نادين لبكي: كنت حالمة لـ "كان" فأصبحت مالكة
لا تستطيع من خلال أفلامها فقط أن تأسرك، بل من خلال مقالٍ تقصّه عليك بكل حب وشغف يتطرق إلى الطفولة والأمومة، فتحبس مع أقصوصتها دمعتك. تتحدث عن الخطوات الأولى في حياتها المهنية وكأنها خطوات طفل حالم بعالم مليء بالسلام والمحبة، فتصل معها إلى المثالية في تربية ابنها، في نظرتها الى المجتمع، في تصالحها مع ذاتها. تعيش دورها كعضو لجنة تحكيم في مهرجان «كان» السينمائي، وتخلعه عند العودة، فهذه التجربة متعة مؤقتة، وفق المخرجة والمؤلفة والممثلة اللبنانية-العالمية نادين لبكي... تستعد مخرجة «وهلأ لوين» لاستقبال طفليها، الأول الذي سيشارك وليد محبة والديه، والثاني سيشارك «كاراميل» و«وهلأ لوين» مسيرتها في عالم السينما... عن الأمومة والطفولة والسينما و «كان»، نادين لبكي في هذا الحوار.
-كيف كانت أصداء Rio I Love you؟
أصداؤه ايجابية، علماً أنه لم يسجل إقبالاً جماهيرياً كبيراً، لأن تركيبة الفيلم صعبة ولم يعتد الجمهور على هذا النمط من الأفلام. تلقيت إشادات على الجزء الخاص بي، وكل من شاهده أحبه.
-ما الذي استفدته من فيلم ليس جماهيرياً؟
نعلم أن هذا النوع من الأفلام ليس جماهيرياً، لكنني اكتسبت خبرة العمل في فيلم أجنبي، بنص لا يتحدث اللغة العربية، والعمل مع عدد كبير من المخرجين كل واحد منهم بمثابة مدرسة في الإخراج، وأن أكون في هذا العمل وأقوم بالدور نفسه وأقدم عملاً بالمستوى نفسه. كانت فرصة لي أن أشارك مع كل هؤلاء المخرجين ونمتلك جميعاً نظرة واحدة إلى مكان واحد، أي «ريو»، بالإضافة إلى تجربتي مع هارفي كايتل الممثل العالمي ذي الخبرة العالمية، لم أحلم طوال حياتي بأن أدير ممثلاً بهذه الخبرة.
-ما الذي اكتسبته من هارفي كايتل؟
الدقة في العمل، لست معتادة على هذا النوع من العمل، بطبعي اعتدت على الارتجال في أعمالي، وثمة مشاهد أغيّرها خلال التصوير، ولكن خلال تصوير Rio I Love You وكلما أردت إدخال بعض التعديلات على النص، كان يطلب مني ألاّ أبدل أي عبارة: ويقول: «شاركت في هذا العمل لأنني أُعجبت بنصك». تعلمت منه الالتزام، وأُجبرت عليه لأنه يريد ذلك. هذا الأسلوب في العمل زادني خبرة جديدة، كالعمل مع ممثل محترف وعلى هذا القدر من الخبرة.
-كيف وصلت نادين لبكي إلى العالمية؟
صنعت فيلمين وُزّعا على أكثر من ستين بلداً في العالم ونالا إعجاب الناس، وسجّلا إقبالاً جماهيرياً كالذي سجلاه في لبنان. وهكذا تم تداول اسمي أكثر وعُرفت في الخارج، ولا أدري إن كان يمكننا أن نطلق على ذلك عالمية.
-من فترة قصيرة عُرض فيلما «سكر بنات» و«وهلأ لوين» في باريس وواشنطن، هل يعني هذا أن أفلامك لا تموت؟
ثمة تعلق عاطفي بأفلامي، خصوصاً في ظل ما يجري في العالم العربي، ومشكلة عدم تقبل الآخر والاختلاف معه... ربما يعتبرون هذا التوقيت مناسباً لعرض «وهلأ لوين»، لذلك يُعرض في أماكن عدة في العالم وخلال ندوات في الخارج... أعترف بأن أفلامي ليست كاملة تقنياً، وثمة أخطاء أندم عليها.
