تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

أزواج يوصلون زوجاتهم إلى حالة الوسوسة

الدكتورة بيان الواعظ

الدكتورة بيان الواعظ

الدكتور محمد عبد القادر

الدكتور محمد عبد القادر

خادمات هاربات وسيدات متذمرات من زوج وضع نصب عينه التدقيق بكل كبيرة وصغيرة، والتدخل في الأمور المنزلية، فالوسادات غير مرتبة بطريقته المفضلة، أو هناك بعض الغبار فوق رف المطبخ، أو حتى لماذا تضعين هذه المكونات في عشاء اليوم؟ وليس ذلك فحسب، فحتى الملابس والماكياج تصبح أيضا ضمن تخصصه ومجاله. والنتيجة أن المرأة تجد نفسها في حالة تأهب وترقب لسماع كلمات النقد السلبي والتدخل الفضولي وتنهك نفسها في سبيل تلبية طلبات الزوج التي لا تنتهي... تجارب لسيدات يخضن يوميا معترك تلك التدخلات مع ذلك الزوج الفضولي في هذا التحقيق...

«تلبي طلباته لتجنب تعليقاته»
رغم عمله المنهك وفترات دوامه الطويلة يجد الوقت لمراقبة كل ما يجري في البيت، فخضراء عبد الله (41 عاماً) التي تعمل معلّمة تعتقد أن طلبات زوجها تعجيزية، فبعد عودتها من عملها تسارع إلى إعداد الطعام، وتحاول أن تلبي طلباته لتجنب تعليقاته، فمرة يتهمها بإهمال نظافة الأطفال، وتارة أخرى يجعل من بقعة على الأرض موضوع حديث ساخن لكونها مهملة في الأمور المنزلية، وحتى بعد محاولاتها الجاهدة لترتيب المنزل والاهتمام بالأطفال، يبحث عن أي شيء ليتدخل بسلبية متناسيا كل الجهد الذي تبذله في سبيل إرضائه، مما جعلها لا تعطي ما يقوله أي اهتمام أو اعتبار.

دارين: تعليقاته تشجعني لأكون أفضل
أما دارين علوي (25 عاماً) المتزوجة حديثاً، فترى أن تعليقات زوجها في ما يتعلق بأمور المنزل والترتيب والنظافة ليست بالمزعجة على الإطلاق، بل على العكس تماماً ترى أنها تحفزها لفعل الأفضل وتطوير مهاراتها في مجال إعداد الطعام والأمور المنزلية، وتعتقد أن أسلوبه العفوي اللطيف في النقد والتعليق يضيف إلى حياتها متعة وتجديداً، ويبعد عن حياتهما الملل والرتابة.

«مهووس بالاهتمام بمظهري»
 هيفاء صبحي (28 عاماً) التي لم يمر على زواجها عام، تعاني من مشكلة تدقيق زوجها في مظهرها، فعمله في مجال التجميل يجعل منه مهتماً كثيراً بمظهرها، فيعلق دومًا على ظهور بعض  البثور أو الشعر في وجهها، وأحياناً يرتب لها زيارات لمركز التجميل لتمليس شعرها، أو طلاء أظافرها، فلا بد أن تظهر دوما بمظهر متألق ومرتب. وترى هيفاء أن تدخله المستمر في طريقة ماكياجها ولباسها يعيق حريتها في أن تكون على طبيعتها، فاهتمامه المفرط سبب لها الوسوسة.

«تطفل زوجي سلبني الاستمتاع بأمومتي»
لا تسلك مواضيع الإنجاب والحمل من تدخل بعض الرجال، فنسرين محمد (25 عاماً) التي أنجبت حديثا مولودتها الأولى، تعاني من تدخل زوجها المستمر. فمنذ بداية حملها إلى وقت الوضع وهو يعطيها بعض النصائح والانتقادات لنظامها الغذائي، ويشدد على وجوب انتظامها في التمارين الرياضية. وحتى بعد إنجابها لا يزال  يلاحقها بتعليقاته حول بالطريقة المثلى لإرضاع الطفلة، وطريقة غسلها وتنظيفها، مما يجعل من تجربة أمومتها منهكة، إذ تجد نفسها ضائعة ومشتتة أمام الكم الهائل من النصائح والتعليقات.

