مونتينيغرو بلاد أسرارها أكبر من مساحتها
مونتينيغرو، أو الجبل الأسود، تثير التسمية الاستغراب، وتظن الواحدة منا أنّه جبل قاحل، أو عبارة عن جبل صخري أسود. لكن لا، إنه بلد يضج بالأخضر، يكاد يبدو أنه عائم فوق لازوردية البحر الأدرياتيكي المتفرّع من المتوسط، لولا أنّ حدوده مزنّرة بكراوتيا والبوسنة والهرسك، وصربيا وكوسوفو وألبانيا. ما يجعله بلدًا صغيرًا رائع الجمال يُشغل المخيلة بصور دراماتيكة رومانسية، لا تبهت أينما جلت فيه.
تخيّلي شواطئ ساحرة تضاهي شواطئ جارتها كرواتيا، وقممًا دغلية شاهقة تضاهي جبال سويسرا، وأخاديد صخرية تنافس تلك التي تفاخر بها كولورادو الأميركية، وفي أحضان هذا الجمال الطبيعي تنتشر روائع ما ابتكره الإنسان من قصور أنيقة ومترفة كما قصور البندقية، ومدن قديمة قدم مدن اليونان. أضيفي إلى كل هذا مناخ البحر الأبيض المتوسط يغلف بلدًا لا تتعدّى مساحته الإثني عشر ألف كيلومتر.
هذا ما تعدك به مونتينيغرو وبلداتها الصغيرة، إجازة رائعة وسط جمال منبسط تكتشفينه من دون ملل، حيث تنتظرك كل أنواع المتع التي ترغبينها في إجازتك. تجوال بين عوالم التاريخ القديم، رياضات بحرية على اختلاف أنواعها، رياضات جبلية، مشي تسلٌق، أو بكل بساطة استلقاء على الشاطئ لتحوزي سمرة أدرياتيكية.
بودغوريتشا Podgorica عاصمة بنمط مختلف
على عكس الصورة النمطية للعواصم حيث الأبنية العملاقة محتشدة، وكأن مساحة الأرض ضاقت بها فصعدت إلى السماء، وحيث زحمة السير والحشود، فإن بودغوريتشا عاصمة مونتينيغرو، مدينة صغيرة لطيفة انبسطت فيها المساحات الخضراء من دون حدود، واحتشدت فيها غاليريات الفن والمقاهي.
تستريح المدينة عند التقاء نهرين، فقسم منها يجلس عند غربي نهر موراتشا Moraca الواسع الذي يعبر منطقة الأعمال، أما النهر الثاني فهو ربنيتشا Ribnica الذي يقسم الجزء الشرقي قسمين، فإلى الجنوب ستارا فاروس Stara Varos قلب المدينة العثمانية القديمة، وإلى الشمال نوفا فاروس Nova Varos وهي منطقة جميلة تجذب الزوار، تعود الأبنية فيها إلى أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وهي منطقة مفعمة بالحيوية تضمّ الكثير من البوتيكات والحانات في وسط ساحة ريبابليكا Trg Republika الرئيسة.
وبودغوريتشا كانت مأهولة منذ بداية حقبتي الإليرية والرومانية، فيما هندستها المدنية الراهنة تعود إلى الحقبة العثمانية، وعادت واندمجت مع الجبل الأسود عام 1878، عندما بدأت تأخذ المدينة مظهر المدن الأوروبية، لم ترأف طائرات النازية بتاريخها، ودمّرت الكثير من معالمها، غير أنّ بودغوريتشا لم تأبه وعادت وبنت تاريخًا جديدًا، يتماهى مع ما بقي من أطلال.
ففي المدينة التركية العتيقة بشوارعها الضيّقة والمتعرّجة، ومسجدها وبرج الساعة، تعيشين في عالم الإمبراطورية العثمانية الذي غاب، تتابعين مسيرك نحو سكالين Skaline أو السلالم حيث مصبّات نهر ربنيتشا Ribnica الذي يعلوه جسر تركي قديم إلى نهر موراكا Morača حيث بقايا مدينة نيمانيا.
