إنه الصيف... وطفلي يخشى الماء ولا يجرؤ على السباحة في البحر!
ينظر أحمد إلى أصدقائه وهم يمرحون في مياه البحر الزرقاء يلاحقون الموج، تعلو صيحاتهم وضحكاتهم، ينادونه للانضمام إليهم وهو يفضّل الجلوس على الشاطئ يبني قصرًا من الرمال. فهو لا يجرؤ على الاقتراب، فيما أصدقاؤه يستمتعون بالماء كما الأسماك، كأنهم عادوا إلى مكانهم الأصلي، وتغمرهم السعادة وهم يرشقون بعضهم بالماء أو يتنافسون على الغطس أو يتسابقون في السباحة، إما في حوض السباحة أو في البحر. فلماذا يخاف أحمد الاقتراب من الماء؟
رغم أن جميع البشر عاشوا قبل أن يولدوا في الماء وهم أجنّة في أرحام أمهاتهم، يعومون في السائل الأمنيوسي، الدافئ الذي يحيطهم في بطن أمهاتهم، لكن الشعور بالراحة والأمان في الماء ليس موجودًا عند كل الأطفال، إذ تشكل المياه بالنسبة إلى عدد كبير منهم مصدر خوف.
فبعضهم، ولا سيما الحديثي الولادة، مثل الرضّع أو الذين لم يتعدّوا السنتين، ينتابهم الخوف من الماء، ليس في حوض السباحة فقط أو خلال الاستحمام، بل من الماء عمومًا.
.الماء ليس مرادفًا للسعادة بالنسبة إلى الأطفال الصغار جدًا
صحيح أن المياه هي غالبًا مصدر سعادة. فغمر الرضيع في حوض الاستحمام، يثير في بشرته وهو يلامسها مشاعر رائعة تظهر في ابتساماته ومناغاته.
لكن ليس كل الرضّع لديهم الشعور نفسه تجاه الماء، فبعضهم يبدأ الصراخ والبكاء مجرد أن يلمس إصبع رجله الماء. ويربط بعض اختصاصي علم نفس الطفل هذا الخوف المبكر من الماء بصدمة معينة حدثت له لحظة الولادة، فالانقطاع عن غشاء ماء الرحم قد يرافقه شعور بالقلق والتوتر الشديد عند المولود، يرسخ لاحقاً في لا وعيه.
التآلف مع الماء مهارة مكتسبة
يفاجأ الأهل أحيانًا بأن طفلهم، الذي بدا أنه سبّاح منذ شهره الرابع، أو يسبح في الماء كما السمك عندما كان في الثانية، بدأ يتردّد أو يبتعد عن حوض السباحة أو البحر.
والواقع أن التآلف مع الماء يشبه إلى حد كبير تعليم النظافة، فالتعوّد على الماء هو عادة مكتسبة، والأطفال يعبرون غالبًا مراحل تقدم كبيرة، لكن تمر عليهم أحيانًا لحظات تنتابهم خلالها حالة نكوصية. وغالبًا ما يحدث ذلك عند البدء في السباحة في البحر، حين تتقدم سن الطفل ويصبح أكثر إدراكًا للحركة والأصوات ورحابة البحر، وهذا يشعره بالهلع.
لماذا يخشى بعض الأطفال المياه؟
نظريًا، لا يشعر الطفل بالخوف من الماء قبل بلوغه الأشهر الأربعة... بعد هذه السن هناك أسباب عدة للخوف، فلكل طفل تاريخه الشخصي، وسببه الخاص للخوف من الماء.
ذكرى سيئة
قد يتعلق الأمر بتجربة سيئة مع الماء، من دون أن يدرك ذلك الطفل يحفظها في ذاكرته وفي كل مرة تكون لديه فرصة الاتصال بالماء، تظهر هذه الذكرى في وعيه وتثير لديه الخوف.
مثلاً من الممكن أنه تعرض لحمام ساخن جدًا عندما كان رضيعًا، أو «تشردق» بالماء أو ربما غمر رأسه في الماء... ما يوقظ فيه شعور الألم في الأذن.
