عبد الحسين عبدالرضا: الندم موجود لكنّه لا يؤثّر فيّ
نجم النجوم ومنارة الفن الخليجي، مهندس الضحكات وزعيم الكوميديا، حاصد البسمات ورائد من رواد المسرح، وربّان الدراما الفنان الكبير عبد الحسين عبدالرضا الذي ترك في أعماله إرثاً عظيماً من الإبداع والجمال والأداء الذي لا يشبه إلا نفسه، وفي أرشيفه الرائع تكمن شخصيات خالدة في ذاكرة أهل الخليج، أبرزها شخصية حسين بن عاقول في «درب الزلق»، العمل الحي الذي يستمتع بمتابعته الجمهور جيلاً بعد جيل ولا يمل أحد في الخليج كله من مشاهدته تكراراً.
أما في الذاكرة العربية فاشتهر من أعماله المسرحية «باي باي لندن» و «باي باي يا عرب» وغيرهما... يأتي اسمه في المقدمة ويخطر فوراً على البال حين يبدأ الحديث عن الفن في الكويت وعن المسرح السياسي الذي أضحك الناس حد البكاء، وهو يُعدّ أحد أبرز كوميديّي العالم العربي.
بعد غياب إعلامي طويل خرقته تصريحات مقتضبة عن حالته الصحية وعمليات القلب الجراحية التي أُجريت له، يطلّ عملاق الكوميديا الخليجية الفنان القدير عبد الحسين عبدالرضا على جمهور الخليج العربي عبر «لها» في حديث خصّها به عن أحدث أخباره وآخر قراراته، لا سيما غيابه عن الشاشة في رمضان المقبل... حيث قرر أن يتفرّغ هذا العام للبحث عن عمل يحمل مضموناً جديداً ونصاً مختلفاً يكون قريباً منه ومن قلب جمهوره المتعطش أبداً إلى أعمال من مستوى «أبو الملايين» و «العافور» اللذين لا تزال بعض الفضائيات تعيد بثهما حتى الآن.
وعبّر أبو عدنان عن سعادته البالغة لتكريمه أخيراً وإطلاق اسمه على أحد المسارح الجديدة في الكويت. فعلى الرغم من تأخر هذه الخطوة، سعد كثيراً بها واعتبرها تكريماً لكل فناني الخليج.
وها هو حالياً يستعدّ للعودة إلى خشبة المسرح بعد توقف دام سنوات طويلة متعطشاً لرؤية جمهوره الذي يقصده من كل بقاع الخليج والوطن العربي لحضور مسرحه، لذلك هو يبحث عن نص مسرحي يحمل مضموناً اجتماعياً سياسياً كوميدياً يليق بعودته ويتماشى ولغة العصر الحالي الأكثر حداثة.
في حوارنا مع مبدع استثنائي امتدت رحلة عطائه الفني لخمسين عاماً حقق خلالها نجاحاً تلو النجاح، حدّثنا الفنان العائد عن أحلامه ومشاريعه الفنية التي لا تنضب ولا تخبو جذوتها في روحه المتجددة التواقة إلى كل جديد، ومنها خوض تجربة سينمائية، متمنياً أن تولي الدولةُ السينما العنايةَ التي تستحق وتمدها بالدعم المطلوب.
استضافنا الفنان الكبير في مكتبه، وأعطانا الكثير من وقته، متحدثاً عن مشواره الفني الطويل والغنيّ، وتوقفه القسري، وصولاً إلى عودته إلى جمهوره العريض، بما فيها من مشاريع وأحلام وقرارات، ولم يبخل علينا بالإجابة عن أسئلتنا، مضفياً على هذا الحوار الكثير من المرح والدعابة.
قلبي حديد
- بداية طمّنا عن قلبك ووضعك الصحي بالتفصيل.
(يضحك...) أنا قلبي حديد والحمد لله، ووضعي الصحي أفضل كثيراً من قبل، لأنني حريص، أتابع فحوصي واختباراتي الصحية دورياً في أحد مستشفيات لندن وملتزم بذلك، فمرض القلب أصبح مرض العصر، حاله حال الضغط والسكر، لكن الحمد لله على كل حال، وضعي في تحسن دائم. نعم تعرضت لجلطات كثيرة طوال السنوات العشر الماضية، إنما حالتي في تحسن.