وتتابعين جولتك في هذه المدينة الوادعة نحو ساحة ريبابليكا وسط المدينة حيث يحتشد الناس عند نهاية النهار في المقاهي التي تقدّم الأطباق الشهية بأسعار منخفضة، وما عليك سوى الدخول في هذه المتاهة المونتينغرية ومشاركة سكان العاصمة طقوسهم اليومية.
سفيتي ستيفان Sveti Stefan فردوس عائم في الأدرياتيكي
تخيّلي قرية صغيرة محصّنة بُنيت على جزيرة صغيرة، إنها سفيتي ستيفان إحدى روائع الإنسان، لتكون فردوسًا عائمًا متوّجًا بنبات الغار الزهري وشجر الصنوبر، والزيتون يبرز بين الأسطح القرميدية لبيوت مغلّفة بالحجر الوردي.
قد تبدو سفيتي ستيفان بالنسبة إليك قرية افتراضية في بطاقة بريدية، لكن لا، فهي قرية واقعية في الأدرياتيكي. إذا لم تكوني نزيلة في فندق الخمس نجوم، لا تستطيعين الولوج إليها وأنت في مونتينيغرو، لأن ملكيتها تعود إلى صاحب الفندق.
لذا يمكنك الاستمتاع بشكلها وأنت تستلقين على الشاطئ أو تبحرين إليها وتحومين حولها حاملة الكاميرا لالتقاط أجمل الصور.
كوتور Kotor أسرار المدن العتيقة لا تنتهي
تأخذك هذه المدينة الصغيرة في رحلة إلى الماضي، إلى الوقت الذي كانت فيه المدن تختبئ خلف أسوارها حيث متاهة من الشوارع الضيّقة المرصوفة بالحجارة احتشدت فيها الكنائس التي تكاد تكون عند كل مفترق طريق.
إنها جوهرة الجبل الأسود، التي خرجت من أحشائه، تنادي بصمت جميل عشاق المناظر الطبيعية الاسكندنافية ومحبي الحجارة القديمة.
فعندما تأتين من الشمال الشرقي حيث تقع كرواتيا، سوف تؤخذين بسحر ينمو أثناء عبورك طريقًا تخترقين تجاويف أزقة بحرية تحيط بها الجبال الشاهقة والمزخرفة بأطلال ماضٍ ثري متعدّد الأنماط. أما إذا أتيت من الاتجاه المعاكس لشمال كوتور الجميلة فتجدين نفسك تتدحرجين نحو خليج يتسّع تدريجًا ليفتح أخيرًا على البحر الأدرياتيكي.
لتنطلقي نحو النسائم المنعشة التي تدغدغ الموج بسخاء، فتمزج بين أخضر الجبال وزرقة السماء ودكنة عمق المياه وبياض ثنيات الموج... كل هذه الألوان تتحول زبدًا يستريح عند خليج كوتور. هنا قمة الاسترخاء المترف.
من كوتور إلى لوفسن Lovcen حيث ضريح البطل القومي
اكتشفي الجبل الأسود أثناء الصعود إلى قمة لوفسن بالسيارة، واطلقي لروحك وبصرك نشوة الاستمتاع بجمال ريف مونتينيغرو. فالدوران الحلزوني أثناء الصعود نحو القمة، يتيح لك الاستمتاع بالمشاهد الخلابة للبلاد، من خليج كوتور إلى البحر الأدرياتيكي، حتى تصلي إلى قمة لوفسن Lovcen في أعلى الجبل الأسود، حيث يستريح ضريح يحرسه ماردان عملاقان من الرخام، وفي هذا الضريح وتحت قوس من الذهب، وبين جناحي نسر عظيم يستريح جسد رجل كبير.
