المخرج مروان حامد: قرأتُ رواية أحمد مراد «الفيل الأزرق» بِيَوم واحد وقبل الناشر
هو ابن المخرج المصري وحيد حامد الذي جلس في حضن عادل إمام في كواليس فيلم «الغول» في الخامسة من عمره. كبُر الطفل الأسمر وأمسك بالكاميرا، فوقف الزعيم تحت إدارته في «عمارة يعقوبيان». رصّع أفلامه بالنجوم واللوم. لكنه كان صالحاً للمشاهدة والإشادة لما قدّمه للسينما المصرية من أفلام راقية تواجه الواقع أكثر من الرقابة.
يتناول المجتمع سينمائياً وكأنه ينظر إلى المرآة ولا يقحم المرأة في مشاهده. لغة الفن السابع تحدثها لغاية أخرى. عن والده وأفلامهما، عن مصر والدراما والسينما، كان هذا الحوار.
- حين تعود إلى الوراء وتتذكر فيلمك القصير الأول «لي لي» وأخيراً «الفيل الأزرق» ... كيف تقوّم مشوارك الإخراجي؟
تعود بداية علاقتي بالسينما إلى عام 1995، أي منذ عشرين عاماً... لا أصدّق مرور كل هذه السنوات بهذه السرعة. فالسينما تأسر الإنسان وتسلبه تركيزه ووقته.
هذا المشوار ابتداءً من «لي لي» إلى «عمارة يعقوبيان» ثم «ابراهيم الأبيض» و «الفيل الأزرق»، أهم ما فيه هم الفنانون الذين تعاونت معهم في أعمالي من ممثلين وكتّاب ومصوّرين ومهندسي ديكور، وتواصلنا الإنساني والفكري والفني والرؤية المشتركة ... هكذا أعرّف أمتع الأوقات في صناعة الفيلم.
وهكذا تصنع الأفلام «الجميلة»، وكلما قدّمت المزيد، أدرك أكثر هذه الحقيقة إلى جانب العمل الجاد بالتأكيد.
- يرى بعض النقاد أن فيلمك «عمارة يعقوبيان» كان القمة التي اعتليتها إخراجياً. هل تنظر إلى مشوارك وفق تقدير الخطوة الأهم والخطوة الأقل أهمية؟
أولاً، فيلم «عمارة يعقوبيان» هو عن رواية نوعية ذاع صيتها حين ظهرت. كانت جريئة وممتعة قراءتها في الوقت نفسه. لم تكن أدباً ثقيلاً أو غليظاً كما يُقال. كانت تشبه واقعنا المصري كثيراً. وأنا أرى أن للحقيقة وقعها على المشاهد، إلى جانب النجوم في الفيلم الذين قدّموا صبغة أخرى للواقع مثل عادل إمام ونور الشريف ويسرا وأحمد بدير وإسعاد يونس وهند صبري وأحمد راتب ومحمد إمام في ظهوره الأول وباسم السمرة وخالد الصاوي ... اجتماع الممثلين بحدّ ذاته نجاح إلى جانب أدائهم طبعاً. لقد تمّ اختيار هذا الفيلم ضمن أهم 100 فيلم عربي في مهرجان دبي. وأعتقد أن هذا الفيلم سيظل في الذاكرة، هو حالة استثنائية وعلامة فارقة لكل من شارك فيه وللسينما المصرية.
- هل تقصد تحويل الرواية الحديثة إلى فيلم، «عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسواني صدرت عام 2002 وبعدها بأربع سنوات كان عرض فيلمك المقتبس عنها، كذلك الأمر بالنسبة الى رواية «الفيل الأزرق» لأحمد مراد التي صدرت عام 2012 ...
يجذبني موضوع الرواية أولاً بمعزل عن الرجوع إلى الوراء. ففيلمي الأول «لي لي» مقتبس عن رواية «أكان لا بد يا لي لي أن تضيئي النور؟» للدكتور يوسف إدريس التي صدرت عام 1971. هي مجرد صدفة غير متعمّدة، لكنني بالتأكيد أحب العودة إلى الماضي من دون مراعاة عدد سنوات محدّد.
- حضرت الدورة الأخيرة لمهرجان أبو ظبي الدولي كرئيس لجنة حماية الطفل، كيف تقوّم هذه التجربة؟
لم أكن أعلم بهذه اللجنة وجائزتها التي تؤكد أهمية السينما كوسيلة أكثر تأثيراً في المجتمع والالتفات إلى المشاكل المسكوت عنها.
