ابني صعب المراس... كيف أقوّمه
«يرتكب الحماقات، لا يصغي لأحد، يتعنت في مواقفه ويصرّ على تنفيذ طلباته وإلا سوف يغضب ويقول أنتم لا تحبونني». إنّه طفل صعب المراس وعنيد. صدر حكم الأهل على طفلهم البالغ ثماني سنوات، ويبدو أنّ هذا الحكم غير قابل للنقض، فهذه الصفة بالنسبة إلى الأهل تلازمه مدى الحياة: «عنيد وصعب المراس». فماذا يقول اختصاصيو علم نفس الطفل؟
يرى اختصاصيو علم نفس الطفل والمراهق أنّ هذه العبارة أو الصفة هي تعبير يظهر عبر الوقت، ولكنها لا تعني شيئًا. إنها مفهوم يستدل منه إلى فكرة وجود أطفال تكون تربيتهم صعبة، كما لو أنها مسألة جينية، ومع ذلك عندما يُسأل الأهل عمّا إذا كان الطفل وُلد صعب المراس يجيبون بـ «لا».
والواقع ليس هناك طفل صعب المراس، وإنما أهل يواجهون صعوبة في التربية. إذًا، إنها علاقة الأهل بالطفل، وليست شخصية الطفل الصعبة، فهو يصبح مرآة صعوبات العائلة كلها. وهذه المسألة يجب العمل عليها وتقويمها.
ماذا يفهم من عبارة «طفل صعب المراس»؟
تتعلق في غالب الوقت بطفل لا يستجيب الأوامر!
إلى ماذا يؤدي نعت الطفل بهذه الصفة؟
الحديث عن طفل صعب المراس هو إنكار لتكوين الطفل، والدور الذي على الأهل القيام به في التربية. فإلصاق هذا النعت بالطفل كما لو أنه فطري، يجعله يتماهى مع هذه الصفة التي أُلصقت به.
أما بالنسبة إلى الأهل، فإنّ سلطتهم عليه تتقلص، ذلك أنهم يستسلمون لعناده، ولا يحاولون تذليل الصعوبات التي تواجههم في التربية.
والطفل بدوره يستغل هذا الضعف، ويتحوّل إلى طفل عنيد. غير أن هذا العناد قد لا يقتصر على معارضة أهله وعدم تنفيذ طلباتهم، بل قد يشمل المدرسة ومن هم خارج إطار العائلة.
هل الطفل الصعب المراس هو طفل يعاني ألمًا نفسيًا؟
بالطبع، فهو طفل يواجه صعوبات، لأن لديه تاريخًا ثقيلاً يرهقه. والسبب الذي يلاحظه اختصاصيو علم نفس الطفل، هو جهل الأهل القواعد التربوية، وعدم فهم مضامينها، وبالتالي لا يفرضونها في المنزل وعلى الطفل.
فبعض العائلات تعمّها الفوضى التربوية، لأن لا أحد من أفرادها يقوم بدوره ويعرف موقعه في العائلة. ففي البداية، الطفل الصغير جدًا هو كائن غير حضري لا أكثر ولا أقل، وهذا طبيعي، فإذا رغب في الضرب يفعل، هذا مبدأ المتعة بالنسبة إليه، وإذا أراد شيئًا، يريد الحصول عليه فورًا، يشعر بأنه ملك العالم ولديه كل السيطرة.
وحدها التربية القادرة على تهذيبه وصقل شخصيته الحضرية. فعندما يتحوّل الطفل إلى ديكتاتور، ويظن أن لديه كل الحقوق، فهذا أمر لا يحتمل ويكون مدمرًا له. إذًا من الضروري فرض القواعد المنزلية وشرحها، وإلا فثمة مجازفة أن يفكر الطفل بأن القوة هي العلاقة الوحيدة بينه وبين أهله.
لذا على الأهل فرض القواعد على الطفل، شرط أن يكونوا مقتنعين بهذه القواعد ويدركوا تمامًا أنها لمصلحة طفلهم، وعليهم التمسّك بها وبفرضها مهما تعنت الطفل، وهذا يلزمه الكثير من الصبر والحكمة.
رغم أن الأهل يحاولون ممارسة سلطتهم الأبوية ولكنهم لا يتمكّنون. لماذا؟
السلطة الأبوية هي مسألة شعور بالشرعية، عندما يوضع حد للطفل، فهذا يعني أن الأم مقتنعة تمامًا بأن القانون الذي وضعته ليس موقتًا، بل لا يمكن العيش من دونه.
