تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

العنف الأُسري يقتل، ويدفع النساء إلى الفرار من البيوت

جميلة

جميلة

صابرة

صابرة

أحلام

أحلام

أماني

أماني

زينب محرَّم

زينب محرَّم

الدكتور أحمد البحيري

الدكتور أحمد البحيري

الدكتورة زينب شاهين

الدكتورة زينب شاهين

الدكتورة ماجدة عدلي

الدكتورة ماجدة عدلي

رقية منذر

رقية منذر

رقية

رقية

رقية

رقية

ابنة رقية

ابنة رقية

منال العاصي

منال العاصي

نسرين روحانا

نسرين روحانا

كريستال أبو شقرا

كريستال أبو شقرا

لطيفة قصير

لطيفة قصير

طفلا لطيفة

طفلا لطيفة

ليلى قصير

ليلى قصير

سارة الأمين

سارة الأمين

مايا عمار

مايا عمار


ظلم، وقهر، وكبت، وتهميش، وأخيراً ضرب وإيذاء، جميعها علامات لممارسة العنف الأسري ضد المرأة، التي اعتادت ألا تفصح عن أشكال كثيرة من العنف النفسي أو اللفظي التي تمارس عليها، وهو ما شجع في النهاية على تعرضها لعنف جسدي، قد تتحمله بعض النساء خوفاً من الطلاق أو لعدم وجود ملاذ لهن، ولا تتحمله أخريات فيقررن الهروب إلى المجهول. الضحايا لهذا النوع أو ذاك من العنف كثيرات، والقصص المأسوية كثيرة، وفي هذين التحقيقين من مصر ولبنان تجارب وشهادات.

قصص من دار إيواء المعنّفات في مصر:
زينب محرم، قررت مد يد العون للمعنفات، فأنشأت دار إيواء المعنفات في مركز رعاية المرأة والطفل في الإسكندرية، بعدما شاهدت التجربة في الدانمارك، وقررت نقلها إلى مصر لتكون ملاذ المعنّفات. « لها» دخلت دار إيواء المعنّفات لتنقل قصص نساء مقيمات فيها.

جميلة: زوجي يضربني لتعويض نقصه
بدأت جميلة (39 عامًا، ربة منزل) حكايتها بالسبب الذي دفعها للجوء إلى دار إيواء المعنفات، قائلةً: «ضاقت بي السبل وأهلي يرفضون طلاقي حالياً، ولم أعد قادرة على تحمّل الضرب والإهانة المستمرين منذ بداية زواجي، أي منذ 12 عاماً، فزوجي لا يجد غضاضة في سبي دائماً وضربي وشد شعري أمام أولادنا الثلاثة، فقط لأنه يشعر بأنني أفضل منه اجتماعيًا وثقافيًا».
وتتابع: «مستوى أهلي الاجتماعي جيد، فأبي رحمة الله عليه كان بحاراً وجميع إخوتي خريجو جامعات وفي مناصب مرموقة، أنا الوحيدة سيئة الحظ في التعليم، فقد اكتفيت بالمؤهل المتوسط وسيئة الحظ في الزواج أيضًا، فبعدما أصبحت في السابعة والعشرين عامًا من دون زواج أصبح أهل قريتنا يصمونني بالعنوسة، وبالتالي قبلت عندما تقدم لخطبتي سائق لا يحمل أي شهادات دراسية. كان همي وأهلي أن أتزوج حتى يكف أهل القرية عن وصمي بالعنوسة». الفجوة الثقافية والاجتماعية بين جميلة وزوجها اتسعت بعد الزواج، فكانت الصدمة حسبما تقول: «اكتشفت شعور زوجي بالنقص منذ يومنا الأول في بيت الزوجية، لكني لم أتخيل أنه سيكون سبب شقائي وإهانتي، فذلك الشعور كان منغصاً لزوجي كل يوم، ويحاول دائماً أن يثبت لي أنه الأقوى وأنه الأفضل مني ومن أهلي... كان دائم الضرب لي ضرباً مبرحاً. بعد إنجابي لطفلي الأول عرض عليَّ أبي رحمه الله، الانفصال عن زوجي، لكني تخوفت من وصمة الطلاق، فطالما هربت من بيت أهلي بوصمة العنوسة كيف أعود بوصمة الطلاق. فرفضت واستمر زواجي مع الضرب والإهانة، وحملت وأنجبت توأمين ولم يتوقف زوجي مطلقاً عن سبي وإهانتي أمام أطفالي، حتى بعدما كبروا وأصبحوا يفهمون كيف تهان أمهم، لدرجة أن ابني الأكبر ما زال يتذكر حوادث ضربي منذ كان طفلاً». وتتابع: «الآن أصبح الانفصال أمراً مستحيلاً، والحياة معه في سلام مستحيلة أيضاً، فهو دائم التعنيف والإهانة، ويطالبني بأن أحضر النقود من بيت أهلي رغم علمه بتعفف نفسي، وفي الوقت نفسه يمنعني من زيارة أهلي ويلقي عليَّ يمين الطلاق». وتضيف جميلة: «كل أملي في الحياة أن يكف زوجي عن ضربي وتعنيفي أمام أبنائي، حتى لا تشوّه نفسياتهم أكثر، فأنا لا أريد أكثر من تربية أبنائي في هدوء وسلام».

صابرة: طفح الكيل من تعنيف زوجي لي
صابرة (48 عاماً) لها حكاية أخرى مع العنف الأسري ترويها قائلةً: «لا تحزني يا جميلة، فجميعنا أبطال لقصة واحدة وإن اختلفت بعض التفاصيل».
وتستطرد: «مشكلتي أنني الأم والأب في المنزل، العقل المدبر والقلب الحنون، أعمل في فرن، يوميتي ضعيفة لكنها دخل مهم لأسرتي، فأولادي عددهم خمسة، منهم أربع بنات وجميعهم في مراحل التعليم المختلفة. أما زوجي فحاله لا يختلف عن حال زوج جميلة كثيراً، يعاني من الغيرة من شخصي لأنني متكلّمة أكثر منه، فيحاول دائماً أن ينال مني، لا يقدِّر تحملي ولا عملي ولا تربيتي للأبناء، وإن لم يتطاول بالعنف الجسدي فيكفيني منه العنف النفسي. فاض بي الكيل وطفح ولم أجد لي مأوى، فأرشدتني إحدى جاراتي إلى بيت إيواء المعنفات، فلجأت إليه لعلِّي أنال هنا استراحة تجعلني أقوى على مواجهة الحياة مرة أخرى، خاصةً أن في الدار إختصاصيات اجتماعيات ونفسيات يتابعن حالتي، وأفكر معهن في حلول حتى أخرج من هنا وأستطيع استكمال رسالتي كأم مع أبنائي».

أحلام: زوجي كان مدمناً اعتاد تعنيفي وأولادي ورثوا سلوكه
لم تعش أحلام (46 عاماً، ربة منزل) يوماً سعيداً مع زوجها، وبعد وفاته ورث أبناؤه عنفه وأصبحوا يمارسونه ضدها. تحكي قصتها قائلةً: «كبداية كل الحكايات لم أكن أعلم أن زوجي مدمن مخدرات، وعندما اكتشفت ذلك آثرت العيش معه فلم أكن متضررة منه، ومع مرور الزمن ومع إنجابنا للمزيد من الأطفال حتى وصل عددهم إلى سبعة أبناء، أربعة أولاد وثلاث بنات، دخلت الحياة بيننا في طريق مسدود، فإدمانه زاد، وندر نزوله إلى العمل، فهو كان عاملاً أرزقياً يتقاضى أجره باليومية، فاضطررت إلى العمل بائعة خضار في السوق حتى أنفق على المنزل وعلى تعليم أولادي».
وتتابع: «انتهى بي الحال إلى إعالة زوجي هو الآخر، كنت دائمة الشجار معه حتى يعمل، كنت أتمنى أن أراه طبيعياً لا يتعاطى المخدرات طوال اليوم، فهي كانت تؤثر على عقله وتجعله يضربني ويسبني طوال الوقت، لا أستطيع نسيان أنه ذات مرة ضربني وجرى ورائي في الشقة بالسكين حتى يقتلني، فهربت منه إلى الشارع واستمر في مطاردتي حتى تدخل الجيران وأنقذوني من يديه».
تصمت برهة وتمد يدها لمسح دموعها، ثم تكمل: «مات زوجي بعد 17 عاماً من التعنيف والقهر، لكن أبنائي الرجال ورثوا عنفه وجبروته، رغم أنني عاندت الظروف والفقر حتى حصلوا على مؤهلات متوسطة وفوق متوسطة، إلا أن الأربعة عاطلون، يجبرونني على العمل وتوفير مصاريفهم وكافة متطلباتهم، وإلا يوقعونني تحت طائلة العنف النفسي واللفظي،. وحالياً الأمر ازداد قسوة بعدما أصبت بطلقة رصاص في ساقي أثناء مرور إحدى التظاهرات في السوق ولم أعد أقوى على العمل، فتركت المنزل ولجأت إلى بيت إيواء المعنفات هرباً من أولادي». تختتم حديثها قائلةً: «كأن زواجي لعنة، لم أرتح يوماً في حياة زوجي ولا حتى بعد مماته، فما زالت لعنته تطاردني».

