تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

شربل حوّا: «لم أتأثر بتساقط شعري وأشتاق كثيراً إلى البحر»

كأي أم، كان اهتمام والدة شربل حوّا (13 سنة) يتركز على شؤونه التقليدية ودروسه والحرص على حمايته من الأمراض والسهر عليه عندما يواجه أي مشكلة صحية. فأتت إصابته بالسرطان لتقلب حياة العائلة رأساً على عقب، ولم تعد الأم ترى في المستقبل إلا وعداً بشفاء طفلها وعودته سالماً معافى لا يواجه ألماً وعذاباً مهما كان بسيطاً.
اليوم بعد معالجة شربل في مركز سرطان الأطفال في لبنان، تعيش العائلة مرحلة جديدة ملؤها الأمل والإيمان، وتتوّجها نظرة تفاؤلية مع اقتراب شفائه وعودته التدريجية إلى الحياة الطبيعية.


قبل 3 سنوات، وعندما كان شربل في سن العاشرة، اكتشفت العائلة إصابته بالسرطان، من طريق الصدفة. فقد لوحظ ورم في كوع شربل اصطحبته العائلة على أثره إلى المستشفى ظناً منها أنه نتيجة  سقطة، لكن الصدمة كانت عدم ظهور كسر في ذراعه وأنه مصاب باللوكيميا.
عن هذه اللحظات الصعبة تقول والدة شربل: «كانت صدمة قوية عندما نقل إلينا الطبيب الخبر. كنت قد سمعت القليل عن المرض، ولم أكن مطلعة على التفاصيل المرتبطة به. كنت أجهل كل الحقائق عنه وعجزت في اليوم الأول عن استيعاب هذا الواقع الأليم.
لكن في اليوم الثاني، عندما أُدخل ابني إلى مركز سرطان الاطفال في بيروت، طلبت من الطبيب أن يشرح لي كل التفاصيل المتعلقة باللوكيميا لأُحسن التعامل معه. عندها أيقنت كل الحقائق وطمأنني بأن نسبة نجاح العلاج تصل إلى 95 في المئة، وأن حالة شربل ليست صعبة، إنما تتطلب علاجاً طويلاً يستغرق ثلاث سنوات وقد يسبب أعراضاً حادة ويحتاج الى الصبر.
بالتعاون مع اختصاصيين في المركز، أخبرنا شربل بطبيعة مرضه وبدأنا مساعدته ليتأقلم مع حالته ويتعايش معها، حتى انهم أبلغوه بطريقة تناسب سنّه عن كيفية العلاج وعن تساقط شعره، فتقبّل الأمر ولم يتأثر كثيراً، لكنه عانى جملة من الأوجاع وتعباً شديداً وإرهاقاً واكتئاباً نتيجة الآثار الجانبية للعلاج والتي تفوق قدرة طفل في مثل سنّه على التحمل.
علماً أن شربل بطبيعته يحب المزاح ووجهه ضاحك أبداً حتى في فترة مرضه ويحاول مساعدة الأطفال الآخرين الذين يمرون بمثل حالته».