- ما هي المشاكل المسكوت عنها، ألاّ تظن أن «المحرم الاجتماعي» لم يعد موجوداً سينمائياً؟
نحن العرب ننظر إلى أنفسنا على أننا الشعوب الأكثر تديناً، لا نخطئ ولا نرتكب جرائم. نحن العرب نعيش حالة إنكار أحياناً، وحين نقدّم الحقيقة في السينما أو الدراما، نُتّهم بتشويه سُمعة مصر والعرب. ويقال «نحن لسنا كذلك وبناتنا لسن كذلك ...» ! هذا ما سمعته حين قدّمت «عمارة يعقوبيان» و «ابراهيم الأبيض».
بينما تَقدّم الدول يأتي من النقد اللاذع والصريح. أتناول المجتمع سينمائياً وكأنني أنظر إلى المرآة. وعلينا أن نفعل كذلك وألا ندفن رؤوسنا في الرمال. وهذه الجائزة تعني أن الطفل بحاجة إلى حماية. الطفل العربي بحاجة إلى رعاية حين ننظر إلى الواقع السوري والفلسطيني وحوادث السير في مصر ...
- هل تقصد القاهرة؟
أقصد مصر بأسرها وحوادث الطرق فيها. فخبر انقلاب باص مدرسي فيه 20 طفلاً ليس غريباً.
- ألاّ يمكن أن تتناول هذا الواقع سينمائياً؟
لا أعمل سينمائياً بشكل مباشر، ولست ضد تناول هذا الموضوع، لكنه بحاجة إلى حملة كبيرة وأفلام وثائقية أكثر واهتمام إعلامي.
- هل شاهدت الفيلم الإماراتي «من ألف إلى باء» لعلي مصطفى الذي لم يقنع النقاد؟
أولاً، للمخرج حرية اختيار قصّته. وأكثر ما يهمني كمشاهد هو إن كنت استمتعت بالأحداث بمعزل عن القصص المهمة أو غير المهمة التي يتناولها. وأنا استمتعت بفيلم «من ألف إلى باء»، مستوى التمثيل فيه عالٍ جداً من علي سليمان وخالد أبو النجا إلى سامر المصري ... وأكثر ما لفتني أن صناع العمل كانوا يفكرون في تقديم فيلم جماهيري.
فالجمهور هو مسألة مهمة في صناعة السينما. وأعتبر مصر مثالاً نادراً في العالم لكون فيلمها المصري «بيجيب فلوس» أكثر من الفيلم الأميركي. الفيلم الإماراتي فكّر بالمتفرّج هذه المرّة، وهذا سيشجع على تقديم المزيد. لا يمكن السينما أن تتألق من دون جمهور يذهب إلى الصالات ويحجز تذاكر.
- ما الذي يحدّد جماهيرية الفيلم؟
نجوم الفيلم لهم أهمية حتى يوم العرض الثاني، فالمتفرج يدخل الصالة لمشاهدة النجم. ويأتي لاحقاً رأي الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي الذي بات سريعاً. ولو كانت الأصداء إيجابية فسيضمن هذا نجاح الفيلم والإقبال عليه. يمكن اكتشاف نجاح الفيلم أو فشله خلال ثلاثة أيام.
- متى فاجأك الجمهور؟
حين شاهد فيلم «الفيل الأزرق»، فليلة العرض الأول كنت أجهل تماماً ما سيحصل. لم أكن أملك أي فكرة عن رد فعل الجمهور. حين قرّرت أن أحوّل رواية أحمد مراد إلى فيلم، لم تكن موجودة في السوق. فأنا أول من قرأها وقد توجّه إليّ بكلمة شكر في آخر صفحة من الرواية.
قرأت هذه الرواية قبل الناشر. وكانت وجهة نظري كصانع أفلام أن فيها كل مقوّمات الفيلم التجاري والجماهيري والتشويق الذي نشاهده في أفلام هيتشكوك. وفيها خيال جميل لم يقدّم من قبل. قرأتها بيَوم واحد، وقراء كثر فعلوا ذلك.
- ما هي الرواية التي تُقرأ في يوم واحد؟
الرواية المثيرة جداً، القارئ كان طوال الوقت يبذل مجهوداً لا إرادياً ليعرف ما حصل.
- بمَ اختلفت الرواية عن الفيلم؟
اختلفت النهاية، كما تم تكثيف أحداث كثيرة.
- كمخرج، أي إيجابية يمنحك إجماع النقّاد على هذا الفيلم؟
لقد عرض هذا الفيلم أيام العيد مع أفلام كوميدية من إنتاج السبكي، وكانت مدّته ساعتين و35 دقيقة. لم أكن أتوقع أي أصداء أو إن كان البعض سيخرج من الصالة قبل نهاية الفيلم. لم أحضر هذه اللحظة لصعوبتها.
