اختصاصيون فلسطينيون: مشاكلنا السياسية والاجتماعية تدفع الشباب إلى الإدمان والمدمنات يواجهن العنصرية في العلاج
يشير الاختصاصيون إلى أن ظاهرة المخدرات في المجتمع الفلسطيني في ازدياد منذ السبعينيات من القرن الماضي وحتى اليوم، وهي بمثابة مرض متوطن في المناطق الفلسطينية، ولا يقتصر الأمر على التجارة بل يتعداها إلى زراعة المخدرات، وهناك 18 ألف مدمن في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، وفق الإحصاءات الفلسطينية، كما أن نسبة المتعاطين بلغت حوالى 60 ألفاً، وللأسف العدد في ازدياد في ظل وجود مخدرات من السهل الوصول اليها ...
كان محمد الزين (34 عاماً)، من رام الله، الملقب بـ «نور» طالباً جامعياً وبطل كمال أجسام في أحد النوادي الرياضية ومدرب قيادة سيارات قبل أن ينجرف إلى طريق المخدرات حيث بدأ بتعاطي مادة الحشيش المخدرة وتطور الأمر إلى أخذ حقن بمادة الهيروين لمدة 10 سنوات، وأكد سعيه الى العلاج، قائلاً: «حاولت لأكثر من 12 مرة التوقف عن الإدمان من طريق مؤسسات تعالج مدمني المخدرات ولكنني واجهت الفشل، وفي نهاية الأمر ذهبت إلى وزارة الصحة الفلسطينية وخضعت لعلاج طبي بديل».
وتشعر أم وائل من مخيم شعفاط في قضاء القدس بالحسرة كلما رأت ابنها وزوجها يتعاطيان المخدرات وتقول: «كان شقيق زوجي يتعاطى المخدرات ومن ثم أصبح زوجي متعاطياً، وعندما كبر ابني قلّد والده وعمّه بإدمان المخدرات، وأشعر بالشفقة عليهم بعد تناولهم الجرعة، لأنهم يصبحون كالأموات».
وهناك بعض النساء وقعن في شرك الإدمان وغالباً ما يتجهن نحو عالم الدعارة. «آمنه» وهي مدمنة من الداخل الفلسطيني قالت: «رفضني أهلي عندما علموا أنني مدمنة مخدرات وأجبرني زوجي الثاني على بيع الهوى مقابل المال أو المخدرات، وذلك لسد احتياجاته من المواد المخدرة».
مدير عام «جمعية الصديق الطيب» ماجد علوش، قال: «تنتشر المخدرات في الأماكن التي يوجد فيها المال وفي المناطق الفقيرة. ومن ناحية أخرى، فإن مشاكلنا السياسية والاجتماعية وغيرها تدفع بعض الشباب إلى الانتحار أو إلى ارتكاب الأفعال السلبية أو تعاطي المخدرات. وعلى المستوى العالمي، رفاق السوء هم السبب الرئيس في انتشار المخدرات، ومن ثم حب الاستطلاع، لتأتي بعدها المشاكل الأسرية والاحتلال وقضايا الجنس... من المؤكد أن للاحتلال الإسرائيلي دوراً في انتشار المخدرات. ووفق معلومات خاصة بالمركز، هناك 7 أطنان من المخدرات توزّع في فلسطين، ما يؤكد أن هناك حرباً تحت مسمّى المخدرات في كل الدول، إذ هناك شبان من المناضلين الفلسطينيين تم إسقاطهم من طريق المخدرات».
وأضاف: «ليس كل مدمن مدمناً بإرادته، فهناك مدمنون استُدرجوا إلى التعاطي والإدمان. وللأسف، الأسرة التي لديها مدمن ذكر تهتم به وتسعى الى علاجه، بينما لو كان المدمن أنثى فإنهم ينبذونها ويبعدونها من العائلة. ونحن في المركز نستقبل الذكور ونعالجهم، بخلاف المدمنات اللواتي ينبذهن المجتمع فيتوجهن في نهاية الأمر الى العمل بالدعارة داخل إسرائيل. وأشعر بأن هناك عنصرية في علاج المرأة المدمنة أو المتعاطية وأن هناك تقصيراً شديداً من المؤسسات الرسمية والأهلية النسائية تجاه هؤلاء النساء. والسؤال الذي يُطرح: لماذا لا يوجد مركز متخصص لعلاج النساء؟».
