتهم في سن مبكرة، استناداً إلى مقولة: «العلم في الراس وليس في الكراس»، أي أن الحياة - وليس المدرسة أو الجامعة - هي من تعلّم البنت كيف تكون أمًّا بشكل صحيح، ولهذا فقد لوحظ أن أداء مهمات الأمومة بات في خطر بسبب ما يمارس من تصرفات خاطئة تجاه الأطفال الذين لا حول لهم ولا قوة.  وأكد أن كثيراً من الفتيات اللائي تزوجن وأنجبن في سن مبكرة، حتى أن بعضهن كنَّ في سن قريبة جداً من عمر أبنائهن، يدفعن ضريبة ذلك من خلال المشكلات الصحية والنفسية والاجتماعية العديدة، إلى جانب أن كثيرات منهن فقدن حلمهن في استكمال الدراسة والتعليم، بعد أن تفرغن لتربية أبنائهن ورعاية أزواجهن. وبالتالي فإن المسؤولية ثقيلة، وغالباً ما تدفع ضريبتها الأم الصغيرة وحدها، وتتفاقم هذه الضريبة إذا كانت الأم الصغيرة تعيش في ظل ظروف اجتماعية صعبة قد تلقي بها في الشارع أو في مؤسسات الأحداث، والواقع فيه من مآسي الأمهات الصغيرات ما يندى له الجبين، لأنهن حملن الهموم قبل الأوان.

الدكتورة سامية الساعاتي: الظروف الاجتماعية والخوف من العنوسة أسباب الزواج المبكر
أما الدكتورة سامية الساعاتي، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، فتقول: «من المؤسف أن الكثير من الأمهات يستعجلن في زواج بناتهن في سن مبكرة، وعندما تنجب الابنة لا تستطيع التعامل مع ذلك الطفل أو تحمّل المسؤولية، وهذا يرجع إلى تقاليد اجتماعية تؤكد باستمرار المقولة الشعبية «ضل راجل ولا ضل حيط» و «زواج البنت سترة»، ولهذا يرى أهل البنت أن مصيرها الأخير هو الزواج».
وأوضحت الدكتورة سامية أن شبح العنوسة جعل كثيراً من الأسر تزوِّج بناتها في الصغر، خوفاً عليهن من تأخر الزواج أو عدم حصوله نهائياً، في زمن أصبح فيه تحقيق حلم الزواج صعباً، بسبب الظروف الاقتصادية والتقاليد الاجتماعية التي تحوّل الزواج إلى صفقة لا بد من أن يدفع فيها الزوج دم قلبه، من شبكة وشقة ومؤخّر وتجهيزات الأثاث والفرح وخلافه، في وقت يعاني الشبان ذيول البطالة وضعف الرواتب إن وجدوا فرصة عمل.
وأشارت الدكتورة سامية إلى أنها ترى أن الأمومة للمرة الأولى، وفي سن مبكرة، إحساس رائع، وخاصة مع الطفل الأول لتوافقه مع الفطرة التي تكتسبها البنت منذ نعومة أظافرها، عندما تبدأ الصغيرة في معاملة دميتها على أنها ابنتها، تهتم بشؤونها وترعاها إلى أن تكبر، لكن الواقع المعاش صعب ولا يرحم، وغالباً ما تكون الأم هي ضحية أي تقصير لافتقادها الخبرات، بالإضافة إلى أن التقاليد الاجتماعية الذكورية الظالمة لن ترحمها، ومع هذا فإنه يمكن الاستعاضة عن ذلك بمحاولات الزوج التخفيف عن كاهل زوجته، من طريق إسعادها في المناسبات الاجتماعية، مثل عيدي الأم والحب، بهدايا ولو بسيطة، لكنها تحمل معاني كبيرة.
وطالبت الدكتورة سامية وسائل الإعلام ومؤسسات التربية والتعليم والثقافة بالقيام بدورها، من حيث نشر الوعي بخطورة الزواج والإنجاب المبكر وتأثير ذلك في صحة الأم.

