أسيرات هوس تفسير الأحلام
تعتقد كثيرات أن في أحلامهن رسائل ودلالات لا بد من التعرف إليها، خصوصا إذا كانت متعلقة بالمستقبل وذلك من منطلق شغفهن بالاطلاع على الغيبيات، الأمر الذي يدفع بهن إلى البحث عن مفسرين على مقدار عال من الاحتراف لتفسير تلك الأحلام.
وفي ظل الاعتقاد السائد بأن المرأة ترى أحلاماً أكثر من الرجل استناداً إلى اهتمام النساء بتفسير المنامات وإقبالهن على المفسرين مقارنة بالرجال، تباينت آراء المختصين حول ذلك الأمر، وسط تأكيدات أنه لا علاقة للجنس برؤية الأحلام، وإنما هي طبيعة أوجدها الله في المرأة تختلف عن الرجل الذي عادة ما ينسى أحلامه عند الاستيقاظ نتيجة انشغاله بما هو أهم في الحياة ولكونه أكثر واقعية من المرأة، بحسب ما يرى البعض.
«لها» التقت مجموعة من أفراد المجتمع والمفسرين والمتخصصين في علم النفس، في السعودية، ومصر للإجابة عن العديد من الأسئلة المتعلقة بمدى اختلاف رؤى النساء عن الرجال وأسباب تتبّعهن لتفسير الأحلام وعلاقة ذلك الشغف بالاضطرابات النفسية. ونبدأ من السعودية.
نسرين عمران
رغم كثرة رؤيتها لأحلام مختلفة، تؤكد عدم ارتباط تلك الرؤى بما تفكر فيه قبل نومها أو حتى حالتها النفسية، وإنما عادة ما تكون متعلقة بصديقاتها أو قريباتها أو أفراد عائلتها.
وتقول نسرين عمران إنها تسعى في بعض الأحيان لتفسير أحلامها إذا ما كانت غريبة أو متكررة، ولكنها لم تلاحظ حتى الآن تحقق تفسيرها على أرض الواقع.
وترى أن اللجوء إلى مفسّري الأحلام أمر ضروري من أجل شرح تفاصيل المنام وترك المجال للمفسر كي يسأل ويستفسر ومن ثم يعبّر عن الرؤيا وفقاً للمعطيات التي لديه، خاصة أنها جرّبت تفسير أحلامها عن طريق فك الرموز باستخدام مواقع الإنترنت المتخصصة في ذلك، إلى جانب الخدمات المقدمة من باقات الهواتف النقالة كالرسائل النصية وغيرها، إلا أنها لم تجدِ نفعاً.
أم مشاري
أحلامها ليست في نومها، وإنما تحصل خلال «اليقظة»، ذلك أن أم مشاري لا تستطيع تذكّر رؤاها التي تمر في ذهنها وهي نائمة رغم محاولاتها شحذ ذاكرتها لاستحضارها حينما تستمع إلى أحلام صديقاتها.
وتقول أم مشاري: «أحياناً أرى مجرد خيالات حين أكون بين النوم والاستيقاظ، ولكنني لم أجرب تفسيرها كوني أعتقد أن الأحلام ما هي إلا مجرد تفريغ لشحنات ضغوط الحياة فقط».
وتضيف أن أكثر ما تتركز عليه خيالاتها هو الجانب العائلي كتمضية وقت جميل مع زوجها، خصوصاً أن التزامات عمله كثيرة وتتطلب منه السفر باستمرار.
وفي المقابل، فإن أم مشاري قد تصدّق علم تفسير الأحلام أحياناً، وذلك عندما ترى أن أحلام إحدى صديقاتها عادة ما يتحقق تفسيرها.
محمد بن الشيبة
تأكيداً للمثل الشعبي «إلّي في بالها أم الخير تحلم بها طول الليل»، لا يرى محمد بن شيبة في نومه إلا أحلاماً حول محادثات الكترونية بينه وبين أصدقائه كونه مهووساً بتقنية الـ»بلاكبيري»، وقد يحلم بوالده غير أن ذلك يحدث نادراً.