- هذا العام لن تقدم عملاً جديداً، متى ستسمح حالتك الصحية بالوقوف مجدداً أمام الكاميرا؟
نعم، لن أقدم عملاً جديداً في رمضان المقبل، لكن ليست صحتي هي السبب الرئيس، بل صعوبة إيجاد نص مميز يشجعني على العمل. لذلك اعتذرت عن الظهور في رمضان المقبل، بحثاً عن نص جديد مختلف يعيدني إلى الشاشة وجمهوري العزيز.
للأسف، أغلب النصوص التي تقدم لي، أتدخل فيها وأعيد تصحيحها وهذا الأمر بات متعباً بالنسبة إلي، بالإضافة إلى أن روحي بعد التعديل الذي أقوم به تتشرب العمل ويبدو لي وكأنه مكرر.
لذلك أبحث عن كاتب محترف يقدم رؤية جديدة بأسلوب مبتكر. ونظراً إلى صعوبة التوفيق بين متابعة شجوني الصحية من فحوص دورية في لندن، وشؤوني الفنية في ما أريد وتريدون.
- أُطلق اسمك أخيراً على أحد المسارح في الكويت. بصراحة، هل تظن أنك تجد التقدير الكافي من الدولة بعد رحلة عطاء قاربت نصف قرن من الزمان؟
بالتأكيد. صحيح أن خطوة التكريم هذه بإطلاق اسمي على أحد المسارح الجديدة تأخرت كثيراً، لكن في الحقيقة أنه لم تكن لدينا مسارح حتى تحمل أسماء فنانين معروفين، أو بعض الرواد في المجال الفني، وحين التفتت الحكومة إلى هذا الأمر، بادرت في الآونة الأخيرة إلى إنشاء صالات عرض ودار للأوبرا. هناك مثل يقول: «أن تأتي متأخراً خير من ألّا تأتي أبداً».
صحيح تأخروا في التكريم، لكنني أعتبرها خطوة جيده بالنسبة إلينا، وأنتهز هذه الفرصة لأتوجه بالشكر إلى كل من اقترح اسمي ليُطلق على المسرح الجديد، وعلى رأس هؤلاء رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك، فهو متابع جيد لأعمالنا وعاصرنا منذ سنوات طويلة.
أيضاً أشكر وزير الإعلام الشيخ سلمان الحمود على ترحيبه بهذه الخطوة. هذا التكريم يعتبر تكريماً لكل الفنانين وليس لي وحدي، ونأمل في المستقبل أن يكون هناك المزيد من الصالات والمؤسسات الفنية التي تحمل أسماء رواد الفن الخليجي.
الكوميديا الأقرب
- آخر أعمالك «أبو الملايين» و «العافور» مثلاً، وجدت نجاحاً ساحقاً، لماذا برأيك؟
لأنها أكثر واقعية وأقرب إلى الناس، فأنا أقصد في أعمالي مواكبة كل ما يحدث في الواقع، وأقوم بإضافة أي حدث جديد يطرأ حولنا إلى النص، فالاشتغال على النص يكون حتى أثناء تصوير العمل، لذلك يستغرق تصوير أعمالي في الآونة الأخيرة كثيراً من الوقت والتعب.
وبالإضافة إلى زيادة جرعات الكوميديا، الناس متعطشون إلى الابتسامة من خلال الأعمال الكوميدية ذات المضمون الهادف، وهدفي بالدرجة الأولى هو إسعاد المشاهدين لأنهم بحاجة إلى الضحك في ظل المتاهات اليومية والأعباء الحياتية وسماع الأخبار السياسية المؤلمة والمغمّة، فهم في أمسّ الحاجة إلى مثل هذه الأعمال كمتنفس، لذلك تجاوبوا معها ونجحت، فضلاً عن تغييري في شكل وصورة الإخراج ومواكبة الحداثة والتكنولوجيا. وأخيراً يرجع نجاح هذين العملين الى وجود فريق عمل مميز اختير بدقة، فقد كان أعضاؤه متعاونين إلى أقصى درجة ومكمّلين بعضهم بعضاً.