لا أحضر العرض الأول خصوصاً مع جمهور بات منفتحاً على العالم. وأجمل تعليق تلقيته كان من صديقي عباس أبو الحسن عبر «تويتر». قال إن صنّاع الفيلم هم الذين «اتلبسوا» وليس بطل العمل.
- هل ارتقى فيلم «ابراهيم الأبيض» بمشاهد «الأكشن» ومنحها صدقية أكبر في السينما المصرية التي تعاملت باستخفاف أحياناً مع عين المشاهد؟
حين قررنا تصوير فيلم «ابراهيم الأبيض»، أدّى أحمد السقا كل المشاهد بنفسه. وأردت نقل الواقع عبر الاستعانة بمجرمين سابقين وبلطجية، وقد انعكس ذلك إيجاباً على الفيلم. وكانوا المستشارين بالنسبة إلينا والموجودين معنا طوال وقت التصوير.
عملت بمبدأ Long Takes من دون مونتاج، واستعنا بتقنيات من فرنسا لكي يبدو مشهد خروج الدم بعد استخدام المطوى حقيقياً. لقد صدم الفيلم المشاهدين، وأظن أنه يتمّ تقديره حالياً أكثر من السابق.
- ما كانت رسالة هذا الفيلم حين تناول العشوائيات المصرية؟
أحاول في غالبية أفلامي أن أروي قصة إنسان، والمجتمع العشوائي العنيف فرض على أبطال «ابراهيم الأبيض» طريقاً لا يمكن الخروج منه.
- أي ممثلة هي هند صبري تحت إدارة مروان حامد؟
تعاونا أنا وهند في فيلميْ «عمارة يعقوبيان» و»ابراهيم الأبيض». هي ممثلة مهمة ومن طراز خاص جداً، ولديها قدرات تمثيلية كبيرة منذ الصغر.
- ألم تجذبكَ الدراما كمخرج؟
صوّرت نصف حلقة في مسلسل «لحظات حرجة». تعتمد الدراما على الكم والتصوير السريع في سباق مع الوقت. ولو لاحظت كل مسلسلات رمضان، ستكتشفين أن غالبيتها تسقط بعد الحلقة 15.
وأقولها بأمانة. لكن ثمة مسلسلات نادرة تُحدث فرقاً أحياناً مثل «سجن النسا» و «موجة حارّة» ... تُنجز الحلقة الدرامية في ثلاثة أيام في العالم العربي، بينما في أميركا يستغرق التصوير 8 أيام ... ولذلك هم أكثر نجاحاً، فيما المنتج العربي لا يتحمل كلفة هذا الوقت المضاعف وأكثر.
- أي مسلسلات عربية ستذكرها الدراما العربية دوماً مثل «ليالي الحلمية»؟
لا يوجد، فوراء «ليالي الحلمية» مفكّر اسمه أسامة أنور عكاشة رحمه الله. كان قارئاً للتاريخ ورجلاً مفكراً ومؤلفاً عميقاً إلى جانب موهبته. غالبية المسلسلات الحالية أفكارها هشّة، ولذلك حين قدّم محمد ياسين مسلسل «موجة حارّة» مع مريم نعوم استندا إلى نص عكاشة. أظن أن المسلسلات العربية الحالية صالحة للمشاهدة لدى تناول البسبوسة والشاي بعد تناول الإفطار. لقد سيطر الجانب التجاري على الدراما.
- كيف تقوّم حضور نيللي كريم في مسلسل «سجن النسا»؟
نيللي كريم ممثلة «هايلة»، كان مسلسل «سجن النسا» الـHit في رمضان 2014. ويكمُن نجاحه في أنه مسلسل نسائي. وقد تقدّمت المخرجة كاملة أبو ذكري فيه وفي «ذات» خطوة كبيرة في الدراما.
- هل لاستقطابك أسماء كبيرة في أعمالك منذ البداية علاقة بكونك ابن المخرج الكبير وحيد حامد؟
لست الابن الأول لوالد في عالم المشاهير، والفارق الوحيد بيني وبين الآخرين أنني تعلّمت كثيراً من الوالد. وأهم مسألة تعلمتها منه هي منهجية العمل والقراءة والعمق وعدم تناول أي تفصيل مهني بسطحية. والجدية تعادل النجاح على الدوام، والاستخفاف طريق حتمي للفشل.
- ما هو فيلمك المفضل لوالدك المخرج وحيد حامد؟
هي عديدة، لكن فيلم «البريء» هو Master Piece، ولو أنه صنع في هذا الزمن وبالتقدم التقني الحالي لكان شارك في مهرجان «كان» حتماً. كما أنني معجب بسيناريو كتبه لفيلم تلفزيوني بعنوان «أنا وأنت وساعات السفر».