ولأنه لا يستطيع في الغالب تذكّر أحلامه بعد الاستيقاظ، فإنه لم يفكر في تفسير ما يتذكره منها، ورغم شعوره بالرغبة في ذلك، فإنه لا يستجيب لها، ويقول:»كل أمور الحياة في علم الغيب ولن أشغل بالي بمعرفة مستقبلي عن طريق تفسير الأحلام».
أريج جلال
بحسب إحساسها وحالتها النفسية بعد استيقاظها من النوم، تقرّر أريج جلال رغبتها في تفسير منامها من عدمه، ولا سيما أن أحلامها عادة ما ترتبط بالأمور التي تشغل تفكيرها طوال اليوم، إضافة إلى الرؤيا المتعلقة بصلاة استخارتها تجاه شيء ما.
وتقول: «لا أحب تفسير أحلامي عند أي شخص، وإنما أبحث عن مفسري الأحلام الثقاة والمتفائلين كي يفسّروا الرؤى بشكل إيجابي.
ولكني في بعض الأحيان أحاول تفسير حلمي بنفسي، وعندما أرى حلماً مزعجاً أحرص على إخراج الصدقات بنيّة درء الأذى عن نفسي»، مشيرة إلى أن الكثير من أحلامها تتحقق في حياتها.
وباعتبارها امرأة عاملة، فإن أحلامها عامة وليست مقتصرة على جانب محدد من جوانب حياتها، إلا إذا كانت تفكّر في أمر معين فإنها تحلم به باستمرار، مبيّنة أنه في بعض الأحيان تطرأ على الشخص تغيرات متعددة فور استيقاظه نتيجة حلم رآه في نومه كالتعرّق أو البكاء، وهو ما يحتّم عليه تفسيره.
أم عبد الجبّار
تؤمن أم عبد الجبّار تماماً بأن مناماتها باتت تتحقق خاصة عقب زواجها وما تبعه من مشاكل زوجية انتهت بالطلاق.
وترجع سبب رؤيتها للكثير من الأحلام إلى الضغوط الاجتماعية التي تعرضت لها خلال تلك الفترة، إذ أن أول منام تحقق تفسيره كان متعلق بشقيقتها بعد أن رأتها مريضة في الحلم، ففسرت حلمها على أن المرض همّ وغمّ تتعرض لهما في حياتها الواقعية، وبالفعل اكتشفت أن أختها كانت تمر بضائقة حقيقية.
وتقول إن هناك أحلاماً فسرتها ولم تتحقق حتى الآن، خصوصاً أن تفسيرها قد يقع على المدى البعيد، ولكنها منذ ثلاثة أعوام أصبحت ترى حلماً يتكرر عليها من فترة إلى أخرى، والمتضمن العودة من منزل عائلتها إلى بيت زوجها مع بناتها، وتضيف: «قد يكون ذلك عائداً إلى رغبتي في الاستقلال ببناتي والسكن في منزل لنا وحدنا».
ونظراً إلى تعلقها الشديد ببناتها، فإنها عادة ما تحلم بهن وبوضعهن بعد انفصالها عن والدهن، وهو ما دفعها إلى التعلق لفترة بتفسير أحلامها، غير أنها بدأت تقلل من ذلك الاهتمام وتسعى لتعبير الرؤى الغريبة منها فقط والتي تشعر بأن فيها دلالة معينة يجب أن تتعرف عليها.
خالد اليحيى
نتيجة انتمائه إلى بيئة وصفها بـ«المحافظة» فإن خالد اليحيى يجزم بأن من يبحث عن تفسير أحلامه هو شخص يعاني نقصاً في نفسه فيحاول إكماله عن طريق الأوهام والتعلق بالخيالات التي لا أساس لها من الصحة.
ويشير إلى أنه يرى منامات ولكنه لا يتذكر تفاصيلها ولن يفكر مطلقاً في اللجوء إلى مفسرّي الأحلام لتفسيرها، خاصة أن ذلك يجعل الإنسان مترقباً لتحققها طيلة حياته، فيما ينبغي أن يؤمن بما كتبه الله له ويبتعد عن الانجراف وراء الغيبيات.
