تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

حماية من التحرّش أم عزلة جديدة للمرأة المصرية؟ تاكسي للنساء فقط!

«نسبة البطالة كبيرة بين السيدات، وهو ما حاولت القضاء عليه ولو بشكل جزئي من خلال «التاكسي البينك» أو «تاكسي الفتيات». بهذه الكلمات تبدأ ريم فوزي، رئيس مجلس إدارة إحدى شركات النقل السياحي، الحديث عن مشروعها الذي أحدث ضجة كبيرة في مصر، وتضيف أن من بين كل 100 فتاة يتخرجن في الجامعة تجد ثماني فتيات فقط فرص عمل. في المقابل، ما بين 100 شاب يجد نحو 25 شاباً فقط فرص عمل، وبالتالي فإن النسبة غير متكافئة، وتقول: «البنات الآن في مصر لم يشغلن كل الوظائف، في حين أن الدول كلها بدأت بالفعل تشغيل الفتيات في كل الوظائف، بما فيها سائقة التاكسي».

شروط
شروط الالتحاق بمشروع ريم هو أن تجيد الفتاة القيادة وأن تكون حاصلة إما على مؤهل متوسط أو مؤهل عالٍ، وتجيد الإنكليزية بما يمكّنها من الحديث مع الزبائن لو كانوا من جنسيات مختلفة. أما الأعمار فتبدأ من 25 عاماً وحتى 40 عاماً، وتقول: «المشروع نجح بنسبة كبيرة حتى الآن، خصوصاً في وسط الأجانب والسياح، فنساء الخليج العربي وجدن متنفساً لهن في تاكسي الفتيات، بحيث قضى على أي خوف لديهن من الحركة داخل مصر».
تعتبر ريم مشروعها ليس غريباً في دول العالم الغربي، حيث توجد «تاكسيات» تقودها فتيات فقط. أما أهم القواعد الخاصة بالمشروع فليست كثيرة، فقط أن يكون التاكسي خاصاً بالسيدات أو العائلات، وأن تكون السيارات مراقبة بالكاميرات لمنع حدوث أي تجاوزات، سواء من المستخدم أو من الزبائن.
لا يزال المشروع الخاص بـ «ريم» في مراحله الأولى، وكما تؤكد سيتم تطبيقه بشكل أكبر حتى يصل إلى كل محافظات مصر، لكن بعد التأكد من نجاحه في القاهرة أولاً، وتضيف: «معظم السيارات التي نستخدمها في المشروع هي سيارات جديدة، وتم تحديد خط سير لكل هذه السيارات في القاهرة فقط، وعمليات النقل تتم في النهار، وتمثل المرحلة الأولى من المشروع بعدما أثبتت نجاحها حتى الآن. وفي المرحلة الثانية سيتم وضع تطبيق على الموبايل يسمح لأي مستخدم بحجز السيارة من خلال الهاتف المحمول، كما أن المرحلة الثانية ستشمل توسعاً في المساحات التي يغطيها المشروع، فلن نقتصر على القاهرة فقط، بل سنضم الجيزة ليصبح المشروع في خدمة القاهرة الكبرى، فيمكن الذهاب الى أماكن مثل أكتوبر وغيرها».

الأمان
الأمان هو الشرط الوحيد الذي تبني عليه ريم نجاح مشروعها، مما جعلها تؤكد لمختلف زبائنها أن التاكسي المستخدم ستكون له هوية معروفة ومحددة لكي يسهل التعرف عليه، وتضيف: «في مصر هناك الكثير من المشكلات، أهمها التحرش، ما يجعل الجميع متخوفين من أي أمر. ووفق الدراسات، تُصنف مصر في المرتبة الثانية بين الدول التي ينتشر فيها التحرش، وهو ما يجعل نجاح مشروعنا متوقفاً على الأمان».
لم تطلق ريم مشروعها إلا بعد دراسة الوضع بشكل كامل، فدراسة أخرى وضعتها في حسبانها هي التي طبّقها المركز القومي للمرأة في مصر، والتي تؤكد أن حوالى 93 في المئة من السيدات الأجنبيات في مصر يتعرضن للتحرش، كما أن 86 في المئة من السيدات المصريات يتعرضن للتحرش، سواء كان تحرشاً لفظياً أو جسدياً، وتقول: «لا أنكر أن أحد أهداف المشروع هو مقاومة التحرش الذي تتعرض له الفتيات يومياً في وسائل المواصلات العامة، وأحياناً الخاصة».
لا ترى ريم أن مشروعها قد يؤدي بأي شكل من الأشكال إلى عزلة الفتيات في المجتمع المصري أو المرأة بشكل عام، وتضرب بنفسها مثالاً، فهي كامرأة في المجتمع المصري قررت منذ البداية الخروج عن المألوف، وأن يكون لها دور قيادي في المجتمع، حتى استطاعت في النهاية خدمة النساء بمشروعها، وعلى هذا المنوال يمكن غيرها من السيدات تقديم أفكار تخدم المرأة في المجتمع.
تقول: «بدأت العمل بامتلاك شركة لسيارات الليموزين عام 1992، بعد فترة خطرت لي فكرة مشروع التاكسي الأسود عام 2004، وقتها كان حجز التاكسي من طريق الموبايل لا يزال في بداياته، وكنت أريد أن أجعله مشروعاً قومياً بديلاً من التاكسي الأسود السائد في القاهرة آنذاك، وبالفعل قدمت المشروع، لكن لم يكن ليتم النظر فيه إلا بعد حصول مصر على أي صوت من أعضاء الفيفا لتنظيم المونديال فيها، والسبب هو عدم وجود مواصلات جيدة وآمنة، وبدأ تطبيق المشروع ثم بعته بعد الخسارات المتتالية التي حدثت بعد دخول التاكسي الأبيض، وحالياً قررت أن أبدأ مشروع التاكسي البينك».
رحلة كفاح ريم اعتبرتها خير دليل على أن مشروعها لن يساهم في عزلة المرأة بأي شكل، بل قد يوفر ظروفاً آمنة للعمل والدراسة.