- ألا ترى أن حضورك الكوميدي طاغ وبالتالي يؤثر في حضورك الدرامي؟
أنا إنسان لا يحب الغمّ. لذلك أميل إلى الأعمال الكوميدية حتى في طريقة الإلقاء، لكن هذا لا يمنع من إجادتي المشاهد التراجيدية، وتلمّس تجاوب الناس معها مباشرة على خشبة المسرح، فلي مشاهد تراجيدية كثيرة لكنني لا أحب الإكثار منها، لأن خير الأمور أوسطها، إنما تظل الكوميديا أقرب إلي من الدراما.
- ما سرّ ارتباطك الشخصي بالفنانة العراقية ميس قمر وإصرارك على وجودها في أعمالك؟
بداية، أوضح أن ليس لي سابق معرفة بميس قمر قبل مشاركتها في أعمالي، لكنني بطبعي أحب أن أطّلع على أعمال الآخرين، سواء العراقية أو المصرية أو السورية وغيرها... وكان من ضمن مشاهداتي المسلسل العراقي «أم ستوري»، حيث لفتت ميس نظري في هذا العمل لكونها كانت تجسد دور امرأة ممتلئة الجسم كبيرة في العمر، وحينما شاهدتها في عمل آخر اكتشفت أنها ليست كبيرة إنما كان أداؤها مقنعاً جداً، فهي ممثلة كوميدية قوية.
ولفتتني موافقتها على دور أكبر كثيراً من عمرها، فهذه النوعية من الفنانين تستهويني جداً، لذلك بحثت عنها، وحين تواصلت معها كانت تظن أنها كاميرا خفية، إذ لم تصدق أنني أطلب منها التعاون معي في مسلسل «أبو الملايين»، لكن بالفعل تحقق التعاون واستطاعت ميس أن تلفت نظر الجمهور الخليجي إليها لأنها صادقة، لا يهمها شكلها على الشاشة، وهي التي تخدم الدور باختيارها ملابسها وشكلها وتأثيراتها وليس العكس، وتواصل التعاون معها في مسلسل «العافور»، فهي فنانة أكاديمية وتستحق ما وصلت إليه، وأنا دائماً أقف إلى جانب هؤلاء المبدعين من الفنانين المخلصين المحبّين للفن.
لا عودة لسعاد عبدالله
- كانت سعاد عبدالله الثنائي الذي لا يتكرر معك، وفشلت غالبية الممثلات في أن يكنّ ثنائياً معك رغم محاولاتك تقديمهن، هل ستكون ميس هي الثنائي الجديد بعد نجاحكما الكبير معاً؟
لا ليس شرطاً، فإذا كان هناك دور مناسب ومرسوم لها فأهلاً بها، عدا ذلك لا أحب أن أفرض ممثلاً في دور ليس له، بالإضافة إلى أن زمن الثنائيات قد ولّى ولم تعد مطلوبة مثلما كانت، وهذه النوعية من الأعمال عمرها قصير جداً، فأغلب الأعمال الثنائية توقفت لأنها أصبحت مملّة ومكررة، هي تصلح فقط بين الاستعراضيين، لكن كدراما صعب جداً، خصوصاً لأبناء جيلي بحكم التقدم في السن، فلم أعد قادراً على الغناء والحركة كالسابق، إنما حالياً أكتفي بأدوار الأب والجد الخفيف الظل... وهذه شخصيات موجودة في الحياة فلا بد من أن أقدم أعمالاً تتماشى مع سنّي.
- هل يكرر الزمن نفسه وتعود في عمل جديد مع سعاد عبدالله أم أن الأمر صعب لظروف إنتاجية؟
أتمنى ذلك، لكن أعتقد أن الأمر صعب، وليست الظروف الإنتاجية هي السبب الوحيد، إنما جميعنا أصبحنا نجوماً كباراً ولنا أسماؤنا، وصعب إيجاد النص المميز الذي يعطي لكل منا حقه في العمل، وإذا كنا نعاني نقصاً في النصوص العادية، فما بالكم بنص يجمع أسماء كبار الفنانين، بالإضافة إلى أن كل واحد منا لديه فريقه الخاص من الفنانين الشباب الذين يحب أن يشركهم في أعماله لأنهم يستحقّون الوقوف إلى جانبهم ومساعدتهم على الظهور اللائق، وأعتقد أن هذا الشيء أهم كثيراً لأنه يثري الحركة الفنية بأجيال فنية جديدة لا بد من إفساح المجال لهم.
