تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

أستاذ الشريعة الإسلامية الدكتور حامد أبو طالب: أقول للأزواج لا تهملوا زوجاتكم في رمضان

تواصل «لها» طرح كل ما يتعلّق بالصوم في شهر رمضان الكريم على علماء الدين، حيث لا يزال هناك العديد من علامات الاستفهام التي تحتاج الى إجابات واضحة. من هنا التقينا الدكتور حامد أبو طالب، العميد السابق لكلية الشريعة والقانون، وعضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، وطرحنا عليه العديد من التساؤلات التي تشغل أذهان الصائمين.

-يسيء بعض الأزواج فهم أحكام شهر رمضان، فيرون أنه شهر للعبادة فقط ويهملون زوجاتهم، فماذا تقولون لهؤلاء؟
مع احترامي لفهم هؤلاء بأن رمضان شهر الاجتهاد في العبادة والصفاء الروحي، حيث تصفد فيه الشياطين وتُضاعف الحسنات، لكن هذا لا يعني إهمال الزوجات اللواتي لهن حق على أزواجهن، ولهذا يجب الاعتدال والموازنة، ومن يقرأ سيرة الرسول الكريم (صلّى الله عليه وسلّم) سيجد هذا، باعتباره المثل الأعلى لكل المسلمين في كل شيء، ولهذا قال تعالى: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كثيراً» (آية 21) سورة «الأحزاب».

سلوك نبوي
-لكنَّ هؤلاء يؤكدون أن الرسول كان يقيم الليل حتى تتورم قدماه!

ليت الأزواج يحسنون قراءة سيرته ويقلدونه في ما كان يفعله مع زوجاته، فقد كان يدلل زوجاته ويرسم على وجوههن البسمة، حتى في أصعب اللحظات والمواقف. فمثلاً بعد رجوعه من إحدى الغزوات، طلب من القافلة أن تسبقه ويقوم بعيداً عن أعين الصحابة بمسابقة أم المؤمنين السيدة عائشة، مرتين وليس مرة واحدة، وسبقها مرة وسبقته مرة، وقال لها «هذه بتلك»، وبالتالي لا تعارض بين كونه رسولاً وقائداً باسلاً في المعركة منذ ساعات، وسرعان ما يصبح الزوج الحاني على زوجته، يُدخل السرور إلى قلبها بالعمل وليس بالقول فقط، وهذا ليس مستغرباً على سيرته العطرة، وهو الذي يوصي بالنساء خيراً في أحاديث كثيرة، والقائل عن نفسه «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي».

الرسول وزوجاته
-ليتك تقدم لنا نموذجاً آخر لاحترام الرسول رغبة زوجاته في الترفيه طوال العام، مما يثبت أن الحياة ليست جامدة وكئيبة كما يراها بعض الأزواج الذين يدّعون أنهم يمثلون صحيح الدين والالتزام الشرعي؟

موقف آخر تحكيه أم المؤمنين عائشة بنفسها، فتقول: «دخلت مجموعة من أهل الحبشة المسجد يلعبون، فقال لي رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم؟ فقلت: نعم، فقام بالباب، وجئته فوضعت ذقني على عاتقه، فأسندت وجهي إلى خده، قالت: ومن قولهم يومئذ: أبا القاسم طيباً، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): حسبك. فقلت: يا رسول الله لا تعجل، فقام لي، ثم قال: حسبك، فقلت: لا تعجل يا رسول الله، قالت: ومالي حب النظر إليهم ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي، ومكاني منه».

