زها حديد تعاونت مع بولغاري BVLGARI للإحتفال بالتصميم الأيقوني SERPENTI: نجحت لكن المعركة كانت طويلة
أخيراً تسنّت لنا مقابلتها، نفخر بها، نتابعها، نتأمّل أعمالها، تصاميمها التي أصبحت بيوتاً وقطعاً، مكاتب ومشاريع ناجحة، حجارة تحضن أرواحاً، أمكنة لهذه الأرواح. المهندسة البريطانية العراقية، خريجة الجامعة الأميركية في بيروت وThe Architecture Association School of Architecture في لندن، والمرأة الأولى التي تنال جائزة بريتزكر Pritzker العريقة في الهندسة المعمارية وتهوى الفن وتقدّر الإبداع، تعاونت أخيراً مع دار الجواهر الإيطالية بولغاري.
قرّرت «بولغاري» Bulgari الاحتفال بتصميمها الأيقونيّ Serpenti من خلال إنشاء تنصيبي معبّر من تصميم زها حديد. وكانت المهندسة قد قامت بتصميم النصب، الذي يبلغ طوله 20 متراً وارتفاعه ثلاثة أمتار، خصيصاً لجناح «بولغاري» Bulgari في معرض الفنّ في أبو ظبي لعام 2011. عرض هذا النصب في حديقة فندق «بولغاري» Bulgari Hotel في ميلانو. وينقل فكرة الالتواء والتغيّر المستمرّ من خلال الحركة الإيقاعيّة لأشكال تذكّر بحراشف الأفعى. ويشكّل مزيج الأشكال السائلة والهندسيّة، النموذجي في أسلوب حديد تناغماً مطلقاً مع أسلوب بولغاري لصناعة المجوهرات وبحثها عن التوازن المثالي بين الأحجام الصارمة والأشكال المستديرة.
كما تتشارك حديد و«بولغاري» Bulgari في الرغبة الآسرة لتخطّي الحدود – سواء الجغرافية أو التصوّريّة أو الأسلوبية – من خلال التعبير عن اللمسة الشخصيّة الواضحة. يبرز هذا الدافع لدى حديد من خلال سيرتها: فهي وُلدت في بغداد عام 1950 واختارت أن تواصل تعليمها في لندن، هذه المدينة التي تبنّتها وأوصلتها إلى الشهرة العالميّة. وتُشكّل تصاميمها محاولة مقصودة لتجسيد فوضى العصر الحديث عبر مواءمة الأشكال مع مفهومٍ ديناميكيّ ومرن حول الفضاء.
- أعدت تصميم Bulgari Serpenti بطريقة مبتكرة خلال أسبوع ميلانو للتصميم. ما الذي ترغب زها حديد في إضافته إلى عالم المجوهرات الفخمة من خلال تعاونها مع بولغاري؟
يوجد دوماً منطق ضمني في كل واحد من تصاميمنا ويتوجب علينا دفعه إلى أعلى المعايير. فإذا جرى تصميم القطعة وصناعتها بجودة عالية، سيعتبرها البعض فخمة. والفخامة هنا تكمن في التصميم والمواد والبراعة اليدوية. لا نخجل أبداً في تطوير مثل هذه المعايير العالية التي تصل إلى حدود الفخامة. لكن ليس هذا هدفنا من دون أي ريب. فنحن نريد شيئاً يتطور في عملية تصميم القطعة وتصنيعها.
- ما الذي يلهم تصاميمك الهندسية؟ وما الذي ألهمك لإعادة ابتكار Bulgari Serpenti ؟
تأتي أفكار تصاميم الهندسة المعمارية من الملاحظة: ملاحظة الموقع، والأشخاص وثقافة المدينة. يتمحور كل تصميم حول كيفية استخدام الأشخاص للمساحة. كما استلهمت أفكاري من العلم والطبيعة. ننظر غالباً إلى الطبيعة حين نعمل لابتكار بيئات جديدة- بطريقة متناغمة مع جمالها.
نبحث دوماً في الأفكار الموجودة والتقاليد المعتمدة- وفي هذه الحالة تحديداً الإرث الجريء والمميز لدى Bulgari ، ثم نعيد ابتكار هذ الأفكار بطريقة جديدة. نظرنا إلى كل تصاميم Serpenti لتكون مرجعاً بالنسبة إلينا، أو نقطة انطلاق في تصاميمنا. لكن هدف التصميم تمثل في إعادة ابتكار المفاهيم والبراعة اليدوية في مجموعة Serpenti ، وليس نسخها.