أماني: لجأت إلى بيت المعنّفات
على الرغم من أن أماني لم تتخط الـ35 عامًا، فهي تبدو وكأنها أوشكت دخول الـ50 من عمرها، دموعها تسبق كلماتها وصوتها يعبّر عن حزن عميق.
تبدأ حكايتها قائلة: «تزوجت قبل 16 عامًا ورزقني الله بولدين وبنتين، لكنَّ الولدين أحدهما يعاني من كهرباء زائدة في المخ والآخر مصاب بضمور في المخ، أما زوجي فهو مصاب بفيروس سي وبتضخم في الكبد».
تضيف: «مصدر الخلاف بيني وبين زوجي هو العلاقة الحميمة، فأنا أخشى العدوى بفيروس سي، وهو لا يقدر أنني في خدمة أربعة أبناء، فضلاً عن خروجي إلى العمل في خدمة البيوت حتى أوفر متطلبات تعليم أولادي».
وتضيف: «لجأت إلى بيت المعنفات بعدما احتجز ابني المصاب بضمور في المخ لمدة ثمانية أشهر، لأعود إلى المنزل أفاجأ بزوجي يخبرني بأنه سيتزوج عليَّ بامرأة أخرى تلبي احتياجاته، ضارباً عرض الحائط بكل تضحياتي معه ومع أولاده، والأدهى من ذلك أنه جعلها تكلمني هاتفياً فتركت له المنزل».

عنف مُتوارث
نزيلات بيت إيواء المعنفات فضلنّ التحدث إلى «لها» في الحديقة، ما عدا امرأة مسنة لم تغادر غرفتها، فتوجهنا إليها، في بادئ الأمر رفضت سيدة (71 عاماً) الحديث ثم وافقت مع التحفظ عن التصوير وأخذت تحكي قصتها، قائلة: «لم يرزقني الله إلا ولداً وبنتاً. توفي زوجي مبكراً، ساعدني ابني في مصاريف زواج أخته ثم انتقل إلى العمل في الخليج، وبعد عودته فكر في الزواج واختار عروسه بالفعل، وبعد أشهر قليلة تبدل حال ابني وأصبح شخصاً مادياً، وأقنعني ببيع منزلي  والانتقال للعيش معه في شقته الصغيرة، لأنه في حاجة إلى ثمن منزلي الذي أمتلكه، وأقنعني بأنني سأعيش معه ملكة متوجة. لكن سرعان ما تغير حاله، فأهملني ولم يعد يطمئن إلى أخباري إلا من زوجته، ولو صدف وسألني أشيد بحسن معاملتها حتى لا أضايقه، لكن الواقع غير ذلك، فمنذ وصولي إلى بيته وأنا تحت ضغط وعنف نفسي وإهانات من زوجته، حتى أن أحفادي ورثوا تلك القسوة. وقد اعتادت أن تمنع عني الطعام، وكانت النيران تشتعل بيننا عندما كنت ألتقط الفتات من المطبخ أو الثلاجة لأسدّ به جوعي». تتابع: «ما يعتصر قلبي حزناً أن أحفادي كانوا جواسيس ضدي، وحين يراني أحدهم ألتقط أي فتات يخبرها فتهينني وتضربني، ثم تعود وتدعي العكس وتشكو لابني مر الشكوى حتى بدأ هو الآخر ضربي. حاولت اللجوء إلى أهلي، لكنهم جميعاً أغلقوا أبوابهم في وجهي وقالوا إنني سبب ما آل إليه حالي، لأنني دللت ابني كثيراً. حاولت الإقامة مع ابنتي لكن زوجها لم يرحب، ضاقت بي الأرض ولم أجد مكاناً أذهب إليه، حتى علمت بوجود دار إيواء المعنفات».

زينب محرَّم: هدفنا استضافة المعنّفات وعدم تركهنّ فريسة لأخطار الشارع
«يهدف مركز «رعاية المرأة والطفل» إلى استضافة النساء المعنفات اللواتي بلا مأوى وعدم تركهنّ فريسة لأخطار الشارع، كما يساعد المركز النساء المعنفات في اجتياز المحن النفسية، ويعيد دمجهنّ في المجتمع من جديد بعد تلقي المساندة النفسية». هذا ما تؤكده زينب محرم رئيسة المركز.
وتوضح أن المركز الذي أنشئ عام 2006 يهتم برعاية المرأة والطفل على السواء، ويحتوي على دار حضانة لرعاية الأيتام ودمجهم مع الأطفال الأسوياء، فضلا عن مشروع حماية الأطفال من الشارع الذي يهدف عن طريق تمكين الأسر اقتصادياً إلى إعادة الأطفال المتسربين من التعليم إلى المدارس مرة أخرى، كما يحتوي المركز على مركز حرفي لتأهيل المعنفات لسوق العمل وتعليمهنّ الخياطة والتريكو حتى يستطعن مواجهة الحياة وكسب قوتهنّ بعد التأهيل النفسي، ومن تفشل في تعلم حرفة تعمل في الحضانة.
 تحدد زينب محرم بروتوكول استقبال المعنفات، قائلةً: «يكون في استقبال المرأة المعنفة طبيب ومحامٍ واختصاصية نفسية واختصاصية اجتماعية، وهم على استعداد للتعامل مع أي ضحية للعنف، شرط ألا تكون في الأساس مريضة نفسياً وألا يكون لديها مكان إيواء آخر، وإذا كانت مريضة جسمانياً أو نفسياً بسبب العنف الذي تعرضت له يتولى المركز علاجها».
على مدار ثمانية أعوام من افتتاح بيت المعنفات تم استقبال حوالي 700 حالة، وتم تأهليهنَّ نفسياً وإعادة من رغبن في الصلح إلى ذويهنَّ أو تحقيق الاستقلالية عنهم، وتقول زينب محرم: «تقضي المعنفة ثلاثة أشهر من العلاج النفسي وإعادة التأهيل، بعدها يبدأ المركز في بحث رغبتها إذا كانت تريد العودة إلى زوجها أو الانفصال عنه، وفي حالة رغبتها في العودة نستقبله في المقر الإداري البعيد تماماً عن دار الإيواء حفاظاً على سلامة الضحية، ونبدأ مناقشة المشاكل معه ولماذا يعنّفها».
وتتابع: «هناك أنماط من الأزواج لا يكفون عن تعنيف زوجاتهنّ إلا بتعهدات مالية كبيرة، فقد جاءتنا ضحية عنف طوال 28 عاماً، وطلبت منا بدء إجراءات الطلاق، فزوجها على مدار 28 عاماً لم يكف عن ضربها وتعنيفها حتى بعدما وصلت إلى الخمسين من عمرها، فبمجرد أن زوجت بناتها قررت الانفصال عنه، وعللت صبرها على العنف حفاظاً على شكل البنات الاجتماعي، وبعدما أتمت فترة التأهيل النفسي أقنعها الاختصاصيون الاجتماعيون والنفسيون بالاستمرار في الحياة الزوجية حتى تتم رسالتها كأم مع ابنها الصغير، مع التعهد لها بكف الزوج عن ضربها. وبالفعل استدعينا الزوج وهددناه برفع دعوى قضائية بالطلاق أو الخلع، وقال إنه يريد الاستمرار في زواجه لكن على زوجته أن تتحمله، ومع المفاوضات استطعنا أن نأخذ عليه شيكات بدون رصيد باسم زوجته نقيم بها دعوى عليه إذا عنفها مرة أخرى، فقبل ولم يعنفها مرة أخرى حتى الآن منذ ثلاث سنوات».
وتضيف زينب محرم: «المكان يستوعب نحو 100 حالة، ليس هدف المركز إيواء المعنفات طيلة العمر، وإنما تقديم الدعم النفسي والعلاجي لهنّ وتأهيلهنّ لتخطي الصعاب مع أزواجهنّ، وتعليمهنّ استراتيجيات إدارة الخلاف الزوجي، كما أن هدفنا الأول هو استمرار الحياة دون عنف، لذا نجري محاولات للصلح مع الزوج ونأخذ عليه تعهداً بحسن المعاملة، وإذا رفضت المعنفة الاستمرار مع زوجها نساندها حتى تجد مكان إيواء آخر».