د. يوسف الحارثي
يقول عضو الجمعية السعودية للدراسات والبحوث الدعوية والخبير والمستشار في تفسير الرؤى والأحلام الدكتور يوسف الحارثي إن نسبة إقبال النساء على تفسير الأحلام كبيرة جداً مقارنة بالرجال، من خلال خبرته وعمله في هذا المجال، في حين أكثرهن ينتمين إلى الفئة العمرية بين 20 و 40 عاماً.
ويرى أن سبب هذا الإقبال مرهون بحب الاطلاع لدى المرأة، واهتمامها بالتفاصيل وحساسيتها المرهفة ازاء كل ما يدور حولها وإن كان في المنام، وعاطفتها وتعلقها بالمشاعر حتى وإن كانت خفيّة، إلى جانب أنها بطبيعتها حالمة سواء في اليقظة أو النوم، وتفكر وتهتم كثيراً بالغيبيات والمستقبل.
ويؤكد الحارثي وجود اختلاف كبير بين أحلام النساء وأحلام الرجال من نواح متعددة، ذلك أن اهتمامات المرأة تختلف، إضافة إلى أن أنوثتها تؤثر تأثيرا كاملا على الأحلام التي تراها.
ويضيف: «لكل مرحلة تفكير معين أحلامها، كسن المراهقة والشباب واليأس وهكذا، إلى جانب مرور المرأة بتغيرات كثيرة كالهرمونات وما يرتبط بها من تغير في مزاجها وبالتالي أحلامها».
ووفقاً للطبيعة الأنثوية، فإن أحلام الكثير من النساء تدور حول الارتباط بالطرف الآخر والإنجاب والعمل، إلى جانب التسوق والملابس بحسب الحارثي.
ولفت إلى أن «الفرق بين الكهانة وعلم تفسير الأحلام الذي هو من ميراث الأنبياء واضح وبيّن، ولا يمكن مقارنة منهج رحماني بآخر شيطاني.
وفي المقابل فإنه ليس من أدب المفسّر كما قرره علماء التفسير أن يكون سبباً للفتنة بين الناس والحكم بأحكام ظنّية اجتهادية، فقد يكون مجتهداً خاطئاً في تعبيره وبالتالي يظلم غيره بذلك، إلى جانب ضرورة أن يكون طالب تفسير الحلم عاقلاً في تعامله مع الاجتهادات الخاطئة».
د.فهد العصيمي
من وجهة نظر أخرى، يرى عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض والحاصل على الدكتوراه في تفسير الأحلام الدكتور فهد العصيمي، أن هوس الإنسان بالأحلام قد يكون عائداً أحياناً إلى أسباب عامة تسيطر على أمة أو طائفة، بحيث لا يمكن في هذه الحالة لوم مثل هؤلاء الأشخاص باعتبار أن السبب عام وقوي، ولا سيما أن أحلامهم قد تكون واحدة من حيث الموضوع والزمن والدالة على بشائر وأطواق نجاة لأصحابها المعنيين بها أو الباحثين عن الخلاص من أزمة.
ويرد على الزعم أن وجود برامج أو مواقع متخصصة في تفسير الأحلام يعد سبباً من أسباب تنامي تلك الظاهرة بقوله: «هذا القول مردود على أصحابه مذكّراً بأهمية نشر العلم وتبيينه وكشف خباياه وخفاياه للناس، فإذا لم يجدوا مرجعا مأمونا لهم في الجواب على هذه الأسئلة فلمن سيتوجهون؟ وما ذنب من ليس لديهم هذه الظاهرة، فهل يحرمون ويحاسبون بجريرة غيرهم؟».
ويؤكد العصيمي أن العلاج الأمثل للهوس بالأحلام هو نشر المعلومة الصحيحة و ثقافة فقه الرؤيا الصحيحة المستمدة من النصوص الأصيلة من القرآن الكريم وصحيح السنة، والمستمدة أيضا من نظريات علم النفس الصحيحة والأصيلة.
د. منى الحارثي
تؤكد الاختصاصية النفسية في مستشفى الملك خالد للحرس الوطني بجدة، الدكتورة منى الحارثي أن كثرة رؤية الأحلام لا تتعلق بجنس الشخص، وإنما بارتباطه بالعقل الباطن والأحداث اليومية التي يعيشها، إلا أن المرأة بطبعها عاطفية وتحب التحدث عن أحلامها على عكس الرجل كونه أقل عاطفة ولا يهتم بذلك الأمر.
