علماء الدين اختلفوا حوله: زواج الجنسية!
الزواج من أجل الحصول على الجنسية أصبح هدف كثيرين، ليس من الشبان فقط، لكن بعض الفتيات أيضاً قد يتزوجن للهدف نفسه، فماذا يقول علماء الدين عن هذا النوع من الزواج؟ وهل هو صحيح أم يحمل شبهة حتى لو اكتمل شكلاً؟
في البداية، تؤكد الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، أن الزواج من أجل الحصول على الجنسية – سواء من جانب الرجل أو المرأة – يُعد نوعاً حديثاً من عقود الزواج، قائماً على قضاء المصالح فقط، وقد يكون أحياناً من دون لقاء بين الزوجين، فلا يجمع الزوجين فيه بيت واحد ولا تحدث بينهما أي علاقة، وقد تنشأ أحياناً علاقات موقتة، لكن من دون مسؤولية من الرجل عن زوجته، حيث يعيش كل منهما حياة مستقلة بعيداً من أي التزامات تجاه الطرف الآخر.
وأشارت الدكتورة عبلة، إلى أن هذا النوع من الزواج ليس الغرض منه أن يكون زواجاً مستقراً، ولهذا نجد له العديد من الصور، كأن يتفق رجل مهاجر وامرأة تحمل جنسية الدولة التي هاجر إليها على عقد زواج مقابل مبلغ من المال يدفعه لها، ليس كمهر لكن للحصول على الجنسية، وقد يكون هذا المبلغ نقداً أو بالتقسيط على سنوات، في مقابل أن تذهب معه إلى مصلحة شرطة الأجانب مثلاً عند تجديد إقامته سنوياً، إلى أن يحصل على الإقامة والجنسية الرسمية، وبعدها يُفسخ العقد، وهذا الاتفاق لا يصرح به عند الجهة العاقدة لأن القانون لا يسمح بذلك.
وتوضح: «في الزواج من أجل الجنسية قد لا يعيش الرجل مع المرأة التي عقد عليها أمام السلطات، ولا يخالطها ولا تخالطه، بل يتفقان على أن تذهب معه أو يذهب معها عند تجديد الإقامة كل سنة ليؤكدا للسلطات أنهما مرتبطان كزوجين ويتم أخذ المبلغ المتفق عليه، ويذهب كل منهما بعد ذلك إلى حال سبيله، ويظلان خلال هذه المدة زوجين من الناحية القانونية، ومثل هذه العقود تتم في البلدية كسائر العقود المدنية، وقد يكون عقداً شرعيّاً بشروطه الشرعية المعتبرة، لكن الجانبين لا يصرحان بذلك الاتفاق في صلب العقد، ويبقى اتفاقاً بينهما بحضور بعض أفراد العائلتين، أي عائلتي الزوج والزوجة».
وتنهي الدكتورة عبلة كلامها مؤكدة أن من صور الزواج من أجل الجنسية أن يتزوج الرجل المرأة بصداق، لكنه مضمرٌ في نفسه – وقد يصرح لأصدقائه وأقاربه - أن غرضه ليس الزواج، وإنما الحصول على الإقامة أو الجنسية، وحينما يحصل عليها سيطلّق زوجته هذه، لكنه لا يستطيع أن يصرح بهذا أمام المرأة خوفاً من أن تطرده قبل الحصول على الإقامة أو الجنسية، وقد اختلف الفقهاء المعاصرون حول هذا الزواج بصوره المختلفة ما بين محلِّل ومحرِّم.
إساءة الى الإسلام
يشير الدكتور محمد البشاري، الأمين العام للمجلس الإسلامي الأوروبي، الى أن هذا الزواج منتشر جداً في الغرب، وحدث بسببه جدل فقهي، ولهذا ناقشه المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، وأصدر فتوى بأنه إذا كان عقد الزواج صورياً وعلى الورق فقط من أجل الجنسية أو الإقامة فيُعتبر حراماً، ويقع إثم على الزوجين لمنافاة هذا العقد مقصد الشريعة في الزواج، إذ هو عقد صوري مقصود به أمر آخر غير الزواج، ولهذا فهو حتى لو استوفى شروط العقد فإنه لا يحل لهذا المعنى. وأوضح الدكتور البشاري، أن مخالفة الزواج الصوري من أجل الجنسية ليست دينية فقط، بل قانونية في بعض الدول الأوروبية، حتى أن قوانين بعض البلاد لا تسمح به، وهنا يتأكد توافق المنع بين القانون والشريعة مؤكداً أن إجراء الزواج بقصد المصلحة فقط يشوّه صورة المسلمين في الغرب، ويعرّض الإسلام كدين للقيل والقال.
