تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

تحدّت المجتمع واقتحمت عالماً رجالياً فقط! قصة فتاة «السكوتر»!

تعرب منار عن أمنيتها في تعميم ما قامت به، خاصة أنه يوفر الكثير في الوقت والمال، علاوة على المساهمة في تقليل الزحام في الشوارع، والتخلص من حالات التحرش في وسائل المواصلات

تعرب منار عن أمنيتها في تعميم ما قامت به، خاصة أنه يوفر الكثير في الوقت والمال، علاوة على المساهمة في تقليل الزحام في الشوارع، والتخلص من حالات التحرش في وسائل المواصلات

"وجدت ترحيباً شديداً من الجميع في الشارع، خاصة من السيدات اللاتي يصفنني بـ«بنت بمائة رجل»"

أكثر من ساعة ونصف الساعة، كانت تقضيها يومياً وسط الزحام حتى تتمكن من الذهاب إلى عملها في الصباح، أو العودة إلى منزلها عقب انتهائه، شكلت حافزاً لها لتثور على تقاليد وعادات مجتمع اختص فيه الرجال بقيادة الدراجات البخارية «السكوتر»، وحُرمت المرأة من ذلك من دون أي مبررات قانونية تمنعها سوى أنها كائن ضعيف في نظر البعض. لكن منار تحدت الجميع لتصبح أول فتاة تستخرج رخصة قيادة دراجة بخارية.

منار ماجد، فتاة قررت الخروج على النص في المجتمع المصري، وأثبتت للجميع أنها نموذج قوي لامرأة بحثت عن راحتها في وسيلة مواصلات توفر لها الوقت وسط زحام الشوارع، عندما ذهبت إلى إدارة المرور ووقفت في طابور طويل كانت فيه الفتاة الوحيدة، لتتمكن عقب ذلك من استخراج رخصة قيادة دراجة بخارية، كأول فتاة في مصر تحصل على هذا النوع من تراخيص القيادة، التي كانت حكراً على الرجال.
منار تروي لـ «لها» تجربتها الفريدة، التي انطلقت من عناء يومي داخل سيارتها التي تقضي فيها أكثر من ساعة ونصف الساعة يومياً حتى تتمكن من الوصول إلى عملها أو العودة منه، في مسافة لا تستغرق أكثر من سبع دقائق، لدرجة جعلتها تفكر في ترك عملها، حتى جاءتها الفكرة لترتاح من هذا العناء من طريق والدها، الذي كان الداعم الأول والمشجع لهذه الفكرة الغريبة على المجتمع المصري.
فتاة «السكوتر»، كما تشتهر في المجتمع المصري، تبلغ من العمر 25 عاماً، تخرجت في كلية الآداب قسم علم النفس، وتعمل في وزارة الداخلية المصرية كموظفة مدنية، ورغم أنها تنتمي الى أسرة ميسورة الحال وتمتلك سيارة خاصة، فقد وجدت راحتها في وسيلة نقل هي الأكثر انتشاراً بين الفئات الكادحة بسبب رخص ثمنها، الذي لا يتجاوز خمسة آلاف جنيه.

عناء يومي
المسافة من منزلي إلى عملي لا تستغرق أكثر من سبع دقائق، ورغم ذلك كنت أقضي يومياً أكثر من ساعة ونصف الساعة حبيسة في سيارتي حتى أصل إلى عملي في الصباح، وسط زحام لا ينتهي، وهو ما يتكرر في طريق العودة، هكذا تروي منار كيف جاءتها فكرة استخراج رخصة دراجة بخارية.
تضيف: «كنت أشعر بالاختناق بسبب هذا الزحام، ولم أعد أطيق قيادة سيارتي، فلجأت الى وسائل المواصلات العامة لأجد معاناة أكثر صعوبة. ففي أوقات الذروة، حيث مواعيد الذهاب الى العمل أو الخروج منه، تشهد وسائل المواصلات زحاماً رهيباً، بل صراعاً في بعض الأحيان من أجل الفوز بمقعد، وللأسف لا يبالي الرجال بوجود نساء في مثل هذه المواقف، بل يدفعونهن بعيداً من أجل استقلال وسائل المواصلات دونهن، هذا فضلاً عن حالات التحرش التي قد تشهدها وسائل النقل الجماعي وسط هذا الزحام من بعض ضعاف النفوس».