الدكتور أحمد البحيري: ضحية العنف عرضة للاكتئاب والانتحار
يؤكد الدكتور أحمد البحيري، استشاري الطب النفسي، أن تزايد العنف بكل أشكاله أصبح إحدى سمات العصر، وبات العنف ثقافة يصدرها المجتمع والأعمال الدرامية.
ويتابع: «العنف الأسري موجود منذ الأزل، لكن أشكاله وأساليب ممارسته هي التي اختلفت، ففي بداية ووسط القرن الماضي كان العنف الأسري ضد المرأة يتجسد في قمعها داخل المنزل، وإجبارها على أن تكون تابعة للزوج، لا رأي لها في ما يخص شؤون أسرتها، وإجبار الفتيات على التسرب من التعليم أو عدم التعليم من الأساس، لكن مع اختلاف العصر والانفصال عن منزل العائلة بحيث أصبحت كل أسرة تقيم بمفردها في منزل صغير، أخذ العنف أشكالاً مختلفة مثل الضرب والإهانة والسب».
ويكمل: «العنف الجسدي ليس أكثر أنواع العنف الممارس ضد المرأة، بل إن هناك أنواعاً أكثر قسوة عليها مثل العنف النفسي المتمثل في الإهمال».
ويفسر استشاري الطب النفسي وقوع النساء ضحايا للعنف الأسري لأنهن الطرف الأضعف، وكلما ازداد ضعفها بعدم تمكينها الاقتصادي أو التعليمي ازداد العنف الممارس ضدها من الأب أو الزوج أو الابن أو حتى الأخ، لافتاً إلى أن ممارس العنف بغض النظر عن ثقافته يعاني من اضطرابات في الشخصيات، مثل الشخصية السيكوباتية المضادة لقيم المجتمع.
ويلفت البحيري إلى أن الضحية تعاني بعد العنف من مشاكل نفسية، مثل الإحباط، الاكتئاب، القلق، كما أنها تكون عرضة لاضطراب ما بعد الأزمة، وهو أن تصدم في الشخص المعنف، وبالتالي تفكر جدياً في ترك المكان، وأحياناً تفكر في الانتحار.
وبناءً عليه يرى استشاري الطب النفسي أن وجود دور لإيواء المعنفات أمر هام لإعادة تأهيلهنّ النفسي، وإعادة دمجهن في المجتمع، وتوفير الدعم اللازم إليهن، سواء كان نفسياً أو اقتصادياً عن طريق تعليمهن حرفة.
ويضيف: «لذا يجب أن تتضافر جهود المجتمع المدني في إقامة دور الإيواء مع جهود الحكومة في الإشراف عليها، حتى نحقق أعلى فائدة للنساء المعنفات».
الدكتورة زينب شاهين: دور إيواء المعنّفات ليست الحل ويجب تشريع قوانين تجرم العنف الأسري
أما الدكتورة زينب شاهين، أستاذة علم الاجتماع بالجامعة الأميركية، فترجع العنف الأسري ضد النساء إلى عوامل كثيرة، منها الهيمنة الذكورية الموجودة بسبب الموروثات الاجتماعية، إذ إن الفكر السائد هو أن الرجل «سي السيد»، الآمر الناهي صاحب القرار الأول والأخير في الأسرة، ولا يحق للمرأة النقاش أو الاعتراض.
وتضيف: «الرجل بسبب الهيمنة الذكورية يكمل تعليمه ويسافر خارج البلاد، أما المرأة فالمجتمع يحبسها في دورها الإنجابي، فتسجن في المنزل ولا يتم تمكينها اقتصادياً ولا ثقافياً ولا اجتماعياً».
وتلفت أستاذة علم الاجتماع إلى أن السبب الثالث في زيادة العنف ضد المرأة هو أن الرجل أقوى بدنياً، فينتصر عليها بالضرب والقهر، ولعلمها بأنها مستهدفة تخضع للعنف وتخشى أن تفصح عنه، لأن قوتها وحياتها بيد الرجل».
تؤكد الدكتورة زينب شاهين أن مراكز إيواء المعنفات ستساعد في تخفيف حدة ظاهرة العنف الأسري ضد المرأة، لأن الدعم المؤسسي يساعد المرأة على مقاومة العنف، كما ستجد أخريات في ظروف مماثلة، وذلك سيحقق لها التضامن الأنثوي، الذي من شأنه تخفيف وطأة العنف الذي وقعت تحت طائلته.
وتضيف: «لكن مراكز إيواء المعنفات ليست الحل الأمثل، بل يجب أن تتضافر جهود الدولة أيضاً في تشريع قوانين تجرم العنف الأسري وتفعيلها بأقصى سرعة في محاكم الأسرة».

البحث عن قانون
خمس سنوات من العمل المستمر، أمضاها مركز النديم لعلاج وتأهيل ضحايا العنف، على صياغة قانون تجريم العنف الأسري، وخرج مشروع القانون إلى النور في عام 2010، لكن ظروف الدولة غير المستقرة لم تسمح بعرضه على البرلمان الذي يخضع للحل كل فترة.
تقول الدكتورة ماجدة عدلي، رئيسة مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف، إن مشروع قانون تجريم العنف الأسري ضد النساء عكف المركز على العمل فيه منذ عام 2005، وخرج إلى النور عام 2010، بعد أن جاب فريق العمل معظم محافظات مصر، وعقد العديد من المؤتمرات والندوات العامة والأخذ بالتوصيات التي قيلت فيها للتعديل على القانون.
وتضيف: «تقدمنا بمشروع القانون إلى مجلس الشعب 2010، لكن بسقوطه سقط من لجنة المقترحات بالمجلس، فعزمنا على تقديمه للمجلس الجديد ونجمع تواقيع لتقديمه من جديد، آملين أن يصل عددها إلى آلالاف، خاصةً أن تلك التي جمعناها في أول أسبوع لا بأس بها، حيث بلغ الإجمالي 775 صوتاً، زاد فيها أصوات الرجال على النساء بـ15 صوتاً، وهذا مؤشر جيد لمدى تقبل المجتمع لفكرة القانون، ودليل على تغيّر الثقافة تجاه العنف الأسري». يأمل مركز النديم بجمع ألاف التواقيع الفردية علي مشروع القانون الذي ينصّ.
على أن جرائم العنف الأسري ضد النساء تشمل أي فعل عنيف، ينجم عنه أذى معنوي أو معاناة بدنية أو مادية أو نفسية أو جنسية للمرأة، بما في ذلك التهديد باقتراف مثل هذا الفعل، أو الإكراه أو الحرمان القسري من الحرية من قبل أحد أفراد الأسرة، بما له من سلطة أو ولاية أو علاقة بالمعتدى عليها».
أرقام
أثبتت الأرقام ارتفاع معدلات العنف في المجتمع المصري بصفة عامة وضد النساء بصفة خاصة، وأشار تقرير جديد صادر عن مركز الأرض لحقوق الإنسان إلى مقتل 301 امرأة مصرية خلال عام 2009، موضحاً أن 129 منهن قتلن نتيجة العنف الزوجي، وهو ما يثبت مدى خطورة القضية التي يجب على المجتمع كله مواجهتها.


رغم صدور قانون الحماية: العنف الأسري يحصد النساء في لبنان
سارة الأمين، نسرين روحانا، منال العاصي، فنان محمد، نوار الخالد، رقية منذر، كريستال أبو شقرا، سلوى وديالا وولاء... سيدات بعمر الزهور، قتلن خلال عام واحد على أيدي أزواجهن، أو أشقائهن أو أحد اقربائهن، بعدما مررن بمسيرة عذاب وضرب وتعنيف وحشي، لم يستطع أحد إنقاذهن، حتى قانون الحماية من العنف الأسري الجديد الذي صدر في بداية العام المنصرم عجز عن ذلك. كل ذنبهن أنهن نساء مستضعفات يعشن في مجتمع ذكوري، لا يعترف بحقوق المرأة، ولا بوجودها ككائن من حقه العيش بسلام وكرامة بعيداً عن الظلم والاستغلال والعنف. مجلة «لها» أجرت تحقيقاً عن العنف الأسري، وزارت عائلتي منذر وقصير، وقابلت إحدى ضحايا العنف التي تعتبر نفسها مشروع قتيلة، وناقشت معهم الظروف والأسباب التي قادت الضحايا  إلى الموت. كما أجرت مقابلة مع المسؤولة الإعلامية في جمعية «كفى عنف» مايا عمار، مستوضحةً منها نقاطاً عدة في ما يتعلق بقانون الحماية الجديد والثغرات التي تشوبه.