وترى أن إفراط المرأة في اهتمامها بتفسير أحلامها لدى المفسرين يعد أمراً طبيعياً ولا يدخل ضمن الاعتلال النفسي، فهذا الأمر عادة ما يكون منتشراً بين النساء اللواتي لديهن أوقات فراغ طويلة، محذرة بشدة من الانغماس في هذا الاهتمام تفادياً لتفسير أحلامهن بشكل خاطئ مما يؤثر على نفسياتهن وحياتهن بشكل عام.
وتلفت إلى أن الشخص الذي يحلم كثيراً ليس بالضرورة مريضاً من الناحية النفسية، فالمرضى النفسيون عادة ما تقتصر أحلامهم على الجانب السلبي فيرون منامات مزعجة، إذ أن العقل الباطن يحاول دائماً تجميل الصورة الحقيقية وتغييرها، وهو ما يجعل الشخص يحلم بشيء لم يستطع فعله في الحقيقة.
د. حسن سفر
من الناحية الدينية، اعتبر أستاذ نظم الحكم والقضاء والمرافعة الشرعية في جامعة الملك عبد العزيز في جدة وعضو مجمع الفقه الإسلامي الدكتور حسن سفر، أن تفسير الأحلام ناتج عن إيحاءات يتملكها بعض الأفراد ممن يهتمون بقراءة الكتب المتعلقة بذلك ليروا في المنامات تفسيرات معينة سواء كانت إيجابية أو سلبية، تأتي انعكاساتها من خلال الأحداث اليومية للرجل أو المرأة.
ويؤكد أن علم تفسير الأحلام لم يصنفه الفقهاء من ضمن المهن ذات الشروط والأحكام الشرعية، الأمر الذي يجعل من امتهانه لكسب المال أمراً محرّماً يندرج تحت التدليس والتحريم، فهذا العلم يجب أن يكون في الأصل مسألة احتسابية يمارسها من لديه تجارب سابقة في تفسير الأحلام.
أسباب الإقبال المتزايد على تفسير الأحلام
لخص الدكتور فهد العصيمي أسباب تنامي ظاهرة الشغف بتفسير الأحلام عبر موقعه الالكتروني بالنقاط الآتية:
➀ وجود اعتقاد شائع لدى البعض بأن من رأى رؤيا بعد صلاة الاستخارة فهي رؤيا صادقة، ولن نغلق الباب جميعه على عدم صحة تلك الرؤى، ولكن أقول انه ليس كل ما رآه المرء بعد الاستخارة سيكون بالضرورة صحيحا، فقد يوجد ما هو تفكير فقط ليس إلا.
➁ شيوع مفهوم لدى البعض بأن الرؤيا حال رؤيتها بإنسان من طرف شخص آخر فهي صادقة حتماً، وهذا أيضا قد لا يكون صحيحا، فقد تكون تلك الرؤيا تخص صاحبها وقد لا تكون صادقة بل تفكير فقط.
➂ وجود بعض المعبرين الذين يضخمون الأمور ويحملونها أكثر مما تحتمله ويقبلون كل حلم ومن أي إنسان مما يشيع هذه الظاهرة ويجعلها بادية للعيان.
➃ اعتقاد فئة كبيرة من بعض المهمومين أو المرضى بصدق ما رأوه، فيكثرون من عرض رؤاهم وتكرار عرضها في أكثر من موقع وعلى أكثر من مفسر، وهذا يمكن حله من الجهات المستقبلة للرؤى بالبيان والتوضيح لهؤلاء بحجم خطأهم.
➄ عدم اقتناع البعض من السائلين بتعبير من عبّر لهم، فتراهم يكررون عرض رؤاهم على أكثر من معبر وفي أكثر من مكان، وهذا حلّه التنوير وإشاعة فقه الرؤيا على الناس.
➅ وجود بعض الخاملين و العاجزين والمتواكلين، ممن يبحث عن الغنى والثراء والعمل من خلال أحلامه فقط، وهذه الفئة يقعد لها الشيطان كل مرصد ويصور لهم تقاعسهم وقعودهم بشكل حسن من خلال أحلامهم.