فكرة الأب
معاناة منار كانت سبباً في شكوى يومية تقدمها لأسرتها، المكونة من والدها ووالدتها وأخت تكبرها بثلاث سنوات وأخ يصغرها بثمانية أعوام، تروي لهم يومياً مغامرات ثقيلة مرت بها، لدرجة أنها لم تعد تطيق الذهاب إلى عملها، حتى جاء الحل في عبارة أطلقها الأب عندما قال لها «اشتري لك دراجة بخارية».
ظنت الفتاة أن والدها يمازحها، فهزت رأسها مشيرة إلى موافقتها، من دون أن تدري أنه سيأخذ كلامها على محمل الجد، لتجد دراجة بخارية في انتظارها أسفل مسكنها في اليوم التالي، اشتراها الأب لها ليريحها من عناء المواصلات وزحام الشوارع.
وتروي منار كيفية إجادتها قيادة وسيلة المواصلات الجديدة التي توافرت لها، فتقول: «وأنا صغيرة كنت أقود الدراجات، لذا كان الأمر بالنسبة إلي أكثر سهولة من حيث قدرتي على التوازن، وظل والدي يركب خلفي وأنا أقود الدراجة البخارية «السكوتر» حتى يتأكد من إجادتي قيادتها، لدرجة أنه عقب وصولي إلى عملي كان يأخذ الدراجة ويتوجه بها إلى عمله خوفاً من أن يتركها لي فأعود الى المنزل بمفردي».

رفيق الطريق
ظل والد منار يرافقها لمدة ثلاثة أيام، تأكد بعدها أنها باتت قادرة على قيادة «السكوتر» بمفردها، لتتوجه عقبها إلى إدارة المرور حتى تتمكن من استخراج رخصة قيادة دراجة بخارية، كأول امرأة تفعل ذلك، رغم أنها ليست أول فتاة تقود دراجة بخارية، وإنما أول واحدة تفكر في التعامل مع الأمر بشكل قانوني ورسمي. في إدارة المرور، كانت منار الأولى في طابور مكون من 14 شخصاً، هي الفتاة الوحيدة وسطهم، ورغم ذلك وجدت تشجيعاً من الجميع، بل طالبها الرجال المتواجدون معها بالانتظار حتى النهاية، كي تستفيد من أخطاء من يسبقها في الاختبارات، وتتلافى الوقوع فيها.

استخراج الرخصة
«ضابط المرور قال لي لازم أتأكد أنك بتعرف تسوقي كويس جداً»، هكذا تروي منار رد فعل رجال المرور عندما علموا برغبتها في استخراج رخصة قيادة دراجة بخارية، وبدأوا في وضع الأقماع لها على شكل حرف «s»، لتمر من بينها بسهولة معلنة للجميع اجتيازها الاختبار، وتحصل على لقب أول فتاة تستخرج رخصة قيادة دراجة بخارية.
وتصف منار قيادة الدراجة البخارية بالرفاهية المتناهية، بعدما مكنتها من الوصول إلى عملها في سبع دقائق بدلاً من ساعة ونصف الساعة، وقد تصل إلى ثلث ساعة على أقصى تقدير في أوقات الزحام الشديدة، حيث يمكّنها صغر حجمها من المرور بين السيارات، علاوة على سهولة إيجاد مواقف، إلى جانب ما توفره في النفقات، بحيث لا تستهلك وقوداً كثيراً على عكس السيارة.

تشجيع السيدات
تضيف: «رغم الإساءات التي وجهت إلي، عندما نشر البعض صوراً لي وأنا أقود «السكوتر» على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما شجعني والدي على تجاوزه، لكنني وجدت ترحيباً شديداً من الجميع في الشارع، خاصة من السيدات اللاتي يصفنني بـ «بنت بمائة رجل» عندما يشاهدنني أسير بين السيارات، لكن هذا لا يمنع أنني أتعرض لمضايقات من سائقي الميكروباصات في بعض الأحيان، كالتي كنت أتعرض لها وأنا أقود سيارتي».
وتؤكد منار أن الأمر يحتاج الى «قلب جامد» وقدرة على مواجهة مجتمع يرفض التغيير. فعلى سبيل المثال، معظم الإساءات التي وجهت إلي على مواقع التواصل الاجتماعي كانت لوالدي، الذي سمح لابنته بالتشبّه بالرجال، ورغم ذلك كان والدي أكثر الداعمين لي، بل نصحني بعدم الالتفات الى الإساءات، لأن ذلك لن يمكّن أي شخص من القيام بما يحبه في الحياة.