النص خذل حياة وسعاد
- لم تكن ناجحة عودة سعاد وحياة كثنائي في «البيت بيت أبونا»، ما السبب برأيك؟
أرى أن السبب هو النص، لأن النص المميز أصبح عملة نادرة، فكتّاب النصوص قليلون جداً، كما أن أغلب الكتّاب الشباب للأسف لم يستفيدوا من نصائحنا وهم غير مطّلعين على تجارب الغرب، كما هو الحال في الدراما المصرية، فأغلب أعمالها مقتبسة من الأدب العالمي، كما أن هناك سبباً آخر في تكرار أعمالنا، هو طبيعتنا الجغرافية التي لا تسمح لنا بتناول المزيد من الشخصيات.
فليس عندنا، على سبيل المثال، نجّار كويتي أو فلاح أو سائق تاكسي، كل هذا أثّر كثيراً في ثراء الدراما عندنا على عكس الحال في العالم العربي، فكل هذا موجود نتيجة للعمق الجغرافي.
أفرض رؤيتي
- كنت لسنوات طويلة تفرض رؤيتك وتختار فريق عملك على المخرج... هل تخليت أخيراً عن هذا الدور؟
لا لم أتراجع عن هذا الدور بحكم تجاربي وسني وخبرتي، بل زاد هذا التدخل حتى في طريقة أداء الممثل، خصوصاً إذا كان شاباً مبتدئاً ويجهل نطق اللهجة بطريقة صحيحة نظراً إلى أن معظم شبابنا يتعلمون في الخارج ويحتكّون بجنسيات أخرى مما قد يغيّر من طريقة لهجتهم بعض الشيء، وواجبي كفنان كبير أن أوجّه الشباب حتى أستطيع إقناع الجمهور بما أقدّمه، لأنّ العمل باسمي وأنا المسؤول عن أي غلطة وأنا من يحاسَب عليها، لذلك لا أعتبر هذا تسلطاً بل حرصاً على تقديم الأفضل.
- مهما بلغت نجومية الفنان، يحتاج بين حين وآخر إلى العودة بشكل مغاير وجديد ليفاجئ جمهوره، تُرى من نجح في أن يقوم بهذه المهمة كمخرج أو ككاتب؟
مع الأسف لا أحد. وأقولها بكل صراحة، في كل مرة يقدم لي نص آمل أن يقدم لي شيئاً جديداً، لكن للأسف يخيب ظني، فالشباب الحالي كسول تجاه تطوير نفسه، سواء الكتّاب أو المخرجون، فإذا نجحت تجربة أحدهم نجده يكتفي بها ويبدأ يكرّر نفسه ويعيش على نجاحاته، فتصبح الأعمال مملّة.
الشباب الحاليون لا يتنافسون بالتجديد بل بالتقليد، لذلك ترونني دائماً متواجداً في أعمالي طوال فترة التصوير، حتى إذا لم يكن عندي مشهد، أقف لأعدّل الجمل والحركة وشكل الصورة... وهكذا.
المسرح السياسي والرقابة
- صرّح سعد الفرج أخيراً بأن غياب النجوم عن المسرح السياسي لعدم دعم الدولة، هل تنتظرون أن تدعمكم الدولة في عمل ينتقد أداء حكومتها؟
لا علاقة بين دعم الدولة لنا وانتقادنا لأداء حكومتها، خصوصاً أن الحكومة تتقبل النقد من أناس تعرفهم، فنحن عوّدنا الجمهور والحكومة طريقة أعمالنا طوال 50 سنة، لذلك «أعرف لها» وتتقبل الحكومة نقدنا لبعض الأخطاء في الأوضاع الإدارية، لكن يصعب عليها أن تتقبّل ذلك من أي أحد آخر، خصوصاً الشباب، لأنهم يشاهدون أعمالنا ويقلّدونها من دون دراية فيأتي واحد لم يثبت وجوده وينتقد، أكيد ترفض هذا، فالقبول مهم للطرفين، فمن تكون أنت وما هي خبرتك السياسية حتى تنتقد؟
- لكن للأسف تجيز الرقابة أعمالاً مسرحية هابطة تحوي إيحاءات مخلّة وترفض عملاً رزيناً للنجوم؟
ليس كل ما يقدم للرقابة من نصوص يُلتزم بها وقت أدائها على المسرح، بعض الكتّاب لا يضعون في النص الذي يقدم إلى الرقابة الأشياء الجارحة النقدية ويفاجئون الجمهور بها على المسرح. الرقابة موجودة نعم، لكنها لا يمكن أن تتابع المسرحيات 24 ساعة.