-قد يقول البعض إن رمضان له خصوصية، ولهذا يجب أن نبتعد عن الترفيه مع الزوجات، فما ردكم؟
هذا كلام غير صحيح، لأن من تتبع حاله (صلّى الله عليه وسلّم) مع زوجاته في رمضان، نجد أنه عمل على التوازن بين الروح والجسد، فيصف حاله مع زوجاته طوال العام بما فيه رمضان، وفي الوقت نفسه ينصح رجال أمته بقوله (صلّى الله عليه وسلّم): «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»، وقد روت غالبية زوجاته أحواله معهن في رمضان، حيث لم يقصّر في احتياجاتهن الزوجية، وفي الوقت نفسه هناك أحاديث أخرى روتها زوجاته، من أنه كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان وأذن لهن بالاعتكاف، ويكفي وصف الرسول علاقة الرجال بالنساء بالأشقاء، فقال: «النساء شقائق الرجال»، ووصف النساء بالقوارير قائلاً: «رفقاً بالقوارير»، وكانت حياته تملؤها الرقة والحنان الشديد مع زوجاته، وكان يخشى عليهن من أي أمر يفزعهن، ولهذا كان يجسد كل معاني المودة والرحمة التي جعل الله بها الزواج آية من آياته، حين قال: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (آية 21) سورة «الروم».

طوارئ الغضب

-بعض الأزواج في رمضان يرفعون حالة «الطوارئ القصوى» ولا تراه إلا غاضباً وشاتماً وضارباً بحجة أنه صائم، فهل هذه الأخلاق مقبولة شرعاً في رمضان؟

هذه الأخلاق مرفوضة ومذمومة طوال العام، فما بالنا برمضان الذي يفترض أننا نتعلم منه الصبر والحلم، خاصةً مع الزوجة والأولاد، ولهذا قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ شاتمه فليقل: إني صائـم، إني صائـم»، مع ملاحظة تكرار جملة «إني صائم» للتصبر وعدم الرد على الإساءة بمثلها، فهذه هي الأخلاق الإسلامية الصحيحة للصائم القادر على كبح جماح غضبه مع الغير، فما بالنا مع أهل بيته.

-ما هي الآثار الضارة لوجود حالة الغضب الدائم والتجهم والشتم، حتى قد يصل الأمر إلى الطلاق بحجة أنه صائم؟
مثل هذه الروح السلبية آثارها السلبية كثيرة، ويكفي أن أقول إنها تقتل المشاعر الطيبة بين الزوجين، وتشعل نيران المشاكل بينهما، وشيئاً فشيئاً تضيع معاني الرحمة والمودة، ولعل هذا يفسر الأرقام المخيفة لقضايا الأحوال الشخصية، من الخلع والطلاق والنفقة التي تصل إلى المحاكم، مما يؤدي إلى تشرد الأولاد، فأمثال هؤلاء الأزواج لم يفهموا رمضان جيداً، بل فعلوا عكس المطلوب، ولهذا فهم آثمون شرعاً، ولست مبالغاً إذا قلت إنهم قد يضيعون ثواب صيامهم بهذا الجهل بأحكام الشرع في رمضان، لأن الصائم الحقيقي هو من يتحكم في انفعالاته ونفسه الأمّارة بالسوء.

المحصلة صفر
-ما هي المحصلة النهائية التي يجنيها الأزواج الذين لا يفهمون مقاصد الدين وأوامره في رمضان؟

يؤسفني القول إن المحصلة قد تكون «صفراً» إذا خالف الأزواج تعاليم الإسلام الخاصة بأخلاق الصائمين المقبول صومهم، وأخشى أن يكونوا ممن قال فيهم رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر»، وقوله أيضاً في حديث آخر: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه».

لا ثواب للمزور

-هل قول الزور يضيّع ثواب الصيام مع أن البعض قد يفعله مجاملة لمن يحب ولا يرى فيه أي مؤاخذة شرعية؟
نعم قول الزور يضيّع ثواب الصيام ويحبط كل أعمال الإنسان في رمضان أو غير رمضان، نظراً الى خطورة ما فيه من جعل الحق باطلاً والباطل حقاً، وإضاعة حقوق العباد، ولهذا بيّن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) أن شهادة الزور من أكبر الكبائر، قال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» ثلاثاً، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين»، وجلس وكان متكئاً فقال: «ألا وقول الزور، ألا وقول الزور، ألا وقول الزور»، قال: «فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت»، وذلك إشفاقاً عليه (صلّى الله عليه وسلّم) من غضبه من قول الزور، بل إن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أكد المعنى نفسه في حديث آخر: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم»، خاصةً إذا ارتبطت هذه الكلمة باليمين الغموس وهو الكذب، فهذه موجبة للنار لقول النبي: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة»، فقالوا: لو كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال: ولو كان عوداً من أراك»، أي أن من أشر الأعمال أن يرتبط الزور باليمين الكاذب الفاجر، وهذه سمة عامة في الذين يشهدون الزور.