ترحيب الزميلات
وتشير الى أن معظم زميلاتها في العمل يكبرنها في السن، ورغم ذلك رحبن بالفكرة، بل أكدن لها أنهن لو كنَّ في عمرها لفعلن مثلها، إلا أن والدتها كأي أم تشعر بالقلق عليها يومياً ولا تطمئن إلا عندما تتصل بها لتخبرها بوصولها بسلام.
وتقول منار إن والدها أيضاً يمتلك سيارة، لكنه يستخدم الدراجة البخارية في الذهاب إلى عمله، وغيره من الأماكن التي يكون فيها بمفرده، توفيراً للوقت، لكن شقيقتها التي تكبرها تخاف من قيادة السيارات، لذا من الصعب عليها أن تفكر في اتخاذ الخطوة نفسها.

تعميم الفكرة
تعرب منار عن أمنيتها في تعميم ما قامت به، خاصة أنه يوفر الكثير في الوقت والمال، علاوة على المساهمة في تقليل الزحام في الشوارع، إن لم يقض عليه بنسبة كبيرة، والتخلص من حالات التحرش في وسائل المواصلات، لكنها في الوقت نفسه تشير إلى أنها بعد الزواج لن تستمر في قيادة الدراجة البخارية، وستعود إلى سيارتها، ذلك لاختلاف الظروف وطريقة اللباس، علاوة على أن أطفالها سيكونون بصحبتها، ولا يجوز أن تستقل بهم دراجة بخارية، مؤكدة أن لكل وقت ظروفه.
لكن في السياق نفسه، ترفض منار الارتباط بشخص يخالف ما قامت به، لأنه في هذه الحالة سيكون شخصاً متخلفاً لا يناسب أفكارها على الإطلاق، فما تفعله ليس عيباً أو محرماً حتى يكون مرفوضاً.
وتؤكد منار في النهاية أنها تحاول قدر الإمكان الالتزام بكل قوانين المرور أثناء القيادة، باستثناء وضع الخوذة، حيث تشعر بالاختناق أحياناً نظراً الى معاناتها مشاكل في الجيوب الأنفية، فتضطر إلى خلعها لتنهي حديثها وهي تضحك، عندما تذكرت إحدى اللجان المرورية التي استوقفتها في أحد الأيام، وكان بينها ضابط برتبة لواء، وعندما شاهدها ابتسم قائلاً: «إيه الجمال ده»، ثم سألها إذا كانت تحمل رخصة، وهو ما أكدته وهمّت بإخراجها، لكنه قال لها: «لا، ربنا يستر طريقك».

القانون والتقاليد
من جانبه، يؤكد اللواء أسامة بدير، مساعد وزير الداخلية لقطاع أمن القاهرة، أن منار أول فتاة تحصل بالفعل على رخصة قيادة دراجة بخارية، حيث توجهت الى وحدة مرور عين الصيرة في منطقة مصر القديمة جنوب القاهرة وخضعت لجميع الاختبارات.
يضيف: «لا يوجد في القانون ما يمنع أي امرأة من استخراج رخصة قيادة دراجة بخارية، لكن هذا لم يحدث من قبل بفعل تقاليد المجتمع الذي لم يسمح للسيدات بقيادة الدراجات البخارية، مؤكداً أن هناك بعض الحالات تتاح فيها قيادة الدراجات البخارية ولكن من دون استخراج رخصة قيادة، خاصةً أن الأمر بالنسبة إليهن يكون على سبيل المرح وليس كوسيلة مواصلات يومية».
وأكمل اللواء أسامة أنه يرحب بالفكرة، بل وصفها بأنها حل عملي للقضاء على الزحام في شوارع العاصمة، خاصة لو طبّقها الجميع، شباناً وفتيات.

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080