-تندمين أم تفضلينها بصورة أحسن؟
أندم وكنت أفضلها بصورة أجمل، ثمة قرارات أتخذها تحت الضغط أثناء التصوير وأندم لأنني اتخذتها. ولكن بعيداً عن هذه القرارات، ثمة ما تخطى جودة الفيلم وهو جوهره، أي لماذا صُنعت هذه الأفلام؟ الناس يتواصلون مع الأفلام بطريقة سرية، لأنها تلامسهم، يتعاطفون مع الممثلين، مع الشخصيات، مع القصص والحالات في الفيلم، وبالتالي تلمس الواقع الذي يعيشونه... لذلك حققت أفلامي نجاحاً وسجلت تعاطفاً معها.
-كنت تحلمين بمشاهدة فيلم في مهرجان «كان»، تحولتِ إلى مشاركة ثم إلى عضو لجنة تحكيم، ماذا عن تجربتك في مهرجان «كان»؟
أثناء دراستي في الجامعة، كنت أذهب برفقة أصدقائي إلى «كان» وكانت تواجهنا صعوبات في مشاهدة أفلام المهرجان، كنا نستأجر منزلاً بعيداً، وفي الصباح الباكر نتوجه الى «كان» في محاولة منا للوقوف في الصفوف الأمامية للحصول على بطاقات لمشاهدة بعض الأفلام إذ لم تكن متاحة لنا مشاهدة كل الأفلام. حينذاك كنت أشعر بأنني لست من هذا العالم، وغير مرغوب بوجودي... إلى أن عُرض فيلم Caramel ضمن quinzaine des réalisateurs، وفُتحت الأبواب أمامي فجأةً، وبت من عائلة «كان» وباستطاعتي مشاهدة الفيلم الذي أريد، وأصبحت من الأشخاص المرغوبين في هذه العائلة.
-ما الذي تغير في تلك اللحظة؟
كأنني انتقمت في مكان ما من الحياة، أو سجلت انتصاراً، وأثبتت نفسي. ولكن الأهم، كان إقبال الجمهور ورأي النقّاد بالفيلم. فكانت التجربة الإيجابية الأولى لي في «كان»، وأطلقوا عليه حينها «شمس كان»، لأن الأفلام حينذاك كانت أكثر سوداوية، وخلال ثلاثة أيام بيع إلى أكثر من ثلاثين بلداً، حتى أعضاء لجنة التحكيم أعربوا عن إعجابهم بالفيلم، أخبروني بأنه أفضل فيلم عُرض ضمن المجموعة التي شاهدوها. لم أصدق ما جرى، كأنه ضرب من الخيال، ولم أتوقع أن يشهد Caramel هذا الإقبال الإيجابي... ومع «وهلأ لوين» تكررت الحالة وثمة من خرج من الفيلم يبكي، حيث لامس مشاعر الجمهور... وأخيراً انضممت إلى لجنة التحكيم فبت أشعر بأنني من العائلة وربما من بين «المالكين» (تضحك)، ومحور حديثنا يدور حول السينما مع أناس ذوي تجارب سينمائية عميقة... مثلاً رئيسة اللجنة Isabella Rossellini وخلال تناولنا وجبة الغداء معاً، حدثتنا عن علاقتها بوالدتها Ingrid Bergman وبوالدها وزوجيها Martin Scorsese وDavid Lynch، شعرت أنني أنصت إلى تاريخ هذه السيدة الذي يمسني لأنه عالمي وحلمي. تواجدت مع أهم المخرجين في العالم والتقيت بشخصيات لم أحلم يوماً بلقائها.
-هل تشكلّ لك هذه التجربة الاكتفاء؟
لا أعتقد أن الإنسان يصل يوماً إلى الاكتفاء بما حققه، الطموح لا يتوقف.