أوتوبيس البنات
لم يكن مشروع «تاكسي الفتيات» أو «التاكسي البينك» هو الوحيد الذي دعا الى تخصيص مواصلات خاصة للنساء وحدهن، بل ظهر مشروع آخر، وإن لم يكن بشهرة المشروع السابق نفسها، هو «أتوبيس البنات»، الذي أطلقته مجموعة من الفتيات ما زلن يدرسن في الجامعة، كان الهدف منه القضاء على التحرش بكل السبل الممكنة، حتى لو كان من خلال «أتوبيس» مخصص للفتيات فقط، يعمل على توصيلهن خلال ساعات معينة، ويُركن في مكان معين تتوجه الفتيات إليه.
«أردنا خدمة المجتمع بأي شكل حتى لو كنا لا نزال ندرس في الجامعة». هكذا بدأت أسماء محروس، الطالبة في كلية الطب البيطري، حديثها عن مشروع الأوتوبيسات الذي وصفته بأنه محاولة خجولة لمساعدة الفتيات والسيدات في توفير مواصلات آمنة ومريحة بعيداً عن مشكلات الزحام والتحرش والمشاجرات التي تحدث من جانب السائقين أو الركاب، وتقول: «جهزنا كل شيء ولم يتبق سوى تأجير الأوتوبيسات المناسبة».
المشروع بدأ من خلال المشاركة في منظمة تدعى «إي يوس»، حيث تم تدريبهن لمدة شهر على إدارة مشروع يخدم المجتمع، وكيفية الحصول على الدعم المناسب وعمليات التسويق للانطلاق بهذا المشروع. تورد: «حددوا لنا ثلاثة مجالات، هي: خدمة المرأة والعشوائيات والفقر والبطالة، وقررنا اختيار المرأة لأنها أكثر فئة تعاني في المجتمع الآن».
تعمل مع «أسماء» فتاتان، «روضة» و«سلوى»، بدأن في رسم خطة مشروعهن بتحديد الأماكن التي سيوجد فيها الأوتوبيس، وهي إما محافظة الجيزة أو القاهرة، وسيتم اختيار «المواقف» الشهيرة في تلك المحافظات، ففي القاهرة سيكون الموقف الخاص بالأوتوبيس هو ميدان «رمسيس»، وفي الجيزة لا يزال البحث جارياً عن «موقف» مناسب للأوتوبيس.
وأهم شروط اختيار الموقف الخاص بالأوتوبيس، أن يكون في مكان معروف ومشهور وليس بعيداً، وقد حرصت أسماء وزميلاتها على البحث عن شركات للتعاقد معها بشأن تأجير أوتوبيسات مناسبة، وتقول: «حاولنا التواصل مع هيئة النقل والمواصلات، لكن الأمر كان صعباً، وقررنا اللجوء الى شركة خاصة نتفق معها على توفير أوتوبيسين أو ثلاثة لأيام محددة، حتى نتمكن من إطلاق خدمتنا».
لا تنكر «أسماء» أنها في سبيل تحقيق مشروعها تعرضت هي وصديقتاها لانتقادات حادة، أهمها السخرية، وهو ما جاء في تعليق البعض: «لو مشروعكم مقصود منه القضاء على التحرش يبقى فاشل»، وردت عليه أسماء بقولها: «مشروعنا لا يهدف الى القضاء على التحرش، لأن التحرش يحتاج إلى خطة من كل فئات المجتمع وليس من مجموعة شباب صغيرة، ومن حقنا المحاولة، ومعنا شبان، فالمشروع لم تتحمس له الفتيات فقط، وهذا دليل على أن الفكرة لا تحظى بتشجيع من النساء فقط، بل هناك من الرجال من يدعم الفكرة ويقدم لها كل التشجيع».

