تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

جدّتي عصرية ولديها حساب على فايسبوك

سرار معلوف

سرار معلوف

بعدما اعتاد الجيل الجديد على فكرة الجدة العاملة والعصرية، يبدو أن هذه الجدّة نفسها بدأت تنافسه على التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي. فقد أصبح للجدّات حساب على فايسبوك وإنستغرام وواتساب، وينشغلن مثل أحفادهن بتكنولوجيا الاتصالات، فلا يتردّدن في شراء هاتف جديد أو آي باد أو آيفون وبالطبع لاب توب.
ويفاجأ الأحفاد بطلب صداقة على صفحة فايسبوك خاصتهم، مصدره الجدّة، وتبدأ تعليقاتهم مثل «منوّرة جدتي»، « أهلا بك في فايسبوك»... وتنهال التعليقات المتبادلة بين الجدة وأحفادها ومن ثم بين الجدة وصديقاتها، ثم تدريجًا أصدقاء أحفادها...
فما هي حسنات أن تكون الجدّة عصريّة ولديها حساب على مواقع التواصل الاجتماعي؟ ومتى يتحوّل هذا الحساب نقمة على الأحفاد؟ وهل يحقّ للجدة أن تبني علاقات صداقة مع أصدقاء أحفادها في هذا العالم الافتراضي؟
«لها» التقت الاختصاصية في علم النفس سرار معلوف التي أجابت عن هذه الأسئلة وغيرها.


هل تغيّر صورة الجدّة النمطية التي اعتدنا عليها في العالم العربي، أمر إيجابي؟
في الماضي كانت الجدة تتقاعد من الحياة  أي أنها تجلس في البيت تنتظر النهاية. بدأت هذه الصورة النمطية تتقلّص، فالجدة لم تعد السيدة العجوز التي لم يعد في إمكانها القيام بأي نشاط اجتماعي، بل أصبحت اليوم أكثر إقبالاً على الحياة وتقوم بنشاطات عدة، مثل السفر والرياضة، كما أن الكثيرات من الجدّات يرغبن في مواكبة العصر ولا سيما في المجال التكنولوجي، فأصبح لديهن حساب على مواقع التواصل الاجتماعي، ويحملن الهواتف الذكية التي تبقيهن على تواصل دائم مع الآخرين، ولا سيما الأبناء والأحفاد.
فكما تتغير كل صور خلايا المجتمع، أي العائلة وعلاقات الأبناء والأهل... كذلك الجدّة تتغير صورتها النمطية لأن المرأة في المجتمع الشرقي تسعى إلى أن تكون فاعلة، فإذا كانت الجدة موظفة وتقاعدت يبقى لديها الحافز للتواصل مع الآخرين لتشعر بأنها لا تزال موجودة.

إلى أي مدى تؤثر صورة الجدّة العصرية المواكبة لكل جديد إن لناحية المظهر أو التكنولوجيا في الحفيد؟
لمظهر الجدة أثر في الحفيد سواء كان طفلاً أو مراهقًا. فالحفيد قد يشعر في لاوعيه بالخوف من التجاعيد والشعر الأشيب والمشية المتثاقلة وكل ما يشير  إلى نهاية الحياة تدريجًا، وإن اعتاد عليه.
فيما الجدة التي تهتم بمظهرها لناحية الشعر و الملابس وممارسة الرياضة، تساهم في تعزيز شعوره بحب الحياة، ونظرته التفاؤلية. وإذا كانت الجدّة مواكبة لتكنولوجيا المعلومات وإن لم تكن بالمهارة التي يتمتع بها الحفيد الذي ولد ضمن منظومة الجيل الرقمي، فإنها تبعث له برسالة أن التعلم لا يقف عند حدود سن معيّنة، وهي خير مثال.

ما هي حسنات أن يكون للجدة حساب على وسائل التواصل الاجتماعي؟
الإيجابيات أكثر من السلبيات. في المقام الأول الأثر الإيجابي في الجدة نفسها، فهي لم تعد تشعر بأنها تقاعدت من الحياة، بل إن لها دوراً في المجتمع.
فقد تكون الجدة تعاني مرضًا يمنعها من الخروج بشكل مستمر، هل هذا يعني أن تجلس في البيت وتنتظر نهايتها؟ لقد أصبح في إمكانها التواصل مع الآخرين وتوطيد علاقاتها الاجتماعية وإن كان من خلال العالم الافتراضي الذي توفّره الشبكة العنكبوتية.
ولكن هناك مسألة تنظيم الأمور، فإذا كانت تعيش وحيدة، ربما ستدمن عندها استعمال عالم الافتراض مثلها مثل أي شخص مراهق أو طفل.

