تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

بسمة الخطيب بين حلاوة الطعم ومرارة الذكرى

بعد تجربتها في الكتابة القصصية، تكتب اللبنانية بسمة الخطيب روايتها الأولى بعنوان «برتقال مرّ» (دار الآداب)، التي تمزج فيها حلاوة الطعام بمرارة الحبّ. الفضاء المكاني الذي تدور فيه الرواية يبتعد عن الفضاء الداخليّ للبطلة/ الراوية. الساردة هنا هي شابة مُشرفة على الثلاثين، تسكن في شقة بيروتية وسط أجواء مدينية مفعمة بالحداثةً والعصرية، لكنّ الوليمة التي تُحضّرها تعكس مزاجاً مختلفاً وغريباً عن الزمان والمكان اللذين يحاصرانها. فالفتاة التي اختارت أن تهرب من قريتها لأسباب ظلّت غامضة، وجدت نفسها منساقة فجأة إلى عالمها القديم أثناء إعدادها وليمة من الطبخات الريفية اللبنانية. تسترجع ماضيها من طريق «الفلاش باك» ثم تعود إلى حاضرها لتستكمل وجباتها وكأنها تتربّع على بساط سحري ينقلها في الزمان بين ماضٍ تحنّ اليه وحاضرٍ قرّرت أن تفرّ اليه.
تتداخل «طرطقة» الأطباق وصخب الذكريات في ذهن راوية تُحضّر ما لذّ من طعام لرجلٍ سيأتي، أو قد يأتي، والأصحّ أنه لن يأتي أبداً. فيغدو الطهو تعويضاً عن حب مستحيل، ورجل لا يُنال، وموعد تأخّر عقوداً. «أصبّ المغلي في كاسات شفافة وأضع حبّات اللوز والصنوبر والجوز في الماء لأجل التزيين غداً. هل حقاً ما أفكر فيه الآن؟ انت قادم إلى هنا لتأكل ما طهوته لك؟» (ص 124).
ومن حكايتها الذاتية، تخرج الراوية في «برتقال مر» إلى حكايات نساء عرفتهن وعاشت بينهن. جدّتها، أمها، خالتها، جاراتها... تطبخ حكاياتها في ذهنها ثم ترويها على نار هادئة تارة، ومجنونة تارة أخرى. تستعيد صوراً من أعماق الذاكرة، ثم تحكيها فتختلط رائحة الأمكنة بروائح الطعام القروي اللذيذ. فلا ندري إن كان الأكل هو الذي استدعى هذا الحنين إلى الماضي، أم أنّ الماضي هو الذي أشعل فيها رغبةَ طهو الطبخات القديمة؟
هذه العلاقة بين الطعام، بمدلولاته المادية والحسية، وبين الذكريات، بما هو عاطفي ومعنوي، تُشكّل عصب رواية بسمة الخطيب التي تُذكّر - بتقنيتها وموضوعها وأسلوبها - بالأدب النسائي اللاتيني، وتحديداً برواية المكسيكية لاورا إسكيبيل «كالماء للشوكولا» التي تستعيض بطلتها «تيتا» عن رغبتها الجامحة بالحبيب المستحيل بشغف الطهو وتحضير أكلات تترك تأثيراً في انفعالات المتذوّق ومشاعره. ومثلما تُشبّه إسكيبيل الوجه المدوّر بالرغيف، وفلاناً بطبق «تاكوس»، وعلاّناً بـ «الإنتشيليدا»... تشبّه الخطيب الأشياء بمكونات المطبخ فتُسمي مثلاً الرجل النحيل بـ «عرق النعناع»، على اعتبار أنّ ذاكرتها الإبداعية ارتبطت منذ البداية بالمطبخ، هي التي كتبت أوّل قصيدة لها في المطبخ ودوّنتها قبل أن تُجفّف يديها.
رواية بسمة الخطيب (صممت غلافها نجاح طاهر) مكتوبة بنَفَس أنثوي يفتح الشهيّة على الطعام والحبّ والحكي والتذكّر. هي نافذة تُدخل القارئ إلى عوالم المرأة الحميمة من خلال الركن الحميم أو ربما القرين، مطبخها.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078