البيزنس العائلي: هل يوطِّد العلاقات بين الأقارب أو يفسدها؟ وهل الأقرباء أفضل من الغرباء في الأعمال التجارية المشتركة؟
«الأقارب عقارب»، مقولة تتردد على لسان البعض، نتيجة المشاكل التي تحدث بين الأهل لأسباب مختلفة. وقيل أيضاً إن «النسب»، أي «الزواج»، يعكّر صفو الأقارب لكثرة مشاكله والحساسيات التي تتفاقم بينهم، ولكن في مجال «البيزنس العائلي» هل يختلف المشهد؟ هل يتحول الأقارب إلى سند حقيقي بعضهم للبعض الأخر؟ أم تتفاقم المشاكل؟ وهل ينجح البيزنس العائلي أكثر من غيره أم أن التجارب تقول عكس ذلك؟ تستعرض «لها» في هذا التحقيق تجارب أعمال عائلية مشتركة من مصر والسعودية ولبنان . ونبدأ من مصر.
نهير محمد: ابنتي شريكتي
لم تخش نهير محمد (50 عاماً) «البيزنس العائلي»، وأقامت مشروعها بالشراكة مع ابنتها مروة يحيى، خاصةً أن المشروع فكرة ابنتها.
تقول نهير إن فكرة مشروعها المتخصص في «الديكور المودرن» للمكاتب، ولدت عندما قررت مساعدة ابنتها مروة في تأسيس مكتب شركتها التسويقية، فوجدتا أن أسعار الكراسي في السوق وخامتها ليست جيدة، وغالية جداً في الوقت نفسه، فقررت نهير مساعدة ابنتها وإهداءها تصميماً جديداً نال إعجابها وإعجاب كل من يزورها في المكتب الجديد.
وتتابع: «بناء على إلحاح أصدقاء مروة بإنشاء المشروع، قررنا الانطلاق به، وعندما عرضت عليَّ الأمر انتابني بعض مشاعر القلق، خاصةً أن من أكثر الأسباب المؤدية إلى فشل المشروعات في مصر، ضعف التسويق. فكم من المشروعات المتألقة الأفكار فشلت بسبب ضعف التسويق، لذا اتفقت مع ابنتي على أن تشاركني المشروع وتتولى هي إدارة التسويق».
وتضيف نهير أن الشراكة تسبب مشاكل كثيرة بين الأقارب وتفسد حميمية العلاقة، وهذا ما حرصت على عدم السماح به منذ تأسيس المشروع، وتقول: «تعايشت مع مشاكل كثيرة بين الأقارب بسبب «البيزنس العائلي»، ورأيت كثيرين خسروا بعضهم، لكن منذ تأسيس المشروع اتفقت مع ابنتي على تخصصها ونسبة ربحها، حتى تكون الأمور واضحة ولئلا يعكر العمل صفو حياتنا الأسرية. وبناء عليه، كل منا يعرف حدوده المهنية ويتصرف في دائرته فقط لا غير، وبالتالي لا مجال للخلاف أو تعكير الصفو، فالعقد شريعة المتعاقدين وكل منا راضٍ بشروطه».
ياسمين عبدالوهاب: أنا وزوجي حددنا مسؤولياتنا في الشراكة
إذا كان من الممكن للشراكة أن تعكر صفو الأقارب، فجائز أن تنهي حياة أسرة بأكملها إذا اختلف الزوجان في مشروعهما الى درجة النزاع، لكن هذا الأمر تجاوزه محمد خفاجي وزوجته ياسمين عبدالوهاب في مشروعهما.
ياسمين ومحمد مصمما أزياء قررا إنشاء علامتهما التجارية ونشر بصمتهما الفنية في سوق الأزياء المصري، فأنشآ مشروعهما بعد الزواج بثلاث سنوات.
تقول ياسمين: «تزوجنا منذ ست سنوات، زوجي مدرّس في الجامعة وأنا كنت أعمل في شركة خاصة للأزياء، وبعد ثلاثة أعوام من الزواج جمعنا حلم أن تكون لنا علامتنا التجارية الخاصة بنا في عالم الأزياء، وبالفعل أسسناها».