-ما الذي أضافته تجربتك في «كان»؟
أحب «وظيفة» عضو لجنة تحكيم، لأنني شاركت في العديد من المهرجانات. وبالنسبة إليّ الاستيقاظ صباحاً والتوجه إلى قاعة السينما هو أحلى رفاهية في العالم. ففي حياتنا اليومية نحاول أن نسرق ساعتين للدخول إلى السينما ومشاهدة فيلم، فكيف إذا كانت وظيفتك مشاهدة الأفلام يومياً... تدخلين في عالم وتخرجين من آخر. ثمة مسؤولية ولكن لا نقوم بحل مشكلة الشرق الأوسط، علماً أنني سمعت عن تجارب في لجان التحكيم اختلف أعضاؤها على فيلم. نعي ما يهم المشاهد أكثر، وأن ليس كل ما يمسنا بالضرورة يلامس مشاعر الناس، وندرك أننا لا نفكر جميعاً بالطريقة نفسها، ونفهم كيفية تفكير الناس تبعاً لثقافاتهم وعاداتهم. مثلاً، نخرج أحياناً من فيلم قد لا يعجبنا أبداً ونُصدم بآراء بعض أعضاء اللجنة إذ يجدونه الأفضل، أي أن ثمة طريقة تفكير وتقويم مختلفة، وهذا التنوع زاد من خبرتي كمخرجة.
-كيف تنظرين اليوم الى الفيلم السينمائي بعد هذه التجربة، وهل ما زال الشغف نفسه؟
لم تتغير نظرتي الى السينما، لأن الشغف لا يزال نفسه، حتى لو انضممت إلى لجنة تحكيم، في النهاية أنا أشاهد فيلماً كأي مشاهد آخر. أتجاهل كوني مخرجة وعضو لجنة تحكيم خلال مشاهدتي الفيلم وتستسلم مشاعري للقصة. عندما تكونين مؤلفة ومخرجة، تعرفين صعوبة فبركة الفيلم، وأتحدث عن تجربتي الشخصية، أنظر إلى الفيلم بكل احترام ورأفة، ولا أدخل إلى قاعة السينما لأحطم الفيلم وأبحث عن ثغراته، فثمة نقّاد يدخلون وقد اتخذوا قراراً مسبقاً بتسجيل رأيهم السلبي بالفيلم حتى قبل مشاهدته... ربما لديهم مشكلة شخصية مع المخرج.
-تعتمدين في كتاباتك على المشاعر أم على العقلانية؟
بالتأكيد على المشاعر والعاطفة، ربما هذا اتجاه خاطئ في العمل. أنا شخص يستند إلى الغريزة في أعماله ويستمع إلى لغة قلبه، لأن الغريزة هي الأساس وهي التي تجمع الناس، أي ثمة لغز باطني يجمعنا بعيداً عن الثقافة واللغة والمعتقد.
-كنت تكتبين فيلماً عن الأطفال...
لا يزال في طور الكتابة، قضية الفيلم صعبة جداً وبحاجة إلى أبحاث كثيرة على أرض الواقع، لأنني أود أن أقدم فيلماً قريباً من الحقيقة، لذلك هو بحاجة إلى مزيد من الوقت. كما أنني انشغلت لفترة ما بين الأفلام والتمثيل والمهرجانات ولجنة التحكيم، أما الآن فسأتفرغ للكتابة حتى أنتهي من الفيلم.
-من خلال عرض «كاراميل» (سكر بنات) و«وهلأ لوين»، إلى أي مدى ساهمت في نشر الثقافة اللبنانية في الخارج؟ وماذا عن تقبل الجمهور الغربي لثقافتنا؟
لم تكن لدي النية لنشر ثقافتنا في الخارج، لم أكن أدرك عندما كنت أكتب «كاراميل» أنني أنقل ثقافة، ولكن عندما لمست رد فعل الناس فهمت. بعد مشاهدة الفيلم جاء من يقول لي، لم نكن نعلم أن لبنان هكذا، لم نكن نعرف أنكم تفكرون بهذا الأسلوب وهذا مظهركم. أي أن ثمة جهلاً كبيراً بثقافتنا في الغرب، وكأنهم اكتشفوا شيئاً جديداً، ولكنني نقلت الحقيقة، وواقع «الحي» اللبناني البيروتي الذي أحبه وقد قمت بتجميله نوعاً ما، لأننا أحياناً عندما نحب مكاناً ما، نحاول أن نظهره بصورة أجمل مما هو عليه في الواقع، وباتت بيروت مكاناً جاذباً لجمهور الفيلم. وأعتقد أن هذه هي المهمة التي كانت ملقاة على عاتقي من خلال «كاراميل». الفيلم كتبته عام 2006 وكان لبنان يحترق بعد حرب تموز، فسألت نفسي كيف سأقدم فيلماً عن النساء والألوان ولبنان يعيش حالة حرب ودمار وموت ودماء؟ وما مدى صدقية هذا العمل وإفادته للبنان. لكنني أكملت الفيلم، وكان لبنان يعيش في حالة هدنة، وكنا أمام احتمالات مفتوحة على كل شيء، ولكن باستطاعتنا كلبنانيين أن نعيش قصة حب. لاحقاً أدركت أن مهمة الفيلم كانت إظهار صورة أخرى عن لبنان لا يعرفها العالم، لذلك أهديت الفيلم في النهاية إلى بيروت... وهي بيروت التي أحلم بها وأراها، إنها بالفعل بيروت التي يجهلها الناس، لأن الخارج يصوّرنا بصورة رمادية يخرج منها الدخان.
