الخوف عند الأطفال متى يتحوّل إلى «فوبيا»؟
قصص مخيفة، ومشاهد مرعبة أو حتى مجرد مسميات خيالية يتم تخويف الأطفال بها، إما بقصد الدعابة أو كوسيلة تأديبية للطفل. سلوكيات منتشرة في معظم البيوت، أدت إلى وجود شريحة كبيرة من الأطفال الذين يهابون الظلام، وذلك لما ترسمه مُخيلاتهم الصغيرة أو تهيئ لهم وجود أشباح وأرواح شريرة تحوم في هذه البقع المظلمة، ونجد بينهم من كانت تجربته في مشاهدة فيلم مرعب سبباً في رفضه النوم بمفرده، أو حتى الذهاب إلى أي مكان في المنزل من دون مرافق... أطفال تصل بهم درجة الخوف إلى مرحلة «الفوبيا»، لأسباب قد يراها البعض عادية.
قصص عن أهم مخاوف الأطفال، ومناقشة أسبابها وأعراضها، بالإضافة إلى طرق علاجها من وجهة نظر اختصاصيين في مجال علم النفس وتعديل السلوك في هذا التحقيق...
تبوّل ليلي لا إرادي... سببه حكايات عن لعبة تشارلي
كانت أم تامر (32 عاماً)، سعيدة جداً برؤية ابنها البكر تامر يندمج سريعاً في المدرسة ويُكوّن صداقات مع الأطفال الأكبر منه سناً. فابنها تامر الذي يبلغ من العمر عشر سنوات، كان يتمتع بشخصية خجولة وضعيفة بعض الشيء، ولذلك كانت تحاول على الدوام تقوية علاقاته، ودفعه الى الاختلاط بمن هم في مثل سنّه.
وبعد فترة من التحسن الذي طرأ على علاقاته الاجتماعية، لاحظت أم تامر أن ابنها أصبح يتبوّل في الفراش ليلاً، ويرفض الذهاب إلى أي مكان وحده.
في البداية ظنت أنه عارض وقد يزول، لكن بعد استمرار ذلك لأشهر عدة، ألحت على معرفة السبب من ابنها، لتكتشف أنه ومجموعة من أصدقائه في المدرسة، والذين كانوا يقصّون عليه تجربتهم مع لعبة «تشارلي» الشهيرة، قد تمكنوا من تحضير الأرواح والتحدث إلى العفاريت.
وقتها فقدت أم تامر صوابها وتوجهت الى المدرسة لطلب أرقام هواتف أمهات هؤلاء الأطفال. وبعد مناقشات طويلة، اكتشفت أنهم لا يمتلكون أدنى فكرة عما يفعله أولادهم أو يقولونه.
دعابة ومزح يؤديان إلى حالة ذعر
لطالما كانت نادية محمود (36 عاماً)، تنظر الى مسألة خوف الأطفال على أنها شيء سخيف وتافه، وذلك تبعاً لسخافة الأشياء التي يخافون منها.
لكن هذه النظرة تغيرت تماماً بعدما عانت مع ابنها الأوسط كريم ذي الأعوام الثمانية، والذي كان يداعبه خاله في أحد المتنزهات، حين وجد ضفدعاً صغيراً يمشي على الأرض... ولكون خاله يمتلك حس دعابة عالياً، أوهم جميع الأطفال الموجودين بأنه يمسك الضفدع بيده، بينما يحمل في الحقيقة ورقة شجر للتمويه، وأدخل ورقة الشجر المزعومة في قميص ابنها كريم، ففقد عقله وأخذ يقفز من الخوف، في حين كان الجميع يضحكون لهذه الدعابة التي انقلبت على كريم فور عودته من هذه النزهة، بحيث لاحظت نادية أن ابنها أصبح يتلعثم بالكلام، ويستيقظ فزِعاً من النوم.
فيلم رعب يسرق النوم من عيني ابنتها
أما فدوى خوجة (29 عاماً)، فقصتها مع ابنتها البكر سوزان ذات الأعوام التسعة مختلفة، حيث كانت أفلام الرعب سبباً في هلع ابنتها ووسوستها. كانت فدوى تهوى مشاهدة الأفلام المرعبة، بعد خلود أطفالها إلى النوم. لكن في إحدى الإجازات ووسط جلسة عائلية لمشاهدة أحد أفلام الرعب، أصرت ابنتها سوزان على البقاء لمتابعة الفيلم، بعدما اندمجت بقصته وتحمست لمعرفة النهاية.
