فوزي صلّوخ وحفيده نائل في رحلة العودة إلى الجذور
من يُطالع عنوان غلاف «إقرأ يا نائل»، يظنّ أنّ كاتبه فوزي صلّوخ خلع ثوب السياسي متوجهاً إلى حفيده نائل بصفة الجدّ الحكّاء بعيداً من دوره كسفير ووزير لبناني سابق. ولكن مع التعمق في القراءة، نكتشف أنّ هذا الكتاب لا يبتعد عن أجواء السياسة والتاريخ، مع نفحة ذاتية تُقرّبه من السيرة التي سبق أن كتب فيها إصدارين، الأول بعنوان «درب وسنابل» والثاني «مذكراتي وزيراً للخارجية والمغتربين» الصادرين عن دار المنهل اللبناني.
ينطلق الكاتب من حفيده نائل، ليتوجه عبره إلى جيل المستقبل من أطفال ينبغي أن يتعرّفوا إلى جذورهم لكي يتجذّر لديهم إحساس بالأصالة والوطنية. وليس عبثاً أن يختار صلّوخ العودة إلى الماضي من خلال حديثٍ يوجّهه إلى جيل الغد من أبنائه، لأنّ الواقع الراهن عربياً، ولبنانياً، على وجه التحديد، يشي بأنّ الأجيال الصاعدة تُعاني أزمة هوية. ومع أنّ المجتمع لا يتعامل مع هذا الواقع على أساس أنه أزمة، فثمة دلالات سوسيولوجية ولغوية كثيرة تومئ بأنّ ما يعيشه جيل الفتيان اليوم يُعبّر في شكل من أشكاله عن ضياع هوية، منها التخاطب باللغات الأجنبية – عربية وإنكليزية- بدلاً من العربية، متابعة البرامج الغربية بأفكارها وبيئتها وخصوصيتها كبديل من البرامج العربية، وغيرها الكثير... وعلى رغم انفتاح صلّوخ سياسياً وأدبياً ولغوياً على الخارج، وهو الذي قضى ردحاً من حياته ديبلوماسياً في سفارات لبنان في العالم، يظلّ خوفه كبيراً على إرث هذا الوطن الذي لن يُحفظ إذا ما جهل أبناؤه قيمته. «الهدف من هذا العنوان، تحميل الأمانة لحفيدي ولجيله، ولأبناء الأجيال الطالعة، مهما كانوا وأينما كانوا، أن يُفكروا بجذورهم، بقيمهم، بمنزلهم، بجيرانهم، بالتراث اللبناني المجيد والأصالة اللبنانية التليدة».
من هنا، اهتمّ صلّوخ، السياسي الحريص على تاريخ وطنه والجدّ الخائف على مستقبل جيل حفيده، بأن يقدّم وثيقة قد يستفيد منها كلّ من أراد التعرّف إلى جزء من جغرافية لبنان وتاريخه. هكذا اختار الكاتب العودة إلى مسقط رأسه، القماطية، باعتبارها المكان الأول، وإلى الذكريات والعادات والتقاليد والحياة البسيطة وقصص الأجداد، أصحاب الأرواح النبيلة، ممّن كدّوا واجتهدوا وجاهدوا في سبيل توفير حياة أفضل للأبناء والأحفاد... فجاء الكتاب بفصوله وأجزائه أشبه بسفر عبر التاريخ إلى زمن الأصالة والتراث. «العودة إلى الجذور واجب إنساني، كما هي فعل إيمان بمحبة المكان الذي هو جزء من الوطن. والولاء إلى المكان هو ولاء للوطن، الذي هو محبة ووفاء واحترام وشهادة. وعودة المرء إلى جذوره، هي العودة إلى المكان الذي ولد فيه وحبا وترعرع، ونشأ وشبّ، في أوساط العائلة والأسرة الكبيرة والجيران، وجمع سكان هذا المكان من أهل وأقرباء وأتراب وأصدقاء».
تُمثّل قرية «القماطية» بوصلة صلّوخ التي يستهدي من خلالها إلى تاريخه وأصوله وذاته. وهو حين يبحث في سيرة المكان وتحولاته، فإنه يحفر في الذاكرة والتاريخ، ومن هنا جاء اختيار العنوان الفرعي للكتاب «حكاية قرية في تاريخ وطن».
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024