-من المسؤول عن صورتنا السوداوية؟
الموضوع يحتاج إلى تحليل لنعرف من المسؤول، لأن المسؤولين كثر ولا يمكننا أن نلقي بالاتهامات على جهة واحدة، نحن نعيش في منطقة منكوبة وملعونة ولبنان ضمن هذا التكوين. وهذا أحد اسباب الصورة السوداوية التي تُنقل عنا.
-برنامج «بعيون سعودية» يبحث عن جيل جديد من المخرِجين، هل أنت مع فكرة انضمامك الى لجنة تحكيم برامج تبحث عن مخرجين جدد؟
لا أحب أن أخوض هذه التجربة في العالم العربي، لأن كل شيء مرتبط بالعلاقات الشخصية والمحسوبيات، كما أن لا خبرة سينمائية عربية عريقة لدينا. للأسف، في العالم العربي يتم دائماً استحضار المقارنة بين الفنانين والمخرجين والممثلين، مثلاً في غالبية المقابلات يتم التحدث عن خلافات في الوسط الذي يعملون فيه، لا يوجد كيان لفنان مع أعماله ونشاطاته. أيضاً، في الخارج لا يُسأل مخرج عن عمل مخرج آخر، بل نلحظ تعاوناً بين الجميع. ربما شخصيتنا مختلفة وعلامة الاستفهام أو الحشرية تتملكنا دائماً، ويسألون كيف نجح الفنان الفلاني؟ إذ ثمة يد خفية وراء نجاحه، وليس لأنه يستحق، ربما لأننا لا نثق بأنفسنا، وما زلنا مبتدئين.
-هل تركيز المخرج على جمالية المشهد يُفقد المضمون معناه؟
صحيح، أحياناً تجميل الصورة يطغى على المضمون. من المهم أن نعمل على الصورة والإضاءة والديكور، بالإضافة إلى جودة الفيلم والناحية الفنية منه، لكن لا يمكننا أن نكتفي بهذه التفاصيل. أحياناً نعمل للآسف على تجميل الصورة وننسى المضمون، ما يجذب المشاهد أكثر هو الموضوع، القصة وعمقها حتى لو صورت بالهاتف ومن دون إضاءة. بالنسبة إليّ أهم ما في الفيلم هو التمثيل ثم الحوار، حتى القصة تأتي في الدرجة الثانية، لأن إخبار القصة يختلف من شخص إلى شخص.