وجه شربل ضاحك ولكن....                                                     
صحيح أن شربل يتميز بوجهه الضاحك ومزاحه الدائم، لكن المرحلة التي مر بها لم تكن سهلة. ففي النهاية هو طفل وقد تفوق أوجاع هذه المرحلة وصعوباتها قدرته على التحمل.
هذا إضافةً إلى عذاب أمه التي كانت تعجز أمام رؤية شربل يتألم ولا تجد سبيلاً لمساعدته والتخفيف من ألمه، متسلّحة بالصلاة فقط.
عن مدى صعوبة هذه المرحلة، توضح الأم: «كانت المرحلة الأولى بالنسبة إلي كأم في غاية الصعوبة ولشربل طبعاً. يكفي أنني كنت آراه يتألم وأنا عاجزة عن التخفيف من ألمه وعذابه.
وتزيد صعوبة هذه المرحلة لطفل في مثل سنّه كله حيوية ويرغب في الخروج واللعب مع اصدقائه، فيما يجد نفسه عاجزاً متألماً ومجبراً على ملازمة المنزل بسبب ضعف مناعته.
وعندما كانت مناعته تقوى، كان رفاقه يزورونه أحياناً في المنزل لتسليته وإبعاد الملل الشديد عنه بسبب العزلة التي يعيشها. كما كان ممنوعاً من ترك المنزل أو تناول الطعام في الخارج لحمايته من التقاط فيروس نتيجة ضعف مناعته.
واللافت أن شربل كان قد تأقلم مع حالته بشكل يفوق سنّه، رغم انه كان يخضع للعلاج مرة أو اثنتين في الشهر، ما كان يسبب له ألماً حاداً في العظام، ويستدعي حقنه بالمورفين في قسم الطوارئ. كما كان يعجز عن المشي من شدة الاوجاع، وبكل بساطة كان يتحمل العذاب وينتظر مرور السنوات الثلاث لانتهاء مدة علاجه.
وأكثر المراحل صعوبة، تلك التي مرّ بها شربل منذ 6 أشهر وعانى خلالها الغثيان الشديد. ومما لا شك فيه أن المرحلة الحالية صارت أكثر سهولة بحيث يقتصر العلاج على حقنة واحدة اسبوعياً ولمدة محدودة، يخضع بعدها شربل لفحوص دورية لمتابعة حالته باستمرار... ورغم أن العلاج أثر في ساقيه قليلاً، أكد له الطبيب أنه سيُشفى تلقائياً. حتى أنه يذهب إلى المدرسة ساعتين أو ثلاثاً في اليوم، ما يشعره بالسعادة لأنه بدأ يعود إلى حياته الطبيعية».
أما عن الأشخاص الأكثر قرباً من شربل في تلك المرحلة الصعبة، فتوضح والدته أنها كانت الأقرب إليه، إضافةً إلى شقيقته الكبرى. فبوجودهما يشعر بالأمان والارتياح... وأكثر ما كان يسعده أن يلتقي رفاقه في المدرسة.

شربل: «متحمس جداً لعودتي إلى المدرسة وانتهاء العلاج»
يظهر شربل حماسةً كبيرة للحديث عن اقتراب نهاية العلاج خلال سنة، في حين أنه أصبح سهلاً الآن.
ويعترف بأنه لم يتأثر إلى حد كبير بتساقط شعره بسبب العلاج وقد تخطى هذا الأمر بسهولة. كما أنه متشوق للعودة إلى المدرسة للقاء رفاقه بعد فترة غياب طويلة.
عن ذلك يقول: «في المرحلة المقبلة سيكون عليّ الخضوع لفحوص دم لمراقبة حالتي. أما ساقي فستشفى تلقائياً بحسب الطبيب وصرت أمشي بشكل شبه عادي. كما لا أزال أشعر بآلام في ظهري وفي ساقي. لكنني أشعر بسعادة لعودتي إلى المدرسة. وفي كل الاحوال، المرحلة الحالية أسهل بكثير من تلك السابقة».
أكثر ما يشتاق إليه شربل اليوم هو البحر فيما يعرف جيداً أنه لن يتمكن من السباحة هذا العام.


عن مركز سرطان الاطفال في لبنان CCCL
يعنى مركز سرطان الاطفال الناتج عن اتفاق ثلاثي ما بين مستشفى سان جود في ممفيس الولايات المتحدة الأميركية والمركز الطبي التابع للجامعة الأميركية في بيروت ومؤسسة مركز سرطان الاطفال في لبنان بمعالجة أي طفل مصاب بالسرطان حتى عمر 18 سنة من دون اي تمييز بين الاطفال. وقد تم إنشاؤه عام 2002.
وتبلغ نسبة شفاء الاطفال الذين يعالجون فيه حتى اليوم80 في المئة. علماً أن العلاج مجاني ولا تترتب عليه أي كلفة على الأهل، فيما تصل كلفة العلاج إلى 50000 دولار سنوياً لكل طفل. أما مدة العلاج فتعادل 3 سنوات بشكل عام.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078