في لبنان: سيدات صغيرات ضحايا ظلم المجتمع والأهل
قاسية هي الحياة حين يتلقى الفرد صفعةً تدوم طويلاً، خصوصاً إذا كان من تسبب بها أحد أفراد العائلة... لطالما كان الزواج مشروعاً صعباً ومسؤولية تحتاج إلى وعي ونضج عند طرفي العلاقة، ولكن حين يكون هذا الزواج هروباً من واقع مرير أو لمجرد جهل الأهل أو تحقيق حلم فتاة اعتقدت أن الزواج يقتصر على فرحة الزفاف ولقب «العروس» فحسب... يتحوّل إلى مشروع يدمر معه عائلة بأكملها، رغم نجاحه في ما ندر. حالات عديدة نلتقيها يومياً تكشف عن مجتمعات تعيش في عمق الجهل والمعاناة اليوم.

فاطمة: اصطحبتهم إلى الشارع لتتسول على أرصفة شارع الحمرا
فاطمة (16 عاماً) إحدى ضحايا الجهل، التي لم تكد تفتح عينيها لتتعرف على ألعاب الفتيات، حتى تحولت إلى لعبة رمت بها عائلتها في متاهات الحياة، لتتحمل مسؤولية أرهقتها ودمرت طفولتها، بعدما حملت بين يديها طفلاً في الحادية عشرة من عمرها، وأصبحت أماً لأربعة أطفال في سن الـ15... فاطمة التي لم تجد من يحضن أولادها في لبنان بعدما غادرت سورية إثر الأزمة التي تعيشها بلادها، اصطحبتهم إلى الشارع لتتسول على أرصفة شارع الحمرا في بيروت بغية تأمين لقمة العيش. تقول فاطمة إن أحداً لا يقبل بأن تعمل لديه بسبب أولادها، لأن أهلها في سورية ولا يوجد مكان آمن تتركهم فيه بينما تعمل. لذلك وجدت أن الشارع هو الحل الوحيد، فتتسول فيه برفقة أولادها. وتضيف: «عندما يكبرون سأتركهم في المنزل ولن أدعهم يتسولون»، وتتابع مستدركةً: «لكنهم تربوا على هذه الحياة، ولا أملك وسيلة أخرى لكي أجني مالاً، ولا يوجد من يقدم لنا المساعدة». وتلفت إلى أن ابنها الرابع بقي في المنزل مع جيرانها، لكنها لا تستطيع أن تبقي جميع أولادها معهم.

م.س: هربت من قسوة والدي إلى بيت الزوجية
م.س. تبلغ من العمر 33 عاماً، تزوجت في عمر الـ15 سنة، وكانت قد تركت المدرسة وهي في الصف السابع أساسي. تقول: «عندما تقدم زوجي لخطبتي لم أكن أدرس حينها. والدي كان قاسياً جداً، وقد فكرت حينذاك بأن نهاية كل فتاة الزواج، فوافقت على الزواج وكان زوجي يكبرني بـ10 سنوات... لم يحرمني والدي من المدرسة، لكن لأننا انتقلنا من مسكن إلى آخر فقد تركت المدرسة ولم أعد إليها، كما أن والدي لم يرغمني على اكمال دراستي، لذلك دخلت سوق العمل في سن الـ11 وعملت في مصنع للخياطة، لكنني لو أكملت دراستي لما فكرت بالزواج»، وتتابع: «أردد دائماً على مسامع أولادي انني لو كنت قد أكملت دراستي لكان حالنا أفضل اليوم».
أنجبت أول أطفالي في سن الـ17، وشعرت حينها بمسؤولية كبيرة أرهقت كاهلي. وتتابع: «لم أندم يوماً على زواجي، ربما لأن ربي وفقني بزوج متفهم ولو لم يكن كذلك لندمت، ولكن ما أندم عليه هو أنني لم أكمل دراستي، لذلك لن أسمح لأولادي الثلاثة بأن يتركوا المدرسة، ولو أنجبت بنتاً فلن أُزوّجها قبل أن تُكمل دراستها الجامعية».