الوقاية خير من العلاج
من جانبه، اعتبر الدكتور سعيد الصادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، أن السبب في ظهور تلك المشروعات هو تدهور الوضع الأمني، لكن مع ذلك لا يمكن القول إنها قد تتسبب في عزلة المرأة.
وأضاف: «بعد ثورة 25 يناير و 30 يونيو أيضاً، تدهور الوضع الأمني لفترة ليست قصيرة، ثم بدأ يستعيد عافيته مرة أخرى، لكن كان هناك أولويات، فالاهتمام بالأمن شمل مكافحة الإرهاب والتفجيرات التي بدأت تنتشر بشكل كبير، ولم يعد ذلك يؤثر في الأمن الاجتماعي فقط، بل في الأمن السياسي العادي أيضاً، لذا كان من الطبيعي ظهور مثل تلك المشروعات».
تلك المشروعات، وفق الدكتور سعيد، تقوم على فكرة «الوقاية خير من العلاج»، فكثير من السيدات اللواتي يردن قضاء «مشاوير» بعيدة وفي أماكن يقل فيها الزحام نسبياً، قد يتخوفن إما بسبب التحرش، أو بسبب فكرة التعرض لاعتداء، مثل الخطف أو السرقة، وبالتالي مثل هذه المشاريع قد تكون مفيدة بالنسبة اليهن بحيث انها قد تسهل حركتهن من دون أي مخاطر محددة.
يرفض الدكتور سعيد فكرة أن تلك المشروعات قد تؤدي بأي شكل من الأشكال إلى عزلة المرأة المصرية مستقبلاً في المجتمع، لأن الوضع الحالي في مصر مؤقت من حيث غياب الأمن وانتشار الاعتداءات، وهو متعلق بالحالة السياسية التي بمجرد أن تستقر يصبح الوضع أحسن حالاً، ويضيف: «الوضع سيكون كالتالي، إذا أرادت امرأة الذهاب إلى مكان ناءٍ وقد يرفض مثلاً أي شخص في أسرتها توصيلها، مثل الأخ أو الأب، قد تضطر للبقاء في المنزل، خاصة أن ثقافة الدفاع عن النفس ليست منتشرة بعد في مصر، لذا فإن ظهور مشروع مثل «التاكسي البينك» أو «أتوبيس البنات» يساهم في تعزيز حرية المرأة في المجتمع وانفتاحها، لأنه يجافي فكرة تحجيم المرأة بسبب الظروف، وأن تجلس المرأة في البيت انتظاراً وأملاً في أن يكون الوضع آمناً».

حالة مؤقتة
«هذه المبادرات حالة مؤقتة حتى تكون هناك مواصلات أكثر إنسانية». بهذه الكلمات بدأ الدكتور سعيد عبدالعظيم، أستاذ الطب النفسي، حديثه، رافضاً أي كلام عن أن هذه المشروعات ستكون سبباً في عزلة المرأة مستقبلاً عن المجتمع، ويقول: «المرأة تتنقل في المواصلات العامة طوال النهار والليل، سواء في القطارات أو المترو أو حتى الميكروباصات الصغيرة، لكن المشكلة الأساسية التي تواجهها هي التحرش والاعتداءات، والسبب الرئيسي لذلك كله هو فكرة الزحام، فإذا تم علاج الزحام تُحل مشكلة المرأة بالكامل، ولم تعد هناك حاجة الى تلك المبادرات».
البحث عن الأمان هو الدافع الحقيقي الثاني وراء ظهور تلك المبادرات، وفق الدكتور سعيد. فالنساء في المجتمع المصري الآن يبحثن بأي شكل عن أي وسيلة لمقاومة الخوف الذي يعتريهن إذا ما قررن ركوب وسائل مواصلات عامة، لذا قرر البعض منهن المواجهة، لكن بشكل مبتكر من خلال مشروعات مواصلات خاصة بالمرأة فقط، ويختتم: «لا أعتقد أن تلك المبادرات قادرة على حل مشكلة المرأة في المواصلات، لأن للمشكلة جوانب متعددة يجب علاجها، فالجزء الأول من المشكلة متعلق بالزحام كما اسلفنا، والجزء الآخر هو نفسي أكثر وقد لا يُدرَك بل يمكن الشعور به، وهو الجزء المتعلق بالأخلاقيات التي بدأت تتلاشى بين الشباب في المجتمع، لذا يكمن الحل في تخصيص أماكن أكثر للمرأة فقط، سواء في القطارات أو المترو، وهو ما تفعله غالبية دول العالم وخصوصاً أوروبا وأميركا».

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079