عشية عيد الأم أهداها وجنينها رصاصة في صدرها
بحسرة وأسى تروي لنا زينة قصة شقيقتها رقية التي حرمت من رؤيتها والحديث معها قبل وفاتها بسنة تقريباً: «قُتلت رقية عشية عيد الأم وهي راكعة تتوسل زوجها محمد، وتطلب منه عدم إطلاق النار عليها، لكن من دون جدوى قتلها بدم بارد ولم يرأف لحالها ولا لحال جنينها وأولادها الذين يُتّموا». بهذه العبارات بدأت زينة حديثها عن حادثة قتل أختها. أختها التي عانت طوال سبع سنوات مع زوجها، وذاقت معه خلالها جميع أشكال القهر والعنف والعذاب، إذ كان يحبسها في المنزل ويضربها بشكل دائم، ولأتفه الاسباب، ولم يكن يرأف بها حتى في فترات حملها.
تقول زينة: « تزوجت رقية في عمر الثامنة عشرة، لم تكن لديها الخبرة والوعي الكافيين لتحسن الاختيار، إذ كان محمد وهو قريبها يتردد بشكل دائم إلى منزلنا، وكان يسيطر عليها بشكل غير طبيعي، لم يكن مرحَّباً به بيننا تقول زينة، كما لم يكن والدي موافقاً على زواج أختي منه، لأنه انسان عصبي يهوى المشاكل ويتعاطى المخدرات، لا أحد من جيرانه أو أبناء منطقته يحبه. حاول والدي أكثر من مرة إبعادها عنه، وتهريبها إلى منطقة البقاع حتى لا يراها أو يؤثر فيها، وخصوصاً بعدما عرف أنه ضربها وهي في فترة الخطوبة. يومها قال لها والدي بالحرف الواحد: «إذا كان خطيبك يتجرأ قبل الزواج على ضربك في بيت والدك، فما بالك بما سيفعله بك بعد الزواج؟». لكن من دون جدوى، إذ كان يسيطر عليها سيطرة تامة، ويفرض نفسه عليها بكلامه تارة وبأسلوبه العنيف تارة أخرى».

حديث الأم
وتؤكد والدة رقية التي لم تكن تريد الحديث بداية بسبب ألمها وحسرتها على ابنتها، أن محمد كان يسيء معاملة ابنتها ويحكمها منذ كانت لديهم، وأنه ضربها قبل زواجه منها. لم يعرف والدها بداية بحادثة الضرب، ولما علم بالأمر حاول إبعادها عنه، وأخذها إلى الضيعة ونصحها بعدم الاستمرار معه. تقول الأم المفجوعة: «بصراحة، نحن لم نكن موافقين على هذا الزواج، ولولا تدخل أحد الاقارب وإقناع زوجي بالموافقة لما تزوجا، ولذلك لم نحتفل بعرسهما ولم نجرِ سهرة لهما».
 تغص الأم حين تتحدث عن ابنتها وتتذكر ما حصل معها، وتقول: «قلبي محروق عليها ولا يمكنني الكلام أكثر، فقد حرمني منها حتى قبل أن يقتلها، لم أشاهدها أو اجتمع بها منذ سنة تقريباً، أوكل رب العالمين بأخذ حقي وحق ابنتي منه».
تكمل زينة الحديث عما جرى لأختها، وتضيف: «كانت رقية تسكن على بعد أمتار من منزلنا، ورغم ذلك كانت ممنوعة من زيارتنا أو استقبالنا ما لم يكن زوجها موجوداً. لم نكن نعرف أولادها، لأنه كان يرسلهم إلى بيت أهله كلما قمنا بزيارتها. عاشت رقية مع زوجها سبع سنوات معذّبة، كان يحبسها في المنزل ويقفل عليها الباب، ويمنعها من الخروج بمفردها. كان يضربها بوحشية، وكنت دائماً ألاحظ علامات الضرب على جسدها عندما أزورها، كانت تومئ إليّ بنظراتها الخائفة محاولةً إخباري بما حصل معها. فهي تخاف الإفصاح عما يحصل معها، لأنه كان يزيد في تعنيفها وضربها إذا حاول أحد منا التدخل. مرات عدة أجبرها على الاتصال بوالدي والطلب منه عدم التدخل في حياتها. كانت تقول كلما تدخلتم في حياتي أو زرتموني يضربني بعنف ووحشية، ولهذا كنا نحاول الابتعاد عنها حتى لا نعرّضها للمشاكل».
أنجبت رقية ابنة الاثنين والعشرين ربيعاً، صبياً وبنتاً، وكانت حاملاً بشهرها الأول عندما قتلها زوجها. كان زوجها يخفي عن أهلها أي شي يتعلق بها، وكأنها غريبة عنهم، عندما تلد لا يعلمون بخبر ولادتها إلا من والدته. حتى حين قُتلت لم يعرفوا بالحادثة إلا من الجيران. تقول زينة: «في ليلة الواحد والعشرين من شهر آذار/مارس2014، قرع باب بيتنا عند الساعة الواحدة ونصف تقريباً، كنا نائمين، وجاء من يخبرنا بأنهم سمعوا صوت رصاص، وشاهدوا إخوته يحملون سيدة ويركضون بها إلى المستشفى. قالوا لنا ربما تكون هذه السيدة أختي، لم نكن متأكدين في البداية من انها هي، ولكن عندما ذهب والدي إلى المستشفى وشاهد الجثة تأكدنا من الخبر».

رواية والد الضحية
يخبرنا والد الضحية أسعد منذر أنه وصل إلى المستشفى ووجد ابنته غارقة بدمائها وعينيها مفتوحتين، لم يجد أحداً إلى جانبها، كانت آثار الضرب منتشرة في جميع أنحاء جسدها ووجهها، وأيضاً آثار المسدس الذي خلّف حرقاً على جلدها لقربه من جسدها الطري. «الرصاصة اخترقت كتفها وخرجت من جنبها، هذا ما قاله وأكده الطبيب الشرعي، وهذا ما واضحاً في الصور التي في حوزة والدها. ماتت رقية وهي في طريقها إلى مستشفى الرسول الأعظم، ولم يستطع أحد إنقاذها من ظلم جلاّدها».
يعرض عليّ السيد أسعد صوراً كثيرة لجثة ابنته، ليريني آثار الضرب والعنف الذي تعرضت له قبل وفاتها، وليؤكد أيضاً أن ابنته ماتت مقتولة ومظلومة، بخلاف ما يشيعون ويلفقون عنها من أخبار. وبالإضافة إلى هذه الصورة، تسجيل فيديو أخذه من كاميرات المنطقة، يظهر أهل زوجها وهم يحملون ابنته ويهرعون بها إلى المستشفى، وكيف فر الزوج بعد فترة من إخراج الضحية من البيت... ما يؤكد عدم فرضية انتحارها.
وعن علاقته بأهل الجاني، يقول: «في البداية حاولوا التقرب منا، وكانوا يُحضرون طفليّ ابنتي كل يوم الينا، ويقولون إن لنا الحق برؤيتهما، ولكن بعد صدور القرار الظني الذي يفيد بأن زوجها قتلها عمداً بالرصاص قاطعونا، وبدأوا يشيعون أخباراً كاذبة عن ابنتنا».
لرقية صبي بعمر الست سنوات وفتاة بعمر الاربع سنوات، وهما يعيشان الآن مع عائلة والدهما، وقيل لهما إن والدتهما في الجنّة ووالدهما مسافر، وممنوع عليهما زيارة أهل والدتهما، وحتى لو رأوهما من بعيد لا يستطيعان الاقتراب منهم. تقول زينة ان أهل الجاني يمرون من أمام بيتهم ومعهم طفلا أختها ولا يدعونهما يدخلان، وهم يفعلان بالاولاد كما كان ابنهم يفعل بأختها.  

