سحر اللغة
تحسّ أحياناً بأنّ عقلها من فئة العقول المنقرضة. تحسّ بأنها تنقرض وينقرض معها ما أحبّته وعاشت لأجله وما عاد يهمّ إلا فئة قليلة غيرها. التعلّق بالكلمات والكيمياء بينها ينتمي إلى زمن قديم. لقد كانت منذ الطفولة صديقة الحروف المكتوبة. لغتها تنقرض أيضاً. في الجامعة في التحضير للشهادة العليا كانوا اثنين أو ثلاثة، يتخصّصون في اللغة العربية. بدا أمرهم عجيباً في جامعة أميركية. شغلها في تلك الفترة الهوس بالكتابة عن الأمكنة. من دون حنين إليها، اهتمّت بالتشريح المنطقي المريح. لماذا نتعلّق بالأمكنة؟ بأجساد الأمكنة؟ بأشيائها؟
تعبت الأجيال السابقة من الحنين والخيبة. العملية واضحة ومتكررة، حنين وخيبة. خيبة وحنين. سيكون من الغباء أن نقع في الفخّ نفسه. لكننا نجد أنفسنا مستسلمين له، للفخ، أو لاهين بقشور التحضّر. لقد ساعدنا العصر على الخروج إلى مرحلة جديدة، مرحلة إهمال الكلمات. وتم الانتقال من تقديس اللغة إلى تهميشها، من مبالغة إلى مبالغة. اسألوا أولادكم في المدارس إذا كانوا في أوقات فراغهم يقرأون كتباً مدوّنة باللغة العربية، أو إذا كانت حصص اللغة العربية اليومية في الصف كافيةً. بعض الأهل لا يريدون أن يتقن أولادهم هذه اللغة. «فأين الفائدة منها في هذا العصر؟» تسمعهم يسألون. ويسهّل الاغترابَ عن الثقافة الأصلية ادعاءُ فهم تطوّر وسائل التواصل. فهل نكتفي بالتعبير بجمل مختصرة وصور و«فيديوهات» ووجوه وأشكال صغيرة (إيموتيكونز) تعبّر عن أمزجتنا؟
ألا يمكن أن نحترم اللغة ونحبّها، فلا نقدّسها ولا نخجل منها؟ تعبّر الصورة، لكنّها تقدّم المشهد ولا تشرح حقيقة تفاصيله. ومهما كانت مدهشة فإنّ سحر اللغة ما زال يفوق سحرها.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024