غش وموقت
يرى الدكتور حامد أبو طالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن إقدام الرجل على الزواج من أجل الحصول على الإقامة أو الجنسية - حتى وإن كانت صورته صحيحة من حيث الشروط والأركان - يجعله آثماً بغشه المرأة إذا لم يكن قد أوضح لها نيته من البداية، ذلك لإضماره نية الطلاق من حين الشروع بالعقد، والزواج في الإسلام يعني الديمومة والبقاء واستقرار الحياة الزوجية، في حين يعد أمر الطلاق طارئاً بعد العقد، ولهذا السبب حُرّم الزواج الموقت واعتُبر فاسداً. وأضاف الدكتور أبو طالب: «يعتبر الزوج غشاشاً، وقد نهى الإسلام عن الخداع والغش، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «من غشنا فليس منا»، وليس المقصود هنا النهي عن غش المسلمين فقط وإباحة الغش مع غيرهم – كما قد يفهم البعض - وإنما الغش حرام بكل صوره ومع كل البشر بصرف النظر عن دينهم». وأنهى الدكتور أبو طالب كلامه: «في حالة معرفة المرأة بهدف الزواج وقبولها به من أجل المال، فإن هذا الاتفاق يجعله عقداً غير شرعي، لأن الأهداف منه تتنافى مع الشرع، سواء في كونه زواج صفقة أو مصلحة أو كون نهايته معروفة مسبقاً بالطلاق، ولذا فهو زواج موقت مثل زواج المتعة».
قضية خلافية
يشير الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر السابق، إلى أن هذه قضية خلافية بين الفقهاء، حتى وإن كان أغلبهم يشكك فيها أو يحرّمها، إلا أن هناك من الفقهاء من اجتهد بغير ذلك، حيث أكدوا أن بطلان هذا العقد ليس صحيحاً، لأن الزواج في الإسلام ليس مقصوداً منه الديمومة أو البقاء فقط، وإنما قد تكون له مقاصد أخرى مختلفة ذكرها النبي (صلّى الله عليه وسلّم) في قوله: «تنكح المرأة لأربع خصال: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»، وبالتالي لا عبرة ببطلان الزواج إذا حدث الطلاق بعد ذلك عند تحقق المقصود منه، طالما أن الزواج وقع بشروطه فهو زواج صحيح، حتى ولو نوى الاستمتاع بها من عدمه، فهذا وجه من اجتهادات العلماء سواء رضينا به أو رفضناه.
ويؤكد الدكتور واصل، أن هذا الزواج مشكوك في صحته من الناحية الشرعية، إذا طبّقنا القاعدة الفقهية: «العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني»، ومن المتفق عليه أن الزواج عقد من العقود، وبالتالي إذا عرضنا مقاصد الشريعة من الزواج ودورها في تحليل هذا الزواج أو تحريمه، لوجدناه أقرب الى الحرام منه إلى الحلال، لأن أغراضه ليست نبيلة أو سامية، وإنما هو مجرد صفقة دنيوية لا علاقة لها بالدين إطلاقاً، فهو عقد تجاري يريد أن يتخذ من الدين ستاراً إذا تم وفقاً لأحكام الشرع أصلاً، ولكنه يكون محرّماً تماماً إذا تم الاكتفاء بالزواج المدني في المصالح الحكومية في الدولة التي تقيم فيها المرأة.
المخادع خاسر
توضح الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، أن هناك بعض الاجتهادات الفقهية في هذه القضية الخلافية، حيث يرى فريق من العلماء أنه يجب الالتزام في العقود بظاهر الألفاظ والشروط، لقول النبي (صلّى الله عليه وسلم): «المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحلَّ حراماً أو حرَّم حلالاً»، وحتى إن كان ظاهر اللفظ من الحديث «المسلمون»، إلا أنه من الأحاديث التي يجوز فيها التعميم، بأن يكون المسلم مع غير المسلمة مثلاً في الزواج عند شروطهما، ويجب عليه الوفاء بها، ومن هذه الجهة يكون هذا النوع من الزواج له قابلية شرعية طالما كان مكتمل الشروط والأركان، من الإيجاب والقبول والمهر والشهود والإعلان أو الإشهار وعدم وجود موانع شرعية تحرّم عقد الزواج، كأن تكون المرأة متزوجة بآخر أو فترة العدّة وخلاف ذلك من الموانع الشرعية. وأوضحت الدكتورة مهجة، أن هذا الفريق من العلماء يؤكد أن كل زواج انعقد سالماً مما يفسده ولم يشترط فيه التحليل والطلاق، فهو نكاح صحيح تام لا يُفسخ، سواء اشترط الزوجان شروطاً في العقد أو لم يشترطا. وتوضح أن الفريق الآخر من العلماء يرون أنه يجب ربط الحلال والحرام في هذا الزواج بالنيات والبواعث والمقاصد منه، وهذه أمور لا يعلمها إلا الله. ولهذا يقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل أمرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه». واستشهدت الدكتورة مهجة، ببطلان هذا الزواج الذي يعد الغرض منه غير نبيل من المنظور الشرعي والأخلاقي، بقول النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»، ولهذا نحذر الرجال من الانجراف وراء مصالح الدنيا بارتكاب ما حرّم الله، لأن مصيره سيكون الخزي والخسران، ليس في الآخرة فقط بل وفي الدنيا أيضاً، لقول النبي (صلّى الله عليه وسلم): «من كانت الدنيا همّه، فرّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له، ومن كانت الآخرة نيّته، جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة».