رواية الجاني
أهل رقية الآن متمسكون بدعواهم ضد زوجها، ويتوسلون بالله وبالقضاء خيراً، خصوصاً بعد صدور القرار الظني وتجريمه بقتلها عمداً، وهم يطلبون من الله الاقتصاص منه لأنه ظلم ابنتهم وقتلها، وبالرغم من ذلك يحاول أهله ظلمها بالكذب والافتراء عليها، والقول إنها انتحرت وقتلت نفسها عمداً، ليؤكدوا ما ادلى به ابنهم خلال التحقيق.  
وعلى نحو ما ورد في المحضر، يشير الجاني إلى أنه عندما عاد مساء «وبدخوله إلى المنزل شاهد زوجته داخل غرفة النوم تقوم بنزع الشعر عن قدميها، فتركها وشأنها وقام بإطعام ولديه (...) وبعد وقت، نزع مسدسه من وسطه ووضعه في الصالون وجلس على الكنبة لأخذ قسط من الراحة. وبعد نحو عشر دقائق، دخلت زوجته إلى الصالون وأخذت مسدسه. وبعد قليل، سمع صوت طلق ناري، فأسرع باتجاه الممر، ليشاهد زوجته رقية ممددة على الأرض والدماء تسيل على صدرها، والمسدس مرمياً على مسافة نحو متر منها، فأقدم على الصراخ لفقدانه أعصابه».
سرد روايته ببرودة أعصاب، كما فعل بروح رقية. وعندما ووجه بالأدلة أنكر، ولا سيما إركاع زوجته قبل إطلاق النار، إذ أجاب بأنه كان نائماً لدى سماعه صوت الرصاص... وهذا ما يناقض ما قاله في المرة الأولى. وعندما سئل عن سبب قيامه بإقفال باب المنزل لدى مغادرته إياه، أجاب بأنه كان يقفل باب المنزل «تفادياً لخلعه وأن زوجته كان معها مفتاح خاص بها، وأنها كانت ترفض زيارة أهلها، وهي منذ حوالى السنة توقفت كلياً عن الخروج من المنزل». وعندما سئل عن ضربه لزوجته، قال إنه «في إحدى المرات لكشها».
الزوج اليوم مسجون ومدّعى عليه ومذنب في جريمة عنف أسري... ومتهم أيضاً «بالعنف الكلامي والجسدي واحتجاز الحرية وبتحويل سيناريو القتل إلى انتحار، وبشهر مسدسه الحربي بوجه زوجته وتلقيمه تهديداً». لكل ذلك هو جانٍ، ويعاقب «بمقتضى البند الرابع من المادة 549 عقوبات، والتي تقضي بإنزال عقوبة الإعدام على القاتل عمداً، إذا ارتكب أعمال التعذيب في حق الأشخاص».

أذاقها شتى انواع العذاب ثم قتلها واغتصبها
لطيفة قصير ضحية أخرى من ضحايا العنف الأسري، قتلت خنقاً على يد طليقها عام 2010، وصدر الحكم بحق الجاني بالسجن مدة 18 سنة فقط. يحاول أهلها استئناف القضية الآن، إلا أن المحكمة ترفض ذلك.
لا تختلف قصة لطيفة كثيراً عن قصص النساء اللواتي قتلن قبلها وبعدها. فالعذاب نفسه، والعنف نفسه والموت نفسه، والعقلية الذكورية نفسها، وحتى القانون نفسه.
هند وليلى قصير شقيقتا لطيفة، روتا لنا فصول حياة أختهما ورحلة عذابها الطويلة التي أوصلتها الى الموت. تقول هند: «تعرفت أختي إلى زوجها صدفة، إذ كان يسكن في المبنى نفسه الذي تسكن فيه شقيقتنا ليلى. لم نكن نعرف عنه الشيء الكثير. فقط كان يعيش في ألمانيا، ويساعد أهله في لبنان. هو شخص عادي، غير متعلم، ووضع أهله الاجتماعي محدود جداً. عكس شقيقتي التي كانت جميلة، مثقفة، متعلمة وحائزة إجازة في إدارة الاعمال وإجازة أخرى في العلوم الاجتماعية، كما كانت تعمل في مجال المحاسبة».
تستغرب هند كيف أعجبت لطيفة بشخص مثله، هي الفتاة الجميلة، الأنيقة والدقيقة في كل أمورها. وتضيف: «كنا جميعاً غير مرتاحين لهذه العلاقة، خصوصاً في ظل فارق اجتماعي كبير بينهما. كان يجذبها بأسلوب حديث، وهي كانت مرت بتجربة خطوبة فاشلة، وعانت سرطاناً شفيت منه قبل التعرف إليه. ربما جعلتها هذه الاسباب تفكر بوضعها أكثر، هي التي كانت تحلم بإنجاب أطفال وتأسيس عائلة، إذ كانت تخاف بعد معاناتها مع المرض ألا تنجب. كان أهلي معارضين لهذا الزواج، فوالدي نصحها وحذرها وقال لها انه كان يعيش في المانيا، وربما كان يتعاطى المخدرات أو ما شابه... في فترة من الفترات ترددت ورفضت الاستمرار في العلاقة، لكن عادت وأكملت معه وتزوجت خلال فترة قصيرة جداً».
تقول هند: «بعد الزواج تراجعت حالته المادية، وبات يبيع ممتلكاته ويقتسم الاموال مع أهله. لم تكن لديه ولا لدى أهله دراية بإدارة الاموال. كان يتاجر بالأدوات الكهربائية ويخسر، فباع البيت الذي يسكنه، وسكن بالإيجار، ومن بعدها باتوا ينتقلون من بيت إلى آخر. بعد حملها منه بأول ولد بدأت تلاحظ أنه يتعاطى المخدرات، وأنه يستيقظ ليلاً لهذا الهدف. وفي هذه الفترة دبّت المشاكل بينهما، وأصبح يستغلها مادياً ويضربها ويعنّفها. تدخل أهلي في الموضوع وعرضوه على طبيب واشترطوا عليه التوقف عن تعاطي المخدرات كي يستمر زواجهما».
تسارعت الأحداث في حياة لطيفة، وخلال سنة ونصف سنة تغيرت حالها كثيراً، وباتت كمن يعيش في جحيم. هذه الحال لم تعجب أهلها كما تقول هند، مما استدعى تدخل إخوتها الشبان ووالدها في الموضوع، وتقدموا بدعوى طلاق ضده، ونصحوها بتركه نهائياً وترك الطفلة له. ولكن تمسكها بابنتها جعلها تعود اليه على مضض، خصوصاً بعدما أسمعها كلاماً جميلاً وأقنعها بأنه تغير. حملت منه بصبي، وعادت الى المعاناة والعذاب نفسيهما، وباتت تتعرض بشكل دائم للضرب والتعذيب والإهانة. كانت تخفي عن أهلها ما تتعرض له، لأنها هي من اختارته وأصرت على أن تبقى معه، ولم تكن تعترف بأنه يضربها إلا بعدما كانوا يلاحظون آثار الكدمات على جسدها.