-من المسؤول عن الحوار، النص أم المخرج؟
كلاهما، وأعتقد أنني محظوظة لأن باستطاعتي التحكم بالكتابة والإخراج معاً، لكوني أقوم بالمهمتين، لدي الحرية في أن أتصرف بالنص كما أريد. المخرج بشكل عام لا يملك هذه الحرية ومجبر على الالتزام بالنص، ومن الضروري أن تُبنى الثقة بين الكاتب والمخرج، وتسنح الفرصة للمخرج بأن يتصرف بنوع من الحرية في ما يراه مناسباً لتعديل النص. التعاون بينهما يُنجح العمل، من خلال نظرة المخرج وانفتاح الكاتب على القبول بتغيير النص. أحياناً، يكون النص رائعاً ولكن مع الممثل قد لا يصلح، هنا يضطر المخرج إلى التعديل ولتبرز أهمية الثقة بين الكاتب والمخرج. ربما لهذا ما زلت أكتب أعمالي أو أشارك في كتابتها، لأنني أشعر بحرية التحكم في تفاصيل النص، كما أعبّر عن نفسي من خلال الكتابة. السينما باتت مسؤولية كبيرة لم يعد مفهومها يقتصر على إخبار قصة ما، بل تجاوز ذلك إلى مشاركة الملايين من الناس وجهة نظر الكاتب والمخرج... المسؤولية كبيرة، حين تغص قاعات السينما لمشاهدة فيلمي ومشاركتي الرؤية نفسها، يجب أن أستفيد من هذه المسؤولية وأقدم عملاً ذا معنى يؤثر في المجتمع. المخرجون والمنتجون وصناع السينما باتوا يدركون مهمة السينما في تغيير العالم، وباتت غالبية الأفلام قريبة من الحقيقة ولها تأثير اجتماعي كبير. ما زالت الأفلام الترفيهية والمسلية موجودة، ولكنّ ثمة نوعاً آخر من الأفلام بات يركز على المواضيع السياسية والاجتماعية بغية تغيير الواقع.
-بعد مشاهدتك مسرحية «حب وحرب عالسطح»، علقت على الصورة التي جمعتك بأبناء جبل محسن وباب التبانة المختلفين، بالقول «ما فشلت في جمعه السياسة جمعه الفن»، هل باستطاعة الفن أن يجمع المتناحرين؟
أثق مئة في المئة بهذه المهمة، أن نجمع شخصين في مشكلة، مثلاً إذا اصطدمت سياراتان في الشارع وترجل السائقان من سيارتيهما وقاما بضرب بعضهما، وحملا السلاح... فماذا سيحصل بعد نصف ساعة من العراك؟ إذا تناولا فنجانين من القهوة، سيختلف الأمر، وهذا ما يحاول أن يقوم به الفن... في المسرحية تم جمع شبان من باب التبانة وآخرين من جبل محسن، يكنّون لبعضهم الكراهية والنفور. في الاجتماع الأول لم يرغبوا في التحدث إلى بعضهم، أما الآن فإنهم يمضون أوقاتهم معاً. في النهاية وجد ابن جبل محسن وابن باب التبانة أنهما يشبهان بعضهما، أقله في الإنسانية. الفكرة الأساسية هي في التواصل ومعرفة الآخر وأنه انسان يشبهه ويعاني المشاكل نفسها، بالتالي تُحل المشاكل وهذا ما جربت أن أختبره في «وهلأ لوين»، بمجرد أن تفكري أنك مكان الآخر، ستتفهمين وضع الشخص وأي رد فعل يصدر منه جرّاء أي حادثة وهذا ما يفعله الفن. دمعت عيناي عندما شاهدتهم، هذه التجربة البسيطة جمعتهم، فيما السياسة فاشلة تحرّضهم على شيء يجهلونه ولا يعرفون لماذا يكرهون بعضهم البعض. ماذا لو تكررت هذه التجربة على نطاق واسع. القضية سهلة، بحيث يجتمع المتناحران ويتحدثان وهذا ما لم يشهده لبنان، الغفران الجماعي لم يحصل، لم يطلب أحد طي الصفحة، أو حتى الاعتذار.. أُريق الكثير من الدماء في لبنان، ولا يريد أحد أن يعتذر للآخر، وأي «فتيشة» يمكنها أن تشعل حرباً...
-نلحظ أخيراً تزايد حالات العنف ضد النساء، إلى من تعزين السبب وماذا عن دور الجمعيات؟
حالات العنف هي نفسها ولكننا اليوم بتنا على معرفة بها، واكتشفنا حالات العنف هذه من خلال الجمعيات. القتل والعنف موجودان منذ زمن ولكن لم يكن هناك من يخبرنا عنهما، كان يتم التستر عليهما ما بين العائلات. وجود الجمعيات نبه الناس الى هذا الأمر، وهي ضرورية لتسليط الضوء على هذه المواضيع، إذ لا يستطيع الفرد في لبنان أن يأخذ حقه، لذلك هو بحاجة إلى من يدافع عنه. كما أن الإعلام بات يتغذى على هذه القضايا، وفي الوقت نفسه شكّل رادعاً للمعنفين، فالإيجابية تكمن في أن الفرد بات يفكر مرتين قبل الإقدام على تعنيف زوجته، ولكن الخوف من الآخر سيطر على عقول الناس...