وتتابع: «لا أرى أن عملنا معاً كزوجين يخلق نوعاً من النزاع أو الخلاف. على العكس فالتفاهم بيننا يزيد من نجاحنا في العمل، خاصةً أن المسؤوليات مقسمة بيننا فلا مجال للخلاف، ورغم أننا نعمل في مكان واحد، إلا أننا تقريباً لا نرى بعضنا في العمل بسبب كثرة انشغالنا، وبالتالي عندما نعود إلى المنزل يحين موعد لقائنا الأسري».
محمد خفاجي: لا أسمح لخلافاتي مع زوجتي في العمل أن تؤثر على استقراري الأسري
يلتقط محمد أطراف الحديث قائلاً: «الحافز الأكبر لإنشاء مشروعنا أننا عملنا في ورش عمل معاً قبل الزواج وبعده، وكنا على توافق تام، لذا لم أتردد في شراكة زوجتي في حلمنا الخاص».
ويضيف: «في العمل نحن شركاء فقط، نختلف كثيراً رغم أننا على مقدار عالٍ من التفاهم، لكن بمجرد دخولنا المنزل نعود زوجين، فأنا شخص لا أسمح لخلافاتي في العمل بأن تؤثر في استقراري الأسري، فكلانا على وعي بأن الاختلاف في العمل لا يعني العداء، وكلانا لا يتدخل في تخصصات أو مسؤوليات الآخر، خاصةً أنها محددة منذ البداية».
ويرى محمد خفاجي أن «البيزنس العائلي» مع زوجته يحمل مزايا أخرى بخلاف التفاهم، ويقول: «عندما تقابلنا مشاكل مادية، أجد زوجتي متفهمة الأمر جداً، خاصةً في ما يخص موازنة المنزل بما أنها شريكتي في العمل. وبهذا نكون تخلصنا من أكبر خلاف بين الأزواج وهو الخلاف المادي، لذا أرى أن شراكتنا مكسب لكل منا لتحقيق مزيد من التفاهم».
وليد شبل: سبب نجاحي مع أشقائي الثلاثة فصلنا حياتنا الأسرية عن العمل
أربعة أشقاء عندما تراهم على طاولة الاجتماعات من الصعب أن تعرف أنهم أشقاء إلا إذا أخبروك مسبقاً، وإذا رأيتهم يختلفون قد تظن أنهم لا يحبون بعضهم، أما إذا رأيتهم يتنازعون وكل يدافع عن صحة رأيه ليخرجوا في النهاية بالأفضل لمصلحة العمل، فستدرك أن هؤلاء الأشقاء انقطعت علاقتهم الأسرية ببعضهم البعض منذ هذه اللحظة، لكنك حتماً ستصاب بدهشة عندما تجدهم يتبادلون الضحكات فور خروجهم من غرفة الاجتماعات يتفقون على تحديد مكان لتناول العشاء معاً... هذا حال أي عميل جديد يقصد وليد شبل وإخوته.
يقول وليد: «من يرى نزاعنا وخلافنا في غرفة الاجتماعات، يتأكد من أننا قطعنا صلة الرحم التي تجمعنا، ثم يندهش عندما يرانا فور خروجنا من الاجتماع نتفق على تناول العشاء معاً، وهذا سر نجاحنا في شراكتنا كأربعة أشقاء على مدار أكثر من عشر سنوات في سوق العمل. فمنذ يومنا الأول في العمل، قررنا أن ننحّي حياتنا الأسرية جانباً وألا يتدخل في عملنا أحد من أقاربنا أو حتى زوجاتنا، فأسرار العمل بالنسبة إلينا حربية نضعها في خزينة المكتب قبل مغادرتنا إياه».
ويتابع: «نحن أربعة أشقاء، بيننا من درس التجارة وإدارة الأعمال، ومن درس الهندسة وعلوم النظم والمعلومات. قررنا قبل 11 عاماً أن نتحد وننشئ مشروعنا الخاص، وبما أننا جميعاً كنا نعمل في مجال البرمجة، فكرنا في محاكاة موقع «علي بابا»، أكبر موقع تجارة إلكترونية على الإنترنت، وبالفعل أنشأنا موقعاً في مجال الديكور والتشييد يقدم كل ما يخص ذلك المجال، إلى جانب تقديم استشاراتنا في مجال البرمجة التي توسعنا فيها حالياً لتكون هي نشاطنا الرئيس».