قائم على الكذب
يؤكد الدكتور محمد نبيل غنايم، رئيس قسم الشريعة الإسلامية في كلية دار العلوم، أن إقدام الرجل على هذا النوع من الزواج من أجل الحصول على الجنسية ثم تطليق الزوجة، سواء بالاتفاق معها أو الغدر بها بالطلاق بعد حصوله على الجنسية، يعد عملاً غير أخلاقي يتنافى مع الإسلام، لقول النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه»، وفي رواية أخرى: «المسلم من سلم الناس من لسانه ويده». وأضاف: «إن العبرة في العقود - ومنها عقد الزواج- يجب أن ترتبط بالمقاصد والأهداف، لا بمجرد الألفاظ التي قد تكون غير صادقة، وقد أمرنا الله بأن نكون مع الصادقين، فقال سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين» (آية 119) سورة «التوبة»، كما قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً». وأنهى الدكتور غنايم كلامه، مؤكداً أن الأصل في الإسلام عامة وفي أمور الزواج خاصة، الصدق والوضوح والشفافية وإبطال الحيل وتحريم الوصول إلى أشياء محرمة، حتى وإن كانت الذرائع إليها مشروعة أو بوسائل ظاهرها الصحة، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «الحيل يستحلّها من لم يفقه حكمة الشارع، وهو أبعد الناس عن فهم مقصود الشارع ومعرفة العلل، وعن الفقه في الدين». ولهذا فإننا لو قلنا إن العقود تصح بشروطها وظواهرها من دون النظر إلى معانيها ومقاصدها، التي تنهى عن أمور تنزهت عنها الشريعة، التي قبل أن تكون ألفاظاً وعبارات فيها الكثير من المقاصد والمعاني الشريفة والنبيلة في العقود، ولا شك في أن إهدارها يفتح الباب أمام ارتكاب الحرام ويفسد الحياة الاجتماعية والأخلاقية ويفرغ الأحكام الشرعية من مضمونها.
هناك فرق
ويؤكد الدكتور محمود مزروعة، العميد السابق لكلية أصول الدين في المنوفية، أن هناك فرقاً بين زواج الجنسية المحرّم ونوع آخر من الزواج جائز، هو الذي يقوم به الدارسون في بلاد غربية مثلاً، ويخشون الفتنة، فيصح لهم أن يتزوجوا وفي نيتهم أن يطلقوا إذا فارقوا البلاد التي يدرسون فيها، وهو يختلف أيضاً عن زواج المتعة، الذي إذا تم فيه الأجل حصل الفراق شاء الزوج أم أبى. ويمكن في زواج الغرباء للدراسة، أن يرغب الرجل في الزوجة وتبقى معه، لكن من الأفضل في كل الأحوال البعد عن أي غش للزوجة وأهلها، وأن ينوي الزوج الاستمرار والبقاء معها، وليس لفترة انتهاء الدراسة.
واختتم الدكتور مزروعة كلامه، مؤكداً أن الزواج الشرعي لا بد من أن يتم في النور وبصدق وشفافية، بعيداً عن الغش والخداع، أو أن تكون المصلحة فقط هي مقصده وهدفه الأول والأخير.
ليس شرعياً
أما الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية، فتستشهد في رفضها لهذا النوع من الزواج، بما قاله حجة الإسلام الإمام الغزالي في كتابه «إحياء علوم الدين»، عن حكم الزواج ومقاصده وفوائده: «فيه فوائد خمس: الولد، وكسر الشهوة، وتدبير المنزل، وكثرة العشيرة، ومجاهدة النفس بالقيام بهن»، فهل هذه الفوائد موجودة في زواج من أجل الجنسية؟
وأضافت: «هذه المقاصد مستخرجة من التأمل في النصوص الشرعية التي تحدثت عن الزواج، مثل قول الله تعالى: «وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ» (آية 72) سورة «النحل»، وقول الله تعالى أيضاً: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (آية 21) سورة «الروم».
وتساءلت الدكتورة آمنة: «أين هذا الشباب المخادع، الذي يتخذ من الزواج الصوري أو القائم على المصلحة فقط، من النصيحة النبوية الخالدة التي قال فيها (صلّى الله عليه وسلّم): «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»، ومعنى «وجاء» أي وقاية.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024