في مصر
في دراسة ميدانية أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية في مصر، ثبت أن النساء أكثر هوساً من الرجال بتفسير الأحلام، بل وأحياناً تقودهن تلك الأحلام إلى تصرفات غريبة، قد تصل إلى الشك في من حولهن، وربما يتطور الأمر إلى جريمة. فما هي أغرب الحكايات التي قادت فيها الأحلام ضحاياها من النساء إلى مشاكل خطيرة؟ ولماذا تسقط المرأة أسيرة أحياناً كثيرة لما تراه في أحلامها؟
صفحات الحوادث في الصحف المصرية اليومية رصدت الكثير من الحكايات الغريبة التي قادت فيها الأحلام نساء إلى جرائم ومشاكل اجتماعية، ومنها
رأت امرأة في منامها أن زوجها تزوج عليها، وتخيل لها أن هذا الحلم حقيقة، وبدأت تشك في زوجها إلى أقصى درجة، وبدأت تتبع تحركاته ومكالماته الهاتفية، إلى أن سمعت ذات ليلة هاتفه يرن فقام للتحدث خارج الغرفة لأنه لا يريد أن يزعجها، فقامت وراءه ظناً منها أنه يتحدث في الهاتف إلى امرأة أخرى، وضربته بسكين في ظهره فقتلته، وكان مصيرها حبل المشنقة لأنها قتلت بناءً على حلم أثار لديها شكوكاً غير واقعية.
امرأة أخرى شاهدت في الحلم أن بعضاً من أقارب زوجها يكيدون لها ويريدون أن يفسدوا حياتها، وأنهم يقومون بإقناع زوجها لتركها والزواج من ابنتهم، فعملت «عزومة» لهؤلاء الأفراد بالتحديد، ثم دسّت السم لهم في الطعام فقتلتهم جميعاً، لظنها فقط أنهم يريدون أن يفصلوا بينها وبين زوجها ويطلقوها منه، وكان مصيرها الإعدام لارتكابها جريمة القتل بالسم مع سبق الإصرار والترصد.
رأت ثالثة في منامها أن ابن صاحب أحد المحال المجاورة لهم انتظر أختها الصغيرة وهي عائدة من الجامعة ثم اغتصبها، ورأت أن أختها جاءت إليها وهي تبكي.
وعندما سألتها من الذي فعل بها هذا قالت لها إن هذا الشاب هو الذي فعل ذلك، فعندما استيقظت من نومها لم تتردد وذهبت إلى الشرطة في الصباح لتبلغ عن هذا الرجل، رغم أنه متزوج ولديه أولاد، وطلبت من ضابط الشرطة تحرير محضر بعدم تعرض هذا الشخص لاختها.
فتاة جاء لخطبتها شباب كثيرون ولم يحدث نصيب، لأنها كلما علمت أن هناك أحداً سيأتي لخطبتها، ترى حلماً سيئاً يجعلها ترفض من يتقدم لخطبتها، وهو ما تسبب لها بمشكلات عديدة ومازالت تعاني العنوسة بسبب الأحلام.
الأحلام تحول بينها وبين الزواج
حلمت امرأة أن زوجها متزوج من إحدى زميلاته في العمل، وكلما سألته عن هذا الأمر يكون رده دائما: «ما هذه الخرافات التي تقولينها!»، وإذ بالزوج يفاجأ ذات يوم، وهو مسؤول شؤون العاملين في وظيفته، بأن زوجته جاءت إلى الشركة لتتقدم بطلب إلتحاق للعمل معهم لكي ترى إن كان حلمها حقيقة أم لا.
مها مدحت
كيف تتعامل المرأة مع الأحلام؟ ولماذا هي أكثر هوساً بها من الرجل؟
تقول الدكتورة مها مدحت، المديرة العامة للبرامج الدينية في التلفزيون المصري: «تلعب الأحلام دوراً طبيعياً في حياتي، وأستبشر إذا كانت الرؤيا مبشرة فأكون أكثر تفاؤلاً، وقد حدث معي فعلاً حين رأيت أنني أؤدي العمرة، واستبشرت جداً، وقد شاءت الإرادة الإلهية أن أؤدي العمرة فعلاً، وعادةً ما ألجأ إلى بعض علماء الدين الثقاة الذين تعرفت عليهم من خلال تقديمي للعديد من البرامج الدينية، وأتعرف منهم على تأويل أي رؤيا أو حلم، مع العلم أنني بطبعي لست متشائمة إذا رأيت حلماً سيئاً، لأنني أستعيذ بالله منه وأدعو الله ألا يمسني سوء بسببه.
