في رمضان الإماراتية امرأة استثنائية تستحضر طوال أيامه العادات والتقاليد
تنظم المرأة الإماراتية في شهر رمضان الكريم جدول الزيارات وحفلات الإفطار ولا تدّخر جهداً في شراء جميع مستلزمات الشهر الفضيل ليظل بيتها مستعداً لاستقبال الأهل والأقارب والضيوف. ورغم مسؤولياتها عن ترتيب البيت وإضافة لمسة جمالية على مكوناته وتزيينه بما يتناسب مع الشهر الكريم وتجهيز غرف الضيافة، لا تفرط أبداً في أداء شعائرها الدينية وتحافظ دائماً على طقوس العبادة. بالإضافة إلى أن غالبية نساء الإمارات لا يزلن يحتفظن بعادات قديمة تظهر الآن في بيوتهن، مثل تزيين المنازل بطرق تقليدية، ووضع فوانيس ضخمة أمام البيوت الكبيرة، وتجهيز الفوالة «أنواع من المكسرات وغيرها» للضيوف، واستقبال نساء الجيران وأداء صلاة «التراويح» بمعيتهن، إلى جانب العديد من المظاهر الأخرى التي تشيع الألفة والمحبة بين الجميع.
عادات وتقاليد
تقول فاطمة التميمي: «لا تزال المرأة الإماراتية تنظر إلى هذا الشهر المبارك بكثير من الاهتمام وتعطيه الأولوية في كل شيء، حتى ولو جاء ذلك على حساب أشياء كثيرة، مثل عدم الحصول على قسط وافر من النوم، إذ تعيش أجواءه بصورة مختلفة فتقدم أنواع الضيافة الى الأقارب والجيران والضيوف»، وتضيف: «الحفاظ على عادات الماضي وتقاليده في هذا الشهر المبارك لا يزال موجوداً في كثير من البيوت، فأمهات اليوم عاصرن في طفولتهن مظاهر استقبال رمضان، كما لم تترك الجدّات شيئاً إلا وتحدثن فيه».
وتؤكد التميمي أنها تبذل مجهوداً مضاعفاً من أجل ترتيب كل شيء، خصوصاً أن بيتها يستقبل طوال شهر رمضان زواراً كثراً، فتحرص على إعداد الأطعمة الشعبية بشكل يومي وتقدم الهريس والبلاليط والجباب والخبيص والمحلّى بالطرق التقليدية، وترى أن من الضروري أن ينشأ الأبناء على قيم الماضي ويتعرفوا على حياة الأجداد في مثل هذا الشهر الكريم، إذ إنها بعد صلاة المغرب وجلوس الأسرة إلى مائدة واحدة، تضع «البخور» في حجرة الضيافة وتجهز الأطعمة في أوانٍ مغلقة حتى يتسنى للضيوف تناولها في أي وقت، الى جانب التمر والقهوة والمكسرات. وقبل مغادرة الرجال إلى المساجد لأداء صلاتي العشاء والتراويح، تجهز لهم النساء الثياب النظيفة وكذلك العطور ليتطيبوا قبل خروجهم من المنزل.
زينة البيوت
أما حليمة المهري فترى أن المرأة الإماراتية في رمضان هي زينة البيوت لأنها تستعد لاستقبال رمضان قبل حلوله بشهر أو أكثر تقريباً حتى يهل عليها وهي تؤمن كل مستلزماتها من الدقيق والحبوب والبهارات والعطور، بالإضافة إلى أنها تعيد ترتيب البيت وتنظم وقتها. وتشير المهري إلى أنها تحب هذا الشهر، لأن العبادة فيه تأخذ شكلاً آخر، والتقارب بين الأهل يكون بصورة أكبر، كما تتميز مجالس النساء أيضاً بأجوائها الخاصة، بحيث يتجمعن في أحد البيوت قبل صلاة العشاء ويصلين معاً ويتناولن التمور والأطعمة الخفيفة مما تجود به الضيافة، وتدور بينهن أكواب القهوة، وقد يحضر مجالسهن صغار الصبية، بينما تجلس الفتيات للاستماع إلى حكايات النساء الكبيرات في السن للاستفادة من تجاربهن في الحياة، ما كان يجعل لهذا الشهر طعماً آخر مختلفاً عن الحاضر. وتلفت المهيري إلى أنها تحب قراءة القرآن الكريم في رمضان وتستمتع أيضاً بتلاوته عبر القنوات المخصصة لذلك.