- الهندسة المعمارية ضخمة وعامة جداً، فيما المجوهرات صغيرة وأحياناً خاصة جداً. كيف توفقين بين هذين النوعين من التعبير الفني؟
لطالما ارتبطت الهندسة المعمارية بتصميم المنتج- سواء كان ذلك المنتج من المجوهرات أو الأزياء أو المفروشات أو أي شيء آخر. والواقع أن بعض المشاريع الأولى في المكتب كانت تصاميم لمنتجات وديكور داخلي، علماً أن مشاريع المفروشات شكلت جزءاً من عملنا منذ اليوم الأول. ثمة رابط قوي بين الاثنين، وهذه نوعاً ما طريقة لتكملة التجربة التي نحاول نحن كمهندسين معماريين تنفيذها للمستخدم. سواء كان ذلك بمقاسات ضخمة مثل الأبنية، أو بمقاسات صغيرة مثل المجوهرات، فإن المهندسين المعماريين يصممون للمستخدم النهائي. وهناك العديد من الأفكار والمبادئ المستخدمة في الهندسة المعمارية يمكن تطبيقها في تصميم المنتجات.
- ينسبك الناس إلى رموز الهندسة المعمارية المتخطية للعصرية. كيف كررت هذه التجربة في تعاونك مع Bulgari ؟
حين كنت طالبة في الهندسة المعمارية في لندن خلال سبعينيات القرن العشرين، ذهلت بأعمال كازيمير ماليفيتش لأنها استخدمت التعبير التجريدي لاستكشاف مفاهيم جديدة في الهندسة المعمارية والتنظيم المدني. ساد حينها انحطاط اقتصادي كبير في الغرب خلال حقبة السبعينيات، وأعتقد أن هذا الأمر شجّع طموحاً مماثلاً لطموح ماليفيتش في الفترة الإصلاحية في روسيا الثائرة- بمعنى أننا فكرنا في ضخ أفكار جديدة يمكن أن تجدد التفكير السائد أو تعيد إحياءه.
شعرت أني مقيدة بالنظام التقليدي للهندسة المعمارية المتوافر ورحت أبحث عن وسائل جديدة للتمثيل. اعتمدت لوحة فنية بمثابة أداة تصميم وأتاحت لي دراسة أعمال ماليفيتش تطوير التعبير التجريدي كوسيلة لاستكشاف المساحة واختراعها. وفي لوحات ماليفيتش، تحولت الأشكال الهندسية إلى قوى وطاقات. بحثت في هذه المفاهيم نفسها للانفجار والانعطاف والانحناء لابتكار دفق مكاني متناسق ضمن الهندسة المعمارية. هكذا، جاءت أفكار الخفة والبنية الطافية- كما في تصاميمي للمركز الأولمبي للألعاب المائية في لندن 2012 أو المركز الثفافي باكو- نتيجة هذه الأبحاث.
عملنا في ميلانو تطور على شكل تجربة هندسية تستكشف مفهوم الحركة؛ سلسلة متواصلة من العناصر تحدد كلاً منحني الأضلاع، ممتداً إلى المستقبل مع الحفاظ على الإرث الجلي لمجموعة Serpenti من Bulgari.
- حاولت التقاط علامات الزمن في تصاميمك الهندسية. هل يعتبر فعل الشيء نفسه أمراً مهماً في المجوهرات الراقية؟
نعم من دون شك. فتصاميم المجوهرات تعكس مزاج اليوم واللحظة. تماماً مثل الموسيقى، والأدب، والفن والأزياء، تجسد المجوهرات حماس أية فترة.
في العام 2004
أصبحت أول امرأة تفوز بجائزة Pritzker للهندسة المعمارية. ماذا عنى ذلك بالنسبة إليك كامرأة، وتحديداً، كمهندسة معمارية بريطانية مولودة في العراق؟
الفوز بجائزة Pritzker كان بمثابة الاعتراف الكامل بما بدأ قبل 25 عاماً على شكل مشاريع لهندسة معمارية مستقبلية ممكنة. حققت بعض النجاح- وأنا ممتنة جداً- لكن المعركة كانت طويلة جداً. فالهندسة المعمارية مهنة صعبة جداً. وأي مهندس معماري تتحدثين إليه، سواء كان رجلاً أم امرأة، يقول لك إنها مهنة صعبة جداً. لذا، أعتقد أن الأهم هو الإلتزام والمثابرة، وامتلاك إيمان قوي بالذات. وإذا كنت امرأة، فإنك تحتاجين إلى الثقة في قدرتك على المتابعة والقيام بخطوات جديدة كل مرة. لا يمكنك دوماً إنجاز كل شيء بطريقة صحيحة، وإنما عليك الاستمرار في المحاولة.
لا شك في أن الهندسة المعمارية ليست عملاً إفرادياً. أتعاون مع الكثير من الأشخاص الرائعين في المكتب، ونحن نعمل معاً منذ أعوام عدة. يسود المكتب جو رائع مليء بالطاقة المذهلة، وقد ساهم العديد من الأشخاص في المكتب في إنجاز العمل. العمل ضمن فريق متكامل أمر مهم جداً. الهندسة المعمارية لا تقوم على المنافسة، بل تقوم على التعاون وكيفية اندماج مختلف الطرق والوسائل مع بعضها للوصول إلى نتيجة واحدة.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024