لم تستجب سوزان لتحذيرات والدتها بالتوقف عن المشاهدة، بل أصرت على ذلك بحجة أنها لا تخاف، وتدرك أن ذلك كله تمثيل وليس حقيقة، فاستسلمت الأم وتركتها تشاهد الفيلم الى نهايته. لكن الطامة الكبرى كانت عندما حلّ الظلام ورفضت سوزان إطفاء الإنارة للخلود الى النوم.
وبعد مراقبة الوضع، اكتشفت الأم أن ابنتها خائفة وقلقة ولا تستطيع النوم، فحاولت تهدئتها بالنوم الى جانبها وقراءة بعض الآيات القرآنية والأدعية الدينية، مما ساعد طفلتها على النوم، لكن القصة لم تنته عند هذا الحد، لأن سوزان أصبحت معتادة على بقاء والدتها الى جانبها كل ليلة.
وحش وهمي يخيف أطفالها من الظلام
اعتادت السيدة وفاء سعيد (34 عاماً)، تأديب أطفالها وحضّهم على السلوك الجيد باتباع أسلوب التخويف، لتكتشف لاحقاً أنه خطأ فادح.
فأطفالها الثلاثة كانت تهددهم على الدوام بوحش وهمي يأتيهم أثناء نومهم في الظلام إن لم يكملوا طعامهم، أو لم يحسنوا التصرف، ما أوجد لدى أطفالها خوفاً مفرطاً من أي شيء، وأصبحوا يرتعبون بشكل هستيري من الظلام، بل يرفضون أحياناً الذهاب الى الحمام أو لشرب الماء في أوقات متأخرة من الليل خوفاً من هذا الوحش... ليتأكد لوفاء أن الأسلوب القديم الذي كان يتبعه أبواها وأجدادها هو أسلوب يترك أثراً سلبياً في نفسية الطفل، فيصبح جباناً يخاف من أي شيء، فشعرت بالأسف لاكتشافها هذه الحقيقة متأخرة.
الجراثيم العملاقة تمنع ابنتها من استخدام حمام المدرسة
حرص الأم الزائد قد يقودها إلى الندم، فالسيدة بسمة عبدالرحمن (32 عاماً)، لطالما كانت تحذر ابنتها عائشة ذات الأعوام الستة من الذهاب إلى حمامات المدرسة القذرة، كونها تخاف على ابنتها من تلقي الجراثيم، التي كانت تصورها لها بأنها عبارة عن حشرات تصبح عملاقة جداً إن لم يتم غسل اليدين جيداً، ما جعل المعلمات في المدرسة يشكين من كثرة تبول عائشة اللاإرادي، ورفضها الذهاب لقضاء حاجتها في حمامات المدرسة، حيث احتاجت بسمة الى وقت طويل لتعديل خطئها الفادح ومساعدة ابنتها على التأقلم في استخدام حمام المدرسة.
الخوف منتشر لدى 90 في المئة من الأطفال
في البداية، يمهد استشاري علم النفس العلاجي الدكتور شريف أمين عزام، لموضوع الخوف بتعريفة بشكل بسيط، بأنه عبارة عن شعور غير سار أو شعور بالخطر قد يهدد الشخص، ويمنعه من العيش بأمان وسلام. والخوف عموماً سلاح ذو حدين، وهو مطلوب في كثير من الأحيان، فالخوف من الرسوب يدفع الى النجاح، ولكنه يصبح عارضاً سلبياً إذا زاد عن معدله الطبيعي وأسبابه المعقولة، وبهذا يصير مرضاً نفسياً يسمى «الفوبيا»، أي الخوف غير المبرر الذي لا يتناسب مع عمر الشخص، مثل «فوبيا» الخوف من القطط. ويرى عزام أن الخوف لدى الأطفال أمر طبيعي وموجود لدى 90 في المئة من الأطفال قبل سن المدرسة.