تجربة سيئة في المدرسة
يحدث أحيانًا أن الخوف من الماء يأتي في مرحلة متأخرة، إذ يرفض الطفل بشكل قاطع الذهاب إلى رحلة مدرسية من ضمن نشاطاتها السباحة، وقد يكون السبب أن أحد رفاقه دفعه في الماء في غفلة منه، أو ربما أحدهم غمر رأسه بالقوة في الماء أو أجبره على القفز أو الغطس في الماء. أو ربما كان محل سخرية بعض الأطفال المتنمّرين.
الماء بمثابة كابوس
في مراحل معينة من تطور الطفل ونموه، خصوصًا بعد سنّه الثانية، يمكن الطفل أن يخاف من الماء، وتحديدًا حين يشعر بأن الماء يمكن أن يبتعله.
وهو يكون ضحية مخيلته القوية، وعدم قدرته على التمييز بين الواقع والخيال. ويحدث أحيانًا أن الأطفال قد يخشون الحمّام لأنهم يظنون أن سوف تمتصهم «البلّوعة».
شعور نفسي بعدم الراحة
أحيانًا إذا لم يكن الطفل يخاف من الماء في الماضي وظهر الخوف فجأة، فهذا تعبير عن شعور بعدم الراحة النفسية لا علاقة له بالماء. لذا على الأهل البحث في المحيط، ولادة أخ، انتقال إلى منزل آخر، طلاق، أو ربما اكتسب بسرعة وبشكل مبكر مهارات جديدة مثل التخلي عن الحفاض أو المشي.
خوف أحد الوالدين من الماء
وهذه حالة شائعة، لأن أعداد الراشدين الذين يخافون من الماء هي واحد من بين أربعة وفق بعض الإحصاءات. إذاً من المحتمل أن ينقل أحد الوالدين وعن غير قصد، شعوره بالخوف من الماء إلى طفله من دون أن يعبّر عن ذلك بالكلام.
رهاب شديد
يخاف بعض الأطفال من الماء مثلما يخاف البعض من العنكبوت أو الأفاعي، من دون أن يعرفوا الأسباب الكامنة وراء هذا الخوف المرضي.
إذًا يتعلق الأمر بفوبيا أو رهاب حقيقي، أي خوف غير منطقي، ربما لا تكون له علاقة إطلاقًا بذكرى سيئة مع الماء.
ومع ذلك، يمكن الأم مساعدة طفلها في التخلص من الخوف من الماء. فإذا كان الطفل لا يحب «الدوش»، يكره أن يسيل الماء على وجهه، أو إذا كان يشعر بالمرض أو يشكو آلاماً في معدته في اليوم الذي سيخرج فيه إلى حوض السباحة، فهذه مؤشرات أكيدة الى أنه لا يرتاح إلى الماء.
الذهاب إلى حوض السباحة ليس متعة للجميع
حوض السباحة أو شاطئ البحر هي نشاطات صيفية، فهناك نلعب، ونحرق الكثير من السعرات الحرارية وننشّط حركة الجسد. إذا لاحظت الأم بعض الخوف من الماء عند طفلها، فهذه فرصة للمبادرة الى مساعدته على التخلّص من الخوف.
فإذا كان الطفل يعاني رهاباً حقيقيًا من الماء، يجب البحث عن الأسباب مثل حوادث سابقة في الماء، تتماهى مع خوف الأم من الماء. وإذا لم تستطع اكتشاف أي من هذين السببين، عليها أن تجعله يذهب بالتدرّج لا إجباره. وأخيرًا في أقصى الحالات، يمكن المصاب برهاب الماء الخضوع لعلاج إدراكي وسلوكي أو متابعة دروس في السباحة.
نصائح عملية تساعد الطفل في التخلص من خوفه من الماء
- تركه يلعب بهدوء على الشاطئ إذا لم يكن يرغب في السباحة لحظة وصوله الى الشاطئ أو حوض السباحة. فهو سيفعل ذلك بنفسه عندما يشعر بأنه مستعد.
- لمصالحة الطفل مع الماء، يمكن اللعب معه ألعاباً مائية، مثلاً تعبئة الدلو بالماء وإفراغه، بناء قصر من الرمال بإملاء الدلو من مياه البحر، اللعب بالطابة على أن تكون القدمان مغمورتين بالماء. ومن دون علم وبسلاسة، اجعليه يتذوق متعة الألعاب المائية.