قاطع الرحم

-رغم أن «الرحم» اسم مشتق من أسماء الله الحسنى «الرحيم»، إلا أن البعض يواصل مسيرته في قطيعة الرحم في رمضان، فهل يؤثر هذا في ثواب صيامهم، أم أن هذا عمل وذاك عمل آخر؟
من المؤسف انتشار هذه المشكلة في كثير من المجتمعات العربية، وقد وصلت كثرة الخلافات والنزاعات بين الأقارب إلى حد القطيعة لسنوات طويلة، حتى تجد القريب يقاطع قريبه وكذلك الأخ يهجر أخاه، وأحياناً قد يصل الأمر أن يعتدي الابن على أبيه وأمه لأسباب تافهة، وبلغ الجحود حد توارث الأبناء قطيعة الرحم عن الآباء، ولا يعلمون أنهم وقعوا في كبيرة من كبائر الذنوب، توعد الله على من فعلها باللعن والطرد من رحمته ولهذا يقول الله عز وجل: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ» (الآيتان 22-23) سورة «محمد»، وكذلك قول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله».

-البعض يقول إن قاطع الرحم لا يدخل الجنة، فهل هذا صحيح؟
الأمر كله بيد الله، ولهذا ندعو قاطع الرحم لأن يسارع بالصلة واستغفار الله عما مضى، وردّ المظالم للبشر قبل أن يدركه الموت، فيكون من الخاسرين لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رحم ومصدّق بالسحر»، وخص النبي (صلّى الله عليه وسلّم) عاق والديه بالحرمان من الجنة، فقال: «ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديوث، ورجلة النساء» لأن قطيعة الرحم من كبائر الذنوب لا من صغارها.

-طالما علمنا هذا الوعيد والحرمان من الجنة لقاطع الرحم، فماذا نقول لمن يصل رحمه خاصةً أن شهر رمضان فرصة لصلة الرحم؟
إن للواصل رحمه أجراً عظيماً وخيراً كثيراً، بل إن هذه الصلة أحد أسباب دخول الجنة، فعن أبي أيوب الأنصاري أن رجلاً قال للنبي (صلّى الله عليه وسلّم): «أخبرني بعمل يدخلني الجنة. فقال النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «تعبّد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم»، وأوصى النبي أمته بجوامع الأعمال التي تدخل الجنة، ومنها صلة الرحم فقال: «يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام».

-هل معنى هذا أن ثواب صلة الرحم في الآخرة فقط؟
إطلاقاً، بل إنه من الأعمال التي فيها خير الدنيا قبل الآخرة، فأخبرنا (صلّى الله عليه وسلّم) أنها سبب في التوسعة في العمر والرزق، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «من سرّهُ أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه».

عفو المظلوم

-لكن أحد الأقارب قد يرى أنه مظلوم، فهل عليه أن يصل رحمه قبل أن يحصل على حقه أو يقتص لمظلمته من قريبه؟
أقول لكل مظلوم: إن العفو والصفح من شيم الكرام وخلق الأنبياء والصالحين في كل زمان ومكان، وقد قدم لنا القرآن الكريم مثالاً رائعاً في قصة نبي الله يوسف عليه السلام مع إخوته الذين ظلموه بعدما حسدوه لمحبة أبيه له، حتى قال قائلهم: «اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ»، فلم يبطش بهم أو ينتقم منهم لما صنعوا به وهو صغير، لكنه قابلهم بالعفو الحسن والصفح الجميل، فقال لهم: «لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» (الآية 92) سورة «يوسف»، فهل هناك من ظلمه أهله أكثر من يوسف؟ وما أجمل قول الله تعالى: «وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ» (آية 22) سورة «النور».