خيمة كبيرة
وتشير موزة الصيعري، موظفة، إلى أن المرأة الإماراتية العاملة تحافظ على التقاليد المتبعة في رمضان، فهي على رغم ارتباطها بالعمل حتى الساعات الأولى من الصباح، تعود إلى منزلها لتجهز الأطعمة وتشرف على أمور الضيافة في الحجرات المخصصة لها أو الخيمة إن كانت موجودة، إذ إن بعض الأسر تنصب خيمة كبيرة في ساحة البيت كنوع من الكرم العربي لاستقبال الضيوف. وهذا النوع من الخيم متعارف عليه في الإمارات منذ زمن بعيد، حيث يجلس الرجال ويتسامرون حتى موعد السحور. وتضيف: «اعتادت المرأة على الاهتمام بجميع شؤون المنزل، وإن كان هذا أمراً طبيعياً في كل المجتمعات، لكن يختلف لدى المرأة الإماراتية، فهي مرتبطة بعادات وتقاليد يعتمد عليها الرجال كثيراً حتى ولو كانت عاملة تقع على عاتقها مسؤوليات كبيرة». وترى أن سر اهتمام المرأة الإماراتية بتزيين بيتها وتجهيز مستلزمات الشهر المبارك قبل حلوله بمدة، يكمن في العادات القديمة المتوارثة من جيل إلى آخر، والبيئة الإماراتية اعتادت على ذلك.
أيام لا تعوض
وتبين خولة الجنيبي أنها اعتادت تفصيل ثياب جديدة لها ولأبنائها وبناتها في رمضان، ويرجع ذلك الى عادة قديمة تُمارس داخل البيت، حيث إنها وهي طفلة كانت أمها تخيط لهم ملابس جديدة لرمضان والعيد معاً، فالبنات كن يحصلن على كناديرهن «الزي الإماراتي»، والأولاد على كنادير بيضاء «جلباب أبيض» في حدود إمكانات الأسرة. أما الآن فالأسر الإماراتية تعيش في رفاهية لأن كل شيء متوافر، فيفصل الأولاد والرجال العديد من الكنادير، وتختار البنات والنساء العباءات. وتؤكد أن للشهر الفضيل مظاهر جميلة في الإمارات، بحيث تمتلئ البيوت بالضيوف من الأقارب أو الجيران، فتكمل هذه التجمعات فرحة الشهر، من خلال التمسك بالعادات والتقاليد. وترى الجنيبي أن تبادل الأطباق الرمضانية بين الجيران لا يزال موجوداً، وتدعو جيرانها للإفطار عندها وتذهب هي في المقابل إليهم، كما تحضر المجالس التي تكثر فيها الأحاديث عن أيام زمان، فتعيش في رمضان أياماً لا تعوض.
واجب الضيافة
وتوضح هناء العبادي أن الأطعمة الشعبية في رمضان من ثوابت الشهر وتحرص المرأة الإماراتية على إعدادها، فعند أذان المغرب تتناول الأسرة أطعمة خفيفة ثم تؤدي الصلاة وتعود الى المائدة لتناول الأطعمة الإماراتية الشهيرة مثل «الهريس» أو «البلاليط» ولحوم الإبل وما إلى ذلك من أنواع الطعام الأخرى. وتلفت إلى أن العادات الإماراتية لا تنقطع بفضل حرص المرأة الإماراتية على استحضارها في رمضان بحيث تهتم بتزيين المائدة بنفسها، وتقوم بواجب الضيافة على أحسن وجه، وتعلم الصغيرات آداب تقديم الطعام والقهوة للضيوف، وتحرص على التعارف بين صغارها والاقارب في أجواء من المحبة، وشهر رمضان المبارك بالنسبة اليها فرصة تجدد من خلالها دورها المهم كل عام.
حق الليلة
تسبق دخول شهر رمضان وبمناسبة حلول ليلة النصف من شعبان والتي تعرف محلياً باسم «حق الليلة» احتفالات من نوع آخر وتكاد تكون شبه واحدة في كل بيت إماراتي، حيث ينتشر أطفال الإمارات في شوارعها ومراكزها التجارية، بل ويطرقون أبواب بيوت الجيران بحثاً عن عطايا وهدايا تتمثل بالحلويات التقليدية في أجواء احتفالية مميزة يفوح منها عبق التراث والأصالة قبيل حلول شهر رمضان المبارك. وبالطبع تقوم كل امرأة إماراتية بإعداد أولادها لتلك المناسبة، وتجهيز حاجات الأطفال الآخرين من أبناء الجيران بينما يزورونهم للتهنئة بقرب حلول شهر رمضان، وهي من المناسبات السنوية المميزة التي تهدف الى إحياء الموروث الثقافي والتراثي، وتعبير الناس عن سعادتهم بالشهر المبارك.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024