«زوجي المتقاعد يمارس علينا دور المدير»
أم عبد الرحمن  ترى أن تقاعد زوجها جعل منه رجلاً متطلباً ودقيقاً في كل الأمور، فلا يعجبه اختصار بعض الأصناف على مائدة الطعام، ولا يتوانى عن تقديم بعض المواعظ في حالة زيادة بعض الطعام، مما يجعل من مسألة إرضائه صعبة المنال. ولكن ترى أم عبد الرحمن أنها لا بد أن تتحمل تعليقاته وتتجاهل انتقاداته، لتفادي خوض عراك يومياً.

واجهت كارثة هروب خادمتها في رمضان بسبب زوجها
وفي خوف شديد من تكرار الحادثة، تروي ثرية محمود  قصة هروب خادمتها في شهر رمضان الماضي، وتلقي اللوم في هذا على زوجها الذي أنهك الخادمة بكثرة طلباته وتعليقاته، فتقول ثرية: «في كل سنة يأخذ زوجي إجازته من العمل في شهر رمضان المبارك، وهذا ما يجعله متفرغاً تماماً لكل صغيرة وكبيرة في البيت، فيتنقل ما بين المطبخ وغرفة المعيشة وغرفة الأولاد، ولا يمل من إعطاء التعليقات والانتقادات السلبية، إضافة إلى تدخله المستمر في عمل الخادمة، مما جعلها تهرب من المنزل في أول أيام شهر رمضان، بعد خوضها نقاشاً حاد اًمع زوجي الذي كان يتهمها بالتقصير، وهذا جعلني في حالة فوضى عارمة لعدم وجود من يساعدني في أمور البيت وإعداد ولائم رمضان. وأحاول جاهدة هذا العام إقناع زوجي بأن لا يأخذ إجازته السنوية في شهر رمضان!».

يختلق الحجج لمنعها من الخروج
عرقلة خروجها من البيت هو ما تعاني منه أم فيصل التي تبلغ من العمر 52 عاماً، فبعد تقاعدها هي وزوجها، أصبح كثير التطلب والتعلق بها، فلا يسمح لها بزيارة بناتها، أو حتى الذهاب عند الجارة لبضع ساعات، رغم محاولتها جاهدة لتلبية كل طلباته، وهو يجد يومياًحجة لمنعها من الخروج، إضافة إلى تذمره المستمر من زيارة الناس لها. فهي تعاني من انطوائه المتزايد على نفسه وانعكاس ذلك عليها بمنعها هي أيضاً من مزاوله حياتها الاجتماعية بالخروج أو السفر.

تتمنى أن يكون لديها زوج متطلب وفضولي
في وجهة نظر معاكسة تتمنى خلود هيثم (36 عاماً) أن يهتم زوجها بأي أمر يتعلق بالبيت والأولاد، فهو يدخل مثل الضيف يتناول الطعام ويشاهد التلفزيون وينام  دون أعطاء اهتمام لأي شيء. ورغم من محاولتها لشد انتباهه من خلال تغيير ديكور المنزل أو حتى ترك المنزل غير مرتب إلا أنه دائم الصمت، فليس هناك ما يثير انتباهه أو يدفعه إلى الكلام لا بإيجابية ولا بسلبية، وكأنه غير موجود.