ويتابع: «سر نجاحنا هو فصل حياتنا الأسرية عن العمل، حتى شراكتنا قصرناها على بعض، لأننا الأقرب والأكثر تفهماً. ورغم أن لدينا أقارب شراكتهم لنا ستكون مكسباً كبيراً لنا، لكننا مقتنعون بأننا كأشقاء الأنسب للعمل معاً فقط بعيداً من تدخل أي فرد آخر، خشية أن يفسد العمل العلاقة العائلية بيننا، وهذا ما رأيناه في كثير من أصدقائنا أصحاب «البيزنس العائلي».
محمود عبد المعطي: عملي مع أخي في المجال نفسه وحّد حلمنا
عمل الأخوين محمود وإبراهيم عبد المعطي في المجال نفسه وحّد حلمهما في مشروعهما الخاص. وبناءً عليه، قررا خوض التجربة معاً في التجارة الإلكترونية، لينشئا أول موقع إلكتروني «موبايل أبليكيشن» لبيع «البقالة» أونلاين.
يقول محمود عبد المعطي: «أنا وأخي نعمل في مجال البرمجة، هو مبرمج وأنا مدير مشروعات، خرجت فكرتنا إلى النور في نهاية عام 2011، في البداية تشاركنا مع اثنين من أصدقائنا، وانطلقنا في العمل والاجتهاد حتى أصبح الموقع معروفاً، ومع تصاعد الأحداث السياسية في مصر في 30 حزيران/يونيو 2013، سافر أحد شركائنا إلى أميركا والآخر إلى الإمارات، وأكملت أنا وإبراهيم في مشروعنا».
يرى محمود أن سر نجاحه مع أخيه في العمل هو التزام كل منهما بمواعيد التسليم، وبالأعمال الموكلة إليه فقط من دون التدخل في تخصص الآخر، ويضيف: «كوننا شقيقين زاد من تفاهمنا في العمل، فالتواصل بيننا أفضل، حتى لقاءاتنا الأسرية في إجازة نهاية الأسبوع يتخللها جزء من الترتيب والتنسيق للعمل، ولا مانع من وضع خطة العمل للأسبوع الجديد إذا تأخرنا قليلاً، لذا فتجربتي مع أخي محت لديَّ آثار الخلافات العائلية التي سمعت عنها مسبقاً».
حسن بودي: نجاح العائلات في البيزنس يبدأ بالصدق والأمانة
يروي رجل الأعمال حسن بودي، صاحب توكيلات للسيارات، قصة عائلته في النجاح معاً، قائلاً: «ولدت في أسرة عصامية في قرية «بني عدي» الشهيرة بقرية العلماء في محافظة أسيوط في صعيد مصر، وكان جدّي من العلماء ويحفّظ القرآن لأهل القرية مجاناً وكان دائم الدعاء لنا بسعة الرزق، وقد تحققت دعوته، حيث أصبح والدي من كبار تجار الحبوب في قريتنا. وعندما وصلت إلى مرحلة الشباب، انتقلت إلى القاهرة وعملت في أحد معارض السيارات، وبفضل الله أصبحت خلال سنوات قليلة صاحب معرض ثم معارض».
وأضاف: «شجعت أشقائي وأولاد عمي على العمل في المهنة نفسها، وعرفتهم الى أصولها وساعدتهم في الحصول على توكيلات عالمية، وفي عائلتي من استمر في تجارة الحبوب مثل والدي وعمّي «عزوز» وعمّي «حلمي». أما من قاموا بفتح معارض سيارات فهم أولاد أخي وعمّي، وأشهرهم عبدالرحمن وممدوح وأحمد، وهم الآن تجار ناجحون ونتعاون معهم أنا وأولادي الذين يعملون في المجال نفسه، فيصل وعصام وابني الصغير حسام، الذي لا يزال طالباً أحرص على دمجه معنا وتعليمه أصول المهنة، لأننا نشعر بأن نجاح كل واحد منا هو نجاح للعائلة كلها، إذ أصبحنا بفضل الله من أثرياء الصعيد، ولهذا لم ننس أصولنا، فأقمنا مشروعات خيرية في قريتنا، وأنشأنا كذلك مسجداً كبيراً باسم جدّي الذي دعا لنا بسعة الرزق واستجاب الله دعاءه».
وأشار حسن بودي إلى أنه من المهمومين بقضية العشوائيات، ولهذا يعمل مع رجال الأعمال من عائلته على مساعدة المقيمين فيها لانتشالهم من الفقر، ويضيف: «نؤمن بأن نجاح العائلات في البيزنس يبدأ بالتعاون والصدق والأمانة والكرم والسخاء، لأننا بقدر ما نعطي من أموالنا للضعفاء والفقراء، يعطينا الله من فضله وبركته».