-ألا ترى أن أخلاق كثير من المسلمين تتناقض مع ما يدعو إليه الإسلام، خاصة في رمضان؟
للأسف الشديد هذا صحيح، لأن المشكلة أننا في رمضان حاصرنا أنفسنا بمجموعة من التقاليد التي تخالف تعاليم الإسلام، فمثلاً تكاليف الأسرة من الطعام في وجبتين فقط يومياً أضعاف تكلفة ثلاث وجبات في غيره، فهل هذا منطقي؟ المحزن أن هذا يتم مع أننا نقرأ في القرآن الكريم يومياً ومنا من يختمه كل عدة أيام، ولكنه للأسف يقرأ ولا يتدبر ولا ينفذ ما تتضمنه الآيات من أوامر ونواهٍ إلهية.

-نود عرض نماذج عملية حتى لا يقول البعض إن هذا مجرد كلام مرسل لا أساس له على أرض الواقع؟
الأمثلة كثيرة جداً، منها على سبيل المثال أن الإنفاق في رمضان يكون أضعاف غيره من الشهور، مع أن أحد أهدافه الإحساس بمعاناة الفقراء والجوعى، فتكون النتيجة زيادة العطف عليهم. أما الواقع فإننا نفعل العكس تماماً من التبذير والإسراف، فأين نحن من قول الله تعالى: «إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا» (آية 27) سورة «الإسراء»، وقول الله تعالى: «يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» (آية 31) سورة «الأعراف».

-هل تقصد بهذا أننا نعاني التدين المغشوش أو الظاهري؟
يؤسفني أن تكون الإجابة بـ «نعم» مع أن الله حذّرنا من أن نكون ممن تتناقض أقوالهم مع أفعالهم حين قال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ» (الآيتان 2-3) سورة «الصف».

-فما الحل حتى يكون صومنا مقبولاً؟
أن نتدبر ما نقرأه من القرآن في شهر رمضان الذي نزل فيه القرآن، البعض منا يختم القرآن كاملاً عشر مرات في رمضان، لكن حين النظر إلى سلوكياته وأخلاقه نجد – للأسف الشديد – عكس ما يقرأ، وهذه صفات ذميمة تقلل من ثواب الصائم إن لم تضيعه أحياناً.

مخالفة القرآن

-هل يمكن أن نطلق على من يقرأون القرآن ويخالفون أحكامه سواء في رمضان أو غيره أنهم ممن يهجرون القرآن؟

نعم لأن فهمي لـ «هجر القرآن» ليس فقط عدم القراءة كما يفهم العامة، وإنما الهجر قد يكون بتناقض أخلاقنا وأفعالنا مع ما يدعونا إليه ونحن نقرأ فيه ليلاً ونهاراً، ولهذا حذرنا القرآن من أن نكون من هؤلاء، فقال الله تعالى: «وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا» (آية 30) سورة «الفرقان»، وقد ورد في كتاب «إحياء علوم الدين» لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي، أن أنس بن مالك قال: «رب تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه»، ذلك أنه يخالف ما يقرأه فيه متعمداً.

-إذاً الأمر خطير حتى أن البعض يرى أن القراءة حينئذ تكون بلا ثواب حقيقي؟
نعم، ولهذا فليكن رمضان بداية حقيقية لقراءة القرآن بتدبر حقيقي ولا يهم كم القراءة، وإنما الأهم هو تدبر ما نقرأ وتنفيذ ما فيه، فهذا ما كان يفعله الصحابة والتابعون والصالحون في كل العصور، ولنا أن نتأمل مع الله تعالى: «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا» (آية 24) سورة «محمد».