ابتسام: أعتقد أن ذلك كان غباءً من أهلي
ابتسام (44 عاماً) نموذج آخر من نماذج الزيجات المبكرة التي تحملت قساوة العائلة. تقول: «عندما ارتبطت بزوجي كنت في سن الـ14، في الصف التاسع أساسي فتركت المدرسة وتزوجت، لم تكن ثمة علاقة حب بيننا، لكنه رآني مع والدي، وأُعجب بي وطلبني للزواج، فوافق والدي مباشرةً ولم يعتبرني صغيرة لأن شقيقتي تزوجت في السن نفسها، فضلاً عن أنها كانت عادة شائعة في مجتمعنا».
وعن موقفها من الارتباط، تؤكد ابتسام: «كنت لا أزال «طفلة» وأود أن أصبح عروساً راشدة وناضجة، ولم أكن أعي معنى الزواج ومسؤولياته، بل كنت لا أزال ساذجة». وتضيف: «عندما وصلت إلى المنزل يوم الزفاف كنت أود أن أخلع ملابسي وأخلد الى النوم. لم أكن أدرك معنى العلاقة بين الرجل والمرأة... وأعتقد أن ذلك كان غباءً من أهلي، إذ حين تزوجت كنت ما زلت أشاهد أفلام الكرتون وأذهب الى النوم عند الساعة السابعة والنصف مساءً... زوجي كان متفهماً لوضعي وعلمني كل شيء، شعرت في البداية بالخوف من الزواج، وربما كنت محظوظة بزوجي لأنه كان ناضجاً ويعي كل شيء».
وتتابع ابتسام: «بعد تسعة أشهر أنجبت طفلتي، وشعرت بأنني أكبُر مع أولادي، وثمة مراحل من الحياة لم أعشها فأدركتها معهم، حتى أن أولادي يبدون كأنهم أشقائي... تربيتهم لم تكن صعبة، لأن أهلي وجيراني ساعدوني في ذلك، كنت كلما بكى أحد أطفالي أحمله وأركض به الى الطبيب».

صداقة الأولاد
تعتبر ابتسام أن من حسنات الزواج المبكر أن الأم تتحوّل إلى صديقة لأولادها، وكثر من أصدقائهم يحسدونهم على أن والدتهم في مثل سنّهم.. أما من سيئاته، فتعتبر انها ظُلمت لأنها لم تعش مرحلة المراهقة بل تحولت مباشرةً من طفلة إلى امرأة ناضجة. وتعلل سبب زواجها المبكر إلى جانب قرار والديها، بالتقاليد والعادات التي كانت تُردد على مسامعها دائماً أن «من المعيب على الفتاة الخروج من المنزل...»، وتشير إلى أن التربية اليوم اختلفت عن التربية في السابق، مثلاً كان والداها يمنعانها من الدخول إلى غرفة الجلوس عندما يزورهم الضيوف. وتضيف: «تحاول والدتي لغاية اليوم أن تربي أولاد أخي بالطريقة نفسها التي ربتنا بها، وهي مستعدة لأن تزوج ابنة أخي في سن الـ14 عاماً، لكنني أخبرتها أن الحياة اختلفت والتربية كذلك». وعن أولادها تقول: «أنجبت ثلاثة أولاد، بنتين وولد، ابنتي الأولى تزوجت في سن الـ21 عاماً، بعدما أنهت دراستها في المحاسبة والإعلام، وابنتي الصغيرة ربطتها وتزوجت في سن الـ19 عاماً، وتزوج ابني أخيراً في سن الـ26 عاماً». وتلفت إلى أنها حين ترى فتيات في عمر الـ14 أو الـ15 سنة تحسدهن على الحياة التي يعشنها لأنها لم تعش هذه المرحلة من حياتها. وتكشف أخيراً: «لم أكن أخرج مع صديقاتي، وبات يضايقني خبر ارتباط فتاة في سن الـ15 عاماً... لقد تحملت مسؤولية كبيرة أرهقتني منذ صغري، وازدادت الأعباء مع وفاة زوجي عام 2004. كنت حينها في سن الـ35، ولم يكن أحد من أولادي قد تزوج بعد، فزواجهم أخافني لكن عائلتي وعائلة زوجي كانوا يقفون إلى جانبي باستمرار».

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078