وأشار علوش إلى نسبة النجاح في العلاج، مؤكداً: «حتى الآن نملك تماسكاً أسرياً، وهذا يساعد في العلاج، ونحن كمؤسسات ليست لدينا إمكانات 100 في المئة للعلاج، بل محاولات للعلاج، لأنه لا توجد إستراتيجية على مستوى البلد كي نبني مؤسسات مثل الآخرين، ونسبة الشفاء تراوح بين 18و 20 في المئة، وهي نسبة مرتفعة، وفي أميركا مثلاً النسبة 3.5 في المئة، وما يميز فلسطين التعلّق بالأسرة والعادات والتقاليد والدين».
أما عفاف ربيع، المسؤولة عن برنامج التوعية والوقاية في «جمعية الصديق الطيب»، والتي تعمل في علاج المدمنين منذ 19 عاماً، فتقول: «إن الظروف القاهرة التي تحيط بالشباب وطبيعتهم وفضولهم لخوض التجربة جعلتهم اليوم متمردين ويعيشون في مرحلة ضبابية من دون أهداف».
وتضيف: «عام 2005 شهد ترويجاً للمادة المخدرة «الموروانة»، وكان هناك استهداف للمناطق المحاذية للجدار، وبسبب التهميش الذي يعانيه الشباب، اتجه بعضهم الى إدمان المخدرات البسيطة وانتقلوا بعدها إلى تعاطي الحشيش ومواد مخدرة أخرى. وتنتشر الآن مخدرات من صنع إسرائيل، شبيهة بـ «الهايدرو» و «مستر نايس» وتروج على انها قانونية، وهي مشبعة بمواد كيماوية ومغلفة بأكياس من قصدير وتحمل ألواناً مختلفة».
أما مدير عام الرعاية الصحية في وزارة الصحة الفلسطينية د. اسعد الرملاوي فأكد من جانبه أنه لا توجد أرقام دقيقة تكشف مدى انتشار المخدرات في المجتمع الفلسطيني، وهناك معلومات من جهات مختصة تفيد بأن هناك ازدياداً ملحوظاً في التعاطي، ففي الضفة الغربية والقدس نحو 500 متعاطٍ بالحقن، بينهم نحو 80 في المئة مدمنو هيروين، وقال: «قبل ستة أشهر افتتحت وزارة الصحة الفلسطينية مركزاً لعلاج مدمني الهيروين من خلال إعطائهم الميثادون كبديل، وحالياً لدينا 40 حالة قيد العلاج، والعدد في ازدياد، ونستغرق بين أسبوع أو اثنين في التعامل مع المدمن، لدمجه في المجتمع فيتحسن من النواحي النفسية والعائلية والاجتماعية. كما نتعامل في المركز بسرية تامة في علاج المدمنين، ونعدّ خطة تثقيف بالتعاون مع التربية والتعليم والشؤون الاجتماعية».
وتتطرق د. كفا زينة الى الآثار التي تتركها المخدرات، فتقول: «المخدرات تؤثر في المتعاطي من الناحيتين العقلية والعضوية. ففي الجانب العضوي، يفقد المدمن الشهية ويعاني تهيجاً في الأغشية المخاطية قد يتحول إلى أمراض تنفسية أو هضمية، وتلفاً في خلايا الدماغ، بالإضافة الى أمراض القلب والدم. وبالنسبة الى النساء الحوامل فقد تحدث لديهن تشوهات في الأجنّة ويصبن بفقر الدم، وأحياناً تدفعهن المخدرات إلى الانتحار».
وتتناول الباحثة ميساء كمال العبادلة في إحدى الدراسات التي أعدّتها تأثير المخدرات في الواقع الفلسطيني، خاصة في ما يتعلق بالجريمة (دراسة في جغرافية الجريمة)، معلّلة انتشار المخدرات بالعوامل الاجتماعية والبيئية ومنها الأسرة وعمليات التنشئة الاجتماعية وفقدان أحد الوالدين أو غيابه، وضعف الوازع الديني لدى الوالدين وانشغالهما عن الأبناء وكثرة المشكلات العائلية وأصدقاء السوء وأوقات الفراغ، وظروف العمل والأوضاع الاقتصادية المتردية... إضافة الى العوامل السياسية والثقافية، والأرباح الخيالية، والبطالة، وصرف الأدوية بلا وصفات طبية معتمدة.
وتؤكد الدراسة في النهاية أن المخدرات تسبب الكثير من الآفات الاجتماعية كالرشوة والسرقة والانحرافات الأخلاقية التي تعكّر صفو النظام العام، من طريق العنف والفظاظة وإتلاف الممتلكات، والخيانة... وغيرها. فالمخدرات تقوّض أسس الأمة وتمزق اجتماعها وتهز اقتصادها وتودي بكيان أجيالها من خلال مخطط تشارك به مافيا المخدرات.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024