وبفضل الله كم رأيت من أحلام سيئة ولم يتحقق منها شيء على أرض الواقع، لكن يستوقفني كثيراً اتخاذ المرأة العربية كثيراً من القرارات المصيرية في حياتها بناءً على أحلام، على عكس المرأة الأميركية مثلاً، فعشت فترة هناك ولم أر هذا الولع بالتطلع إلى ما وراء الواقع واتخاذ قرارات إيجابية أو سلبية بشأنه».
الشيماء الدمرداش
أما الدكتورة الشيماء الدمرداش العقالي، الباحثة في مكتبة الإسكندرية، تقول: «أنا مثل أي سيدة تلعب الرؤى والأحلام دوراً في حياتي، لكنه ليس دوراً مصيرياً، لأنني أستعين بالدين والعقل في التعامل معها، وأستشير والدتي الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر التي تعد مكمن كل أسراري، حتى ما أراه في منامي من رؤى وأحلام ألجأ إليها لمعرفة تفسيرها.
لكن الغريب أن الأحلام تشكل حيزاً كبيراً في حياة النساء في الشرق العربي والإسلامي، اللواتي لديهن شغف كبير بمعرفة الغيب من خلال الأحلام، على عكس النساء في الغرب، لأنني عشت فترة في الغرب أثناء حصولي على الدكتوراه من جامعة إدنبره، ولم ألحظ هذا الهوس النسائي بالأحلام، وذلك لأن المرأة هناك عاملة وحياتها مستقلة عن الرجل تماماً».
ردينا ياسين
الدكتورة ردينا ياسين بسيوني تقول: «أتعامل مع الأحلام والرؤى المنامية بواقعية وعقلانية، وليس من خلال العاطفة المجردة، وعندما أرى شيئاً يلتبس عليَّ تفسيره ألجأ إلى والدتي الدكتورة عبلة الكحلاوي التي تعد مرشدي الأول في الحياة، وأستنير برأيها، وأجد عندها دائماً ما يطمئن نفسي، ولهذا لا يصيبني ذعر مثل كثير من السيدات، عندما أرى في منامي شيئاً يزعجني، وإنما أستعيذ بالله مما رأيت».
نهى المنصوري
وتقول نهى المنصوري (خطاطة): «من خلال عملي بالخط العربي، وخاصة الإسلامي، أتعرف إلى كثير من علماء الدين، لهذا فإنني عندما أرى حلماً أو رؤيا منامية أحتار فيها أو تقلقني أستشير علماء الدين الذين يرشدونني إلى ما فيه الصواب والخير.
لكني أتعجب من تصرفات كثير من زميلاتي وقريباتي اللواتي يتخذن قرارات مصيرية في حياتهن بناءً على أحلام، حتى إنهن يتزوجن بل ويطلبن الطلاق إذا رأين الأزواج في حلم يخونونهن أو تزوجوا عليهن، وبعضهن يقبلن الزواج ممن يتقدم لخطبتهن أو يرفضنه بناءً على ما قد يرونه من أحلام أو رؤى منامية».
عصام عبد الفتاح
أما عصام عبد الفتاح (موظف) فيقول: «الأحلام تتسبب بكثير من المشكلات على المستوى الشخصي بيني وبين زوجتي، خاصة أنها يمكن أن ترى حلماً قد يثير غيرتها، لكني بالحكمة والعقلانية أحاول امتصاص أي غضب لديها، وتحكيم ما تراه إلى الدين والتفكير السليم، حتى يتم وأد أي خلاف في بدايته.
وللأسف غالبية الهوس النسائي بالأحلام متعلقة بالزواج والطلاق والشك والغيرة القاتلة التي قد تتطور عند بعض النساء إلى مرض نفسي».