حسين العشماوي: شقيقي كان سندي وأشركت أولادي في البيزنس
يروي رجل الأعمال حسين العشماوي، قصة نجاح عائلته في مجال البيزنس، فيقول: «بدأت قصة كفاحي عام 1978، حيث فتحت محلاً صغيراً للبويات، ثم سافرت إلى إيطاليا للعمل هناك، واكتسبت خبرة كبيرة في المجال نفسه، ثم عدت إلى مصر وافتتحت مجموعة محلات، واستعنت بأقاربي وعلى رأسهم شقيقي إبراهيم الذي كان سندي، وتوسعت تجارتنا وورّثناها لأبنائنا الناجحين في التعليم، فأصبحوا على دراية كاملة بتفاصيل المهنة».
وأضاف: «أحرص على دمج أولادي الثلاثة في البيزنس العائلي، أجلس معهم باستمرار وأجعلهم يعايشون السوق والتجارة، ويشرفون على الحسابات والتعاقدات مع التجار والشركات العاملة في المجال نفسه، وعلاقتنا كعائلة مترابطة من أهم أسباب نجاحنا في العمل معاً، لأن نجاح البيزنس العائلي يتوقف على قوة علاقة الأهل ببعضهم والبعد عن الغيرة».
الدكتورة إيمان شاهين: أبناء العائلات التجارية يثقون في بعضهم أكثر من غيرهم
تؤكد الدكتورة إيمان شاهين، مديرة مركز الإرشاد النفسي في جامعة حلوان، أن أبناء العائلات الناجحة في عالم البيزنس يتحلّون بصفات نفسية تميّزهم عن غيرهم، أولاها حسن قراءة الواقع والانطلاق من الماضي إلى الحاضر والمستقبل، وقبل هذا كله الاتصاف بروح المغامرة والإقدام.
وأشارت إلى أن أبناء العائلات يثقون ببعضهم أكثر من الغير، انطلاقاً من المقولة الشهيرة «أنا وأخويا على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب»، ولهذا نجد أن الثقة في التعامل مع الآخرين عادة ما تكون مرتبطة بدرجة القرابة.
الدكتورة نبيلة تاجر: خلافات العائلات في البيزنس تكون مكتومة ولا تظهر أمام الجميع
عن التفسير الاجتماعي لهذه الظاهرة، تقول الدكتورة نبيلة تاجر، أستاذة علم الاجتماع في كلية الآداب في جامعة حلوان: «المتأمل في تاريخ غالبية الأسر التجارية، يجد أنها بدأت «عصامية»، وهناك قصص كثيرة يتناقلها أبناء المجتمع عن كيفية بدء هذه العائلات مسيرتها من «الصفر»، مما يجعلها مضرب مثل في أن «من جد وجد ومن زرع حصد»، وبالتالي فإن نجاحها وصعودها الاجتماعي لم يأتيا من فراغ وإنما نتيجة العرق والصبر والمثابرة».
وتضيف الدكتورة نبيلة أن هذه العائلات عادة ما تحاول أن تحمي نفسها وأسرار نجاحها بالتعاون بين أفرادها أكثر من غيرهم، محافظةً بذلك على سمعة العائلة وترابطها وشهرتها أمام المجتمع، ولهذا تكون خلافاتهم مكتومة عادة ولا تظهر أمام المجتمع إلا أوجه التعاون بين أفرادها، لأنهم يؤمنون بالمقولة التي تطبّق في القوات المسلحة «الحسنة تخص والسيئة تعم»، وبالتالي فهم يخشون الوقوع في أي سيئة أو نقيصة حرصاً على مكانة العائلة التجارية ومصالحها في المجتمع الذي يقدّرها ويحترمها».
وأنهت الدكتورة نبيلة كلامها، مؤكدة أن هذه العائلات عادةً ما تحاول المحافظة على ثرواتها وهيبتها بنقل خبرات الكبار إلى الأجيال الشابة من العائلة نفسها، ليغرسوا في نفوسهم التحدي والقدرة على قهر الصعاب والعمل بروح الفريق العائلي، انطلاقاً من مفهوم «أهل الثقة العائلية».