-لماذا تقبل المرأة التعرض للعنف لنحو 15 أو 20 عاماً؟
لا يمكننا أن نلقي المسؤولية على عاتق المرأة، فالمرأة التي تتكتم عن معاناتها، بالتأكيد ثمة ما يمنعها، فالأم لا تستطيع أن تترك أولادها لأنها مثال التضحية. تتربى المرأة منذ طفولتها على فكرة التضحية، أي أنها موجودة من أجل الآخرين، الأولاد والزوج، لا يمكن الأم أن تترك أولادها أو من الصعوبة أن تتركهم... الأم تتغاضى عن معاناتها لكي تحافظ على أولادها، ولا يمكننا لومها لأنها لم تبح بتعنيف زوجها لها. أيضاً من الناحية المادية، إن لم تكن تعمل فأين عساها تعيش؟ لذلك على المرأة أن تحقق استقلاليتها المادية قبل الزواج، وتستكملها بعد الزواج، الاستقلالية بالأحلام والمشاريع من أولويات العلاقة بين شخصين... حتى لا يشعر الرجل بأن ثمة من لا يستطيع العيش من دونه. للأسف، هناك فتيات يتزوجن في سن صغيرة ولا يعرفن لماذا تزوجن.
-في عام 2015، نلحظ ارتفاعاً في نسبة زواج القاصرات.
بالفعل، وأعتقد أن هذا جرم كبير، لا أفهم كيف أن الدول تغض البصر عنه، والإنسانية صمت آذانها عنه، وهو من القضايا التي تمسني.
-من هي الشخصية التي تحب نادين لبكي أن تجسد حياتها؟
لم أفكر بشخصية معينة، ولكنني أحب أن أجسد شخصيات بعيدة عن شخصيتي، وأدواراً لا يمكن أحداً التوقع أنني قد أؤديها، وأن أختبر بنفسي شيئاً لا أعرف أن بإمكاني القيام به.
-ما الذي تغير في شخصيتك بعد وصولك إلى العالمية؟
لم يتغير شيء، عندما تسعين إلى تحقيق الكثير، لا تشعرين أنك وصلت إلى العالمية. أمامي طموحات وأحلام كثيرة أسعى إلى تحقيقها، كل ما يتعلق ببهجة «كان» والأزياء التي ترتدينها مؤقت، أشعر بأنني أؤدي دوراً تمثيلياً، أخرج منه لأعود إلى حياتي. لكن ثمة من يرى الموضوع من منظار آخر.
-ما الذي تطمحين إليه حالياً؟
أود أن أقدم فيلماً ذا وقع اجتماعي، ويحمل رسالة تسلط الضوء على موضوع مهم، وأكمل كتابة فيلمي.
-ماذا عن الحمل؟
كنت سأصور نهاية العام الحالي، ولكن بعد الحمل سيتغير موعد التصوير. لست متأكدة إن كان بإمكاني التمثيل في الفيلم، أو أن ثمة مساحة لي لأؤدي دوراً فيه.
-هل اخترت الممثلين؟
أعتقد أن هذه المرة أيضاً سيكون الممثلون من الحياة والواقع وليسوا محترفين، لكن لا أود أن أجزم، خصوصاً أنني لم أختر فريق العمل بعد.
حملي Baby news
-ما هو الخبر الخاص بحياتك الشخصية الذي ستعلنين عنه؟
اكتشفت خلال وجودي في «كان» أنني حامل. عانيت عوارض الحمل هناك، وكان عليّ أن أكون بأبهى حلة. واجهت صعوبة في ارتداء الملابس المناسبة للحدث ولحملي... لم أكن مرتاحة لأن إطلالتي يجب أن تكون مميزة وبتصاميم مناسبة، في الوقت الذي كنت متعبة وأعاني عوارض الحمل.