الشيخ إبراهيم عبد العليم
يعترف الشيخ إبراهيم عبد العليم عبد البر، أحد المعالجين بالقرآن في مصر، بأن نساء كثيرات يطلبن منه تفسير ما يرونها من أحلام، مؤكداً أن تفسير الأحلام ليس علماً لكنه موهبة، وكل مفسر يعتمد على موهبته في تفسير الأحلام.
لذلك فليس هناك اثنان يتفقان على تفسير حلم واحد بالطريقة نفسها، فلكل شخص تأويل مختلف عن الآخر، وتفسير الأحلام أصبح يسبب مشكلات كثيرة، لأن البعض يتأثر بالإيحاء أو الوهم، أي أن الشخص إذا رأى حلماً وسمع تفسيره يبني على هذا التفسير أحداثاً ستقع له.
ويضيف الشيخ إبراهيم: «تفسير الأحلام أصبح أشبه بالعمل التجاري أو ابتزاز للبسطاء، من النساء والرجال على حد سواء، وهذا يشكل خطورة كبيرة على قرارات الإنسان، وتضر بالعلاقات الاجتماعية بإثارة كثير من الشكوك حول الأشخاص الذين تراهم صاحبة الحلم، بل إنها قد ترتكب جرائم بناء على حلم رأته، مع أنه لا يزيد عن حديث نفس أو أضغاث أحلام شيطانية، لا ينبغي للإنسان أن يتوقف عندها كثيراً».
الدكتور أحمد عكاشة
يؤكد الدكتور أحمد عكاشة، أستاذ الطب النفسي في جامعة عين شمس، أن الأحلام تُعَدّ إحدى الظواهر النفسية المهمة التي تحدث أثناء النوم، وقد اتفق علماء النفس على أن الحلم عبارة عن صورة عقلية متسلسلة يدركها النائم ويحقق بها إشباعاً رمزياً للرغبات، ومن ثم فإن الأحلام إحدى الطرق إلى تفريغ كوامن النفس البشرية، بل إنها تؤدي دوراً في إحداث عملية التوازن النفسي للإنسان عامة، وخاصة النساء اللواتي تعد الأحلام بالنسبة إليهن شيئاً مهماً، ويحاولن إسقاطه على الواقع بصورة أكبر من الرجال، نظراً إلى ما تتميز به المرأة من تغليب العواطف والقلق الزائد بكل ما يتعلق بالحاضر والمستقبل، وكذلك طموحاتها لنفسها ولأسرتها.
وأشار الدكتور عكاشة إلى ضرورة التعامل مع الأحلام بعقلانية وحكمة، وعدم جعلها محوراً للحياة أو اتخاذ قرارات مصيرية بناءً عليها، في حين أنها تتحول إلى ظاهرة ضارة في حالة الهوس بتفسيرها وتصديق هذا التفسير، سواء صحيحاً أو غير صحيح.
وأنهى عكاشة كلامه مؤكداً أن الإنسان الطبيعي يحلم كل ليلة ينامها، لكن غالبية هذه الأحلام لا يتذكرها عند اليقظة، ولا يمكن فصل الأحلام عن الواقع، حيث إنه قد ينطلق من تمنّي تحقيق رغبة أو الخوف من وقوع شيء.
الدكتورة عزة كريم
عن تفسير علم الاجتماع لهوس النساء بالأحلام، تقول الدكتورة عزة كريم، أستاذة الاجتماع في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية: «تلعب الأحلام دوراً مهماً في حياتنا الاجتماعية، إلا أن الاهتمام بتفسيرها أو تأويلها يختلف من شخص إلى آخر، ويؤكد الواقع الاجتماعي أن المرأة أكثر شغفاً بالأحلام وتفسيرها وربطها بواقعها المعاش من الرجل، نظراً لرقة عاطفتها وكثرة تطلعاتها في الحياة، سواء قبل الزواج أو بعده، إذ إن طموحات كثير من النساء لتغيير واقعهن بلا حدود، وبالتالي فإن الأحلام تكون إحدى وسائل محاولة ترجمة ما يصعب عليها تحقيقه في الواقع.
وهذا النوع من الأحلام يترجمها المثل الاجتماعي «الجوعان يحلم بسوق العيش»، اذ تتحول فيه المثيرات الحياتية إلى أحلام».