من الملاحظ أن المراهقين يسعدون بأن لجدتهم فايسبوك، فيما يتهرّبون أو يتجاهلون طلب صداقة آبائهم. لماذا؟
 بالنسبة إلى الأحفاد إذا كان للجدة حساب على موقع التواصل الاجتماعي، فهذا يعزّز الشعور بالفخر ولا سيما عند المراهق، لناحية مرجعه العائلي وبيئته الاجتماعية، أي أنه آت من بيئة عائلية جيدة.
فالجدة استطاعت مواكبة تكنولوجيا المعلومات رغم أنها لا تنتمي إلى الجيل الرقمي وتكيفت معه إلى حد ما، وأن لديها قدرة على التعلم، وهذا أمر جيد، فيتساءل المراهق إذا كانت جدتي لا تزال قادرة على التعلم في هذه السن، ففي استطاعتي أن أكون مثلها.
فضلاً عن أن  صورة الجدّة في لاوعي الحفيد هي الشخص الذي يدلله ويغنّجه ويحفظ أسراره أو يناصره فيما لو تشاجر مع أهله، وبالتالي تنتقل هذه الصورة من عالم الواقع إلى عالم الافتراض الرقمي. من هنا نجد رد فعل الحفيد السعيد عندما يتلقى طلب صداقة من جدته على حسابه في فايسبوك.
وفي المقابل، فإن قبول المراهق طلب صداقة أهله على مواقع التواصل الاجتماعي مرتبط إلى حد كبير بعلاقته بهم. وبالتالي فتجاهل طلب صداقة والديه مردّه ربما أنه يخشى رقابتهما إن لناحية ما يضعه من صور أو تعليقات متبادلة مع أصدقائه أو عبارات يسجلها على جدار صفحته، والتي تجعل الأهل في بعض الأحيان يتدخلون ويطلبون منه إلغاءها وأحيانًا يلومونه على التعليقات الساخرة أو غير اللائقة، أما إذا كانت علاقته جيدة مع والديه ولا يسبّبون له الإحراج، فإنه سيقبل صداقتهما. مثلاً أم كانت صديقة لأبنائها على
فايسبوك وتكتب تعليقات على كل شاردة وواردة تظهر على صفحاتهم، لكن قد يشعرون بحرج إذا لم يتقبل أصدقاؤهم تعليقاتها.

ولكن بعد فترة قد يرغب المراهق في عدم الرد على جدته لأنها أصبحت صديقة أصدقائه. فهل يخشى المنافسة وهل يحق للجدة أن تبني علاقات صداقة مع أصدقاء أحفادها؟
من الناحية النظرية، لا يكون للجدة الإلمام الكافي بعالم التواصل الاجتماعي كما المراهق، وبالتالي من الممكن أن تستعمل أيقونة أو تكتب عبارة في غير محلها.
فكما توضع حدود للمراهق باستعمال مواقع التواصل الإجتماعي، كذلك على الجدّة وحتى الأهل وضع حدود. فمن المقبول أن تكتب عبارة طريفة موجهة إلى حفيدها ولكن ليس كل ساعة وبشكل متواصل، إذ لا يجوز التعليق على تعليقاته مع أصحابه.
بمعنى آخر لايجوز التدخل طوال الوقت، فهذا يشعر الحفيد وأصدقاؤه بالنفور، خصوصًا أنهم يستعملون لغة رقمية خاصة بهم. من الجميل جدًا أن يكون للجدّة فايسبوك ولكن شرط أن تبقى جدة لا صديقة تفقد هيبتها. لذا يمكنها أن تكوّن لائحة أصدقاء مع جدّات مثلها، لا أن تجعل فايسبوك منصة لوعظ أحفادها أو العكس لتتصابى معهم، ففي كلتا الحالين تجعلهم ينفرون منها.

هل يمكن الجدة أن تكون رقيباً إيجابياً؟
من الممكن جدًا، إذا عرفت كيف تتدخل ومتى، وليس بشكل يراه جميع أصدقاء الحفيد على فيسبوك. فإحراجه أو توبيخه قد يعرّضه للتنمر، وبالتالي يضطر الحفيد إلى أن يلغيها من لائحة أصدقائه.
مثلاً إذا وضع صورة مع أصدقائه تشير إلى أنه سهر حتى ساعة متأخرة، ورأت الجدّة ولم يعجبها، وفي الوقت نفسه علّقت بشكل سلبي ومحرج على الصفحة التي يراها الجميع، فمن المؤكد أن يقوم المراهق في ما بعد بحجب صداقة جدّته. لذا من الأفضل أن تعلق الجدة في علبة البريد الخاص بهما.

 لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي مقتصرة على الفايسبوك، بل هناك واتس أب وإنستغرام وسكايب. كيف يمكن الجدّة أن تشارك أحفادها في هذا العالم الرقمي الافتراضي من دون أن تتحول إلى  دخيلة عليهم؟
هذه مسألة  تعود إلى شخصية الجدّة التي تعمل على أن تكون مواكبة لعصر أحفادها، ولكن عليها في الوقت نفسه ألا تجتاح حياتهم الخاصة. فمن الجميل أن تتواصل الجدة مع حفيدها أو حفيدتها عبر واتساب ولكن ضمن الحدود، إذ لا يمكنها أن تبعث طوال الوقت رسائل تسأل حفيدتها مثلاً عن مكان وجودها وماذا تفعل ومع من تجلس...! فهذا ينفر الحفيدة منها، كما لا يجوز أن تتصل طوال الوقت عبر سكايب لتطمئن إلى وجودهم، فهذا أمر ممل للأحفاد، فبعض الجدّات لا ينفكن يتصلن عبر السكايب وتقول لابنتها مثلاً «أريد فقط أن أراكم ليس من الضروري التحدث معي».
وهذا السلوك يشعر الحفيد بأن جدّته  تجتاح خصوصيته في غرفته أو بيته، وأحيانًا تبالغ في العتاب مثلاً: «لا تريد أن تكلمني، تنظر إلي على أنني عجوز». هذه العبارات وغيرها  تنفر. على الجدّة أن تدرك أن لاستعمال وسائل الاتصال الرقمي أدبيات وحدودًا لا يجوز تعدّيها. وكما العالم الواقعي كذلك العالم الافتراضي، فالتدخل في كل شاردة وواردة طوال الوقت يجعلها مصدر إزعاج.
لذا عليها أن تدرك أن دخولها عالم وسائل التواصل الاجتماعي يجب أن يكون للحفاظ على علاقتها الجميلة مع أحفادها لا أن تخنق هذه العلاقة

هل تلغي علاقة الصداقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي الحواجز بين الحفيد والجدّة؟
الأمر يتوقف على الأسلوب، فمن حق الجدّة والأحفاد أن يتبادلوا المزاح والتعليقات الطريفة عبر فايسبوك أو واتساب، ومن حق الأحفاد أن يشعروا بأن جدتهم عصرية، ولكن لا يمكن الجدة أن تصبح في سنهم، فتستخدم التعليقات والعبارات التي يستعملونها.
من الضروري أن تحتفظ بصورتها المرجع الحكيم، وبعلاقتها العمودية مع أحفادها ولا تحوّلها إلى علاقة أفقية من المستوى نفسه. فمن الضروري أن تحتفظ بمرتبتها، إذ لا يجوز أن ينادي الحفيد جدته باسمها فتفقد احترامها ووقارها.

ماذا عن دعوات الألعاب التي تظهر على فايسبوك أو الهاتف الذكي؟
من المقبول أن تشارك الجدة في هذه الألعاب ولكن ضمن الحدود. المشكلة أن تمضي كل وقتها في هذا النوع من الألعاب، لذا في موازاة هذه الألعاب يمكنها أن تنزل Download  الألعاب الثقافية التي تنشّط الذاكرة وهي كثيرة.
وعندما يرى الأحفاد جدتهم تشارك في هذه الألعاب، يتحفّزون للمشاركة في الألعاب المفيدة مثل تركيب الكلمات أو تأليف الجمل أو معلومات عامة، وذلك من طريق إثارة فضولهم.
 مثلاً، عندما يطلب الحفيد من جدته أن يلعب على هاتفها الذكي لعبة ما، يمكنها أن تطلب منه «لكن انتبه ألا تلغي لعبتي»، وإذا لاحظت أن المدة طالت، يمكن أن تسأله بطرافة «هل يمكن أن ألعب بأحجيتي!»، هنا سوف يسأل ماهي، وبالتالي تطلعه عليها وتعلّمه إياها.


ماذا عن سيلفي Selfies  الجدّات؟
الطريف أن الأهل يطلبون من المراهق ألا يبقى مشغولاً بالجلوس إلى الشبكة العنكبوتية. فيما نجد بعض الجدّات يتنافسن على وضع السيلفي كل ساعة وفق المكان الموجودات فيه.
وهؤلاء الجدّات أظن أنهن ممن ليست لديهن أشغال يقمن بها ويردن أن يثبتن أن لهن وجودهن في عالم الافتراض. وأحيانًا للأسف تضع الجدة صورتها وهي تدخن النارجيلة ونرى تعليق الحفيد «نيالك تيتا»، أي رسالة تعطيها الجدة لحفيدها أو حفيدتها: النارجيلة شيء ممتع نصوّر لحظاته! وفي الوقت نفسه تعطيه رسالة أن ليس من الخطأ الجلوس المستمر إلى عالم الافتراض. من هنا أعود وأؤكد أن للعالم الرقمي الإفتراضي أدبيات على الكل التقيد بها. من الضروري أن يكون هناك توازن بين عالم الإفتراض وعالم الواقع.
وأن تعرف الجدّة أن معلوماتها عن العالم الرقمي ليست بالحجم الذي لدى أحفادها، فهم ولدوا في هذا العالم فيما هي لا. فمثلاً هل يمكن الجدّة تشغيل هاتفها الذكي كما يفعل الحفيد؟ بالطبع لا، مهما كانت مطلعة.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079