تجربة من السعودية
«سورينا»: نجاح قائم على الثقة المتبادلة بين الأهل
شقيقتان جمعهما مشروع واحد، حمل مزيجاً من اسميهما، وعملتا بجد من أجل إنجاحه. سورينا الذي يهتم بتصميم العباءات النسائية، إضافة الى أزياء الأطفال أو تلك الخاصة بالأم وابنتها، انطلق منذ ست سنوات بعدما كان مجرد فكرة تدور في مخيلة إحداهما، كمشروع حدوده المنزل، ولتبقى مسألة شريكة العمل هاجساً آخر. لكن بعد البحث، وجدت أن شقيقتها هي الشريك المناسب في هذا المشروع، لكونها مهندسة ديكور، وتملك خبرة كبيرة بحكم عملها. «لها» التقت سيدة الأعمال السعودية، ومديرة مشروع سورينا سهى قنديل، التي حدثتنا عن أهمية شراكة شقيقتها مهندسة الديكور رانيا قنديل في العمل.
«تعاوني مع شقيقتي رانيا مثمر جداً»، بهذه العبارة بدأت سهى قنديل حديثها عن شقيقتها، وشريكتها في العمل، مضيفة: «رانيا على اطلاع واسع في مجال الحسابات وإدارة الأمور، ولها باع طويل في مجال الأعمال، لكونها مهندسة ديكور، وأنا كنت بحاجة إليها، فلدينا المنطلق ذاته، والتفكير نفسه، ما كان يُشعرني بالراحة في إدارة مشروعنا معاً».
وتوضح سهى: «لا بد من وجود شريك يتحمل المسؤولية بإرادة قوية، ويدير الأمور بشكل أفضل، يكون الشريك الثاني بمثابة مساعد له، لنحصد النجاح في ما بعد، لأن من الصعب أن يمارس الشريكان الصلاحيات ذاتها، ويديرا الأمور أيضاً. لذا، ووفقاً لترتيب المسائل في ما بيننا، رانيا لا تُشارك بقدر مشاركتي أنا في هذا العمل، لكننا نتعاون عند البدء بالتصميم، وتحديد الأسعار، ونناقش كل الخطوط العريضة التي تناسب سورينا. كما نجتمع بشكل أسبوعي، لنطّلع على سير الأمور، من مبيعات وموارد وخيارات مختلفة لتصاميم جديدة، واقتراحات متجددة».
القريب أفضل من الغريب
«العمل في سورينا، يحتاج إلى سماع رأي مختلف، والاطلاع على ذوق متنوع» تقول قنديل، وتؤكد:
«لا أستطيع التصميم بمفردي، لأن ذلك يحتّم رسم خط أزياء واحد، من دون أي تجديد. فالرأي الآخر، يساهم في إثراء المجموعة من نواحٍ عدة: الألوان، التصاميم، الجريء منها والمحافظ، وغيرها الكثير... رغبة منا في إرضاء أذواق أكبر شريحة ممكنة من سيدات المجتمع السعودي. ولا أخفي سراً بأن اختلافنا في الآراء يحدث أحياناً، لكننا تعلمنا من خلال هذه التجربة، أن كل شخص يفعل ما يراه مناسباً، فكما تختلف أذواق الناس، تختلف أيضاً التصاميم وتتعدد أنواعها. كل واحدة منا تثق بذوق الأخرى، وساعدنا الاختلاف بيننا في إثراء المجموعة وإرضاء الأذواق الصعبة. فالتصاميم تُقسّم فئتين مختلفتين، من حيث الألوان، والأزياء التي تناسب السيدات أو المراهقات أو الصبايا».
وعن إيجابيات شريك العمل القريب، توضح قنديل: «بالنسبة إليّ، أشعر بأن العمل مع الشريك القريب، أسهل من التعاون مع الشريك الغريب. ففي شراكتي مع شقيقتي، أجد أنها لن تُسيء فهمي أبداً مهما حدث بيننا من اختلافات في الآراء، ومن تطور في النقاشات، لأن الثقة تبقى العنوان الأبرز في علاقتنا، وتميّز شراكتنا. هذا الى جانب الاعتماد الصادق على الشريك، فإن اضطررت الى مغادرة العمل لأسباب ما، تحلّ شقيقتي تلقائياً مكاني، وأنا مطمئنة الى سير العمل».