فهذا المكان الأسطوري، هو المثوى الأخير لبطل قومي واقعي عاش في القرن الرابع عشر، وهو فلاديكا الأمير- الأسقف بيار الثاني بيتروفيك نخغوس. صحيح أن المعلم بسيط، ولكنه مؤثر، والتماثيل الضخمة بالكاد تصرف نظر الزوار عن المشاهد الرائعة التي تحبس الأنفاس، للريف المتدحرج في مونتينيغرو التاريخية.
ريجكا كرونجيفيتشا Rijka Cronjevica
تستريح هذه القرية الصغيرة على ضفاف كرونجيفيتشا، هي مكوّنة من بيوت متواضعة من الحجر، كانت في الماضي مساكن العائلة الملكية، يمتد فوق النهر جسر من الحجر وفسحة من الرخام، حيث تنطلق القوارب وقوارب الكاياك نحو بحيرة سكادار. في هذا الجو المسالم، تنتشر مجموعة من الاستراحات التي تقدّم أطباق السمك الشهي التي تشتهر بها مونتينيغرو.
ستاري غراد Stari Grad والمدينة العتيقة بودفا Budva
عند البحر الأدرياتيكي تستريح مدينة عتيقة محصّنة، إنها بودفا الرائعة، هي أكثر هدوءًا من شقيقتها الكبرى دوبرفنيك الكرواتية، تنضح بالجو الرومانسي وفرح الحياة في البحر المتوسط.
فبعد زيارة متاهة الأزقة والشوارع المرصوفة بالحجارة، والكنائس الصغيرة والغاليريات الرائعة، وبعد تناول قطعة بيتزا وشرب القهوة في أحد مقاهي الرصيف المشرفة على البحر، تسلّقي نحو القلعة لتتأملي البحر وجمال الخالق في ما خلق. ثم عودي وانزلي نحو الشاطئ وأصغي الى تكسر موجه بسكون وهو يذوب بين حبيبات الرمل اللؤلؤية.
هذا بعض مما تحضنه مونتينيغرو، اكتشفيها أكثر واسمحي لإجازتك بأن تطول أسبوعًا أو اثنين حيث تبيتين في إحدى القرى المختبئة في ثنايا جبالها، وتذهبين كل يوم في جولة استكشافية لكل زاوية وركن من هذه البلاد الصغيرة المدمجة.
الرياضيون يجدون فيها ملاذهم وهم يجولون في طبيعتها الساحرة على الأقدام، أو ركوبًا على الدراجات الجبلية أو عبر ممارسة رياضة قوارب الكاياك. فيما عشّاق الثقافة، وهواة التاريخ سوف ينهلون من أطلالها أسرار الإمبراطوريات التي ازدهرت في هذه البلاد الصغيرة في مساحتها الرحبة في تاريخها.
مهما كانت الزاوية التي تكتشفينها، فإنك من المؤكد سوف تتمنين لو أنك تستدينين من الزمن أيامًا، لتعرفي أكثر عن هذا البلد الصغير المبهر في كل تفاصيله.
معلومات
الفيزا: شنغين. مونتينيغرو عضو في بلدان الاتحاد الأوروبي.
العملة : يورو
الحكم: جمهوري- برلماني
رمز البلد +382
اللغة: المونتينيغرية
النشاطات الترفيهية: رياضة الكاياك والرافتينغ في بحيرة سكادار، المشي الجبلي، التسلق، يوغا في الطبيعة.
نصيحة محرّرة
إذا قررت تمضية إجازة في مونتينيغرو، توقّعي أنك ستجولين معظم الوقت على قدميك، لذا فإنك في حاجة إلى حذاء رياضي، وصندل مسطح. ولا تنسي الكريم الواقي من الشمس والقبعة والنظارات الشمسية، وحقيبة الظهر كي تضعي فيها كل ما تحتاجينه أثناء التجوال من دون شعور بألم في الكتف.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024