فصول العذاب
شقيقتها ليلى التي تابعت معها فصول عذابها، وكانت تواكبها في كل صغيرة وكبيرة، تؤكد: «كل هم لطيفة وهاجسها ولداها، ومن أجلهما ضحّت بنفسها وتحملت عذابات كثيرة، فهي كانت تحلم برؤيتهما كبيرين، وتردد دائماً: «أريد أن أربي ولديّ وأرعاهما بنفسي، وأضعهما في أفضل المدارس». لذلك كانت تتحمل، وتحاول حماية عائلتها وإنقاذها، إلا انه لم يتجاوب معها، وبقي وضعه يتراجع من سيئ إلى أسوأ، حتى انه كان يضرب الولدين عندما يكونان معه، وحاول مرة أن يترك ابنته كوديعة عند بائع اليانصيب من أجل المال. كان الادمان مسيطراً عليه، ولا مجال للخلاص منه».
لم تنفع مع زوج لطيفة الحلول التي كان يقترحها عليها إخوتها، كما لم تنفع تدخلاتهم لحمايتها. كان كل انتاجه المادي يذهب على المخدرات، وكان يطلب منها المال للسبب عينه. تقول ليلى: «حاولت تغيير منزلها من منطقة إلى أخرى، حتى يبعد عن رفقة السوء ولكن من دون جدوى. وكان إخوتها الشبان يحاولون مساعدتها بشتى الوسائل، وكلما عرفوا انه ضربها تدخلوا لإخراجها من هذه الازمة، وفي إحدى المرات تعرضت لطيفة لضرب مبرّح، خُلع على أثره كتفها وانتشرت الجروح والكدمات على كامل جسدها، فلجأت الى الطبيب الشرعي وحصلت على تقرير منه. كما ذهبت الى المخفر برفقة أهلها وأبلغت عنه، وهناك نصحوها برفع دعوى قضائية عليه فرفضت، لأنه أبو ولديها ولا تريد سجنه».
مع استمرار العنف لم تعد لطيفة قادرة على التحمل، إذ بقيت معه على هذه الحال ما يقارب العشر سنوات، حتى اصبح عمر ابنتها 9 سنوات، وابنها خمس سنوات. وقبل وفاتها بأربعة اشهر قررت الانفصال عنه، بعدما كان أشبعها ضرباً وتعذيباً. ففي إحدى الليالي أحضر صديقه الى المنزل وطلب منها تحضير طعام لهما كي يجلسا ويتعاطيا المخدرات. ولما رفضت ضربها بعنف وحاول قتلها فاستنجدت بالجيران. تقول ليلى: «بعد هذه الحادثة، تركت منزلها وعادت الى بيت أهلها تاركة له كل شيء حتى ولديها. وفي هذه الفترة رفعت دعوى طلاق عليه، وساومه شقيقها فطلّقها وتنازل عن حضانة الولدين لقاء مبلغ من المال».
وأخيراً حصلت لطيفة على طلاق خلعي لا عودة عنه كي لا تضعف وتتراجع، وقررت أن تعيش مع ولديها بسلام، تربيهما كما تشاء وترعاهما بنفسها، ولكن على ما يبدو لم تنل ما تريد، فقد بقي يلاحقها ويتردد عليها بحجة الولدين ويضربها. وحاول أكثر من مرة  قتلها رغم وجود أهلها إلى جانبها، وبقاء أبناء أختها عندها لحمايتها.   
كانت تعيش بخوف دائم، لذلك طلب منها أهلها ترك منزلها والعيش معهم، بشرط ترك الولدين له حتى لا يملك حجة لرؤيتها. رضخت بداية لطلب والديها، ولكنها لم تستطع التحمل لأكثر من 20 يوماً بعيداً من ولديها. خلال هذه الفترة كانت تذهب خلال النهار إلى بيت أهله لتدرّس ولديها وترعاهما، وفي الليل تعود وتبكي على فراقهما. تعبت كثيراً، ولم تعد تستطيع النوم، أو الأكل، وأصبحت مشتتة وغير مستقرة، والجميع باتوا قلقين وخائفين عليها، وكل شخص كان ينصحها بحل، وهي ضائعة لا تدري ماذا تفعل. استعادت ولديها لترتاح، وعادت معهما إلى بيتها. كنا نبحث لها عن منزل آخر غير الذي تسكنه، يكون أقرب إلينا وأكثر أماناً.

اعتراف الجاني
تقول ليلى: «كان يحاول دائماً الضغط عليها لتعود إليه، علماً أن طلاقهما خلعي لا مجال للعودة عنه. وفي يوم الجريمة استيقظت لطيفة صباحاً ووجدته يطرق بابها بحجة أنه أحضر فطوراً لولديه، ففتحت له وشاهدهما وذهب، ومضى بعدها الولدان إلى مدرستهما. كانت تحضّر نفسها للخروج إلى طبيب الأسنان، وكانت والدتها تنتظرها، إلا انه باغتها وعاد، وعلى ما يبدو أخذ مفتاح البيت من ابنته مسبقاً واستحصل على نسخة منه. فدخل خلسة وفاجأها وبات يضغط عليها ويعذبها لتعود إليه، وقد اعترف خلال التحقيق بأنه كان يحاول اقناعها بالعودة اليه ورفضت فقتلها. ضربها بعنف وبقي يعذبها لأكثر من ساعتين، كسّر خلالها أسنانها، وهشّم وجهها، وملأ جسدها بالجروح والكدمات، ولما لم تمتثل لأمره أحضر منشفة وخنقها بها. كما أفاد الطبيب الشرعي بأنه اعتدى عليها بعد وفاتها. في هذا الوقت كانت والدتي تتصل بها كثيراً ولا تستطيع الرد. أجابت على اتصال واحد وكان صوتها ضعيفاً جداً، ولما سألتها ما بك؟ قالت إن ضرسها يؤلمها وقطعت الاتصال. كما أنها اتصلت بأختي طبيبة الجلد وأخبرتها بأن الخزانة وقعت عليها وتورّم وجهها، وسألتها عن كيفية تخفيف الكدمات. لقد كان أمامها خلال الاتصالين وأجبرها على عدم البوح بوجوده.
قتلها بدم بارد وخرج، ولم يعرف أحد بأمرها إلا عندما عاد ولداها من المدرسة. عادة كانت تترك لدى جارتها نسخة من مفتاح بيتها، تحسباً لعودة ولديها من المدرسة قبل رجوعها. ولهذا فتحت لهما الجارة باب البيت ليضعا حقيبتيهما ويغيّرا ملابسهما ريثما تعود والدتهما من العمل. ولما دخلا تفاجآ بوالدتهما ممددة على الارض ووجهها مهشم، صُدما كثيراً ونادا الجارة واتصلا بخالتهما. وتم الابلاغ عن الجريمة، وأُلقي القبض عليه وهو في مستشفى المقاصد، لأنه بعد الجريمة، اشترى قارورة «ديمول» ومثّل أمام والدته انه يشربها، فمنعته وأخذته إلى المستشفى للمعالجة.
بعد الجريمة لم يستطع أهل لطيفة مواجهة الجاني وأوكلوا محامياً بالدعوى، كانت الفاجعة كبيرة عليهم، وهم الذين كانوا يحاولون انقاذ ابنتهم بشتى الوسائل، حتى انهم اشتروا لها منزلاً جديداً قريباً منهم لتسكن فيه، وكان موعد تسلمه في اليوم التالي من قتلها. تقول ليلى: «خلال المحاكمة لم يأخذ القاضي بشهادتنا ولا بشهادة الجيران والولدين، واستند إلى اعترافات الجاني، وأصدر حكمه بسجنه 18 سنة فقط، واعتبر انه ارتكب الجريمة بفعل الغضب وليس مع سابق الإصرار والترصد. علماً انه حاول قتلها ثلاث مرات قبل الجريمة، وكان الجيران ينقذونها منه. حاولنا الاستئناف فرُفض طلبنا ولا ندري لماذا». وتضيف: «أتمنى على القاضي أن يسأل الولدين بحضور مرشدة اجتماعية عن محاولات القتل والضرب والتعذيب التي كانت تتعرض لها، ويسألهما كيف جاء يوم الجريمة، كما اتمنى أن يأخذ بأقوال جارتها التي كانت دائماً تنقذها وتكون إلى جانبها. كانت ليلى تتمنى ان ينفذ حكم الإعدام به، وتقول لو عُدم هو على فعلته هذه لما كانت حدثت الجرائم التي تلت جريمة أختي، ولكان خاف اغلب الرجال المعنفين الاعتداء على زوجاتهم».
لم يكن هيناً على الولدين أن يدخلا إلى المنزل ويجدا والدتهما مقتولة على يد والدهما، فهما بعد هذه الحادثة عاشا ولا يزالان حالة نفسية صعبة. تؤكد ليلى: «هو لم يقتلها وحدها بل قتل معها ولديه اللذين يعيشان اليوم بخوف وحذر من الغد، وخصوصاً الفتاة التي تخاف أن يخرج والدها يوماً من السجن ويقتلها كما فعل بوالدتها، والصبي الذي يتوتر ويتأثر من أي شيء، فصورة والدته ممددة ووجهها مهشم لا تغيب عن باله، ودائماً يسأل لمَ كانت على هذه الحال، وماذا حل بها. هما اليوم يعيشان كل واحد في منزل، ويريان بعضهما في نهاية الاسبوع، الطفلة تعيش عند خالتها ليلى، والطفل عند خالته هند، وهما يحاولان رعايتهما وإخراجهما من ازمتهما قدر المستطاع».
تختتم ليلى حديثها بالقول: «نحن ننتظر العدالة الإلهية، والله سينتقم منه يوماً لأن حكم القضاء الذي صدر بحقه غير منصف، ونحن جميعاً غير راضين عنه».