أما بالنسبة الى التعامل مع الغريب، فتقول: «عندها سأضطر لأن أكون متحفظة بعض الشيء، وديبلوماسية، وحذرة في التعامل، وقد أقبل ببعض الأمور على مضض، تلافياً للخلاف مع الطرف الآخر. كما أن الرابط الوحيد بيننا سيكون المصلحة المادية فقط، إضافة الى التكلف أو (الميانه)، وهو سلاح ذو حدين، قد يؤدي الى حساسيات بين الشركاء، ويتطلب جهداً كبيراً في حسن التعامل».
وعما يميز شراكة النساء في العمل، تختتم قنديل بالتأكيد: «بغض النظر عن أننا شقيقتان وشريكتان في العمل، هناك خطوط متفق عليها في ما بيننا، فتصاميمنا تتميز بأنها عمليّة، وفي أكثر من معرض شاركنا فيه، لمسنا إعجاب السيدات بما نقدمه من تصاميم، من حيث إنها الأكثر راحة وسلاسة، وتلائم مختلف المناسبات، إذ تجمع بين الأنيق والعمّلي... إضافة الى «سورينا بلس»، التي تميل أكثر الى التصاميم المميزة، من عباءات مشغولة بالأحجار، أو مطرّزة يدوياً، مع خامات بسيطة وناعمة، وسورينا Mother & Daughter، اي تشابه أزياء الأم وابنتها، وهو خط أزياء لم يكن معروفاً من قبل... ومن خلال هذه الشراكة، تربطنا مصلحة واحدة، بما فيها من حسابات، ومراعاة خاصة، وثقة عميقة بين الشركاء، تبقى الركيزة الأساسية لأي مشروع يسعى الى النجاح».
مشروع عائلي لبناني: يجمع بين إعداد الأطعمة الطيّبة والموسيقى والغناء
يوسف المملوك: لا نهدف إلى جمع الثروات ولدى أبنائي الحرية في اختيار المهنة التي يريدون
انطلق يوسف المملوك في رحلة عمله في إعداد الأطباق والمأكولات النيئة مع زوجته منذ نحو 30 عاماً، ثم التحق أبناؤه بالمهنة نفسها بعدما طوّرها من خلال افتتاح مطعم بات مقصداً للزوار من مختلف أنحاء مدينة صيدا الجنوبية، بسبب الأطعمة اللذيذة التي يعدّها ولده سليم، والموسيقى والغناء المميز الذي يؤديه ابنه وائل... في هذا الحوار تتحدث العائلة عن أهمية العمل العائلي ومدى تأثير تماسك الأسرة في نجاح العمل. ونبدأ مع رب العائلة يوسف المملوك:
-حدّثنا عن تأسيسك لعملك؟
أسست عملي منذ نحو 30 عاماً مع زوجتي، وما زلنا نشعر بأننا لا نزال في بداية الطريق، لأن طموحنا يفوق بالتأكيد كل ما حققناه. البداية كانت في تحضير خلطات الدجاج النيئة من اسكالوب وشيش طاووق وكوردون بلو... ثم عملنا في تحضير الولائم للأفراح والأتراح، واليوم في إمكاننا أن نحضّر أطباقاً لأكثر من 5000 شخص في ليلة واحدة. حفرت بالصخر وخسرت الكثير، لأنني صممت منذ البداية على أن تكون الأطعمة طازجة رغم أن ليس لكل جديد زبون. تعبنا كثيراً أنا وزوجتي في تعريف الناس على المأكولات الجديدة التي كنا نحضرها. صمدنا كثيراً، وحتى اليوم نحضر كل الأطباق الطازجة، ومطبخنا مطابق للمواصفات العالمية. وسّعنا دائرة عملنا وبتنا نقدم خدمات للمطاعم، وافتتحنا أكثر من مطعم، لكن الوضع الأمني لا يساعدنا.
-ماذا عن أولادك؟
انضم أولادي للعمل معنا منذ صغرهم لأنهم أحبوا هذا المجال، حتى أن كل واحد منهم درس اختصاصاً في الجامعة مرتبطاً بمجال الطبخ والتسويق. مثلاً سليم درس فن الطبخ، زياد درس إدارة الفنادق، ايهاب درس محاسبة ووائل درس التسويق بالإضافة إلى المسرح والسينما.... ويعملون معي في المطبخ وفي المطعم كل وفق اختصاصه ونساعد بعضنا بعضاً. واجهنا العديد من المصاعب لأن الدولة تريد حقوقها من دون أن تعطي المواطن حقه، كما أنها لا تدعم أصحاب المهن الحرة والصغيرة.