بعض الأطفال أكثر قابلية للتأثر بالمخاوف
وتعتقد اختصاصية الأطفال النفسية في مستشفى الدكتور سليمان فقيه في جدة، عفاف الشريف، أن الخوف عند الأطفال يحد من قدرتهم على مواجهة الحياة، وهذه الظاهرة منتشرة بين الأطفال، بحيث نلمس لديهم مخاوف قد تكون كبيرة أو صغيرة، فمنهم من يخاف من الحيوانات أو الحشرات، وبعضهم يخاف من الأماكن المظلمة أو الانفصال أو الموت... وفي هذه الحالة نرى نمطية في اتباع نهج معين لدى الكثير من الأطفال، حيث يحبذون وجود لعبة أو دمية لا بد من احتضانها وقت النوم، أو يرتدون لباساً معيناً للشعور بالأمان.
ولا شك في أن هناك أطفالاً أكثر عرضة من غيرهم للتأثر بغريزة الخوف، فظروف الحمل والولادة والعوامل الوراثية لها تأثير كبير في تكوين شخصية الطفل، فنلمح أطفالاً تقتضي طبيعتهم وجود حساسية مفرطة واستجابات قوية للحركات المفاجئة أو الأصوات العالية، وهذا ما يجب على الأم والعائلة الانتباه اليه ومراعاته بشكل خاص، لكون هذه المخاوف قد تلازم الطفل رغم تقدمه في العمر إن لم تعالج بشكل سليم.
أسباب الخوف لدى الأطفال
يتفق كل من الدكتور شريف عزام وعفاف الشريف على أسباب هذه الظاهرة، بكونها نابعة في الأساس من البيت والأسرة، فالطفل في مرحلة مبكرة من عمره لا يكون على قدر عالٍ من النضج العقلي والإدراكي ليميز بين الحقيقة والخيال.
فقد تكون سياسة الأسرة التسلطية أو طرق التخويف سبباً رئيسياً في نشأة الطفل على الخوف والإيمان بالأوهام... وقد تُشعر المشاكل الأسرية والاضطرابات العائلية الطفل بعدم الأمان وتحد من ثقته بنفسه لمواجهة مخاوفه. ومن الأسباب غير المألوفة أيضاً، الدلال الزائد وعدم منح الطفل فرصة لمواجهة مخاوف الحياة بنفسه وتخويفه باستمرار منها، ما يجعل بناءه هشاً ولا يقوى على ممارسة حياته بمفرده.
إضافة الى هذه الأسباب، يعد موقف أو حادث معين مثل توقف المصعد من الأسباب التي قد تجعل الطفل يهاب المصعد ويخاف من أمور أخرى أيضاً.
وقد يكون سبب الخوف أحياناً مجرد تقليد لشيء يخافه أحد أفراد عائلته. ويؤكد الدكتور عزام أن تفادي هذه الأسباب وتنشئة الطفل على عدم الخوف، وتحديداً في السنوات الست الأولى من عمره يقيانه التأثر به في الكبر.
أعراض لا بد من أن تنتبه اليها الأم
وعن أهم الأعراض التي يجب على الأم ملاحظتها في طفلها للكشف عن خوفه من أمر ما، يشير الدكتور شريف عزام والاختصاصية عفاف الشريف الى مجموعة من النقاط التي قد تكون دليلاً على وجود هذه المشكلة عند أطفالهم:
- ضعف التفاعل الاجتماعي بشكل مفاجئ، وفقدان الرغبة في الاختلاط أو ممارسة النشاطات المفضلة لديه.
- بعض الأعراض الجسدية كسرعة التنفس والتعرق الزائد وفقدان الشهية والتأتأة في الكلام، وقد تظهر أحياناً على صورة أحلام مرعبة.
- أعراض سلوكية سيئة مصاحبة للخوف مثل قضم الأظافر، ونتف الشعر، والتبول اللاإرادي.
- عدم التركيز والشرود وتدني المستوى الدراسي بطريقة مفاجئة.
خطوات العلاج وطرقه
ويلخص كل من الدكتور عزام والاختصاصية الشريف مجموعة من أهم طرق علاج هذه المشكلة بالنقاط الآتية:
- عدم الاستهزاء مطلقاً بمخاوف الطفل، كون ذلك لا يعالج مسألة خوفه ويجعله يخجل من البوح بها.
- عدم التحدث والتشهير بمخاوف الطفل أمام الآخرين.
- تدريب الطفل على بعض استراتيجيات المواجهة لهذه المخاوف من خلال استبدال الأفكار السلبية التي تسبب الخوف بأخرى ايجابية.
تشجيع الطفل على مواجهة مخاوفه من خلال مشاركته والبقاء الى جانبه، مع ضرورة عدم القسوة والإلحاح عليه.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024