والحياة لا يمكن أن تكون طبيعية من دونه. لذا يجدر أن يكون لكل قاعدة يضعها الأهل معنى، ويجب شرحها شرط أن يكونوا على اقتناع بها كي تكون مفهومة بالنسبة إلى الطفل، ويمكنهم إعادة شرحها مرة ثانية لا أكثر، إذا ما اضطروا لذلك، وإذا لم يلتزم الطفل عندها العقاب، فإذا لم يعاقب الطفل فكيف يمكن جعله مطيعًا! وإذا لم يعاقب على مخالفته، فإنه سيتخطى الخط الأحمر الذي وضعه الأهل.
ماذا يحدث إذا تجاهل الأهل أو أنكروا عناد طفلهم؟
ينتج من هذا الإهمال وتجاهل الاضطرابات السلوكية الطفولية، ألم كبير لدى الأهل والطفل على حد سواء. فالأم تشعر بالعجز وبالذنب في الوقت نفسه، لأنه ليس في استطاعتها إدارة طفلها، وتشك بدورها كأم، وما إذا كانت بالفعل تستحق هذا الدور، وقادرة على القيام به.
بالنسبة إلى الطفل فآلامه تظهر بطرق مختلفة، ومهما كانت فإنها تزداد وضوحًا مع الوقت، وبشكل ممنهج، فيثير الكثير من أزمات الغضب والقلق الشديد، مما يضعه في حالة توتر دائم.
وفي المقابل، يضع الطفل نفسه موضع الضحية، ويعزو أخطاءه إلى الآخرين عندما يُوبّخ. فيشعر بأنه مضطهد ويعيش في ألم عميق. فضلاً عن أن سلوك الطاغية قد يمنعه من الاندماج في المجتمع، وغالبًا ما يتجاهله الأطفال الآخرون، مما يزيد شعوره بالحزن.
غالبًا ما تنتاب الطفل الصعب المراس نوبات غضب، خصوصًا في الأماكن العامة بهدف إحراج والدته. فماذا يجدر بالأم القيام به في هذه الحالة؟
الطفل الذي تنتابه نوبة غضب في مكان عام، يدرك تمامًا أن نظرات الآخرين الغرباء تزعج والدته، ويصرّ على غضبه كي يضغط عليها ويخضعها لطلباته. لذا على الأم ألا تدخل في لعبة الابتزاز التي يمارسها، وتؤكد له أن صراخه هو ما يزعج الآخرين، وعليها ألا تشعر بالحرج، فرفضها تلبية طلبه، أمر مشروع.
وينصح الاختصاصيون الأم بعشر طرق تساعدها في السيطرة على نوبات غضب طفلها الصعب المراس:
الاستعداد الدائم وتوقّع عناد الطفل
تدرك الأم مسبقًا أن بعض المواقف تنتهي تلقائيًا بنوبة غضب. فمثلاً، تتوقع الأم نوبة الغضب، عندما يرفض الطفل الذهاب إلى فراشه مساء، لأنه لا يريد التوقف عن اللعب.
أو عندما يصرّ على شراء الشوكولا في كل مرّة تصطحبه للتسوّق في السوبرماركت. لذا على الأم وبحكم تجربتها مع طفلها استباق الأمور منذ البداية، وتلغي كل احتمال يؤدي إلى نوبة غضب وتقول له: «بعد اللعب ترتب أغراضك وتذهب إلى الفراش». أو تضع القواعد بشكل فوري، وتقول بلهجة حازمة: «هيا سوف نذهب للتسوق، ولا تحاول أن تطلب شراء الشوكولا لأنني لن أشتريها لك». فالتوقّع أمر مفيد.
الاحتفاظ بخطة بديلة
الطريقة المثلى لتجنب بقاء الطفل متوترًا هي أن تشتت والدته إصراره على طلبه، وتعرض عليه أمرًا آخر كأن تقول له: «لن نشتري الحلوى الآن، ضع الكيس مكانه، ولكنك أنت من سيختار الجبنة».
التحدّث عن نوبات غضبها عندما كانت طفلة
يمكن الأم أن تتحدث عن تصرفات عنيدة، كانت تقوم بها، وهي في سن طفلها. فمثلاً يمكنها أن تقول له: «أنا أيضًا عندما كنت في سنّك كنت أصاب بنوبات غضب حين كنت أرفض الخروج من الماء أثناء الذهاب إلى الشاطئ، وكانت جدّتك تخاف علي من ضربة شمس، مما يجعلها تتعامل معي بحزم وتخرجني من الماء بالقوة». فجميع الأطفال يحبّون أن يحدّثهم أهلهم عن تاريخهم عندما كانوا في مثل سنّهم، وكانوا يرتكبون الحماقات، ويشعرون بالأمان، عندما يعرفون أن أهلهم أيضًا تعرّضوا للتوبيخ عندما كانوا صغارًا مثلهم، ويضحكون كثيرًا على سماع أخبارهم.