-ما هي المبادئ التي ستربين عليها طفلك الجديد؟
لن أخطّ له مبادئ يسير عليها، لكن ما باستطاعته أن يتعلمه هو الأسس التي تنطلق من تصرفاتنا في المنزل، وكيفية حياتنا وكيف نتصرف مع الآخر، إلى جانب دورنا كأهل في التوعية والتوجيه. والأهم من كل ذلك هو الحب، من سن صفر إلى ست سنوات على الأم أن تقدم الحب لولدها، مثلاً يُقال ان الولد عندما يبكي كثيراً على والدته أن تتركه لأنه يحتال، هذه مقولة خاطئة، الطفل يبكي بالتأكيد لسبب معين، إما الجوع أو الوجع، الولد لا يعرف التمثيل ولا يدرك هذا المفهوم. الطفل الذي تتركه والدته يبكي من دون التنبه اليه، يتحول إلى انسان سلبي فيرى الأشياء بطريقة سلبية. قرأت مقالاً يقول انه خلال صراخ طفلك وأنت تنظرين إليه ولا تتفاعلين معه، يلجأ حينها إلى سؤال نفسه: ما هذا العالم الذي أتيت إليه؟ ولا أود أن أكون هنا، فيرى الحياة بسلبية وسوداوية، لذلك يجب تقديم الحب المطلق مع الاهتمام في سنواته الست الأولى... ما يعزز شخصيته القوية ويستطيع بالتالي أن يواجه الحياة والأخطاء. بالأمس القريب، قرأت مقالاً عن بزوغ عالم أفضل إذا أحطنا أطفالنا بسلام وحب، والتركيز على علاقة الأم بطفلها. قرأت دراسة أجريت على 10 أطفال معنفين من أمهاتهم، طُلب منهم رسم مظلة، وأن يكتبوا على المظلة أسماء الناس الذين يعتبرونهم حماة لهم، وعلى الغيوم أسماء الناس الذين يخافون منهم... الأطفال العشرة كتبوا أسماء أمهاتهم على المظلة، رغم تعنيف الأمهات لهم، وهذا يوضح أن صورة الأم مقدسة بالنسبة الى أولادها، وهي كل شيء. هذه العلاقة مهمة جداً، وأتمنى من الأمهات أن يتفهمن هذه العلاقة. أتحدث عن هذا الموضوع بكل شغف لأنه أساس بناء المجتمع الصالح، هذه هي المبادئ التي أحاول أن أقدمها لولدي، باختصار الحب.
-كيف ستنظمين وقتك مع طفليك؟
في ظل وجود الإرادة باستطاعتك أن تقومي بكل شيء. عندما كنت أكتب «وهلأ لوين»، كان وليد طفلاً يجلس إلى جانبي. من المهم أن يدرك طفلك أنك سعيدة، وسأفترض أنني تركت كل شيء وبقيت في المنزل من أجل ولدي، بالتأكيد كان سيشعر أنني لست سعيدة وسأنقل اليه الكآبة التي أعيشها، من المهم أن تكمل المرأة عملها وتحقق ذاتها، وحين تعود إلى بيتها ستنقل سعادتها الى ابنها، وسينظر طفلها اليها بطريقة مختلفة. من المهم أن تعرف كيف تقسم وقتها وأن تحقق ذاتها كامرأة وأم. أحاول أن أتطور في حياتي المهنية وأكون أماً صالحة، وإذا أردنا ذلك، يمكننا أن نجد الطريقة.
-أنت من القلائل الذين لم تطاولهم الشائعات.
ربما لأنني بعيدة نوعاً ما عن الإعلام وعن القيل والقال، كما أن علاقة احترام تجمعني بالصحافة والإعلام، وأعرف كيف ينظرون إلي وإلى أعمالي.
مجوهرات: Chopard
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024
مقابلات
بسنت شوقي تتحدّث عن الفن وعلاقتها بزوجها محمد فراج وأسرار رشاقتها
مقابلات
بسنت أبو باشا: أنا محظوظة وأقتدي بالكثير من النجوم
مقابلات