حاكمته على طريقتها بعد عذابات طويلة
حسناء.ن سيدة في العقد الخامس من عمرها، متزوجة ولديها أربعة أولاد، ذاقت كل ألوان العذاب مع زوجها الذي كان يضربها ويعنفها بشكل دائم ولأتفه الأسباب. تقول حسناء: «أمضيت 15 عاماً من العذاب معه، منذ الليلة الاولى لزواجنا بدأ بتعنيفي وسوء معاملتي. قبل الزواج لم أكتشف طباعه وعقده النفسية، لأنني تزوجت بطريقة تقليدية جداً لا مجال فيها لاختباره أو معرفة سلوكه، خصوصاً أن فترة الخطوبة كانت قصيرة جداً. كان متعلماً ومن عائلة معروفة، وجميع الناس شكروا به وبعائلته عند سؤال والدي عنه. لم يكن والدي مرتاحاً كثيراً لهذا الزواج، ووافق عليه بناءً على طلبي، أنا التي كنت أمرّ بحالة نفسية صعبة، بعد تجربة عاطفية مزعجة، فكان كل همّي الزواج للخروج من أزمتي، وكيد الشخص الذي تركني. لم أهتم كثيراً بتفاصيل حياته، ولم ألاحظ غيرته المرضية وبخله، إذ اكتشفت ذلك بعد الزواج. كان يقنّن في كل شيء، بالأكل والشرب وحتى الكهرباء، ويلاحقني ليراقب كيف أتصرف ويحاسبني على أتفه الأشياء. في بداية الزواج كان يبالغ في إهانتي، ويصرخ في وجهي ويحقّرني، وأنا أسكت وأحاول إرضاءه بشتى الوسائل، لم أُرد إخبار والدي بالأمر خوفاً من المشاكل، خصوصاً أنني حملت فور زواجي، ولم أشأ ترك المنزل وأنا حامل. صبرت عليه، وكنت أظن أنه سيتغير بعدما يصبح لديه أولاد، لكن من دون جدوى، كانت حالته تزداد سوءاً، ويسيء معاملتي كلما زارني أحد أو خرجنا إلى زيارة أهلي أو أهله. كانت غيرته عمياء ويشكك بكل شخص ممكن أن أسلّم عليه. عشنا سنوات عدة في لبنان أنجبت خلالها طفلين، وبعدها اضطررنا للسفر إلى إحدى الدول العربية بسبب تغير ظروف عمله، وهناك استفرد بي وأذاقني كل ألوان العذاب. كان يركلني برجله، ولا يهتم بي أو بأولادي، ويحبسني في البيت من دون طعام أحياناً. كنت أخاف إخبار أهلي بالموضوع حتى لا يجبروني على تركه وترك أولادي، وحاولت معالجة الموضوع بعيداً من عائلتي، فصرت أعمل في منزلي بالخياطة وأدّخر المال بالخفاء عنه، وفكرت بالهرب منه في أول فرصة، لأنني لم استطع البقاء معه، وتحمّل كل هذا العذاب. ومر على زواجنا ما يقارب 15 سنة، كنت قد عدت خلالها إلى لبنان من أجل مدارس الأولاد، وحاولت تحمل كل شيء، ولكن عندما بدأ بضرب الاولاد وحاول قتلي أكثر من مرة، خفت وخططت للهرب بالمال الذي ادخرته، ونجحت».
استغلت حسناء فترة وجود زوجها خارج المنزل وجهّزت أوراقها وأوراق أولادها وهربت إلى بلد آخر، ومن دون أن تخبر أحداً بالموضوع. عاد ولم يجدها، لا في منزلها ولا عند أهلها، حتى هم ايضاً لم  تخبرهم نيّتها بالهرب. اختفت عن الجميع وبقيت سنوات عده متوارية عن الأنظار، مخافة أن يعرف مكانها ويحضرها بقوة القانون أو يقصدها فيقتلها. تقول حسناء إنه رفع دعوى ضدها، واتهمها بخطف الأولاد وسرقة ماله، ولكن لم يستطع فعل أشياء أخرى، لأنها كانت خارج البلاد، تربي أولادها بعيداً منه، وتتصل بأهلها من فترة الى أخرى لطمأنتهم إليها، من دون أن تبلغهم بمكان وجودها.
بعد سنوات طويلة، وبعدما كبر أولادها، عادت حسناء إلى لبنان، وتمت محاكمتها كما تقول بجرم خطف الأولاد، وسكنت في منزل منفرد بعيداً من أنظاره، فيما اتصل أولادها بوالدهم واجتمعوا به. هي الآن لا تزال تختبئ من زوجها، رغم الطلاق الذي حصل بينهما، ورغم كبر سنه، لأنها تخاف أن ينتقم منها ويقتلها كما فعل باقي الرجال بزوجاتهم.

قتلها زوجها بدم بارد... وأشعل سيجارة سارة الأمين انضمت إلى قافلة ضحايا العنف الأسري في لبنان

بقيت سارة الأمين حتى الرمق الأخير تثق بزوجها علي الزّين رغم تعنيفه لها طيلة عشرين عاماً. عشرون عاماً لم يكد جرح من جروحها يلتئم حتى كان يضيف إليه جرحاً آخر إلى أن صار جسدها خريطة لعذابها اليومي.


كان يمكن عذاب سارة أن ينتهي لولا تردّدها في متابعة دعوى العنف الأسري التي رفعها المحامي أشرف الموسوي ضد الزوج قبل شهر بعد تدخّل شقيقها. وكان يمكن حياتها أن تستمر أكثر، كان يمكن أن تبكي فرحاً في عرس ابنها، أن تحمل طرحة عرس ابنتها، أن تعتني بأحفادها في غياب أهلهم، لولا أنها خافت على معنّفها من «البهدلة» وعلى عائلتها من التفكك.
«ولكن أي حياة هذه التي تعيشها العائلة في كنف مجرم؟» يسأل محاميها في اتصال مع «لها»، ويؤكّد أنها «كانت مترددة منذ اليوم الأول لرفع الدعوى، إذ لم تكن تريد أن يُهان زوجها، وأن تتفكك عائلتها».
واستمرّ ترددها حتى صبيحة الجريمة، حين رفضت الحضور إلى مكتب التحرّي في بعبدا لأخذ إفادتها بعد تعذّر الاتصال بالزوج الذي كان هاتفه مغلقاً طوال الوقت، وبررت للمحامي رفضها بأنها لا تريد أن يُهان زوجها، قبل أن تتصل به بعد الظهر لتطلب إسقاط الدعوى.
أكد المحامي أنه لم يوافق على إسقاط الدعوى متذرّعاً لها بأن الدائرة العدلية مغلقة لانتهاء الدوام، وحاول إقناعها بعدم العودة: «زوجك مجرم، لا تعودي إليه» قال لها، لكنّها أصرّت على أنها لا تريد أن «يتبهدل» وأنها «آخدة ولادها وراجعة». وتابع المحامي محاولاته بلغة قد تستسيغها سارة: «سأدعوه إلى فنجان قهوة وأجعله يوقّع على تعهّد بعدم إيذائك. أعدك بألاّ نتعرّض له بأي أذى»، ولكنّها لم تتجاوب وأنهت المكالمة.
تردُّد سارة وطيبة قلبها وخوفها على عائلتها، كلّها عوامل سهّلت على الزوج إقناعها بالعودة إلى البيت في ذلك اليوم، مستغلاً مناسبة عيد ميلاد ابنتهما السابع عشر، وليفرّغ في جسدها لاحقاً رصاصات على عدد سنوات عمر الابنة وفي رأسها الذي لم يعرف الراحة يوماً.
وفق روايات الأولاد والجيران والمحامي، كان الزوج يعنّف زوجته باستمرار ويمنعها من الاتصال بأهلها إلى أن بلغ به الأمر أن طردهم قبل شهر من البيت فتوجهوا إلى منزل شقيق الأم الذي أقنعها بأن ترفع دعوى ضد زوجها.
وقال المحامي إن شقيق سارة وكّله وأنه رفع دعوى تعنيف وتهويل وعنف أسري ضد علي الزين أمام محكمة الاستئناف في بعبدا. ولكن الزوج استطاع بعد محاولات حثيثة أن يقنع زوجته بأنه تغيّر وأن عليها إسقاط الدعوى والعودة إلى البيت في عيد ميلاد ابنتهما يوم الاثنين.
اشترى علي باقات من الورود وبالونات للمناسبة، وبعدما احتفلت العائلة بالعيد، عاد الاثنان إلى الشجار.
ويقول المحامي إنهما تشاجرا من الساعة الثامنة حتى الثانية صباحاً، وبعدما غفت سارة أيقظها مجدداً ليواصل الشجار معها وينهيه بقتلها برشاش كلاشنيكوف أفرغ مشطه كاملاً في جسدها النحيل وفي جدران الغرفة.
ماتت سارة، ووقف علي على باب الغرفة «يضحك» كما أكد ابنه محمد في حديث تلفزيوني، أشعل سيجارة وانتظر القوى الأمنية.
ماتت سارة وماتت قبلها نساء أخريات أصبح اللبنانيون يحفظون أسماءهن علّهن لا يتحوّلن إلى أرقام، ولكن ما نفع ذلك في ظل غياب الرادع القانوني المشدد لمرتكبي العنف الأسري وفي ظل قانون لمكافحة العنف الأسري مليء بالثغرات لا يشجّع النساء المعنّفات على اللجوء إلى القضاء لوقف العنف المُمارَس عليهنّ.
يؤكد الموسوي أن الزوج سليم عقلياً وأنه لا يوجد أي عذر مخفف له، مشيراً إلى أنه سيطلب إنزال أقصى عقوبة به قبل أن يستدرك: «أعتقد أن السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة سيكون أفضل لأنه سيذوق العذاب الذي أذاقه لسارة».