-هل جميع أفراد العائلة يعدّون الأطباق؟
زوجتي تحضّر المعجنات، ابني سليم يعد المأكولات واللحوم النيئة، وأنا أيضاً أطبخ بيدي. هذا بالنسبة الى المطبخ الذي نحضّر فيه الأطعمة النيئة ولوازم الأفراح والأتراح. أما في المطعم فسليم هو الذي يعدّ الأطباق ومسؤول عن مطبخه.
-ما هي المبادئ التي علمتها لأولادك؟
أن يكون هدفنا النوعية وأن نؤسس اسماً نفخر به، بعيداً عن جمع الثروات، لأن الاسم هو الاهم، وحافظت على هذا المبدأ وعلمته لأبنائي، وأحاول دائماً أن أرشدهم إلى الطريق الصحيح. علمتهم هذه «المصلحة» والموسيقى والفن لئلا ينشغلوا بأشياء أخرى. كل واحد منهم يملك الحرية الكاملة في اختيار مكان العمل الذي يود الالتحاق به. حتى أن أحد أولادي سافر للعمل في الخارج وأحببت أن يقوم بهذه التجربة التي تراكم خبراتنا. ومن وجهة نظري، الإنسان لا يختبر الحياة جيداً ولا يقدّر عمله إلا إذا عمل عند الغير.
-ماذا عن التنسيق، وإبداء الرأي؟
أستمع إلى آراء أولادي وأناقشهم وأقنعهم بوجهة نظري لأنني صاحب خبرة واسعة في الحياة، وفي كل مرة كانوا يلمسون أن رأيي هو الصائب، علماً أنني كنت أدعهم يختبرون وجهة نظرهم، لكن الآن وبعدما صقلوا خبرتهم أكاديمياً اختلف تفكيرهم كثيراً. مثلاً الشيف الحقيقي لا يكتفي بما تعلمه في الجامعة، بل عليه أن يعرف كيف يتصرف ويبتكر وأن تكون لديه مروحة علاقات عامة تساعده في مواكبة الجديد، ويتعلم من الأكبر والأصغر منه سناً.
-هل شعروا بالقمع أو بكبح الطموح؟
ربما شعروا بذلك قبل أن ينضجوا، وعانوا التعب، وعلموا أن هناك ثمناً يُدفع من أجل الاستمرارية. لا أذكر أنني أخذت يوم عطلة أو ارتحت يوماً. أما اليوم فباتوا يدركون قيمة هذا التعب ولمسوا نتيجته.
-هل تقسو عليهم؟
أعترف بأنني أقسو أحياناً على أولادي أكثر من الموظفين، لأنهم يعملون لأنفسهم وكل مردود ايجابي أو سلبي سيتأثر به كل أفراد العائلة. مثلاً يمكنني أن أوجّه ملاحظات الى الموظف أكثر من مرة، وفي النهاية إذا لم يرقني عمله ففي إمكاني الاستغناء عنه.
-إلى أي مدى يساهم المشروع العائلي في نجاح العمل؟
العمل العائلي سلاح ذو حدين، الموضوع يتعلق بتربية البيت والأم. طالما أن الأبناء تحت جناح رب المنزل أو رب العمل، فسيكون العمل ناجحاً. وعندما يكبر الأولاد متماسكين سيستمر نجاح هذا العمل، لكن إذا لم يكونوا يداً واحدة فالأفضل أن يعمل كل واحد منهم بمفرده، لأن ذلك سينعكس على طبيعة العمل واستمراره. وهذا الأمر يتعلق بتربية البيت وعدم التمييز بينهم.
سليم مملوك (29 عاماً): والدي مثلي الأعلى في المهنة
-متى انضممت إلى العمل مع والديك؟
أساعد والديّ في تحضير المأكولات النيئة في المطعم مذ كنت في الثامنة. درست في المعهد فن الطبخ، وما ساعدني على أن أكون طباخاً هو تعلمي من والدي ووالدتي طريقة تحضير الأطباق. بعد تخرجي، سافرت إلى الخليج وقطر وعملت في أشهر الفنادق السياحية واكتسبت خبرة كبيرة في هذا المجال.