أما بالنسبة إلى رفض الرقابة لبعض أعمال النجوم الكبار، فأعتقد أنه من باب خوفها على النجوم أنفسهم، خصوصاً إذا كانت كلمتهم مسموعة ولها صدقية ووزن بالنسبة إلى الجمهور، فتخشى أن يميل هذا النجم عن مساره الصحيح، لأن له جمهوراً كبيراً يمكن أن يؤثر في كثير من الناس، على عكس الفنانين الشباب لأن كلمتهم ليست مؤثرة بحكم قلّة خبرتهم، لذا على الفنان أن يكون رقيب نفسه وأن يتعامل مع الجمهور كأنه يعامل أهله في البيت، مثلما كنا نفعل في السابق، نحترم أنفسنا وأعمالنا ولا بد من أن تكون مدروسة حتى لا تُرفض.
لم نكبر على المسرح
- لماذا لا يعترف النجوم بأنهم كبروا على المسرح وآن لهم أن يتركوه للشباب الذين برعوا في تقديم مسرح تجاري مبتذل ودون المستوى؟
لا لم نكبر على المسرح، ونحن موجودون. شخصياً، أبحث حالياً عن نص مسرحي أفتتح به المسرح الذي أُطلق عليه اسمي أخيراً، فأنا أحب المسرح لكن مع الأسف المشكلة بالنسبة إلينا كانت في عدم وجود مسارح مهيأة، فكلّها صالات عرض بنيت في المناطق السكنية لاحتفالات سكان المنطقة، واستغلّتها وزارة الشؤون كمسارح لعرض مسرحياتنا، لكنها في الأساس ليست مسارح مجهزة تقنياً لعرض الأعمال المسرحية، وقد بدأنا بها مضطرين لحاجتنا إليها، ورحنا نصرف عليها ونكمل النواقص من جيوبنا الخاصة، كنا ندفع والوزارة تساعدنا بعض الشيء، واستمررنا على هذا المنوال أكثر من 40 سنة.
قدّمنا الكثير من الأعمال بإمكانات بدائية، كان أملنا كبيراً، وكنا نطمح في أن تفكر الدولة في بناء صالات مسرحية ذات شكل جيد وتقنية حديثة حتى نستطيع أن نبدع في العروض ولا نبقى على النمط السابق نفسه، لكن للأسف لم يحدث هذا، إلى أن بدأت الدولة أخيراً تبني صالات عرض جديدة، وهذا الأمر شجعني شخصياً على العودة إلى المسرح، لأن لنا جمهوراً كبيراً متعطشاً لأعمالنا ويتمنى أن يأتي ويحضر ويشجّع، وهو من جميع دول الخليج.
لذلك بات أملنا كبيراً، مع وجود الصالات المتطورة، في أن تقدم شيئاً يتماشى مع الحداثة المعاصرة، ونية العودة إلى المسرح موجودة إنما البحث جارٍ عن نص مميز، لأن النصوص التي قدمت لي حتى الآن مكررة. أتمنى أن تكون عودتي من خلال عمل سياسي اجتماعي كوميدي لا يجرح ولا يؤذي، ويكون مقبولاً بحيث لا رقابة تعارض ولا حكومة تتذمّر.