مايا عمار: غياب الرادع يفاقم العنف ضدّ النساء
تفيد المسؤولة الإعلامية في جمعية «كفى عنف واستغلال» مايا عمار بأن غالبية جرائم العنف الأسري التي تحدث للنساء في لبنان والوطن العربي، ناتجة من تزايد نسبة العنف وتراكمه، مقابل عدم وجود رادع حقيقي له يصدّه أو يقف في وجهه. فالرجل الذي يعتدي بالضرب على زوجته أو أخته أو ابنته... ولا يجد من يحاسبه أو يقف في وجهه، يستمر عادة في ممارساته العنيفة التي تزداد مع الوقت وقد تصل إلى مرحلة القتل. وتضيف: «أحياناً تكون الجريمة نوعاً من أنواع السيطرة الذكورية، إذ ليس بالضرورة أن تكون الضحية تعرضت للضرب والتعنيف بشكل دائم قبل قتلها، ولكن قد يتخذ والدها أو أخوها أو الشخص الذي يعتبر نفسه مسؤولاً عنها قراراً بقتلها لمجرد أنها خالفت إرادته».
وعن نسبة العنف الأسري في لبنان والرقم اللافت للجرائم التي حدثت خلال عام 2014، ترى عمار أن نسبة العنف لم تزدد، بل نسبة الوعي لدى الناس هي التي زادت، إذ باتوا يتحدثون عن الموضوع أكثر، ويفصحون عما يحصل معهم أو مع غيرهم. وتقول: «في الماضي لم تكن هذه القضايا تثار وكانت غالبية النساء اللواتي يقتلن، يتم التستر على جرائمهن والأسباب الحقيقية التي أدت إلى مقتلهن، فيقال مثلاً وقعت عن الدرج أو تسممت... أما اليوم، فالإعلام يسلّط الضوء على هذه الجرائم، ويتناولها بشكل أكبر. ورغم ذلك، نسمع ونعلم بالجرائم التي يذكرها الإعلام فقط، وربما توجد جرائم غيرها لم تتوضح معالمها ولم تثر في الإعلام».

الردّ على العنف
أما بالنسبة الى الاحصاءات والأرقام التقريبية لحالات العنف الأسري في لبنان، فتضيف: «العنف الذي تتعرض له النساء في أسرهن موجود، ولكن ما من احصاءات دقيقة لعدد الحالات. فليس كل النساء يفصحن أو يتحدثن عما يتعرضن له، كما أن الشكاوى التي تُقدم عبر المخافر لا توثّق. بالنسبة الينا كجمعية، أرقامنا ومعطياتنا واضحة، فقد استقبلنا منذ بداية عام 2014 وحتى نهايته تقريباً 1050 حالة عنف... كان رقماً كبيراً جداً، وزاد كثيراً عن العام الذي سبقة والذي بلغ 400 امرأة، ومن المؤكد أن الرقم الحقيقي الموجود في المجتمع أكبر بكثير». وترى عمار أن الأسباب التي تدفع المرأة إلى السكوت عن الظلم الذي يلحق بها كثيرة، أبرزها: التفكير بأولادها ومصيرهم، الخيارات الاخرى خارج البيت الزوجي، الاستقلالية المادية، عدم دعم الأهل... وغيرها من الأسباب التي تجعلها تفكر ملياً قبل الإقدام على أي خطوة للتغيير.
تلجأ النساء المعنّفات إلى جمعية «كفى» لمساعدتهن، وعادة يتم استقبالهن ودعمهن نفسياً وتمكينهن ليتحررن من العنف الممارس عليهن. ووفق عمار، عندما تلجأ السيدة إلى الجمعية يتم الاستماع الى مشكلتها، والبحث معها في الخيارات والقرارات التي تريدها، إذ توجد في الجمعية مجموعات دعم نفسي، ومرشدة اجتماعية تتابع معها الملف، بالإضافة إلى المتابعة والاستشارات القانونية التي تقدم لها مجاناً. وتقول عمار: «المهم أن تقرر المرأة ماذا تريد، لأنه لا يمكننا أخذ القرار عنها. فهي إذا قررت البقاء مع زوجها فستبقى، وفي هذه الحالة نحاول تمكينها ودعمها وتقويتها نفسياً حتى تستطيع المواجهة وتغيير موازين القوى. أما في حال اختارت ترك زوجها والمواجهة فنساعدها أيضاً، وهناك محامون يتبنون بعض الحالات ويتابعون معها، شرط ان تكون جاهزة نفسياً ومادياً لهذه الخطوة».
وعن الخطوات التي يمكن أن تتبعها المرأة التي تتعرض للضرب، تؤكد عمار: «فور تعرضها للضرب عليها الاتصال بـ 112 لحمايتها، وبعدها التوجه الينا لنعرف منها التفاصيل وننصحها بالخيارات القانونية المناسبة لحالتها. فبعد صدور قانون الحماية من العنف الأسري، بات لدى المرأة التي تتعرض للعنف خيار إضافي يمكنها الجوء اليه لحمايتها وحماية أسرتها. فهي اليوم يمكنها البقاء في منزلها وإلزام زوجها عدم التعرض لها بموجب قرار حماية من القضاء، كما يمكن إبعاده من المنزل وإلزامه دفع نفقتها ونفقة أولادها من مأكل وملبس، وإذا لم يلتزم يتم إجباره على التنفيذ من جانب الجهات الامنية. ومنذ صدور هذا القانون في شهر آذار/مارس 2014 وحتى اليوم، صدر ما يقارب 25 قرار حماية لنساء معنفات، استطعن عبره إبعاد المعنّف أو الزامه عدم التعرض للضحية».
وعادة يتم التعاون في ما بين السلطات الامنية والمحاكم القضائية لتطبيق القرار. وقد صدر قرار من مديرية قوى الامن يلزم عناصره تطبيق هذا القانون، كما تم تدريب عناصر من قوى الامن وفي مخافر عدة على كيفية التعاطي مع النساء المعنفات وحمايتهن. وتوجد مذكرة خدمة تلزم عناصرها الالتزام في تطبيق قرار الحماية، والدركي الذي يخالف هذه المذكرة يتعرض للمحاسبة.

بيوت آمنة
بالسؤال عن امكانية وجود بيوت آمنة للسيدات اللواتي يتعرضن للعنف وليس لديهن مكان يلجأن اليه، تقول عمار: «يوجد بيوت آمنة خاصة للسيدات اللواتي لا مأوى آمناً لديهن، ويتم استقبالهن فيه لحين حل مشكلتهن، وهذه البيوت تابعة لجمعيات أخرى يتم التعاون بينها وبين جمعية «كفى»».
بعد صدور قرار الحماية، بات المعنّف يخاف ويفكر بأفعاله قبل ارتكابها، كما أن النساء أصبحن يتكلمن بجرأة أكثر. لذلك، ووفق عمار، زادت نسبة النساء اللواتي لجأن إلى جمعية «كفى». وتعتبر عمار صدور قانون الحماية من العنف الاسري إنجازاً، رغم الملاحظات والثغرات الكثيرة الموجودة فيه. «نحن غير راضين عن القانون الصادر بهذا الشكل، لأن عبره ممكن أن يستعمل الرجل الاسلوب الكيدي ويدّعي على زوجته بأنها هي أيضاً تعنّفه، علماً انه لا يمكن التعامل مع الرجل والمرأة بالاسلوب نفسه والمساواة في ما بينهما بتطبيق هذا القانون. إن هذا القانون أُقر ليحمي المرأة ، وليس ليكون سلطة إضافية عليها بيد المعنّف، ومن هذا المنطلق يجب أن تكون الحماية مخصصة للنساء فقط. ولدينا ملاحظة على البند الذي يتعلق بالاغتصاب الزوجي، وأيضاً في ما يتعلق بحضانة الاولاد. اضافة الى اننا نطالب بألا يتم حصر إصدار قرار الحماية بقاضي الامور المستعجلة فقط، بل يجب أن يعطى هذا الحق للنيابات العامة ايضاً. فالنساء يستحققن أكثر بكثير من هذا القانون، لكن الآن وفي ظل جمود المجلس النيابي لا يمكننا التحرك بحرّية.

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080