وأشارت كريم إلى أن المجتمعات العربية أكثر تأثراً واهتماماً بالأحلام وتفسيراتها وتأثيرها من المجتمعات الغربية، بدليل أنه فيما تزخر كتب الدين والاجتماع وعلم النفس والتربية في العالم العربي بالحديث عن الأحلام، بالإضافة إلى الواقع الاجتماعي المعاش، نجد أن علماء الاجتماع في المجتمعات الغربية لا يتحدثون عنها كثيراً، وحتى إذا تحدثوا لا يرون أن هناك صلة وثيقة بين الأحلام وتأثيرها على الواقع الاجتماعي للبشر.
ولفتت إلى أن التعامل مع الأحلام يختلف حسب المستوى الثقافي والاجتماعي للنساء، فتقع العاميات أو قليلات الثقافة الدينية والاجتماعية فريسة للمشعوذين والدجالين، لتفسير ما رأينه من أحلام قد تكون لا علاقة لها بالواقع.
الدكتور سعيد إسماعيل
يطالب الدكتور سعيد إسماعيل، أستاذ أصول التربية في كلية التربية جامعة عين شمس، مؤسسات التربية والتثقيف في العالمين العربي والإسلامي، وفي مقدمها الأسرة والإعلام، بالاهتمام بنشر الوعي الصحيح عن التعامل مع الأحلام دون «تهويل»، كما تفعل كثيرات من النساء، وكذلك لا يتم التعامل معها بـ»تهوين»، لأنها قد تكون مؤشرات خاصة في حالة الرؤى الصالحة للصالحين والصالحات.
وتعجب إسماعيل من الحيز الكبير الذي تشغله الأحلام في حياتنا، ومن الاتجار بها من خلال النصابين الذين يستغلّون الهوس بالأحلام، خاصة لدى النساء، بافتتاح قنوات فضائية وخطوط اتصال دولية لتفسير تلك الأحلام، «وكأننا قمنا بحل كل المشكلات الواقعية ولم يبق لنا إلا الأحلام.
لكن هذا الخلل الذي يحدث في الواقع الآن ما هو إلا ترجمة حقيقية لحالة التردي الشامل الذي يعانيه العرب على المستوى الثقافي والفكري، فشغلوا أنفسهم بالأحلام للهروب من مشكلات الواقع».
الدكتور عبد الرحمن العدوي
عن حكم الإسلام في ما يراه الإنسان، وخاصة النساء من الأحلام وكيفية التعامل معها من المنظور الشرعي، يؤكد الدكتور عبد الرحمن العدوي عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر: «بداية لا بد أن نوضح أن الرؤى والأحلام من الناحية اللغوية معناها واحد، لكن الشرع هو الذي وضع فروقاً بينهما، فمثلاً قسمت الأحاديث الصحيحة الرؤى من حيث منابعها أو أصلها إلى ثلاثة أنواع، أولها رباني من خلال الرؤى الصالحة وثانيها مرتبط بحديث النفس وثالثها من الشيطان.
وليس من الضروري أن تقع تماماً كما رؤيت، بل إن كثيراً منها يكون رموزاً لمعانٍ تحتاج إلى تفسير أو تأويل أو تعبير على يد إنسان صالح أو لبيب، يعي حال صاحب الحلم أو الرؤيا».
وأشار العدوي إلى أن الأحلام تشغل الناس كثيراً، خاصة النساء اللواتي قد يكون لديهن فراغ أكثر، ومع هذا لا يجوز الذهاب إلى العرافين والدجالين لتفسير الأحلام، حتى لا تقع المخالفات الدينية والأخلاقية، وبالتالي لا يفسرها إلا إنسان أمين وصالح يؤوّل ما رآه النائم على الخير، مع ضرورة علمه بأحواله، حتى أن الحلم الواحد لدى شخصين قد يكون له تفسريان متناقضان.
وأنهى كلامه محذراً النساء من الهوس بالأحلام وتفسيرها، «لأن هذا قد يأتي بنتيجة لا تحمد عقباها، والأفضل التعقل وتطبيق ما أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يقول: «الرؤيا من الله والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم حلماً يكرهه فلينفث عن يساره ثلاثاً وليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره»، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: «لا تقصص رؤياك إلا على حبيب أو لبيب»».
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024