بعد هذا المشوار
- كيف تنظر إلى مشوارك الفني بعد هذه التجربة الثرية والعميقة؟
كل مشوار في الحياة له مصاعب ومتاعب، لكن الإنسان هو من يختار طريقه. المجال الفني متعب، لذلك من لا يحبه لا يستطيع الاستمرار فيه، وعلى الرغم من تعبي ما زلت أعشقه، الفنّ يسري في دمي.
- لو لم تكن فناناً فماذا تكون؟
قبطاناً بحرياً.. فأنا عاشق للبحر بحكم تربيتي، ووالدي كان بحاراً.
معالج نصوص
- لو عاد بك الزمن إلى الوراء فما الذي تتركه وتتخلّى عنه وما الذي تبقي عليه وتتمسك به؟
لا أستطيع الرد على هذا السؤال، إذ يستحيل على المرء أن يختار أو يرسم قدره، أنا راض بكل شيء، سواء النجاح أو الإخفاق، الندم موجود لكنه لا يؤثر فيّ، لأنني مؤمن بأن ليس هناك إنسان كامل، وطالما نحن على قيد الحياة فلا بد من حدوث أخطاء، هذه طبيعة البشر، فالحياة أحياناً تفرض علينا أشياء لم نكن نتوقعها، لذلك لا ألوم نفسي نهائياً، وإذا نظرت إلى الوراء فلن أستطيع التقدم إلى الأمام، وهذا مبدئي في الحياة.
بدأت بالفن لأملأ وقت فراغي حينما كنت أشتغل في المطابع الأميرية، ولم أكن أعلم حينها أنني سأصبح من أهم فناني الخليج، حتى اكتشفني الراحل زكي طليمات ولمس فيّ موهبة التمثيل التي صقلتها تجربتي في المسرح المدرسي والحركة الكشفية، إذ كان هذا النشاط مهماً جداً ومفيداً، ومن حسن حظي أنني تتلمذت على يد عميد المسرح العربي زكي طليمات، الذي علّمني وقفة المسرح وطريقة الأداء، فاستفدت كثيراً وتدرجتُ في العمل.
وكنت راضياً بمكافأة قيمتها 20 ديناراً في المسرح و5 دنانير في التلفزيون ودينار واحد في الإذاعة لأنني أحببت مهنتي وأخلصت لها، فكان النجاح حليفي.
- كيف تنظر إلى النص وأنت تقرأ الآن؟ رؤيتك الآن تختلف عما كانت عليه أيام الشباب...
اختلفت كثيراً، أصبحت أكثر دقّة وتخوفاً، فأي نص يقدّم لي، سواء مسرحي أو درامي، إذا وصلتُ إلى الصفحة العاشرة ولم ألمس من خلاله شيئاً مهماً أرمه مباشرة، فلا بد من أن تجذبني أحداثه لأن كل كلمة محسوبة عليّ.
تغيرت نظرتي عن زمان، أصبحت أتعب كثيراً عن السابق لأنني صرت أدقق وأصحّح وأعدّل في النص، والأمر بات مرهقاً جداً بالنسبة إليّ.
- أخيراً ما الذي بقي في خاطرك ولم تحققه حتى الآن، سواء أكان دوراً أم شخصية أم مشروعاً فنياً؟
يضحك ويقول: «ما خليت شيء في بالي ما عملته»، وبالرغم من ذلك أحلم بعمل فيلم سينمائي، لكن للأسف، هنا ينظرون إلى السينما على أنها تجارة، ربح وخسارة فقط لا غير، فلا بد من إنتاج أفلام، وعلى شركة السينما أن تفسح المجال وأن تشارك الفنانين وتدعمهم، وواجب الدولة والجهات الثقافية أن تولي هذا الجانب الاهتمام الكافي. لا تنقصنا الإمكانات، لكن لا بد من تكاتف الجهود لتطوير هذا الجانب.
نحن فنانون كبار ومطلوبون في أعمال سينمائية، فأين هي هذه الأعمال؟ إنما عشمنا في الحكومة ووزارة الإعلام تجاه دعم السينما كبير، مثل المسرح والتلفزيون.
يجب عليهم دعم صناعة السينما في الكويت كي تستمر، فنحن في الخليج أولى الناس باقتحام هذا المجال وقادرون على إثبات وجودنا في السينما من خلال تجاربنا السابقة في المسرح والدراما والإذاعة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024