-هل معنى هذا أن القراءة بتدبر حتى لو كانت أقل أفضل من القراءة الكثيرة بلا تدبر؟
بالتأكيد، ولهذا كان الصحابة يحرصون على العمل بما يحفظون قبل أن يحفظوا غيره، ومن يتأمل آيات القرآن سيجد العشرات منها تربط الإيمان بالعمل الصالح وربطهما بالجنة، فقال الله تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ. الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ» (الآيتان 28-29) سورة «الرعد»، وهذا تحذير المسلم الذي يقرأ القرآن من ترك العمل به، فإن من عباد الله من يمر على ما ينهى عنه القرآن، كنهيه عن الربا ثم يتعامل بالربا، وكنهيه عن الظلم ثم يظلم، وكنهيه عن الغيبة ثم يقع فيها... ونحو ذلك مما في القرآن الكريم من الأوامر والنواهي.

أحكام استثنائية

-يرى البعض أن من الظلم أن يُحكم بالفطر على المرأة التي جاءتها الدورة الشهرية قبل غروب الشمس بدقائق معدودة؟
ليس في هذا ظلم، بل إن أحكام الشرع يجب التسليم بها لما قرره الله، ولهذا فإنه إذا صامت المرأة وعند غروب الشمس وقبل الأذان بفترة قصيرة جاءها الحيض بطُل صيامها، وعليها أن تفطر وتقضي هذا اليوم بعد ذلك حتى رمضان المقبل.

-هل ينطبق الحكم نفسه إذا كانت تشعر بآلام الدورة؟
من رحمة الإسلام أنه إذا أحست المرأة بألم العادة، ولكن الدم لم يخرج وهي صائمة إلا بعد غروب الشمس، فإن صومها ذلك اليوم صحيح وليس عليها إعادته.

الإمساك والإفطار

-يتوقف البعض عن الأكل والشرب والجُماع بمجرد سماع «مدفع الإمساك» وكذلك يبدأ البعض الأكل والشرب بمجرد سماع «مدفع الإفطار»، فهل صيامهم صحيح شرعاً؟
أذن الله تعالى بالأكل والشرب والعلاقة الزوجية حتى يتبين الفجر، أي «أذان الفجر»، وليس عند «مدفع الإمساك»، وبالتالي إذا أذَّن الفجر، يجب الصوم فوراً، وإلا أصبحا مفطرين عمداً، ويكون على الزوج القضاء والكفارة الكبرى، وهي صيام ستين يوماً أو إطعام ستين مسكيناً. أما الزوجة فيكون عليها القضاء فقط، أي صيام يوم بدلاً من اليوم الذي أفطرته، والحكم الشرعي نفسه بضرورة الفطر عند سماع أذان المغرب وليس «مدفع الإفطار».

الست البيض

-يشترط بعض الفقهاء التتابع في صيام الست البيض، ألا ترى أن هذا يتنافى مع التيسير الإسلامي؟
نعم لأن صيام الست من شوال، التي يطلق عليها العوام مجازاً أو عرفاً الست البيض، تكون طوال شهر شوال، ولا يشترط التتابع لعموم قول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر».

-يدّعي البعض أن صيام رمضان لا يقبل إلا بصيام هذه الأيام الستة من شوال، فهل هذا صحيح؟
هذا الكلام لا يقوله إلا جاهل أو متعصب، لأن صيام هذه الأيام الستة من شوال سُنّة عن النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، ويرى جمهور العلماء أنه يحتسب فيها المسلم مع صيام أيام رمضان كأنه صام العام كله، حيث إنه بذلك يكون قد صام 36 يوماً، والحسنة بـ10 أمثالها، أي 360، وهو عدد أيام السنة، فضلاً عن أن هذا يدل على قبول صيام رمضان إن شاء الله تعالى، لأن من علامة قبول الطاعة، الطاعة بعدها، ويدل أيضاً على أن العبد لم يملّ من الطاعة فبادر الى الصيام مرة أخرى، ويمكن توزيعها على شهر شوال في الاثنين والخميس أو في الأيام البيض وسط الشهر.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079