إنه سيناريو عبقري يدور طوال ساعتين في قطار... وهو من بطولة يحيى الفخراني ونيللي. أحبُ فيلم «الإرهاب والكباب» أيضاً، و «إحكي يا شهرزاد» و «الغول» و «التخشيبة» أيضاً ... كلّها أفلام لا يزال الاستشهاد بمشاهدها قائماً، خصوصاً حوار «قانون ساكسونيا».
- هل ستجيب كابن أم كمخرج إن سُئلت عما قدّمه وحيد حامد للسينما؟
لدى الوالد رؤية تتضح للمشاهد في ما بعد. فنحن نتساءل الآن : «هل يعقل أن «طيور الظلام» صُوِّر منتصف التسعينات»؟ أي منذ عشرين عاماً، «النوم في العسل» كذلك!
- غالبية الأفلام التي ذكرتها كان بطلها عادل إمام .
أنا من عشّاقه كفنان وكإنسان. لا أزال أحتفظ بصورة وأنا طفل أجلس في حضنه في كواليس تصوير فيلم «الغول». كنت في الخامسة من عمري حينها. هو بمنزلة والدي وبالـ «مِلّي».
- ونيللي؟
لا ! قلت بالـ«مِلّي» أي تماماً!
- دخلت عالم الأغاني المصوّرة مع عمرو دياب، كيف تستعيد هذه التجربة؟
كنت قد أنهيت تصوير فيلم «عمارة يعقوبيان» عام 2007 حين تلقيت اتصالاً من عمرو دياب لتصوير أغنية «نقول إيه» في لوس انجليس. هو نجم كبير ونجاحه مذهل، وكانت المرة الأولى التي أصوّر فيها كليب. هو رجل يعمل بشكل متواصل وبجدّية.
- كمخرج لديه رؤية فنية خاصة، ألاّ تجد أن عمرو دياب يكرّر نفسه في أعماله المصورة وهو محاط بالجميلات اللواتي يتمايلن على أنغام موسيقى أغانيه؟
لنتكلّم بصراحة، ما هو تعريف الفيديو كليب؟ هو إعلان ! هو شريط موسيقي يروّج للفنان والأغنية. صوّرت ما يقارب 500 إعلان وكانت تهدف كلّها إلى تحقيق نسبة مبيعات جيّدة للمنتج، والكليب يصوّر لتسويق الألبوم. وأنا أعتقد بضرورة التمسّك بما أثبت أنه يحقّق النجاح، لا يزال الأميركيون يصوّرون Star Wars منذ أربعين عاماً وحتى الآن.
- ماذا عن آخر أعمالك «الحشاشين» الذي لم يبصر النور بعد؟
هذا العمل عن سيرة حسن الصبّاح مؤسس طائفة الحشاشين في بداية القرن الحادي عشر. بدأت هذا المشروع عام 2010، أي قبل «الفيل الأزرق». وأظنه الوقت المناسب للحديث عن هذا الموضوع وسط التطرّف الذي يشهده العالم العربي. لا بد من مواجهة فكرية، وأهم وسيلة هي السينما لأنها الأكثر تأثيراً في الشباب. هي لغة العصر.
فالمواجهة تحصل عبر اتجاهين، أمني وفكري. كيف يمكن إلحاق الهزيمة بفكرة؟ لا بد من فكرة في المقابل. كيف تمّ تحديد جماعات Ku Klux Klan في العالم الذين كانوا يرتدون الأبيض ويقتلون السود؟ بالهزيمة الفكرية طبعاً. للفن دور كبير.
- كيف تقوّم دور الرقابة والأزمة التي اختبرها فيلم «حلاوة روح» قبل عرضه؟
أود التأكيد أن الواقع أكثر شراسة من السينما. هل كل متحرشي مصر شاهدوا «حلاوة روح» حتى ارتكبوا فعلتهم؟ إنها ظاهرة قوية قبل هذا الفيلم. أجازت الرقابة عرض الفيلم ثم تمّ منعه فجأة، وهذه كانت مسألة خطيرة جداً.
لا تعنيني تفاصيل ما حصل، لكن هذه الواقعة خطيرة. لقد كان مثل جريمة لم يشاهدها أحد بل تمّ الاكتفاء بالتعليق على الشريط الترويجي.
- هل تبتعد عن الجرأة في مشاهدك؟
لا أتقصد الجرأة، ولا أصوّر مشهداً يجبر المشاهد على أن يشيح بنظره ويغادر مكانه. لكنني في «عمارة يعقوبيان» صوّرت مشهداً جريئاً بين باسم السمرة وخالد الصاوي بأسلوب غير نافر.
- هل السينما المصرية أكثر أم أقل جرأة اليوم؟
هي أكثر جرأة لناحية المواضيع والمشاهد، والدليل ارتفاع نسبة مشاركتها في المهرجانات غير المحلية.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024