الشرح للطفل أسباب رفض الخضوع لطلباته
عندما يبدأ الطفل بنوبة غضب، على الأم أن تنحني وتقف بمستوى طوله، وتتحدث إليه وجهًا لوجه، وعيناها متجهتان مباشرة إليه، وتقول له بهدوء إنه لا يمكنه القيام بكل ما يريده، وتشرح له الأسباب.
كأن تقول له مثلاً: «لست موافقة على تناولك الخبز بالشوكولا، لأنك ستفقد شهيتك على العشاء» أو «ليس لدي نقود لشراء كرة لك».
وعليها أن تكون مقتنعة بما تقوله، فكلما كانت لا تشعر بالذنب، كان صوتها ونظراتها أكثر قوّة وحزمًا، وبالتالي يشعر الطفل بأن أمه لن تخضع.
في المنزل رأي واحد
إذا قالت الأم «لا»، فلا يجوز للأب أن يقول «بلى» أو العكس. صحيح أنه من حقّ أحد الوالدين ألا يوافق الآخر الرأي، ولكن عليهما تنسيق الأمر معًا أمام الطفل. فمن الضروري أن يكون موقفهما واحدًا تجاه طلبات ابنهما ورغباته.
مساعدة الطفل على استعادة هدوئه
غالبًا ما يرافق نوبة غضب الطفل صراخ، ويحمرّ وجهه، ويبدو أنه لا يستطيع التقاط أنفاسه... ومن الضروري أن يهدأ، ولكن تكرار كلمة «اهدأ» لا تجدي نفعًا.
لذا يمكن الأم أثناء نوبة الغضب أن تحضن طفلها، فهذا الحل الأمثل للانتقال من حالة إلى أخرى. وعندما يرفض الاقتراب من والدته، عليها الاستمرار بالتحدث إليه بهدوء وبجمل قصيرة، ومتابعة ما كانت تقوم به كما لو أن شيئًا لم يحدث. وهكذا فهي تؤكد له أن لا تأثير لصراخه في مسار الأمور الأخرى.
جعله يتوقع ما ينتظره
عندما لا يتوقف الطفل عن نوبة غضبه، يمكن الأم أن تدخر الوقت إلى أن ينتهي غضب طفلها، فيمكنها أن ترسله إلى غرفته أو أن تطلب منه الجلوس إلى كرسي تبعد أمتارًا عدة عنه، ومنعه من النهوض قبل أن يهدأ.
أما إذا لم يخضع لأمر أمه وانبطح أرضًا واستمر في الصراخ، فعليه أن يدرك أن تصرفه غير مقبول، وأنه إذا استمر فسيُعاقب. إذ يمكن الأم تهديد طفلها بأنها ستمنعه عن أمر يحبه، وتنفذ هذا التهديد كأن تقول له مثلاً: «إذا لم تهدأ فلن أسمح لك بمشاهدة برنامجك المفضل اليوم».
عدم الخضوع لرغبته من أجل الحصول على الهدوء
إذا سبّب صراخ الطفل توترًا لأمه، فإنها تخضع لطلبه كي تحظى بلحظات من الهدوء، وهذا حلّ غير صائب، لأن من غير المؤكد أن هذا التصرف سيهدئ من روعه، فضلاً عن أنه سوف يشوّش تفكيره فيقول في نفسه: «كيف منعتني والدتي منذ لحظات والآن لا تمنعني؟»... هل لدي سلطة عليها إذا صرخت بشكل قوي؟ ولكي يتأكد يعود ويمتحن والدته من دون تردد.
مواساته بعد أن يهدأ
من المعلوم أن نوبة الغضب تجعله يشعر بالتوتر والتعب. لذا من الأفضل بعد انتهاء نوبة الغضب أن تحضنه والدته، وتداعبه إذا كان يرغب في ذلك. فبهذه الطريقة تؤكد له حبها، وتعزّز لديه شعورًا بأنه مهما حدث، وكيفما تصرف فإنه يستطيع دائمًا الاعتماد عليها.
تنفيذ الأقوال بالأفعال
على الأم أن تنفذ ما تقوله. لذا فإن العقاب الموعود يجب أن ينفّذ. فعندما يتدحرج على الأرض في الشارع، عليها أن تفكر في العقاب الذي يمكنها تنفيذه، وألا تقول له مثلاً سأتركك هنا لأن هذا التهديد مستحيل تنفيذه، إذ لا يمكن الأم ترك طفلها في الشارع، وبالتالي لن يكون في مقدورها تنفيذ هذا التهديد، لذا عليها أن تفكر في عقاب عقلاني ويمكن تنفيذه.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024