-هل شعرت بأنك مجبر على العمل مع والدك؟
لا على العكس، أنا أحب هذه المهنة... حين كنت في التاسعة من عمري، خرجت يوماً من المنزل وتوجهت الى المطعم من دون أن أخبر أحداً، وبحث أهلي عني كثيراً حتى وجدوني في مطبخ المطعم... في تلك الفترة لم أكن أصدق متى أنهي دروسي لكي أذهب إلى العمل مع والدي.
-من يتقن فن الطبخ أكثر أنت أم والداك؟
تعلمت فن الطبخ منهما، وأعدّ مع والدي الأطباق كما تحضّر والدتي المعجنات.
-هل يعطيك العمل العائلي مساحة أكبر لتطوير نفسك؟
للأسف المشكلة تتعلق بالمدينة التي نعيش فيها، إذ لا يمكننا أن نقدم كل ما هو جديد، لأن الناس لا تتقبل بسهولة الأطعمة الغربية أو الأطباق الجديدة. حتى أنني بت أخلط الأطعمة الغربية بالشرقية لكي يتقبلها الزبون. لكن غالبية أطباقنا اليوم غربية وبينها من ابتكارنا.
-إلى أي مدى ساهم والداك في تكوين شخصيتك المهنية؟
الدراسة لا تكفي، ففي المعهد كنا نتلقى قواعد ونظريات ولكن التطبيق تعلمته من والديّ. كما أن والدي أعطانا خبرة ومهنة وإسماً.
-ماذا عن التعاون بينك وبين أشقائك؟
تربينا على أن نكون يداً واحدة ونتقبل انتقادات بعضنا بعضاً ونأخذها في الاعتبار، هكذا تعلمنا ورسالة والدي أن نحتضن بعضنا بعضاً.
وائل المملوك (27 سنة): أساهم بنحو 90% في استقطاب رواد المطعم
-ماذا تخصصت في الجامعة؟
درست التسويق، بالإضافة إلى المسرح والسينما... ودرست الموسيقى في الكونسرفتوار لأربع سنوات. وأعمل مع والدي في المطبخ الذي نلبي فيه طلبات المطاعم وحتى البيوت. غنيت في العديد من المطاعم، ولكن منذ افتتحنا مطعم «المملوك» منذ نحو 3 سنوات وأقدم برنامجاً أسبوعياً فيه، كما اكتسبت خبرة قوية من خلال عملي في المطعم.
-إلى أي مدى ساهمت في تطوير المطعم من خلال تقديمك برنامجاً أسبوعياً فنياً؟
أعتقد أن حوالى 90% من رواد المطعم يأتون ليستمعوا إليّ، وبالتالي ساهمت بشكل كبير بزيادة نسبة رواد المطعم. حتى أنني أشعر أحياناً بالمرض أو التعب، ورغم ذلك أصل إلى المطعم وأشعر بالفرح خلال الغناء...
-هل تشعر بأن والدك هو رب العمل وأنت موظف؟
لا أبداً، بل أشعر بأنه صديقي في العمل، لأنه لا يفرض سلطته علينا، لكن بالتأكيد ووفق خبرته فهو مرجعنا. كما نناقش أي موضوع إذا كانت وجهات نظرنا مختلفة.
-ماذا عن علاقتكم كأشقاء؟
نحن متفقون جداً، كما أننا في سن متقاربة وبدأنا العمل مع والدي مبكراً، إذ كنا ندرس ونعمل في الوقت نفسه. مثلاً كنا نراقب كل شيء عندما كنا ننزل مع والدينا إلى العمل. النجاح الذي نحققه في عملنا، هو نجاح ينعكس علينا جميعاً وبالتالي يدفعنا لنطوّر من أنفسنا أكثر.
-هل العمل مع والدك قمع طموحك؟
لا أبداً، ولكنني إذا وجدت فرصة تلبي طموحاتي وتساهم في تطوير نفسي والذي سينعكس تطوراً على عمل والدي فسأستغلها. كما أن والدي لا يمانع في أن نعمل في مكان آخر ولكنه يفضّل أن نبقى الى جانبه. أتمنى من الله أن يحمي والديّ، وأن نبقى معاً من أجل مستقبل أفضل بالتأكيد.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024
شؤون الأسرة
اقتراحات تمييزية للتشويش على حق الأمهات اللبنانيات بإعطاء الجنسية لأطفالهن
شؤون الأسرة
عائلة حسام ورولا تنقل تفاصيل دقيقة عن الحياة في هولندا بكل صعوباتها وإيجابياتها
شؤون الأسرة