يجب السيطرة على تصوير البعض للمرأة على أنها شيطان
في توضيح لأهم أسباب التطفل والسيطرة من بعض الرجال يرى الدكتور محمد عبد القادر المدير التنفيذي لجمعية وئام للرعاية الأسرية في المنطقة الشرقية، أن ضعف التربية والوازع الديني والتأثر ببعض الرفاق وبالإعلام الذي يصور المرأة على أنها شيطان يجب السيطرة عليه، يسببان هذه المشكلة ويقويان لدى بعض الرجال حس التنمر وفرد النفوذ، بحيث يتناسون تماما ًالكثير من قصص الصحابة، وأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام التي يضرب بها أمثلة الأخلاق الحميدة في فن التعامل مع السيدة والأم والزوجة. وهذه التدخلات والتعليقات مهما صغرت تؤدي  إلى نزاعات واضطرابات في العلاقة الزوجية، وشرخ في حياة الأبناء وتكوينهم النفسي لفقدانهم لجو الاستقرار والأمان الأسري. كما تعد صورة الرجل المتطلب سلبية سينعكس أثرها على الفتيات في البيت اللواتي قد يعزفن عن الزواج لهذه الأسباب.
ويقترح عبد القادر بعض الحلول التي ستساعد الزوجة على تخطي تدخل الزوج المستمر في شؤون المنزل، وعلى رأسها محاولة فهم مشاعر هذا الزوج ومتطلباته، والإصغاء إليه والاهتمام بما يفضله ويحبه، وابتكار طرق جديدة لكسر روتين الحياة. كما أنه يجب على الزوج أيضا أن يساعد الزوجة باحترامها وتقدير مجهودها، واعتماد اللطف في طريقة التعامل معها.

الكلام المعسول سيجعله يعيد النظر في تصرفاته
تؤكد استشارية الطب النفسي وعلاج الإدمان ورئيسة القسم النسائي في مستشفى الأمل الدكتورة فاطمة كعكي، أن مشكلة تطفل بعض الرجال بما يتعلق بالأمور المنزلية تعود إلى الفراغ وقلة الانشغال في أغلب الأحيان، وهذا ما يثير حالة توتر لدى الزوجة والأولاد وحتى الخادمة في البيت. وهنا لا بد أن تكون المرأة ذكية وتحاول ألا تخسر وقتها وأيامها بالصراعات والمنازعات التي لا تنتهي، وتتبع أسلوب التحايل والكلام المعسول لكسب رضا هذا الزوج ولتفادي المشاكل. كما يمكنها محاولة شغل وقته بأمور أخرى، مثل التداول عن طريق الانترنت أو تعليمه تكنولوجيا حديثة ليستفيد من وقته. ففي النهاية ستستطيع هذه المرأة و بأسلوبها اللطيف جعل هذا الرجل يعي مدى إزعاجه لها مما سيشعره بالخجل من نفسه ليعيد النظر في تصرفاته.

مشاعر النقص لدى كبارالسن تجعلهم فضوليين
تشير الدكتورة بيان الواعظ استشارية طب العائلة في عيادات المرجع الطبي بجدة، إلى كون الشعور بالنقص وفقدان الاهتمام والإحساس بالذات من المشاعر التي تتولد عند الرجال والمسنين أو السيدات المسنّات، وبالذات بعد تركهم للعمل أو تقاعدهم، فبعد حياة كانت مليئة بالعمل والكد، يدخل هؤلاء إلى عالم يفتقدون فيه أولادهم، والصحة الجيدة، والشباب، والجمال الخارجي، والدخل المادي، وفي بعض الأحيان فقدان عزيز لهم، مما يجعلهم يمرون في مرحلة أخرى مختلفة تماما ًعن السابق.  وترى الواعظ أن أهم ما تحتاجه هذه الفئة هو الشعور بالحب والاحترام والتقدير والشكر على مجهودهم وعطائهم الفعال طوال فترة شبابهم، فلا بد لزوجاتهم وأولادهم وأحفادهم تعزيز ثقتهم بأنفسهم واحترام آرائهم وقراراتهم، فكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “ليس منا لم يحترم كبيرنا ويعطف على صغيرنا». وتضيف: «أعتقد أن مشكله تطفل بعض الرجال وبالذات المتقاعدين منهم تعود إلى تقليل المجتمع من قيمتهم واحترامهم، مما يجعلهم يحاولون فرض سيطرتهم على محيطهم في العائلة بطريقة مزعجة، ليثبتوا لأنفسهم ولمن حولهم أنهم لا يزالون فعالين ويتمتعون بالقوة وبالسيطرة».

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079