- أن يكون الأب والأم حاضرين لحظة دخوله الماء إذا كان صغير السن ومرافقته في خطواته الأولى نحو الماء، والامساك بيده واللعب معه، ومدحه على تقدّمه وشجاعته. إذا كان الطفل في الثالثة وما فوق، فمن الضروري الإشارة إليه أيضًا أن حضور الوالد أو مرافقته له من أجل طمأنته في أي لحظة، انه هنا وفي إمكانه الابتعاد.
- حمله والإظهار له متعة الاسترخاء، مثلاً الاسترخاء على لوح السباحة، أو الاستمتاع بالألعاب المائية، مثل الطابة، أو القفز من على قدمي الوالد أو الأم، أو الجلوس في الماء...
- عدم المبالغة في حمايته، فمن غير المفيد أن يعانق والده بقوة أثناء دخولهما الماء.
- جعله يتدبر أمر نفسه في الماء قدر المستطاع.
- عدم الطلب منه ما لا يستطيع فعله مثل القول له: «في سنّك يجدر بك معرفة السباحة»، فلكل طفل إيقاعه، وترويض مخاوفه الخاصة يحتاج إلى وقت.
- لا للإثارة بالقوة، على الأهل تجنب رش الطفل بالماء أو رميه في حوض السباحة أو وضع رأسه في الماء، بالنسبة إلى بعض الأطفال رميهم في الماء ليس مرحًا بل رعب.
- إذ ابتلع بعض الماء، على الأم مساعدته من دون تضخيم المشكلة، فمن غير المفيد التعليق على ذلك.
- عدم دفع الطفل للعب مع الأطفال الآخرين في حوض السباحة، فهؤلاء لا يفهمون قلقه وبالتالي سيكون عرضة لسخريتهم.
- عدم اصطحاب أصدقاء أو أقرباء يجيدون السباحة، فالمقارنة قد تشعره بالإذلال.
- تحضير «سناك» خفيف وزجاجات مياه ومنشفة. فاللعب والسباحة يُشعران الطفل بالجوع والعطش وبالتالي سوف يشعر بالبرد.
- عدم إرغام الطفل على السباحة إذا لم يرغب في ذلك.
- عدم تذكيره بأنه كان يسبح، بل يجب تركه يدمج هذا النشاط في برنامجه اليومي، وعدم جعله نشاطاً منفردًا.
- عدم تحضير حقيبته الرياضية الخاصة بالسباحة إلا إذا طلب هو ذلك.
- تجنب التعليقات السلبية، مثلًا: لا تخف، لا تركض، لا تتعرض للبرد.
- عدم تحويل اللعب في الماء إلى نشاط تقني عندما يبدأ الطفل السباحة.
- تشجيعه على التقدم ومشاركته السعادة.
- التكلم مع الطفل على شعوره بالخوف من الماء، فالخوف من الماء شعور يحتمل مظاهر عدة، تختلف من طفل إلى آخر. ومساعدته في التحدث عن خوفه هي مرحلة تساهم في التغلب على قلقه بالتعبير عن مشاعره بالخوف والرعب بالكلمات. ما يهم ليس لماذا يخاف الطفل من الماء، فهو من دون شك لا يعرف لماذا أو ما هو سبب هذا الخوف، وإنما المهم هو مساعدته في التعبير عن كيفية الخوف.
- جعله يحدّد في لائحة، التفاصيل وبماذا يشبّه هذا الخوف، قوته وشكله ولونه، أية أحاسيس ترتبط بهذا الخوف وكيف يشعر تجاه هذا الخوف... صغير جدًا، هش، يرتجف...
- استعمال الصور إذا كان يصعب عليه التعبير. مثلاً الطلب منه أن يظهر بجسده حجم هذا الخوف، أو إذا كان حيوانًا ماذا سيكون؟ كما يمكن الاقتراح عليه تقليد هذا الحيوان ومواجهته.
- الطفل هو الذي يرشد الأهل من خلال سلوكه وتعبيره عن حاجته أو رغبته في السباحة. وقد تطول هذه الفترة، لذا على الأهل التحلّي بالصبر وعدم إرغامه إذا لم يكن مستعدًا، فمن الممكن التراجع وبالتالي التخلي عن محاولة أخرى.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024